جدول زمني للهجمات الأميركية قبالة سواحل أميركا الجنوبية
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
في أقل من شهرين، صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير الحرب بيت هيغسيث بأن الجيش الأميركي قتل ما لا يقل عن 37 شخصا في 9 غارات جوية استهدفت سفنا لتهريب مخدرات في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادي.
واعتبر ترامب الهجمات "تصعيدا ضروريا" لوقف تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، مؤكدا أن الولايات المتحدة منخرطة في "صراع مسلح" مع عصابات المخدرات مستندا إلى السلطة القانونية ذاتها التي استخدمتها إدارة بوش عندما أعلنت الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ومع تزايد عدد الغارات الجوية، تصاعد الجدل في الكونغرس حول حدود سلطة الرئيس، ووقعت الهجمات دون أي تحقيق قانوني أو إعلان حرب تقليدي من الكونغرس، وأثار بعض المشرعين تساؤلات حول عدم وجود أدلة دامغة تبرر عمليات القتل.
في غضون ذلك، أثار حشد بحري غير عادي قبالة سواحل أميركا الجنوبية مخاوف من غزو فنزويلا وتكهنات بأن ترامب قد يحاول الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، الذي يواجه اتهامات بالإرهاب المرتبط بالمخدرات في الولايات المتحدة.
وفيما يلي جدول زمني للإجراءات العسكرية الأميركية ومخاوف بعض المشرعين منذ مطلع العام الجاري 2025:
20 يناير/كانون الثانيوقع ترامب أمرا تنفيذيًا في أول يوم له في البيت الأبيض، يمهد الطريق لتصنيف المنظمات الإجرامية وعصابات المخدرات "منظمات إرهابية أجنبية". ومن بين هذه المنظمات عصابة "ترين دي أراغوا"، وهي عصابة شوارع فنزويلية.
نفت أجهزة الاستخبارات الأميركية ادعاء ترامب الرئيسي بأن إدارة مادورو تتعاون مع "ترين دي أراغوا" وتدير تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية إلى الولايات المتحدة.
20 فبراير/شباطصنفت إدارة ترامب رسميا 8 منظمات إجرامية من أميركا اللاتينية منظمات إرهابية أجنبية. وعادةً ما يُطلق هذا الوصف على جماعات، مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، تستخدم العنف لأغراض سياسية، وليس على عصابات إجرامية ربحية.
19 أغسطس/آبأكد مسؤولون أميركيون أن الجيش نشر 3 مدمرات صواريخ موجهة من طراز "إيجيس" في المياه قبالة سواحل فنزويلا، في إطار جهود ترامب لمكافحة تهديدات عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية.
إعلانازداد حجم القوة البحرية في منطقة البحر الكاريبي خلال أسابيع لتشمل 3 سفن هجومية برمائية وسفينتين أخريين تابعتين للبحرية الأميركية، أي ما يقارب 6 آلاف بحار ومشاة بحرية.
وتحمل سفن الهجوم البرمائية على متنها مجموعة متنوعة من الطائرات، وقد نشرت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" في بورتوريكو في سبتمبر/أيلول الماضي.
كما تعمل غواصة تابعة للبحرية قبالة سواحل أميركا الجنوبية، وهي قادرة على حمل وإطلاق صواريخ كروز.
2 سبتمبر/أيلولنفذت الولايات المتحدة أول ضربة جوية لها على ما وصفها ترامب بأنها سفينة لنقل المخدرات غادرت فنزويلا، وكانت تُشغلها شركة "ترين دي أراغوا".
يقول ترامب إن 11 شخصا قُتلوا، ونشر مقطع فيديو قصير لسفينة صغيرة تبدو وكأنها تنفجر مشتعلة. لكن الفيديو لا يُظهر أي مخابئ كبيرة أو واضحة للمخدرات داخل القارب.
10 سبتمبر/أيلولفي رسالة إلى البيت الأبيض، قال السيناتور الديمقراطي تيم كين من ولاية فرجينيا، وعشرات من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الآخرين، إن إدارة ترامب لم تُقدم "أي مبرر قانوني مشروع" للضربة.
وقال السيناتور جاك ريد من ولاية رود آيلاند، وهو أكبر عضو ديمقراطي في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، في خطاب ألقاه في ذلك الأسبوع إن الجيش الأميركي "ليس مخولا بملاحقة المجرمين المشتبه فيهم وقتلهم دون محاكمة".
11 سبتمبر/أيلولفي فنزويلا، اتهم وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو الحكومة الأميركية بالقتل، متسائلا عن كيفية ارتباط الأشخاص الذين كانوا على متن السفينة المستهدفة بالعصابة.
وسأل كابيلو "كيف تعرّفوا عليهم كأعضاء في ترين دي أراغوا؟ هل كانت بحوزتهم شريحة؟ هل كان لديهم رمز استجابة سريعة قرأه الجيش الأميركي من الأعلى في الظلام؟.. لا أعلم"، مضيفا "لقد اعترفوا علنا بقتل 11 شخصا".
15 سبتمبر/أيلولشن الجيش الأميركي غارته الثانية على قارب يُزعم أنه يُهرب المخدرات، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص.
وعندما سُئل ترامب عن الدليل الذي تملكه الولايات المتحدة على أن السفينة كانت تحمل مخدرات، قال للصحفيين "لدينا دليل. كل ما عليكم فعله هو النظر إلى الشحنة التي تناثرت في جميع أنحاء المحيط، أكياس كبيرة من الكوكايين والفنتانيل في كل مكان".
19 سبتمبر/أيلولأعلن ترامب أن الجيش الأميركي نفذ غارته الثالثة القاتلة على سفينة يُزعم أنها تُهرّب المخدرات، مضيفا أن الهجوم أسفر عن مقتل 3 أشخاص، وأن المعلومات الاستخباراتية أكدت أن السفينة كانت تُهرّب المخدرات غير المشروعة.
ويواصل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ وجماعات حقوق الإنسان التشكيك في قانونية الضربات، واصفين إياها بتجاوز محتمل للسلطة التنفيذية.
2 أكتوبر/تشرين الأولأعلن ترامب أن عصابات المخدرات "مقاتلون غير شرعيين"، وقال إن الولايات المتحدة الآن في "صراع مسلح" معهم، وفقًا لمذكرة صادرة عن إدارة ترامب حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس.
يبدو أن المذكرة تمثل تأكيدًا استثنائيا على صلاحيات الحرب الرئاسية، حيث أعلن ترامب فعليًا أن تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة يرقى إلى مستوى الصراع المسلح الذي يتطلب استخدام القوة العسكرية.
وتعرضت المذكرة لانتقادات من بعض المشرعين، بمن فيهم السيناتور الجمهوري راند بول من كنتاكي. وقال إن الكونغرس وحده يملك سلطة إعلان الحرب، ووصف المذكرة بأنها "وسيلة للتظاهر" بأن الإدارة تُبلغ المشرعين بتبرير الضربات.
3 أكتوبر/تشرين الأولأعلن هيغسيث أنه أمر بشن ضربة رابعة على قارب صغير يتهمه بنقل المخدرات في المياه قبالة سواحل فنزويلا، مضيفا أن الضربة أسفرت عن مقتل 4 رجال، لكنه لم يقدم أي تفاصيل عن هوياتهم أو الجماعة التي ينتمون إليها.
إعلانكما أعلن ترامب في منشوره على مواقع التواصل الاجتماعي أن القارب كان "محملا بكمية من المخدرات تكفي لقتل ما بين 25 و50 ألف شخص"، وألمح إلى أنه كان يدخل الأراضي الأميركية قبالة سواحل فنزويلا.
8 أكتوبر/تشرين الأولصوت الجمهوريون في مجلس الشيوخ على رفض تشريع كان سيُلزم الرئيس بطلب إذن من الكونغرس قبل شن المزيد من الضربات العسكرية على الكارتلات.
جاءت أغلب الأصوات على أسس حزبية، 48 صوتا مقابل 51، حيث صوت جمهوريان، وهما بول والسيناتور ليزا موركوفسكي من ألاسكا، لصالحه، في حين صوت السيناتور الديمقراطي جون فيترمان من بنسلفانيا ضده.
14 أكتوبر/تشرين الأولأعلن ترامب عن الضربة الخامسة على قارب صغير متهم بنقل المخدرات، قائلا إنها أسفرت عن مقتل 6 أشخاص، ومشيرا إلى أن "معلومات استخباراتية أكدت أن القارب مرتبط بشبكات مخدرات إرهابية"، وأنه كان على طريق معروف لتهريب المخدرات.
15 أكتوبر/تشرين الأولأكد ترامب أنه سمح لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بإجراء عمليات سرية داخل فنزويلا، وقال إنه يدرس تنفيذ عمليات برية في البلاد.
وأضاف الرئيس أن إدارته "تدرس العمليات البرية في إطار دراستها لشن المزيد من الضربات في المنطقة". لكنه رفض الإفصاح عما إذا كانت وكالة المخابرات المركزية تملك صلاحية اتخاذ إجراءات ضد مادورو.
16 أكتوبر/تشرين الأولصرح أميرال البحرية الأميركية ألفين هولسي الذي يشرف على العمليات العسكرية في المنطقة، بأنه سيتقاعد في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وتولى هولسي منصبه في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي فقط، حيث أشرف على منطقة تشمل البحر الكاريبي والمياه قبالة سواحل أميركا الجنوبية. وعمر هذه المناصب ما بين 3 و4 سنوات.
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال النائب آدم سميث، وهو ديمقراطي بارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، في بيان حول رحيل هولسي الوشيك "لم يسبق لي خلال أكثر من 20 عاما في اللجنة أن رأيت قائدا مقاتلا يغادر منصبه في وقت مبكر كهذا وفي خضم هذه الاضطرابات".
وأضاف "لم أر قط هذا النقص الصارخ في الشفافية من قِبل إدارة ووزارة الخارجية لإبلاغ الكونغرس بشكلٍ جاد بشأن استخدام القوة العسكرية المميتة".
16 أكتوبر/تشرين الأول
صرح ترامب بأن الولايات المتحدة ضربت سفينة سادسة يُشتبه في أنها تحمل مخدرات في البحر الكاريبي، مما أسفر عن مقتل شخصين ونجاة اثنين كانا على متنها.
ولاحقا أضاف ترامب أنه سيتم إرسال الناجين إلى الإكوادور وكولومبيا، بلديهما الأصليين، "للاحتجاز والملاحقة القضائية". وتجنبت عملية الإعادة إلى الوطن التساؤلات حول وضعهما القانوني في نظام العدالة الأميركي.
17 أكتوبر/تشرين الأولهاجم الجيش الأميركي سفينة سابعة، قال هيغسيث إنها كانت تحمل كميات كبيرة من المخدرات ومرتبطة بجماعة كولومبية متمردة هي "جيش التحرير الوطني الكولومبي"، مضيفا أن الغارة "قتلت جميع الإرهابيين الثلاثة الذين كانوا على متنها".
وعندما أعلن هيغسيث عن الغارة يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يقدم أي دليل على ادعاءاته لكنه نشر مقطع فيديو قصيرا لقارب تلتهمه النيران.
21 أكتوبر/تشرين الأولانتقد فريقٌ من الخبراء المستقلين، بتكليفٍ من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، "الإجراءات والتهديدات السرية" التي تستخدمها الولايات المتحدة ضد فنزويلا، قائلين إن هذه الهجمات تُشن دون أساس قانوني سليم.
وقال الخبراء في بيانٍ لهم "إن هذه الإجراءات تنتهك الالتزامات الدولية الأساسية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التهديد باستخدام القوة المسلحة ضد دولة أخرى". وأضافوا "هذه التحركات تُمثل تصعيدا خطيرا للغاية له تداعيات وخيمة على السلام والأمن في منطقة البحر الكاريبي". وأفاد البيان بأن الخبراء نقلوا مخاوفهم إلى المسؤولين الأميركيين.
21 أكتوبر/تشرين الأولأفاد هيغسيث بأن الجيش الأميركي شن غارته الثامنة على سفينة يُزعم أنها تحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل شخصين في شرق المحيط الهادي.
إعلانويُمثل الهجوم، الذي أُعلن عنه على وسائل التواصل الاجتماعي في اليوم التالي، توسعا في منطقة استهداف الجيش وانتقالا إلى المياه قبالة أميركا الجنوبية، حيث يُهرَب جزء كبير من الكوكايين من أكبر منتجي العالم.
22 أكتوبر/تشرين الأولأعلن هيغسيث عن الضربة التاسعة في شرق المحيط الهادي، قائلا إن 3 رجال قُتلوا فيها. وأظهر مقطع فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي قاربا يتحرك، ثم انفجار وتصاعد ألسنة اللهب والدخان منه، ثم ينتقل المقطع إلى ما يبدو أنها عدة طرود عائمة على الماء.
انتقادات حقوقيةانتقد فريقٌ من الخبراء المستقلين، بتكليفٍ من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، "الإجراءات والتهديدات السرية" التي تستخدمها الولايات المتحدة ضد فنزويلا، قائلين إن هذه الهجمات تُشن دون أساس قانوني سليم.
وقال الخبراء في بيانٍ لهم "إن هذه الإجراءات تنتهك الالتزامات الدولية الأساسية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التهديد باستخدام القوة المسلحة ضد دولة أخرى".
كما اعتبروا أن "هذه التحركات تُمثل تصعيدا خطيرا للغاية له تداعيات وخيمة على السلام والأمن في منطقة البحر الكاريبي".
وأفاد البيان بأن الخبراء نقلوا مخاوفهم إلى المسؤولين الأميركيين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الولایات المتحدة عصابات المخدرات الجیش الأمیرکی البحر الکاریبی أسفر عن مقتل مجلس الشیوخ مخدرات فی فی منطقة ترامب أن أن الجیش أنها ت کانت ت إن هذه
إقرأ أيضاً:
هل الولايات المتحدة في طريقها إلى ثورة؟
أثار مقتل تشارلي كيرك الشهر الماضي مخاوف من كون الولايات المتحدة في طريقها إلى حرب أهلية ثانية شاملة أو إلى ثورة. ووفقا لاستطلاع مؤسسة يوجوف في مطلع العام الحالي؛ «يعتقد أغلب الأمريكيين باحتمال أن تشهد الولايات المتحدة حربًا أهلية خلال العقد القادم» بينما توقع مئات عدة من أساتذة العلوم السياسية والمؤرخين في استطلاع تم في أبريل 2025 انزلاق الولايات المتحدة نحو الاستبداد مع ولاية ترامب الثانية. وفي ظل قيام ترامب بنشر قوات الجيش والحرس الوطني في الداخل، وتعهده بقمع «العدو الداخلي»، ووصف مستشاره المحلي ستيفن ملر للحزب الديمقراطي بـ«المؤسسة المتطرفة الداخلية»؛ يسهل أن نرى تهيئة المسرح لاستيلاء استبدادي على السلطة. والثورات لا تأتي من عدم، غير أن الكيفية والميعاد غالبا ما يأتيان فجأة.
انفجار العنف السياسي
حتى قبل مقتل تشارلي كيرك كان عدد الاغتيالات يتصاعد بحسب قاعدة بيانات العنف السياسي الأمريكية (USPVDB) للأكاديمي بيتر تورتيشز؛ فقد شهدت السنوات الخمس بين 2020 و2024 سبعة اغتيالات، وذلك أعلى من الذروة السابقة خلال ستينيات القرن الماضي رغم أنها أقل بالنصف من اغتيالات الستينيات.
سجلت التهديدات بالعنف الموجهة للمشرعين رقما مرتفعا في العام الماضي؛ فمنذ انتخابات 2020 أصبح مسؤولو الانتخابات المحليون أهدافا لتهديدات العنف والتحرش، وكذلك القضاة الفيدراليون والمدعون العموميون وغيرهم من موظفي المحاكم. واعتبارا من أبريل وقع أكثر من 170 حادثة تهديد وتحرش استهدفت مسؤولين محليين في قرابة أربعين ولاية هذا العام وفقا لبيانات مجموعة مبادرة «تجسير الفجوات» في جامعة برينستن.
وقد حققت شرطة الكابيتول في أكثر من تسعة آلاف تهديد لأعضاء الكونجرس في عام 2024 في ارتفاع كبير عن السنوات السابقة. وقد أفادت وزارة الأمن الوطني بصعود التهديدات والتحرش ضد العاملين في الانتخابات خلال دورة 2024 الانتخابية. وفي ظل مخاوف من تزايد العنف السياسي أعلن قادة مجلس النواب بعد مقتل كيرك أن أعضاء الكونجرس سوف يحصلون على «عشرة آلاف دولار شهريا لتغطية تكاليف أمنهم الشخصي»، وهو ضعف الرقم المخصص حاليا. كما طلب البيت الأبيض حديثا «زيادة 58 مليون دولار في تمويل الأمن للفرعين التنفيذي والقضائي».
العنف اليميني أكثر انتشارا
يتبين من البحوث الحكومية والأكاديمية على السواء أن أغلبية العنف المتطرف منذ عام 1994 مرتبط بمتطرفين يمينيين. فقد أشار مركز التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير في تقريره لعام 2024 إلى أن «جميع الاغتيالات المرتبطة بالتطرف في عام 2024 ارتكبها متطرفون يمينيون من شتى الأنواع». وفي السنوات الأخيرة انخفض العنف الإسلامي على المستوى المحلي، غير أنه وفقا لبرنامج الحرب والتهديدات غير النظامية والإرهاب التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية [CSIS]؛ فإن النصف الأول من عام 2025 «اتسم بزيادة في الهجمات والمؤامرات الإرهابية السارية. ورغم أن العنف اليساري تاريخيا أقل دموية من العنف اليميني فإن أعمال القتل اليسارية الأخيرة ـ من قبيل اغتيال لويجي مانجيوني لبرايان طومسون الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد هيلث كيرفي مدينة نيويورك في ديسمبر 2024، وإطلاق النار المميت على المتظاهر اليميني آرون دانييلسون في بورتلاند بولاية أوريجون في أغسطس 2020، وربما جريمة قتل كيرك نفسه ـ قد تكون بادرة صراع عريض متنام. في المقابل؛ ارتبط كثير من الهجمات المتطرفة اليسارية في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي بحركات أناركية أو بيئية.
وكان أغلب المهاجمين من اليسار أو اليمين «ذئابًا منفردة». وليست الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يعاني من صعود مثل هذه الهجمات؛ فبحسب معهد الاقتصاد والسلام «انخفضت في الغرب الحوادث الإرهابية انخفاضا كبيرا منذ ذروتها في عام 2017، غير أن عدد الهجمات تزايد بما بين 20 و52 في عام 2024 عند مقارنته بالعام السابق. وقد بلغت الهجمات في الغرب ذروتها في عام 2017 بتسجيل 176 هجمة».
هذه «الذئاب المنفردة» تطرفت ذاتيا عبر الإنترنت لا عبر الانضمام إلى جماعة. وبحسب ما قالت راشيل كلاينفيلد من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي؛ فإن «أفكار تفوق العرق الأبيض، وأسلوب الميليشيات، ونظريات المؤامرة تنتشر عبر مواقع الألعاب وقنوات يوتيوب والمدونات؛ إذ تقوم لغة ملتوية من الميمات والعامية والنكات بطمس الخط الفاصل بين اتخاذ الموقف وإثارة العنف، وتطبيع الأيديولوجيات والأنشطة المتطرفة». وقد تبين لتحليل أجرته جامعة شيكاغو على المشاركين في تمرد عام 2021 في مبنى الكابيتول الأمريكي أن هؤلاء المتمردين يميلون إلى أن يكونوا أكبر سنا من متطرفي الستينيات، وأنهم في الغالب يشغلون وظائف ويعرِّفون أنفسهم بوصفهم مسيحيين.
المثير للقلق أيضا في العنف الأخير هو تنامي قبول المجتمع له؛ فقد أصبح لويجي مانجيوني المتهم بقتل برايان طومسون الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد هيلث كير «بطلا شعبيا يساريا» بحسب ما قال بروس هوفمان من جامعة جورج تاون؛ إذ تعرض الآن مسرحية «لويجي» الموسيقية، وترفرف أعلام التنظيمات الإرهابية في المظاهرات والاحتجاجات. وقد شجع ترامب «المشاركين في مسيراته على «أن يبرحوا المتظاهرين ضربا»، وأشاد بعضو في البرلمان اعتدى بالضرب على صحفي، ودافع وعفا عن مثيري شغب السادس من يناير 2021 الذين طالبوا بـ«شنق مايك بينس».
الخسارة
تعتقد كلاينفيلد أن المتطرفين اليمينيين متحدون على إيمان بأنهم ـ بوصفهم ذكورا بيضا مسيحيين ـ يخسرون «قوتهم الثقافية ومكانتهم» لصالح جماعات أخرى منها النساء، والأقليات العرقية، والمجتمعات السوداء. وثمة دليل قوي لتأكيد آرائهم؛ إذ أظهر تعداد 2020 أن الولايات المتحدة تشهد تنوعا سكانيا أسرع من المتوقع. ففي عام 1980 كان السكان البيض يشكلون قرابة 80% من الشعب، والسكان السود 11.5% واللاتينيون أو الهسبانيون 6.5%، والأمريكيون الآسيويون 1.8%.
وبحلول عام 2019 تسارع انخفاض نسبة البيض؛ ففقدوا أكثر من عشرين نقطة مئوية عن مستواها قبل عشرين عاما. في المقابل ازدادت نسب السكان ذوي الأصول اللاتينية أو الهسبانية والآسيوية إلى 18.5% ونحو 6% على الترتيب بينما ظلت نسبة السود مستقرة. والأهم من ذلك أن أكثر من 50% من الشباب الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاما باتوا يعرفون أنفسهم بوصفهم أقلية عرقية أو إثنية.
ومن أهم التغيرات الفعلية التي تحول أمريكا من بلد ذي أغلبية بيضاء إلى بلد ذي أغلبية أقلوية أن هناك نزوعا إلى المغالاة في تقدير نسبة السكان السود أو المنتمين إلى جماعة أقلية عرقية. وقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف أمريكا على مستوى البلد عام 2022 أن المشاركين البالغين يعتقدون أن 41% من الأمريكيين سود في حين أن النسبة تقترب من 12%. وخلصت نتائج دراسة أكاديمية سيكولوجية عام 2016 حول المواقف العامة في البلاد الغربية إلى أن «التنوع المتزايد في البلد قد يؤدي في الواقع إلى مزيد من العداء بين الجماعات».
يمثل الخوف من الخسارة الاقتصادية أيضا جزءا من تلك العداوة، ومرة أخرى لا تفتقر تلك المخاوف إلى أسس؛ فالتفاوت يتنامى في الولايات المتحدة بمعدل أسرع منه في بلاد أخرى. وثمة فجوة ضخمة في الثروة بين البيض والأقليات العرقية والإثنية (باستثناء الآسيويين) رغم بعض المكاسب للأقليات. ولقد أظهر راج تشيتي من جامعة هارفرد أن الأطفال المولودين لأسر بيضاء منخفضة الدخل لا يتخلفون فقط عن أندادهم البيض ذوي الدخل الأعلى، لكن عن أندادهم السود أيضا. وعدد المتزوجين أقل، والمتخرجين في الجامعات أقل، والمسجونين أكبر، ومتوسط العمر المتوقع لدى الكثيرين أقل منه لدى الأثرياء أو الأفضل تعليما.
غالبا ما ينظر البيض المحرومون إلى العالم في ضوء أنه لعبة لا يفوز فيها غير واحد، فيلومون نجاح المجتمعات الأخرى على شقائهم. وبحسب دراسة لجامعة شيكاغو عن متمردي الكابيتول سنة 2021؛ فإن «الاعتقاد بأن السود والهسبان يتفوقون على البيض يزيد من احتمالات الانخراط في حركة التمرد إلى ثلاثة أمثالها». وهذا أحد أسباب شعبية حملة ترامب الصليبية على ما يعرف بالـ DEI (أي: التنوع والمساواة والاحتواء) وسط قاعدته.
عوامل دورية
لقد درس المؤرخون الكميون (الإحصائيون) العلاقة بين عوامل من قبيل الديموغرافيا والتفاوت وبين الانهيار الاجتماعي. ويضع بيتر تورتشين ـ ولعله أشهر أولئك المؤرخين ـ أهمية كبيرة لما يصفه بإفراط الإنتاج النخبوي في تفكك المجتمعات المتقدمة. وفيما يكافح المزيد والمزيد من الناس من أجل تحسين وضعهم؛ فإنهم يجدون فرصا أقل في القمة؛ فقد حالت الامتيازات الأرستقراطية في فرنسا القديمة دون صعود البرجوازية بينما أدى إفقار النبلاء في روسيا ما قبل الثورة إلى تطرف شخصيات مثل فلاديمير لينين.
في الولايات المتحدة اليوم تبدو هذه الانقسامات الطبقية نفسها فاعلة. وقد بينت دراسة أكاديمية حديثة أن «أبناء عائلات الـ1% العليا لديهم فرص تزيد على الضعف» في الالتحاق بجامعات النخبة مقارنة بأبناء عائلات الطبقة الوسطى من ذوي الدرجات المتقاربة في اختباري SAT/ACT. ووفقا للباحث الفرنسي جابرييل زوكمان؛ فإن «متوسط ثروة الـ 0.0001% العليا من سكان العالم ارتفع بنسبة 7.1% سنويا في الفترة من 1987 إلى 2024 مقارنة بـ3.2% للبالغ العادي».
تبين لزوكمان أيضا أن أغنى أربعمائة أمريكي يدفعون معدل ضريبة فعليا يبلغ إجمالا 23.8% من دخلهم، وهو مماثل لمعدل ما تدفعه الطبقة الوسطى. وقد كافح أبناء الطبقة المتوسطة المولودون عام 1984 لتحقيق حياة أفضل من آبائهم، ولم ينجح سوى 50% منهم، مقارنة بنسبة 90% من المولودين عام 1940.
شهدت أمريكا ذلك من قبل؛ فخلال العصر الذهبي (1876-1900) كان كبار الصناعيين -أو «بارونات السطو»- يتباهون بثرواتهم التي جنوها من احتكار الفتوح التكنولوجية الحديثة - من قبيل السكك الحديدية والصلب والنفط - بما وسّع الفجوة مع الطبقة المتوسطة والفقراء. كحالنا اليوم؛ كان الحزبان الكبيران منقسمين بالتساوي بحيث يستحيل إحداث إصلاحات. وبلغت الهجرة ذروتها، وكذلك العنف والتمييز ضد الوافدين الجدد.
ظهر حزب شعبوي وسط المزارعين والعمال. وتنامى العنف السياسي أيضا، وكتب المؤرخ بيفرلي جيج أن «الجماعات الراديكالية والثورية اليسارية ـ من الأناركيين والنقابيين والجماعات العمالية وأعضاء الاتحادات المتشددين ـ ظهرت بوتيرة ملحوظة». وبلغ هذا الاضطراب ذروته في اغتيال الرئيس وليم ماكينلي على يد ليون تشولجوش الذي كان يعد نفسه أناركيا.
لماذا لم يؤد هذا الاندلاع للعنف إلى ثورة واسعة النطاق؟ يرجع معظم المؤرخين الفضل إلى العصر التقدمي وإصلاحاته العديدة في وقف الانجراف نحو الثورة. جعل ثيودور روزفلت -الذي تولى الرئاسة بعد ماكينلي- الإصلاح محور إدارته. وشهد العصر التقدمي تحسنا في أوضاع العمل وحقوق العمال، وزيادة في تنظيم كبرى الشركات، وسن قوانين لحماية المستهلك، وحفاظا على الموارد الطبيعية. وبحلول عام 1920 كانت النساء قد ظفرت بحق التصويت.
ما من نمط واضح لبدء الثورات
كان إحراق بائع فاكهة نفسه في تونس شرارة أطلقت انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بنظام بن علي ومبارك في تونس ومصر. غير أنه خلال العقد المنصرم منذ ذلك الحين لا يزال الشرق الأوسط يبدو شديد البعد عن الديمقراطية. والثورات لا تقتضي تمردات حاشدة؛ فألمانيا وإيطاليا انزلقتا إلى الفاشية والدكتاتورية عبر تلاعب انتخابي وترهيب سياسي. وانهيار الاتحاد السوفييتي كان سلميا إلى حد كبير، وتسبب فيه اقتصاد راكد، وفشل إصلاحات جورباتشوف، وتفكك الجمهوريات السوفييتية.
والانقلابات هي أرجح سبل بداية الثورات العنيفة. وتتضمن الأمثلة استيلاء البلاشفة على السلطة في أكتوبر 1917 وحرب فرانكو ضد جمهورية أسبانيا الثانية في عام 1936. ويعد النزاع على الانتخابات أحيانا مقدمة لانقلاب، كما حدث في ميانمار عندما استولى الجيش على السلطة بعد خسارته انتخابات عام 2020. ويعتمد نجاح الانقلاب أو فشله على «وجود تعبئة شعبية سلمية». ووفقا لصندوق النقد الدولي حدث تراجع عام في الانقلابات. ومع ذلك فإن كثيرا من العوامل الكامنة التي لا تزال تسهم في الانقلابات موجودة في الولايات المتحدة من قبيل الاستقطاب السياسي، وتنامي الانقسامات الطبقية.
هل يصعب تصور ثورة أمريكية ثانية؟
وفقا لمركز بيو للبحوث؛ «وصلت الثقة في مؤسسات أمتنا أدنى مستوياتها». 22% فقط من البالغين الأمريكيين قالوا: إنهم يثقون في أن الحكومة الفيدرالية تفعل الصواب في أغلب الوقت، وذلك انخفاضا من 77% قبل ستة عقود. ولا يقتصر الأمر على الحكومة الفيدرالية وحدها؛ إذ تشير جالوب إلى أن 36% من الشعب يثقون في الكنائس والأديان النظامية هبوطا من 65% سنة 1973. وخلال الفترة نفسها تقريبا انخفضت الثقة في النظام الطبي من 80% إلى 36%. ويرى أنصار شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» في ترامب منقذا لأمريكا من اختلالها وانحدارها، بل إن بعض معارضيه مفتونون بنشاطه في تحدي الركود السياسي المعتاد. والثورات تبدأ عندما يصبح النظام القديم جزءا من المشكلة.
يعد نشر ترامب غير المسبوق للجيش لمكافحة الجريمة في المدن الأمريكية خطوة تهدد بتقويض موقف الجيش كجهة محايدة سياسيا. وفي الاجتماع العسكري الأخير أخبر ترامب القادة العسكريين بضرورة الاستعداد لمحاربة «العدو الداخلي»، وهي عبارة تنذر بالسوء كما أن لها تاريخا حافلا. فضلا عن ذلك؛ فإن عفو ترامب عن المتظاهرين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول يوجه رسالة خطيرة؛ لأنه يجيز فعليا محاولة انقلاب. وعدم تجاهل علامات التحذير هو الخطوة الأولى لمنع الانقلابات والثورات.