في مشهد يعكس حجم المأساة التي تعيشها الهوية الحضارية اليمنية المنهوبة، كشف الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية عبدالله محسن، عن عرض تمثال نادر لرأس أميرة من سبأ ضمن مزاد تنظمه جاليري "زاكي" في العاصمة النمساوية فيينا في 21 نوفمبر 2025، ضمن مجموعة تُعد من أثمن مقتنيات اليمن القديم.

ويأتي هذا المزاد في وقتٍ تتزايد فيه عمليات تهريب وبيع الآثار اليمنية في الأسواق الدولية، مستغلة حالة الحرب والفوضى التي تعصف بالبلاد منذ نحو عقد من الزمن، في حين تظل السلطات اليمنية عاجزة عن استعادة إرثها المنهوب، رغم المناشدات المتكررة للمجتمع الدولي بوقف هذه الانتهاكات الثقافية الجسيمة.

وبحسب ما نشره الباحث عبدالله محسن على صفحته في "فيسبوك"، فإن ثلاثة من أجمل آثار اليمن ستُعرض للبيع في مزاد "الآثار الجميلة والفنون القديمة" الذي تنظمه جاليري "زاكي" في فيينا.

وأوضح أن القطع المعروضة تنتمي إلى مصادر مرموقة ومجموعات تاريخية مثل متحف موجان للفنون الكلاسيكية في الريفييرا الفرنسية، ومتحف زيلنيك استفان للذهب في جنوب شرق آسيا، إضافة إلى مقتنيات لتجار تحف مشهورين في أوروبا والولايات المتحدة.

ومن بين هذه القطع، رأس منحوت لامرأة من المرمر يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، يُرجح أنه يمثل أميرة من مملكة سبأ. يتميز التمثال بأنف مستقيم وشفتين بارزتين وذقن مدبب، وعينين لوزيتين كبيرتين، ما يعكس الأسلوب الفني المتقن لحضارات جنوب الجزيرة العربية القديمة. يبلغ ارتفاع التمثال 18.5 سم ويزن 4 كيلوجرامات.

ويصف كتالوج المزاد هذه القطعة بأنها كانت تُثبت على لوحة من الحجر الجيري المنقوش، موجهة لمواجهة المشاهد مباشرة، حيث كانت تُستخدم في طقوس جنائزية أو تُنصب كـ شواهد قبور لأفراد من الطبقة الملكية أو النخبة الاجتماعية في ممالك اليمن القديم، مثل سبأ وقطبان وحضرموت.

وفقًا لوثائق المزاد، فإن ملكية هذه القطعة تعود إلى جوزيف أوزان، صاحب معرض "ساماركاند" في باريس، الذي قال إنها مقتناة من مجموعة سويسرية خاصة، مع إقرار خطي بأن القطعة كانت ضمن مقتنيات والده قبل عام 1971م.

ويشير الباحث عبدالله محسن إلى أن هذه الادعاءات تتكرر في معظم المزادات الأوروبية لتبرير بيع الآثار القادمة من مناطق النزاعات، عبر ثغرات قانونية تتيح للمزادات التلاعب بتاريخ الملكية لتفادي الملاحقة القانونية.

ويؤكد محسن أن مثل هذه المزادات لا تراعي القيم الأخلاقية ولا الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية اليونسكو لعام 1970 الخاصة بمنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، مشددًا على أن استمرار بيع الآثار اليمنية بهذه الطريقة يُعد جريمة نهب علني لتراثٍ إنساني لا يقدّر بثمن.

في تعليق لأحد خبراء المزاد، جرى تذكير المشترين بأن مملكة سبأ كانت مركزًا رئيسيًا لتجارة اللبان والمر والبخور، تسيطر على طرق القوافل الممتدة من مأرب إلى البحر الأحمر، ما جعلها واحدة من أكثر الممالك ازدهارًا في العالم القديم. وأشار إلى أن فن سبأ الجنائزي يعكس تأثرًا بالعصور الهلنستية والرومانية، لكنه يحتفظ بخصوصيته الجمالية التي تمجد المرأة كرمز للخصب والحياة والسلطة.

إلا أن هذا الوصف الفني، بحسب مراقبين، لا يخفي التناقض الأخلاقي في تسويق القطع اليمنية المنهوبة باعتبارها "قطعًا فنية نادرة"، بينما هي في حقيقتها شواهد قبور وأجزاء من ذاكرة أمة فقدت سيادتها الثقافية.

ومنذ اندلاع الحرب الحوثية 2014، فقد اليمن آلاف القطع الأثرية التي نُهبت من المتاحف والمواقع الأثرية، وتم تهريبها إلى الخارج عبر شبكات منظمة. وتشير تقارير اليونسكو ومنظمات دولية إلى أن السوق السوداء للآثار اليمنية تشهد نشاطًا متزايدًا في أوروبا والولايات المتحدة.

ورغم الجهود المحدودة التي تبذلها الحكومة اليمنية لاستعادة بعض القطع، إلا أن غياب التنسيق الدولي الفاعل وتعقيدات إثبات الملكية القانونية، جعلت معظم القطع تباع بشكل علني في المزادات العالمية دون محاسبة تُذكر.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

بينها تمثال بقيمة 6 ملايين دولار.. أمريكا تصادر 14 قطعة آثار مصرية في طريقها لهواة جمع التحف

استعادت السلطات الفيدرالية الأمريكية أكثر من 10 قطع آثار مصرية تم تهريبها بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة، وكانت فى طريقها إلى جامعي تحف، من بينها تمثال جنائزي قيمته نحو 6 ملايين دولار.

ووفقا لبيان وزارة العدل الأمريكية الذي نشرته صحيفة يو اس ايه توداى، تضمنت القطع المهربة مزهرية، وتمائم، وتماثيل حجرية تم تصنيفها بطريقة مضللة أو غير دقيقة فى أوراق الشحن تحت مسميات مثل ديكور منزلى، أو تمثال حجرى للحديقة، أو غيرها من المصطلحات التى لم تظهر الأصل الحقيقى أو القيمة الفعلية لهذه القطع الأثرية

وقال إيفان كامبانيلا، الوكيل الخاص بالنيابة فى قسم تحقيقات الأمن الداخلى فى بالتيمور، إن الأساليب المضللة التى استخدمت لتهريب هذه الكنوز إلى الولايات المتحدة لا تنتهك قوانين الاستيراد فحسب، بل تقوّض أيضًا الجهود المبذولة للحفاظ على التاريخ الثقافى وصونه.

وذكرت وزارة العدل، أنه تم مصادرة 14 قطعة بموجب حكم قضائى افتراضى صادر عن محكمة المقاطعة الأمريكية فى ولاية ماريلاند، فى إطار جهود متواصلة لتحديد وتفكيك الشبكات غير القانونية التى تستغل طرق التجارة العالمية، وأوضحت السلطات أن التمثال الجنائزي، الذي يعتقد أنه من الحجر الجيري لعصر الدولة القديمة، يرجح أنه جاء من موقع أثرى في سقارة أو الجيزة، وكلاهما يضم مقابر ملكية بالقرب من مدينة منف القديمة فى مصر.

تمت عمليات المصادرة بين أغسطس 2020 وأبريل 2021 فى مطارات نيويورك، سينسيناتى، وأنكوريج بألاسكا، حيث اكتشف موظفو الجمارك وحماية الحدود القطع الأثرية أثناء فحص الطرود القادمة من شاحنين خارجيين إلى جامعي تحف، من بينهم شخص فى إدجووتر، ماريلاند.

اقرأ أيضاًنيويورك تايمز: ترامب يطالب وزارة العدل الأمريكية بتعويض قدره 230 مليون دولار

الخارجية الأمريكية: لدينا تقارير موثقة بتخطيط حماس لهجوم على سكان غزة

مصطفى بكري: الإدارة الأمريكية مقتنعة بدور مصر المحوري في إحلال السلام

مقالات مشابهة

  • بيع صقرين بـ351 ألف ريال في الليلة الـ12 لمزاد نادي الصقور السعودي 2025
  • تمثال نادر لرأس أميرة من سبأ .. يُباع في مزاد بـ "فيينا" خلال نوفمبر القادم
  • دور الذكاء الاصطناعي في تسجيل القطع الأثرية.. عميد آثار القاهرة يجيب
  • بيع صقرين بـ163 ألف ريال في الليلة الـ 11 لمزاد نادي الصقور السعودي 2025
  • بيع 3 صقور بـ 399 ألفاً في «المزاد»
  • 43 قطعة أثرية يمنية في مزادات خارجية.. هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة
  • هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة
  • بينها تمثال بقيمة 6 ملايين دولار.. أمريكا تصادر 14 قطعة آثار مصرية في طريقها لهواة جمع التحف
  • المرور: طرح مزاد اللوحات الإلكتروني غدًا الأربعاء