«معلومات الوزراء» يستعرض أبرز 18 صناعة صاعدة ودورها في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن منظمة بروجيكت سنديكيت «Project Syndicate»، والذي تناول التحولات الجذرية التي تشهدها الاقتصادات العالمية بفعل صعود 18 صناعة جديدة، من بينها الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، والمركبات الكهربائية والتكنولوجيا الحيوية، والبناء المعياري «Modular Construction»، وما تتيحه تلك الصناعات من فرص للنمو والإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة، والتي تبرز ضرورة أن تعمل الدول النامية على تهيئة بيئات أعمال جاذبة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية رأس المال البشري لتواكب هذا التحول وتتفادى خطر التراجع في سباق الاقتصاد الرقمي العالمي.
أوضح التقرير أن الاقتصادات والمجتمعات حول العالم تشهد تحولات جذرية بفعل صناعات جديدة تشمل المركبات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والبناء المعياري، ولاغتنام هذه الفرص، يجب على الدول النامية توفير بيئات أعمال جاذبة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والاستثمار في رأس المال البشري، وبحسب معهد ماكينزي العالمي، فإن هذه القطاعات الديناميكية الثمانية عشر ستعيد تشكيل الاقتصاد العالمي خلال الخمسة عشر عامًا القادمة.
أشار التقرير إلى أن هذه المجالات تشمل الصناعات الرقمية مثل «التجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والإعلانات الرقمية، والبث المباشر، والألعاب»، إضافة إلى التقنيات المتقدمة «كالمركبات الكهربائية، وذاتية القيادة، والبطاريات، وأشباه الموصلات، والروبوتات، والانشطار النووي»، كما تتوسع في مجالات ناشئة «كالتكنولوجيا الحيوية، والفضاء»، وفي ابتكارات جديدة مثل «الأمن السيبراني، والطيران الجوي، والبناء المعياري، وأدوية السمنة».
ومن المتوقع أن تمثل هذه القطاعات مجتمعة نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2040، أي أربعة أضعاف حصتها الحالية، ما يعزز النمو والإنتاجية ومستويات المعيشة.
وتُظهِر الأمثلة التطبيقية لهذه الابتكارات قدرتها على إحداث أثر اجتماعي واقتصادي واسع، فالمركبات الكهربائية وذاتية القيادة يمكن أن تخفض حوادث المرور والانبعاثات الغازية، في حين يُتيح البناء المعياري إنتاج مساكن عالية الجودة بتكاليف أقل، ورغم أن الشركات الرائدة في هذه المجالات تتركز في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، فإن تأثيرها سيمتد إلى جميع أنحاء العالم، مع امتلاك الاقتصادات النامية فرصًا مميزة للريادة في بعض هذه القطاعات.
فعلى سبيل المثال، ومع توسع انتشار الإنترنت، يُتوقع أن تنمو التجارة الإلكترونية والإعلانات الرقمية والبث المباشر بوتيرة أسرع في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، ونظرًا لغياب البنية التحتية القديمة، تستطيع هذه الدول القفز مباشرة إلى التقنيات الحديثة، كما فعلت سابقًا بتجاوز الهاتف الأرضي نحو الهواتف المحمولة، ثم إلى الخدمات المصرفية الرقمية.
أوضح التقرير أن الهند تُعد نموذجًا واضحًا لهذا المسار، إذ ارتفعت إيرادات تجارتها الإلكترونية من 3.9 مليارات دولار في عام 2009 إلى 200 مليار دولار في عام 2024، مع توقع أن ترتفع حصة التجزئة الإلكترونية إلى 37% من إجمالي المبيعات بحلول عام 2030. كما أن توسع الوصول إلى الإنترنت في المناطق الريفية يوفر لمئات الملايين من السكان منتجات وخدمات أفضل.
كما تتميز الهند برأسمالها البشري الغني، حيث تمتلك قاعدة واسعة من الكفاءات في مجالات الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية والأمن السيبراني، وقد أثبتت قدرتها على الابتكار منخفض التكلفة في قطاعات متقدمة، فهي من أكبر مصنّعي المركبات الكهربائية، كما نجحت في إطلاق مركبة فضائية إلى المريخ عام 2013، بتكلفة زهيدة مقارنة بالمشاريع الأمريكية والأوروبية، مما يؤهلها للتوسع في تسعة من بين 18 قطاعًا، وتحقيق عائدات إضافية تصل إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030.
وفي المقابل، تسلك دول نامية أخرى مساراتها الخاصة، فالبرازيل تستثمر في الجيل الجديد من الطيران، بينما برزت المغرب وإندونيسيا كمراكز لتصنيع بطاريات المركبات الكهربائية بفضل امتلاكهما احتياطات مهمة من المواد الخام الحيوية. وتُسهم هذه القطاعات الجديدة في تنشيط صناعات تقليدية، إذ غيَّرت الروبوتات والطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي وجه قطاعات التصنيع والتجزئة والرعاية الصحية.
وعلى المستوى المجتمعي، أشار التقرير إلى أن هذه القطاعات يمكن أن تُحسِّن الخدمات العامة، حيث يتيح الذكاء الاصطناعي للحكومات جمع وتحليل البيانات في مجالات الطقس وحركة المرور والتعليم، فيما تُسهم أدوية السمنة الجديدة في تحسين نتائج الصحة العامة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
وبالرغم مما سبق، فإن غالبية الدول النامية لا تزال غير مستعدة للتعامل مع مستقبل تقوده هذه القطاعات. ويحدد التقرير ثلاث أولويات لتعزيز جاهزيتها:
- الأولوية الأولى: خلق بيئة أعمال داعمة من خلال سياسات تجارية وتنظيمية كلية تمنح الصناعات الحيوية مساحة للنمو، مثل البناء المعياري الذي يتطلب قوانين مرنة لتشجيع الابتكار.
- الأولوية الثانية: جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ تهيمن الشركات من الصين وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على معظم القطاعات الثمانية عشر وتسعى إلى التوسع في الأسواق الأنسب، بينما انخفضت حصة الاستثمارات الأجنبية المعلنة للدول النامية منذ عام 2022 إلى نحو 30% فقط في مجالات التصنيع المتقدم والبنى التحتية للذكاء الاصطناعي والخدمات البرمجية.
- الأولوية الثالثة - والأهم - الاستثمار في البشر، ففي القرن العشرين، بدأت الدول النامية صعودها الاقتصادي عبر التصنيع منخفض التكلفة قبل الارتقاء تدريجيًّا في سلاسل القيمة، أما في القرن الحادي والعشرين، فإن النمو مدفوع بالتكنولوجيا، مما يجعل التعليم والتدريب المتقدمين شرطًا أساسيًا حتى في المراحل المبكرة من الإنتاج.
شدد التقرير على إنه مع اشتداد المنافسة العالمية، ستكون الدول التي تنمّي قوى عاملة منتجة ومؤهلة الأقدر على تحقيق نمو مستدام وازدهار طويل الأمد.ورغم أن هذه الحقيقة تنطبق أيضًا على الاقتصادات المتقدمة، فإن المخاطر أعظم بالنسبة للأسواق الناشئة التي تسعى إلى اللحاق بالركب.
أشار التقرير في ختامه إلى أهمية إدراك أن صناعات وتقنيات جديدة كليًّا قد تظهر مستقبلًا، كما حدث مع الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي لم يكن معروفًا قبل خمس سنوات. كما أن تطور بعض القطاعات، مثل الطاقة النووية والمركبات الكهربائية، سيعتمد بدرجة كبيرة على السياسات الحكومية، ومع ذلك من المرجح أن تظل هذه المجالات محركًا رئيسيًّا للنمو العالمي، في حين تواجه الدول النامية خطر التراجع إذا لم تواكب هذا التحول.
اقرأ أيضاً40 ألف جنيه.. «الوزراء» يوافق على التسعير المقترح للاشتراك بمنشأة «تنمية كلوب بدر»
رئيس الوزراء يتابع إجراءات توفير السلع الاستراتيجية بالتنسيق بين مختلف الجهات
الوزراء: 10.9 تريليون دولار إجمالي مساهمة قطاع السياحة في الناتج العالمي خلال 2024
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء التجارة الإلكترونية الاقتصادات العالمية الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الذکاء الاصطناعی الدول النامیة هذه القطاعات فی مجالات
إقرأ أيضاً:
أهم 10 أحداث أثرت في الاقتصاد العالمي خلال 2025
نحن نقف اليوم على أعتاب نهاية عام 2025، العام الذي شهد سلسلة من الأحداث الاقتصادية والجيوسياسية التي غيرت شكل العالم.
فقد حمل هذا العام تحولات كبيرة أثرت في شكل التحالفات وفي نماذج التمويل والتجارة وفي خريطة النفوذ الاقتصادي، وفتح الباب أمام مرحلة مختلفة يختلط فيها البعد الاقتصادي بالجيوسياسي بشكل أوضح من أي وقت مضى.
وقد كان لعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دور بارز في زيادة حدة هذه التقلبات، سواء عبر السياسات التجارية أو عبر التغيرات في النهج الإستراتيجي للولايات المتحدة، الأمر الذي مهّد لتحولات ما زالت تتفاعل حتى الآن وقد تستمر في تشكيل مسار عام 2026.
ولكي نفهم إلى أين نتجه من الضروري أن ندرك ما الذي حدث خلال هذا العام، وكيف تراكمت هذه التطورات وشكلت واقعا اقتصاديا عالميا أكثر حساسية وتعقيدا.
وفي هذا المقال سنستعرض أبرز الأحداث الاقتصادية التي أثرت على النظام الاقتصادي العالمي في 2025، ونحاول من خلالها فهم الاتجاهات المحتملة في عام 2026.
1- عودة ترامب وإعادة تشكيل الدور الأميركيشهد عام 2025 تحولا مهما مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو حدث ترك أثرا مباشرا على بنية النظام العالمي، خصوصا من ناحية السياسات التجارية والتحالفات الدولية جاءت هذه العودة ضمن سياق سياسي مشحون داخليا في الولايات المتحدة، ورافقتها خطوات واضحة نحو إعادة تعريف دور أميركا في العالم، سواء من خلال مراجعة اتفاقيات تجارية، أو التشكيك في التزامات سابقة، أو تبنّي نهج أكثر تشددا في الملفات المتعلقة بالهجرة والعولمة وسلاسل التوريد.
هذا التغيير في اتجاه السياسة الأميركية لم يكن مجرد تغيير في الوجوه، بل شكّل انتقالا إلى سياسة أكثر تشددا وأقل انفتاحا على النظام العالمي، الأمر الذي خلق حالة من القلق في الأسواق العالمية وفتح الباب أمام موجة واسعة من إعادة تموضع إستراتيجي لدى العديد من الدول، خاصة تلك التي تعتمد بشكل مباشر على السوق الأميركي أو المظلة الأمنية والسياسية لواشنطن.
شهد أبريل/نيسان 2025 ما عُرف بـ"يوم التحرير"، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الإدارة الأميركية حزمة واسعة من التعريفات الجمركية على واردات رئيسية من الصين وأوروبا ودول أخرى، في خطوة اعتُبرت نقطة تحول في مسار التجارة العالمية.
إعلانهذا القرار لم يقتصر أثره على العلاقات الثنائية بين واشنطن وبكين، بل امتد ليشمل الأسواق المالية التي سجلت تراجعا حادا، خصوصا أسهم التكنولوجيا والرقائق، مع تبخر مئات المليارات من القيم السوقية خلال ساعات.
كما ردت دول عدة بفرض تعريفات مضادة، مما أدى إلى تصاعد التوتر التجاري وإعادة تسعير السلع عالميا ومخاطر التضخم.
وشكّل هذا اليوم بداية مرحلة جديدة تتجه فيها الولايات المتحدة نحو حمائية أشد، في حين بدأ العالم يعيد تقييم مصادرة التجارية والبحث عن مسارات بديلة لتقليل التعرض للصدمات المتوقعة في القترة المقبلة.
شهد عام 2025 تصعيدا حادا في الشرق الأوسط بعد تنفيذ إسرائيل ضربة عسكرية ضد إيران، في تطور أعاد تغيير التوازنات الأمنية بالمنطقة.
هذا الحدث لم يكن مجرد مواجهة محدودة، بل فتح بابا واسعا لاحتمالات التصعيد مستقبلا، وأثار مخاوف من امتداد العمليات العسكرية إلى نطاق أوسع قد يشمل منشآت حيوية للطاقة أو ممرات إستراتيجية للشحن.
وانعكس هذا التوتر فورا على الأسواق العالمية، حيث ارتفعت أسعار الطاقة، ورغم أن التصعيد لم يتحول إلى حرب شاملة فإنه أعاد إدراج المخاطر الشرق أوسطية كعامل رئيسي في تسعير الطاقة والسلع بالأسواق العالمية.
4- قيود الصين على المعادن النادرة وصدام التكنولوجيافي منتصف عام 2025 أعلنت الصين فرض قيود واسعة على تصدير عدد من المعادن النادرة والإستراتيجية المستخدمة في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الأميركية، وهو قرار شكّل واحدة من أكثر الصدمات تأثيرا في المشهد الاقتصادي.
فقد أظهر هذا الإجراء حجم الاعتماد الأميركي على المواد الخام القادمة من الصين، خصوصا في مجالات الرقائق والبطاريات والسيارات الكهربائية والروبوتات، مما أدى إلى اضطرابات مباشرة داخل المصانع والشركات الأميركية وزيادة كبيرة في التكاليف.
ومع اتساع نطاق الأزمة بدأت الولايات المتحدة البحث بشكل عاجل عن مصادر بديلة، سواء عبر استثمارات مكثفة في أفريقيا وغرينلاند أو عبر تفاوض مع دول أخرى لتأمين الإمدادات.
ومع ذلك، تبين لواشنطن أن تعويض القدرة الإنتاجية الصينية ليس أمرا سهلا أو سريعا، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية إلى تخفيف حدة مواقفها تجاه بكين والدخول في هدنة مؤقتة وُصفت بأنها "هشة"، إذ جاءت أقرب إلى وقف تصعيد مرحلي فرضته الضرورات الاقتصادية أكثر من كونه تفاهما إستراتيجيا طويل المدى.
5- الحرب الروسية الأوكرانية.. مرحلة تصعيد جديدةشهد عام 2025 تحولا واضحا في مسار الحرب الروسية الأوكرانية بعد دخولها مرحلة تصعيد جديدة تمثلت في دعم أوكراني مقدم من بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة لاستخدام أسلحة أكثر تطورا وصواريخ بعيدة المدى مثل "توماهوك".
ورغم أن هذه الخطوة لم تنفذ فإن مجرد طرحها شكّل تغييرا في طبيعة الصراع.
وردّت روسيا بتشديد موقفها وإعلان أن العمليات تحولت إلى حرب مفتوحة، قبل أن تحقق مكاسب ميدانية مستمرة حتى ديسمبر/كانون الأول 2025، في ظل إرهاق أوكراني وفقدان ما يقارب 20% من أراضيها.
هذا الوضع دفع الولايات المتحدة إلى تهديد مستوردي النفط الروسي الصين والهند واليابان بعقوبات للحد من الإيرادات الروسية، لكن هذه الدول رفضت الامتثال، مما أجبر واشنطن على التراجع.
إعلانوكشفت هذه التطورات عن محدودية التأثير الغربي في تغيير المسار العسكري على الأرض.
شهد عام 2025 حادثة غير مسبوقة في منطقة الخليج العربي تمثلت في اعتداء إسرائيلي على دولة قطر، في تصعيد غيّر شكل التوازنات والتحالفات الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
وتُعد دولة قطر من أهم مراكز الطاقة والإمدادات العالمية وذات ثقل سياسي في الخليج والشرق الأوسط.
وأسهم الاعتداء في إعادة صياغة محددات الأمن الإقليمي ومسارات التعاون العربي، كما سلط الضوء على أهمية استقرار هذه المنطقة في ضمان استمرار تدفقات الطاقة العالمية في مرحلة يشهد فيها العالم ارتفاعا في مستويات عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي.
7- البحر الأحمر.. اضطرابات الممر البحري الأكثر حساسيةمن بين الأحداث البارزة في عام 2025 موجة جديدة من التوترات في البحر الأحمر أدت إلى اضطراب واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، مما تسبب في ارتفاع تكاليف الشحن بنسب تجاوزت 300% خلال فترات معينة من العام.
وبفعل هذا التطور تأثرت حركة تجارة السلع بشكل مباشر، ولا سيما البضائع الأساسية والمواد الخام، مما أعاد ضغوط التضخم إلى الواجهة بعد فترة من الهدوء النسبي.
ومع تأخر وصول الشحنات وارتفاع تكاليف النقل وارتفاع تكاليف التأمين ازدادت الأعباء على الشركات الصناعية والتجارية، خصوصا في أوروبا وآسيا اللتين تعتمد سلاسل توريدهما بدرجة كبيرة على هذا الممر الحيوي.
8- الضغوط الاقتصادية الأميركية وتزايد مخاطر الركودعاش الاقتصاد الأميركي خلال عام 2025 تباطؤا واضحا انعكس في مؤشرات أساسية أكدت ضعف الزخم وتزايد احتمالات الركود، فقد هبطت ثقة المستهلك إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وتباطأ التوظيف وارتفعت تسريحات العمالة، في حين تراجع مؤشر الشحن الداخلي كمؤشر مباشر على ضعف النشاط الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار البقالة والسلع الأساسية، مما زاد الضغوط على الأسر التي تواجه ديونا تجاوزت 17.5 تريليون دولار، إلى جانب ديون الطلاب التي بلغت نحو 1.77 تريليون دولار.
وعلى الصعيد المالي، ازداد اعتماد الحكومة على إصدارات الدين، وسط ارتفاع العوائد وعلاوات المخاطرة، في حين تجاوزت تكلفة خدمة الدين 1.2 تريليون دولار سنويا، واقترب إجمالي الدين العام من 38 تريليون دولار، وهو ما زاد الضغوط على السياسة المالية والنقدية.
كما تراجع الدولار بنحو 10% منذ تولي الرئيس ترامب، وانخفضت حصته ضمن الاحتياطيات العالمية مع توجه البنوك المركزية نحو تنويع أصولها.
ويشير هذا المزيج من التطورات إلى تحديات هيكلية عميقة تؤثر في مسار الاقتصاد الأميركي وترفع المخاطر المرتبطة بالاقتصاد العالمي خلال عام 2026.
9- هزة العملات المشفرة وارتباطها بالذكاء الاصطناعياهتزت أسواق الأصول الرقمية في عام 2025، مما أدى إلى تراجع حاد في العديد من العملات المشفرة، خصوصا تلك المعتمدة على المضاربات والرافعات المالية المرتفعة.
وتزامن ذلك مع تقلبات واسعة في قطاع الذكاء الاصطناعي الذي أصبح المحرك الرئيس للأسواق، حيث أدى أي تصحيح في أسهم الرقائق والخوارزميات المتقدمة إلى انتقال موجة بيع نحو الأصول الرقمية عالية المخاطر، وهو ما دفع المستثمرين والمضاربين فيها إلى تصفية العديد مراكزهم والانتقال الى أصول أخرى، مما أدى إلى خسائر.
وأظهرت هذه التطورات ترابطا متزايدا بين أسواق التكنولوجيا والتشفير وحساسيتهما للمخاطر.
شهدت أسواق السندات في عام 2025 موجة واسعة من التقلبات التي عكست حالة عدم اليقين المتزايدة في الاقتصادات الكبرى، إذ ارتفعت العوائد في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا إلى مستويات تشير إلى تخوف المستثمرين من الضغوط المالية وتباطؤ النمو وارتفاع عبء الديون.
إعلانوبات واضحا أن أسواق السندات أصبحت تعكس بدقة حجم المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية التي تمر بها هذه الدول، حيث مثلت الارتفاعات المتتالية في العوائد إشارة مباشرة إلى تراجع الثقة في قدرة بعض الحكومات على احتواء التضخم أو إدارة مستويات الدين المتصاعدة.
وبرزت اليابان بوضوح هذا العام بعد أن سجلت علاوات المخاطر على سنداتها أعلى مستوى منذ عام 2008 نتيجة مخاوف من احتمالات رفع الفائدة لأول مرة منذ سنوات طويلة، وتزايد القلق بشأن مسار التضخم في الاقتصاد الياباني في ظل حجم دين ياباني عام هو الأكبر في التاريخ.
وأظهرت هذه التطورات أن أسواق السندات العالمية لم تعد تتحرك فقط وفق سياسات البنوك المركزية، بل أصبحت مرآة شاملة للمخاطر الاقتصادية والمالية والجيوسياسية التي تواجه الدول، مما يجعلها أحد أهم المؤشرات التي تجب مراقبتها عند تقييم اتجاهات الاقتصاد العالمي في 2026.
النتيجة وتوقعات 2026
أدت التحولات العشرة التي شهدها عام 2025 إلى تغيير عميق في سلوك المستثمرين والدول على حد سواء، إذ أصبح واضحا أن البيئة الاقتصادية الجديدة تختلف جذريا عما كان عليه الوضع في العقديين الماضيين.
فمع عودة الرئيس ترامب وتوسع السياسات الحمائية وارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية بدأت الدول في اتخاذ خطوات احترازية مبكرة، سواء عبر تنويع شراكاتها الاقتصادية أو إعادة تشكيل تحالفاتها الإستراتيجية بعد أن أدركت أن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة بات يحمل مخاطر سياسية واقتصادية متزايدة.
وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة بدأت دول حليفة لواشنطن في البحث عن موازنة علاقاتها، فاتجهت إلى تعزيز روابطها مع المعسكر الشرقي، سواء عبر البريكس أو الآسيان أو عبر شراكات ثنائية جديدة مع الصين والهند وروسيا، في تحول يعكس إدراكا متزايدا بأن النظام العالمي يتجه نحو تعددية حقيقية في مصادر القوة.
هذا التحول لم يقتصر على الحكومات وحدها، بل شمل أيضا المستثمرين الذين أعادوا تقييم رؤيتهم للأسواق.
ومع تزايد المخاطر الناتجة عن الحروب التجارية والاضطرابات الجيوسياسية والتحديات في قطاع التكنولوجيا والديون المرتفعة ارتفع الطلب على الذهب والأصول الدفاعية والأدوات ذات المخاطر الأقل، وهو ما يفسر الارتفاع الملحوظ في أسعار هذه الأصول خلال العام.
كما أظهر المستثمرون ميلا أكبر للتحوط والانتقال نحو محافظ أكثر توازنا، مع تقليل الاعتماد على الأصول عالية الحساسية للتقلبات.
ورغم حجم هذه التحولات فإن عام 2025 لم يشهد حلولا حقيقية لأي من التحديات التي واجهت الاقتصادات الكبرى، فالحرب التجارية مستمرة، وملفات الطاقة والتضخم والديون لم تتراجع حدتها، كما أن أسواق الدين والسندات مرشحة بقوه لمواجهة اضطرابات لم تشهدها منذ عقود قد تنهي عصر العوائد الرخيصة على الديون لعقود قادمة، بالإضافة إلى أن أغلب المشاكل الجيوسياسية ما زالت دون مخرج واضح.
ولذلك، فإن قراءة كل هذه المؤشرات معا تُظهر أن عام 2026 سيكون على الأرجح مليئا بالتقلبات، ليس لأنه عام أزمات جديدة، بل لأن أزمات 2025 لم تُحل، وتم ترحيلها إلى السنة التالية حيث قد تتفاقم أو تتفاعل بطرق أكثر تعقيدا.
وهذا يجعل 2026 عاما حاسما في تحديد اتجاه النظام الاقتصادي العالمي.
لذلك، على دول منطقة الشرق الأوسط أن تراقب الوضع الاقتصادي والجيوسياسي بشكل دقيق، وأن تتخذ الاحتياطات المناسبة لما هو قادم، خاصة في ظل بيئة عالمية تتميز بالتقلبات المستمرة.