الصين نحو نصف عقدٍ جديد من التحديث
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
تشو شيوان
في ختام الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، نجد أنفسنا أمام محطة تاريخية تحدد ملامح المرحلة المقبلة؛ حيث تبرز الخطة الخمسية القادمة كخارطة طريق تستشرف آفاق التنمية وتوجه دفة البلاد نحو آفاق جديدة، وككاتب وصحفي صيني أرى أن هذه الخطط ليست مجرد أرقام وإحصائيات؛ بل تجسيد حي لرؤية الصين الشاملة نحو بناء مستقبل أكثر ازدهارًا.
ومن وجهة نظري تمثل الخطة الخمسية المقبلة نقلة نوعية في مسيرة النهضة الصينية، حيث تتجه بلادنا نحو تعزيز جودة التنمية بدلًا من الاكتفاء بتحقيق معدلات النمو، خصوصًا وأن التركيز سينصب على الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي، مع تعزيز مبادئ الاقتصاد الأخضر الذي يحقق التوازن بين متطلبات التنمية وضرورات الحفاظ على البيئة، ويمكننا القول بأن هذه الرؤية تعكس حكمة القيادة الصينية في استشراف المستقبل.
لقد بداَ واضحًا أن الصين لا تنوي مجرد الانتقال من مرحلة إلى أخرى بصورة عَرَضية؛ بل تستعد لصياغة تحوّل نوعي في اقتصادها ومجتمعها: تحوّل يُركّز على الاستقلال التكنولوجي، وتعزيز الدور الصناعي الحديثة، وتوسيع السوق الداخلي، وفي الوقت ذاته فتح أبوابها عريضًا أمام العالم.
خلال السنوات الماضية برزت الصين كمثال على قدرة دولة نامية على تحويل الضغوط والتقلبات، والصين أثبتت بأنها قادرة على تحويل الصدمات الخارجية إلى حافز للتحديث والتنمية، وقد ترسّخت هذه النظرة لدى الخارج، لأنها لم تكتفِ بتحقيق نمو؛ بل ركّزت على «تنمية عالية الجودة» وشاركت هذه التنمية مع دول الجوار والعديد من دول العالم، وفي رأيي هذا التوجّه يؤشر إلى نضجٍ سياسي واقتصادي لدى القادة الصينيين، حيث يصبح النمو ليس هدفًا بحد ذاته؛ بل وسيلة لبناء قدرة وطنية مستدامة وشاملة.
ما يُثير الاهتمام هو أن الصين تختار في هذه المرحلة «النموذج» الذي تريده: صناعة متقدمة، وتقنيات محلية، وسوق داخلي قوي، ومشاركة دولية مسؤولة، فالاتجاه نحو «بناء منظومة صناعية حديثة» يعكس كيف أن الصين ترى أن اللحظة الراهنة تتطلب أن تكون قوة صناعية ذكية لا مجرد قوة تصنيعية، وفي الوقت ذاته، فإن تصريح وزير التجارة بأن الصين «ستفتح أبوابها بشكل أوسع بين 2026 و2030» يوضح أن الانفتاح الدولي لا يزال أحد محاورها الرئيسية، وأيضًا تمثل مبادرة "الحزام والطريق" إحدى الركائز الأساسية في الخطة الخمسية المقبلة، حيث ستواصل الصين دفع التعاون الدولي وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وهذا النهج يعكس التزام الصين بمسؤولياتها الدولية كدولة كبرى تساهم في تحقيق السلام والتنمية العالمية.
وبينما تُمضي الصين نحو هذه الرؤية، يبرز لدي عندي نقطتان حاسمتان؛ الأولى: هي أن السوق الداخلي لم يعد خيارًا ثانويًا؛ بل أصبح محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي، فالاعتماد على الطلب الخارجي فقط صار محفوفًا بالمخاطر في ظل بيئة اقتصادية عالمية مضطربة، وفي هذا أجد الصين توازن بين الاثنين لما فيه من الحفاظ على مكاسبها التنموية الاقتصادية. أما الثانية فهي أن الابتكار لم يعد رفاهية؛ بل ضرورة وطنية؛ فالتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، المعلومات الكمومية، وصناعات الطاقة الخضراء، كلها متطلبات لبناء الصين الحديثة القادرة على التفوق في هذه المجالات وتقديم تقنيات عالية المستوى تنافس بها أسواق العالم.
من وجهة نظري فإن النجاح في الخطة الخمسية الخامسة عشرة لن يُقاس فقط بأرقام الناتج المحلي الإجمالي، بل بمدى قدرة الدولة على تحويل النمو إلى رفاه ملموس، وإعادة توزيع الفرص، وتمكين الاقتصاد من الصمود أمام الصدمات، وإنني لأؤمن أن هذه الخطة ليست مجرد فترة إعدادية لمئوية جديدة؛ بل إنها منعطفٌ يُحدّد كيف سيُنظر إلى الصين في عقدها المقبل: هل ستكون دولة صناعية تعتمد على ما سبق، أم دولة مبتكرة تُعيد صياغة الاقتصاد العالمي؟ وكل المؤشرات تشير إلى أن الصين قد اختارت الخيار الثاني، لكنها بحاجة إلى ترجمة الرؤية إلى واقع ملموس من خلال سياسات واضحة وتنفيذ عميق، وهذا ما سيجده العالم من الصين خلال الفترة القادمة.
في الختام يمكننا القول إن الصين على أبواب مرحلةٍ تاريخية: مرحلة لا تُركّز على من أين جاءت وما الذي حققته خلال السنوات الماضية؛ بل تركز على إلى أين تتّجه، ومستقبلها سيكون امتدادًا ليس فقط لتحديثها الوطني؛ بل لإسهامها في بناء نظام عالمي أكثر عدالة واستدامة، وأنا أدعوك عزيزي القارئ، لأن تتابع هذه الرحلة عن كثب؛ لأن ما ستفعله الصين خلال الخمس سنوات المقبلة لن يمسها وحدها؛ بل سيؤثّر في الاتجاهات العالمية التي سيعيشها الجيل الحالي والقادم، والخطة الخمسية المقبلة ليست مجرد وثيقة سياسات؛ بل هي بيان ثقة بإرادة الشعب الصيني وقدرته على تجاوز التحديات، وتمثل في تصوري استمرارًا لمسيرة النهضة التي بدأت قبل عقود، وتؤكد عزم الصين على المضي قدمًا في طريق التنمية الشاملة التي تخدم مصالح شعبها وتساهم في رفاهية المجتمع الدولي بأكمله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الصين تدعو لتعميق الشراكة مع الإمارات بالنفط والغاز
أبوظبي – دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى تعميق التعاون مع الإمارات في مجالات الاستثمار والنفط والغاز والبنية التحتية، وفتح آفاق تعاون بمجالات جديدة مثل الطاقة المتجددة والابتكار العلمي.
جاء ذلك خلال محادثات أجراها، امس الجمعة، مع نظيره الإماراتي عبدالله بن زايد في العاصمة أبوظبي، التي يزورها في مستهل جولة إقليمية تشمل أيضا السعودية والأردن، حسب بيان للخارجية الصينية، السبت.
وقال وانغ يي خلال المحادثات إن “الصين تنظر دائما إلى العلاقات الثنائية (مع الإمارات)، وعلى مدى أكثر من 40 عاما من إقامة العلاقات الدبلوماسية، ظل البلدان يتبادلان الاحترام والدعم، وتمكنت العلاقات الثنائية من اجتياز تقلبات الوضع الدولي”.
وأضاف أن “التعاون الثنائي في مختلف المجالات أصبح في طليعة العصر، وحقق نتائج ملموسة في الطاقة والتجارة والاستثمار والمالية وتعليم اللغة الصينية والطيران المدني والسياحة وغيرها، بما عاد بالنفع على شعبي البلدين”.
وأكد وانغ “استعداد الصين لتعزيز التواصل والتنسيق مع الإمارات لتنفيذ التوافقات المهمة بين الدولتين، وتوسيع التعاون القائم على المنفعة المشتركة، واستمرار الصداقة التقليدية، ودفع الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية الإماراتية نحو مستويات أعلى”.
وزير خارجية الصين شدد على أن بلاده “تدعم الإمارات في اتباع طريق تنموي يتوافق مع ظروفها الوطنية، وتدعم الإجراءات التي تتخذها للحفاظ على أمنها وتنميتها”.
وأضاف أن الصين “ترغب في تعزيز الزيارات رفيعة المستوى مع الإمارات، وترسيخ الثقة السياسية المتبادلة، والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية”.
كما دعا إلى “تعميق التعاون في مجالات الاستثمار والنفط والغاز والبنية التحتية، وفتح آفاق التعاون في مجالات جديدة مثل الطاقة المتجددة والابتكار العلمي”.
وأشار أيضا إلى “أهمية تعزيز التعاون في السياحة والجامعات والطيران المدني ومراكز الأبحاث، وتكثيف التبادل الثقافي، والعمل على تحقيق هدف إدراج اللغة الصينية في 200 مدرسة إماراتية في أقرب وقت ممكن”.
من جانبه، قال عبد الله بن زايد، إن “العلاقات الإماراتية الصينية شهدت تطورا سريعا خلال أكثر من أربعة عقود من العلاقات الدبلوماسية، وذلك على أساس الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة”، وفق المصدر نفسه.
وأضاف أن “التعاون الثنائي حقق نتائج وافرة، والصداقة بين الشعبين تزداد عمقاً، ما جعل العلاقات بين البلدين نموذجا يحتذى به”.
الوزير الإماراتي أشار إلى أن “الرئيس محمد بن زايد والرئيس شي جين بينغ تبادلا الزيارات خلال السنوات الأخيرة، وحافظا على علاقات وثيقة، الأمر الذي وفر توجيها مهما ودفعا قويا لتطوير العلاقات الثنائية”.
وأضاف أن “الإمارات تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع الصين، وتضعها في صدارة سياستها الخارجية، وترغب في تعزيز الزيارات رفيعة المستوى، وتوسيع التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والتعليم”.
واختتم الجانبان اللقاء “بتبادل وجهات النظر حول قضايا الشرق الأوسط، وغيرها من الملفات ذات الاهتمام المشترك”، وفق بيان الخارجية الصينية.
وكان البلدان قد اتفقا على “الارتقاء بالعلاقات الثنائية وتأسيس شراكة استراتيجية شاملة في 8 محاور، أهمها الجانبان السياسي والعسكري”، وذلك خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات في يوليو/ تموز 2018، وفق بيان مشترك صادر عن وزارتي خارجية البلدين، في حينه.
ووفق وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”، تعد الصين ثالث أكبر مصدر لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد بقيمة 6.3 مليارات دولار، مع ارتفاع الاستثمار الثنائي بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، ليصل إلى مستوى قياسي قدره 15 مليار دولار في 2022.
الأناضول