الجزيرة:
2025-11-05@15:11:52 GMT

كيف تستدرج روسيا العراقيين للقتال في أوكرانيا؟

تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT

كيف تستدرج روسيا العراقيين للقتال في أوكرانيا؟

قبل نحو 6 أشهر نشر العراقي محمد عماد آخر مقطع فيديو له على تيك توك بدا فيه بزي عسكري مبتسما وسط حقل في أوكرانيا على الأرجح يتصاعد منه دخان، وأرفقه بكلمة "دعاؤكم" مع علم روسيا.

ومنذ ذلك الحين فقدت عائلة محمد الاتصال به، وسمعت روايات متناقضة عن مصيره: أُسر، أصيب بجروح، عانى من إنفلونزا، أو قُتل بضربة مسيّرة أوكرانية في الحرب المستمرة منذ فبراير/شباط 2022، والتي أوقعت مئات الآلاف من القتلى.

وعلى غرار شبان عراقيين آخرين يقاتلون حاليا في أوكرانيا بعدما أغرتهم وعود برواتب مرتفعة وجوازات سفر روسية سافر محمد (24 عاما) إلى روسيا من دون علم أسرته، للانضمام إلى جيشها والقتال في أوكرانيا، وفق ما تروي والدته زينب جبار لوكالة الصحافة الفرنسية.

وتقول جبار (54 عاما) بصوت مرتجف وعينين مغرورقتين بالدموع "ذهب ولم يعد".

وتضيف من منزلها في مدينة المسيب الواقعة جنوب بغداد وهي تحمل صورة ابنها "نحن -العراقيين- شهدنا حروبا كثيرة وتعبنا"، وتسأل بمرارة "ما علاقتنا بروسيا؟ ما علاقتنا بدولتين تتحاربان؟".

وفي بلد كل شاب (بين 15 و24 عاما) من إجمالي 3 عاطل فيه عن العمل وينخر الفساد مؤسساته توصلت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن شبانا عديدين أغرتهم عروض سخية بالنسبة لهم مقابل القتال لصالح روسيا يروّج لها مؤثرون على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتتضمن العروض راتبا شهريا قدره 2800 دولار، أي ما يعادل نحو 4 أضعاف ما يمكن أن يتقاضوه في صفوف الجيش العراقي، إضافة إلى مكافأة عند توقيع العقد تصل قيمتها إلى 20 ألف دولار.

تجنيد عبر تيك توك

تواصلت وكالة الصحافة الفرنسية مع أقارب 4 شبان من عائلات فقيرة سافروا للانضمام إلى الجيش الروسي، 3 منهم في عداد المفقودين، أما الرابع فقد عاد إلى عائلته جثة.

كما تحدثت إلى شاب عراقي يعمل تحت راية الجيش الروسي، وينشر تجربته بتفاصيلها عبر الإنترنت ويقدم مساعدة للراغبين بالانضمام إليه.

إعلان

وتعج تطبيقات التواصل الاجتماعي في العراق مثل تيك توك وتليغرام بحسابات تعرض المساعدة على الشباب الراغبين بالانضمام إلى القوات الروسية.

عند بدء الحرب الروسية الأوكرانية قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يعتزم تجنيد 16 ألف مقاتل من الشرق الأوسط، وتفيد تقارير بأن نحو ألفي جندي سوري نظامي توجهوا إلى روسيا في ذلك الوقت للقتال.

وتسعى قنوات تليغرام التي تقدم العروض اليوم إلى استقطاب شريحة ديمغرافية شابة ومختلفة.

ويعرض المشرفون على تلك القنوات مساعدة للحصول على تأشيرات روسية لشباب عرب، ويتلقون أسئلة وطلبات من سوريا ومصر والجزائر ودول أخرى.

وقد استخدمت أساليب مماثلة لتجنيد شبان من آسيا الوسطى ومن الهند وبنغلاديش ونيبال، وفق ما لاحظ صحفيو وكالة الصحافة الفرنسية في هذه الدول.

صورة منشور على وسائل التواصل لمحمد بعدما فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى جيشها (الفرنسية)

كما تنشر الحسابات التي تروّج للتجنيد قائمة بالمصطلحات العسكرية الرئيسية مترجمة إلى الروسية، بينها "نفدت الذخيرة"، و"أُنجزت المهمة"، و"لدينا ضحايا"، و"طائرة مسيّرة مفخخة"، لتسهيل التواصل على المجندين متى وصلوا إلى الميدان.

وأورد أحد حسابات تليغرام أنه يوفر كذلك مساعدات للعراقيين الراغبين بإرسال المال إلى بلدهم.

واتصلت وكالة الصحافة الفرنسية برقم شاركته القناة، فأجاب متلقي الاتصال بأن كل ما يلزم هو نسخة عن جواز السفر وعنوان سكن ورقم هاتف، على أن يرسل لاحقا دعوة للحصول على تأشيرة ثم تغطية تكلفة التذكرة.

أبناء مفقودون

لكن بين التعليقات الواردة على مقاطع الفيديو الترويجية يمكن معاينة تساؤلات من عائلات تبحث عن أبنائها المفقودين.

وتعتقد عائلة محمد أن الدعاية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أغرت ابنها بالسفر إلى روسيا في وقت سابق من هذا العام.

وعلى مدى أسابيع، ظهر محمد في مقاطع فيديو نشرها على تيك توك من روسيا، وتمكنت وكالة الصحافة الفرنسية من تحديد موقعه في أحد المقاطع المصورة في منطقة أوريول القريبة من الحدود مع أوكرانيا ومنطقة كورسك حيث توغلت القوات الأوكرانية في روسيا لمدة 6 أشهر.

ونُشر آخر فيديو له على تيك توك في 12 مايو/أيار الماضي.

وتروي والدته كيف اتصلت به متوسلة لكي يعود إلى المنزل، كانت تظن في بادئ الأمر أنه يعمل في مخبز بمحافظة البصرة جنوبي العراق، لكنه في الحقيقة "ذهب ليقاتل في حرب روسيا وأوكرانيا".

وتقضي فاتن (شقيقة محمد) ساعات لا تحصى على شبكات التواصل الاجتماعي، في محاولة لاقتفاء أثر عراقيين يدعون أنهم التحقوا بالجيش الروسي، لعلها تعلم شيئا عن مصيره.

وتشرح كيف سمعت روايات مختلفة عن مصير شقيقها من حسابات مختلفة، أكثرها قسوة كان من حساب تابع للشاب عباس حمد الله الذي يستخدم اسم عباس المناصر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعباس (27 عاما) في عداد شبان عراقيين يشاركون تجاربهم في الجيش الروسي على تطبيقي تيك توك وتليغرام، ويعرض المساعدة على الراغبين بالالتحاق.

ويبدو أن منشورات عباس كانت قد استمالت محمد الذي طلب منه توجيهه، وكان مصمما على السير على خطاه.

إعلان

وحلّت معلومات عباس كالصاعقة على فاتن بعدما أخبرها أن جثة أخيها موضوعة في مشرحة تابعة للجيش الروسي عقب مقتله بضربة من مسيّرة أوكرانية قرب باخموت.

وبحسب عباس، فإن شقيقها أطلق النار على المسيّرة فيما كان مقاتلون آخرون برفقته يختبئون.

وتقول فاتن "إذا كان ميتا نريد جثته"، في حين يعتريها القلق من ألا تحصل العائلة على جثته لدفنه أو تتبلغ رسميا ماذا حدث له.

وتوضح "لا يتعلق الأمر بأخي فحسب، إنما كثيرون آخرون مثله، مؤسف أن يموت كل هؤلاء الشباب في روسيا".

وفي مدينة الناصرية جنوبي العراق يقول عبد الحسين مطلق (74 عاما) إن ابنه علاوي سافر برفقة محمد إلى روسيا، وبقي على تواصل مع عائلته يرسل لها صورا من التدريبات العسكرية إلى أن انقطع عنها تماما في 5 مايو/أيار الماضي.

ويقول الوالد "لا نفهم ماذا حصل"، مضيفا "قلت له: لن تستفيد، إنها منطقة غريبة وأناسها غرباء"، لكن علاوي أصر على إنهاء العقد مع الجيش الروسي.

وفي أحد الفيديوهات التي أرسلها علاوي إلى عائلته يظهر مع 3 أشخاص آخرين -بينهم محمد- وهو يتوجه بالشكر لعباس المناصر لمساعدتهم على الوصول إلى روسيا.

"هنا الموت"

عام 2023 سافر عباس إلى موسكو عازما -على حد قوله لوكالة الصحافة الفرنسية- مواصلة رحلته إلى أوروبا على غرار آلاف من المهاجرين العراقيين، لكن الإعلانات المنتشرة في شوارع روسيا والداعية للانضمام إلى الجيش أغرته بالبقاء.

ويوضح "لا مستقبل لنا في العراق، حاولت بكل السبل هناك لكنني لم أنجح"، متابعا "بالنسبة إلي، لا يتعلق الأمر بروسيا أو بأوكرانيا، أولويتي هي عائلتي".

ويشرح أنه انضم إلى جيش روسيا عام 2024، وبات اليوم يحمل جواز سفرها.

ورغم الصعوبات التي يواجهها فإنه يبدي سعادته لقدرته على إرسال "نحو 2500 دولار شهريا" إلى عائلته، وهو مبلغ بعيد المنال بالنسبة إلى أغلبية الشباب العراقيين.

وفي حسابه على تليغرام ينشر عباس دعوات للحصول على تأشيرات للراغبين في التجنيد، ويقول إن تكلفة التأشيرة تصل إلى ألف دولار، تحصل وكالات السفر على الجزء الأكبر منه.

وبحسب موقع السفارة الروسية في العراق، تصل تكلفة تأشيرة الدخول لمرة واحدة إلى 140 دولارا.

ويقول عباس إنه لا يتقاضى أي أتعاب مقابل خدماته، لكنه حذر من "سماسرة" يستغلون الشبان العراقيين ويأخذون نسبة من المكافأة التي يحصل عليها المجند عند توقيع العقد، ولم تتمكن وكالة الصحافة الفرنسية من التحقق من صحة أقواله.

وبغض النظر عن قيمة المكافأة المالية يبين عباس أنه يحذر الراغبين بالتجنيد من أن "احتمال الموت هنا" قائم.

ويتابع "شهدنا حروبا وأزمات عديدة في العراق، لكن هذه الحرب مختلفة، إنها حرب التكنولوجيا المتقدمة، حرب الطائرات المسيّرة".

ومع ذلك، يؤكد أنه لا يشعر بأي ندم إزاء خياره، حتى أنه وقّع عقدا جديدا مع القوات الروسية لعام إضافي.

تفاوت الأعداد

منذ بدء الحرب انضم الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى القوات الروسية في أوكرانيا، المجموعة الأكبر منهم من كوريا الشمالية، وتفيد تقارير بأن متطوعين صينيين يقاتلون كذلك إلى جانب القوات الروسية.

وفي الجهة المقابلة من الجبهة يقاتل نحو 3500 مقاتل أجنبي إلى جانب الجيش الأوكراني ويتقاضون الرواتب نفسها كالجنود المحليين، وفق ما أفادت سفارة أوكرانيا في العراق لوكالة الصحافة الفرنسية.

وتتفاوت التقديرات بشأن عدد العراقيين الذين يقاتلون لصالح روسيا، لكن عددهم بالتأكيد بالمئات.

ويقول السفير الأوكراني لدى العراق إيفان دوفغانيتش إن هؤلاء "لا يقاتلون من أجل فكرة، إنما يبحثون عن فرصة عمل".

ولم ترد السفارة الروسية في بغداد على طلبات وكالة الصحافة الفرنسية للتعليق.

والعلاقات بين روسيا والعراق جيدة إجمالا، ولطالما حرصت بغداد على تأكيد موقفها "الثابت بالحياد" إزاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مشددة على رفضها أن يقاتل شبابها في صفوف الجيش الروسي.

وصمة عار

في سبتمبر/أيلول الماضي أصدرت محكمة جنايات النجف حكما بالسجن المؤبد بحق مدان بـ"جريمة الاتجار بالبشر"، متهمة إياه بأنه "أقدم بالاشتراك مع متهمين آخرين على تكوين جماعات وإرسالها للقتال في دول أجنبية لقاء مبالغ مالية".

إعلان

وقال مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية إن الدولة المقصودة هي روسيا.

وحذرت السفارة العراقية في موسكو مطلع الشهر ذاته من "محاولات استدراج أو توريط بعض العراقيين المقيمين في روسيا أو خارجها بذرائع مختلفة للمشاركة في الحرب".

ويعتبر كثر في العراق الملتحقين بالجيش الروسي "مرتزقة"، وقال عم أحد العراقيين المفقودين في روسيا منذ أشهر لوكالة الصحافة الفرنسية إنه يأمل أن تعاقب الحكومة العراقية أولئك الذين يستدرجون الشباب إلى روسيا.

ويُعد القتال كمرتزقة -كما يصفه البعض- "وصمة عار" في العراق إلى حد أن عائلة مجند قُتل في روسيا غادرت مسقط رأسها في جنوب البلاد خجلا من مواجهة المجتمع.

وروى أحد أنسباء العائلة لوكالة الصحافة الفرنسية كيف أنها دفنت ابنها بعيد تسلمها جثته تحت جنح الظلام من دون حضور أي من الأقارب.

وتسلمت العائلة تعويضا ماليا بقيمة أكثر من 10 آلاف دولار مع الجثة على حد قوله، لكن كثيرين في المجتمع المحلي اعتبروا أن الشاب أساء بفعلته إلى مجتمعه.

وأضاف الرجل -طالبا عدم الكشف عن هويته- "يحترق قلبي من فكرة أن يموت شاب في الخارج، ثم يُدفن هنا بالسر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات لوکالة الصحافة الفرنسیة وکالة الصحافة الفرنسیة التواصل الاجتماعی القوات الروسیة الجیش الروسی للانضمام إلى فی أوکرانیا إلى روسیا فی العراق فی روسیا تیک توک

إقرأ أيضاً:

روسيا تعلن تقدم قواتها في بوكروفسك بشرق أوكرانيا

قالت روسيا، اليوم الاثنين، إن قواتها تقدمت في مدينة بوكروفسك بشرق أوكرانيا مركز النقل والخدمات اللوجستية التي تحاول السيطرة عليها منذ أكثر من عام، لكن أوكرانيا قالت إن قواتها صامدة.

روسيا والصين توقعان خارطة الطريق للتعاون في مجال الملاحة روسيا: تسوية 99% من التجارة مع الصين بالعملات الوطنية

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن جنودها يدمرون ما وصفته بتشكيلات أوكرانية محاصرة بالقرب من محطة السكك الحديدية والمنطقة الصناعية في بوكروفسك، ودخلوا منطقة بريجورودني في المدينة وتمركزوا فيها.

وأعلن الجيش الأوكراني اليوم أن القوات الروسية لا تسيطر سيطرة كاملة على أي منطقة في مدينة بوكروفسك.

وذكرت فرقة العمل المسؤولة عن خط الجبهة الشرقية لأوكرانيا على فيسبوك، يواصل الغزاة هجومهم في مجموعات صغيرة يصل عدد أفرادها إلى خمسة جنود، دون استخدام مركبات مدرعة.

مقالات مشابهة

  • أوكرانيا: لا صحة لحصار الجيش الروسي مدينة بوكروفسك وأرسلنا تعزيزات لقواتنا في المنطقة
  • الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1585 جنديًا أوكرانيا على محاور القتال المختلفة
  • كيف استخدمت أوكرانيا الألعاب الإلكترونية في حربها ضد روسيا؟ تفاصيل كاملة
  • لماذا أثار اتفاق المياه بين بغداد وأنقرة غضب العراقيين؟
  • روسيا تعلن تقدم قواتها في بوكروفسك بشرق أوكرانيا
  • بعد كوريا الجنوبية.. العراق يحسم صفقة مقاتلات رافال الفرنسية
  • كيف حولت أوكرانيا حربها ضد روسيا إلى لعبة إلكترونية؟
  • نائب:الحشد الشعبي وراء نزوح وتهجير العراقيين خدمة للمشروع الإيراني
  • أوكرانيا تشن هجمات كبيرة على منشآت الطاقة داخل روسيا