غزة- مدلين خلة - صفا مع اقتراب فصل الشتاء، يقف أهالي غزة أمام معاناة إنسانية مأساوية، خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت على القطاع لمدة عامين، دمّر الاحتلال خلالها البنى التحتية، وهجُر مئات آلاف العائلات من منازلهم. لا مأوى ولا خيام ولا ملابس ولا أغطية كافية تقيهم برد الشتاء القارس، بعد أن دمر الاحتلال نحو 90% من المنازل وحوّلها إلى ركام.

في غزة، لا يُعلن الشتاء قدومه فقط بالمطر والريح، بل بالألم والجوع والبرد، الذي يفاقم معاناة نحو مليوني نازح يعيشون في خيام مهترئة ومراكز إيواء تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ما يجعلهم عُرضة للأمراض والأوبئة. يركض الأطفال في الأزقة وبين الركام، حفاةً بأقدامٍ تقطعها الحجارة والبرد، يواجهون البرد القارس بقمصان صيفية ممزقة، نساءٌ يتحلقن حول نيران بدائية، وشيوخٌ يرتجفون تحت بطانيات لا تكفي. ورغم مرور نحو أربعة أسابيع على وقف إطلاق النار في القطاع، إلا أن "إسرائيل" لم تسمح بإدخال كميات كافية من المساعدات الغذائية، فضلًا عن إدخال الخيام ومستلزمات إيواء النازحين. وحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن ما يُسمح بإدخاله من مواد الإيواء إلى قطاع غزة لا يغطي سوى نسبة ضئيلة جدًا من الاحتياجات الفعلية للنازحين، الذين تجاوز عددهم المليون ونصف المليون مواطن. وأكدت أن الاحتلال يفرض قيودًا معقدة على دخول الخيام والأغطية والفرشات ومواد البناء المؤقتة، ما يعيق جهودها في تجهيز الملاجئ وتحسين أوضاع المخيمات التي تحولت إلى تجمعات مكتظة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة. مأساة إنسانية و"مع حلول ساعات المساء تبدأ الحرارة بالانخفاض وتصبح الخيام باردة جدًا لا يحتمل صغارنا بردها، فلا يوجد ملابس يرتدونها ولا أغطية يلتحفون بها، فيأكل البرد أجسادهم ويذيبها المرض دون علاج"، تقول نهاد البسيوني. وتضيف البسيوني في حديث لوكالة "صفا"، "نحن على أبواب شتاء قادم ولا نملك شيئًا يقينا وأطفالنا برده، لقد خرجنا من بيوتنا بدون ملابس شتوية أو بطانيات، خرجنا بملابسنا التي كنا نرتديها تحت كثافة القصف الإسرائيلي على مدينة غزة". وتتابع "ما يتوفر في الأسواق من ملابس شتوية محدود وقليل جدًا وبأسعار فلكية لا يمكن لنا شرائها". وتشير إلى أن دخول الشتاء دون ملابس وأغطية سينذر بكارثة صحية على حياة الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص، كون أجسادهم لا تتحمل البرد وأمراض الشتاء التي لا يوجد لها علاجات في مشافي القطاع. أوضاع صعبة المواطنة رغد أبو دية نازحة من حي الزيتون إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، تقول لوكالة "صفا": "الأوضاع صعبة جدًا، ونحن بحاجة ماسّة إلى ستر وملابس شتوية لأطفالنا". وتضيف "الحرب ونقص المساعدات جعلا حياتنا أكثر صعوبة، كل يوم يمر نخشى البرد القادم ولا نملك البديل". وتتابع "الأطفال يمرضون بسرعة مع انخفاض الحرارة، ونحن نحاول تغطيتهم بالملابس القديمة، لكنها لم تعد كافية لحمايتهم". إبراهيم نصر أحد تجار الملابس المصنعة والمستوردة يصف الوضع بالقطاع قائلًا: "المصانع التي كانت توفّر جزءًا كبيرًا من الملابس الشتوية توقفت عن العمل، بسبب قصفها أو تضررها، أو عدم توفر المواد الخام لصناعة الملابس". ويضيف نصر لوكالة "صفا"، أن "المواد الخام لا تصلنا، بسبب رفض الاحتلال إدخالها، لذلك لا يمكننا إنتاج الملابس التي يحتاجها الناس قبل حلول البرد". ويتابع "نحاول تأمين بعض القطع القليلة من مصانع محلية صغيرة، لكن الكمية محدودة والأسواق خاوية". ويشدد على أن الأزمة ليست رفاهية، وليست من صنع تجار غزة، هي مسألة حياة، الأطفال وكبار السن بحاجة ماسّة إلى ملابس دافئة وثقيلة تحميهم من البرد القارس. وأقسى ما يخشاه تجار غزة، كما يقول نصر، أن لا تستطيع أي جهة تلبية حاجة الناس الأساسية من الملابس الثقيلة، قبل حلول الشتاء. وخلال حرب الإبادة، تعمّدت قوات الاحتلال تدمير المصانع والورش في قطاع غزة، والتي كانت توفر سلعًا وأدوات إنتاجية. 

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: غزة الشتاء خيام نازحون

إقرأ أيضاً:

يعيشون فوق الموت وتحت القصف.. نازحون يحتمون بالمقابر هرباً من رعب الحرب

البلاد (غزة)
في مشهد يلخص عمق المأساة الإنسانية في غزة، تتقاطع الحياة والموت في مكان واحد، فبين القبور، في مقبرة بخان يونس جنوب القطاع، تتدلى سجادة صلاة على حبل غسيل، ويزحف طفل صغير بكرسي متحرك يدفع أمامه غالون ماء، بينما يتصاعد دخان الطهي من بين شواهد القبور. هنا يعيش عشرات الفلسطينيين النازحين الذين لم يجدوا مأوى سوى مقابر الموتى.
تقول بريكة،وهي أم فقدت منزلها في قصف إسرائيلي على حيّها بخان يونس وفقاً للعربية، إنها اضطرت مع أسرتها إلى نصب خيمتهم بين القبور بعد أن دُمّر منزلهم بالكامل، مشيرةً إلى أنهم لا يستطيعون العودة لأن القوات الإسرائيلية لا تزال تحتل المنطقة. وتضيف بنبرة تعب ممزوجة بالأسى: “نشعر أننا ننتهك حرمة الموتى، لكن ليس أمامنا مكان آخر نلجأ إليه”.
من بين جيرانها أحمد أبو سعيد، الذي كُتب على شاهدة قبره أنه توفي عام 1991 عن عمر 18 عاماً. وبينما يحاول الأحياء التأقلم مع مكانهم الجديد، يبقى الخوف سيد الموقف. يقول محمد شما، الذي يعيش في المقبرة منذ ثلاثة أشهر بعد تدمير منزله: “أنا رجل بالغ، ومع ذلك أشعر بالخوف من القبور ليلاً.. أختبئ في خيمتي حتى الفجر”.
ويجلس شما على شاهد قبر مكسور متذكراً يوم لجأ إلى هذا المكان ولم يكن يملك سوى 200 شيكل، استعان بها لنقل عائلته إلى المقبرة. أما زوجته حنان شما، فتغسل أوانيها في وعاء صغير وتحاول حفظ كل قطرة ماء، وتقول: “الحياة هنا مليئة بالخوف والرعب، لا نوم ولا راحة.. نعيش فوق الموت وتحت القصف”.
لكن حتى بين الأموات، لا يوجد مأمن. فقد وثّقت الأمم المتحدة وجهات مراقبة قصف مقابر عدة في غزة خلال الحرب، بينما تزعم إسرائيل أن بعض المقابر تُستخدم من قبل حماس كمواقع عسكرية، ما يجعلها “تفقد الحماية” بموجب القانون الدولي، بحسب قولها.
ومع وقف إطلاق النار المؤقت، تحولت المقابر أيضاً إلى ساحات لدفن جثث جديدة تُنتشل من تحت الركام، بعضها يُوارى الثرى تحت الرمل دون ألواح حجرية، ويُعلَّم بأحجار بسيطة. وقد ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 68 ألفاً و800، فيما لا تزال فرق الإنقاذ والعائلات تبحث بين الأنقاض عن المفقودين.
يقول شما في نهاية حديثه بصوت متعب: “الهدنة لم تغيّر شيئاً.. ما زلت أعيش في المقبرة، بلا بيت، بلا أمل.. بين الأموات فقط وجدت مكاناً للحياة”.
هكذا تحولت المقابر في غزة إلى مأوى قسري للأحياء، في مشهد يختصر حجم الألم الإنساني الذي تركته الحرب، حيث أصبح الموت أرحم من النزوح، والمقبرة آخر ملجأ للحياة.

مقالات مشابهة

  • الهيئة الدولية «حشد»: كارثة إنسانية وشيكة في غزة مع اقتراب فصل الشتاء
  • نازحون فلسطينيون يعيشون ظروفا قاسية وسط قطاع غزة مع اقتراب فصل الشتاء.. فيديو
  • في غزة.. نازحون يُواجهون الشتاء بملابس وخيام بالية تُعمق مأساتهم
  • في غزة.. نازحون يُواجهون الشتاء بملابس قديمة وخيام مهترئة تُعمق مأساتهم
  • غزة.. نازحون يُواجهون الشتاء بملابس قديمة وخيام مهترئة تُعمق مأساتهم
  • يعيشون فوق الموت وتحت القصف.. نازحون يحتمون بالمقابر هرباً من رعب الحرب
  • هيفاء وهبي تواجه الزمن بملابس شبابية (صور)
  • النيران تلتهم مصنع ملابس غير مرخص بالقاهرة.. والدفع بسيارات إطفاء
  • تخفيضات على الملابس والسلع.. مد فعاليات مبادرة «كلنا واحد» حتى الأول من ديسمبر