صور لمعاناة أطفال السودان تثير تعاطفا عالميا.. حقيقة أم تضليل؟
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
تواصل المأساة الإنسانية في السودان تدهورها بشكل غير مسبوق، حيث وصلت الأوضاع إلى مرحلة خطيرة يصعب تصورها، وهو ما يظهر بوضوح في المشاهد المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي.
وأظهرت الصور والفيديوهات على المنصات حجم الكارثة الإنسانية التي خلفت نحو 13 مليون نازح، مما جعلها تتصدر قائمة أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، إلا أن بعض الحسابات تستغل تلك المواد البصرية خاصة المرتبطة بالأطفال من أجل إثارة التعاطف لجمع آلاف المشاهدات، دون التحقق من صحتها.
يتعلق الادعاء الأول بصورة قيل إنها تظهر طفلا سودانيا يحمل محلولا طبيا لوالدته المريضة، وزعم ناشطون أنها التقطت حديثا وتعكس انهيار الوضع الطبي، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها الفاشر عاصمة شمال دارفور التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
Talk about sudan pic.twitter.com/HffDxiksvH
— Emelia (@Emeliay8gk) October 27, 2025
وحققت الصورة انتشارا وتفاعلا عالميا، إذ طالب باحثون وناشطون في منشورات متداولة بأن تتصدّر الصورة "واجهة جميع صحف العالم"، كما ارتبطت بتغريدات أخرى تنتقد صمت العالم والمجتمع الدولي أمام المجازر المرتكبة بحق المدنيين، فضلا عن تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان.
This photo needs to be the front page of every news paper in the world.
Sudan is bleeding. pic.twitter.com/1l8sGrLYvM
— Mohamad Safa (@mhdksafa) October 29, 2025
وبالبحث، توصل فريق "الجزيرة تحقق" إلى أن الصورة ليست حديثة ولا علاقة لها بالسودان، إذ ظهرت نسخة مطابقة لها في أرشيف وكالة "غيتي" (Getty Images)، وتبين أنها تعود لطفل من قبيلة الهوتو، ذات الأغلبية السكانية في رواندا، ظهر وهو يحمل كيس محلول وريدي لسيدة مصابة بالكوليرا يرجح أنها والدته.
View this post on Instagramوتظهر بيانات الصورة أنها التقطت في 1 يناير/كانون الثاني 1994 داخل مخيم للاجئين في مدينة غوما شرق الكونغو الديمقراطية، ونشرت ضمن سلسلة توثق أزمة الروانديين الفارين من الإبادة الجماعية، كما التقطها المصور بيتر تيرنلي، وأعاد نشرها على حسابه في "إنستغرام" عام 2024.
ويتعلق الادعاء الثاني بمقطع آخر زعمت حسابات على منصة "إكس" أنه يعود لطفل سوداني يناشد العالم لإنقاذ والدته التي لا تستطيع القيام لأنها جائعة، إذ يوحي المقطع بأنه التقط في أحد مخيمات النزوح.
طفل سوداني يستغيت ????
انقذونا بنموت من الجووووع ياااامسلمين #أنقذوا_الفاشر pic.twitter.com/Ufg4Qoc9tt
— zahira_Sahran????????????????????????الخاص ممنوع ???? (@bouchraSahrane) November 6, 2025
وبالتدقيق في المصدر الأصلي للمقطع على "تيك توك"، يتبين وجود علامة وشعار نموذج (MindVideo.ai) يمين المقطع، وهي أداة ذكاء اصطناعي، تتيح إنشاء مقاطع فيديو بجودة عالية عبر أوامر نصية وصور فقط، مما يؤكد أن الفيديو مزيف.
وبالعودة إلى مصدر نشر الفيديو، يتبين أن حساب يحمل اسم (20ptz7) قام بنشر أكثر من 10 مقاطع مضللة مرتبطة بالأوضاع في السودان بداية من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وأغلبها يظهر فيها أطفال ونساء، بهدف إثارة المشاعر وجذب التعاطف.
أما الادعاء الثالث فيتعلق بصورة زعم ناشطون عبر المنصات أنها لطفلة سودانية تتضور من شدة الجوع، إذ ظهرت تبكي بجسد هزيل، ومن خلفها إناء فارغ.
المشاهد التي تصل من السودان فظيعة وفاجعة.
من يقتص لهؤلاء؟ ومن ينصرهم؟!
لا تستكوا عما يحصل لإخوانكم.#الفاشر_تحت_الحصار pic.twitter.com/Yk7eY1ozFC
— أحـمــد بن غـالــب (@AhmedGhalib7B) October 28, 2025
وادعى البعض أن الصورة التقطت في الفاشر، كما انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي بسياقات ولغات مختلفة، إذ علق أحد الحسابات عليها بالقول: "لعن الله من جوّعك وأبكاك، الفاشر تموت جوعا"، وكتب آخر: "المشاهد التي تصل من السودان فظيعة وفاجعة، من يقتص لهؤلاء، ومن ينصرهم؟!".
إعلانوبالبحث، تبين أن الصورة التقطت قبل أكثر من عقدين ولا تصور فتاة سودانية كما زعم البعض، بل لها نسخة قديمة على الإنترنت بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2002، مما يؤكد أنها غير مرتبطة بتداعيات الحرب في السودان.
وبحسب بيانات "غيتي" فإن الصورة تظهر طفلة تبكي من شدة الجوع، حين تُعد والدتها ما تبقى لديهما من طعام في ظل أزمة غذائية خانقة ضربت جمهورية ملاوي الواقعة شرق أفريقيا آنذاك، بسبب موجات الجفاف والفيضانات.
ويظهر الادعاء الرابع مقطع فيديو زعم ناشطون عبر المنصات الرقمية أنه لطفل سوداني يحمل شقيقه الصغير، في حين يصرخ ويرتجف خوفا ورعبا من قوات الدعم السريع.
طفل سوداني يبكي ويرتجف من الخوف والرعب من مليشيا الدعم السـ…ـريع الإرهـ..ـابيـ ـة‼️????????????????????
لا تتجاهل ???????? من أجل أطفال أبرياء لا تتوقف عن النشر ???? والمشاركة.????????#انقذوا_أطفال_السودان#السودان_تستغيث pic.twitter.com/wZvHHMUAAQ
— ????????✌????????Hanan Al fashg حنان الفاشق (@han_moh7) November 7, 2025
وكشفت أداة متخصصة في كشف الزيف العميق أن الفيديو مولد بالذكاء الاصطناعي وليس حقيقيا، وبالعودة إلى مصدر الفيديو على منصة "تيك توك" يتبين أنه منشور بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني على حساب يحمل اسم (FreeSudan) الذي نشره إلى جانب عدة مقاطع مزيفة مرتبطة بالأحداث في السودان.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زعمت حسابات على "إنستغرام" و"إكس" أن الصورة توثق طفلين سودانيين يبكيان بسبب المجاعة وتداعيات الحرب الدائرة في البلاد.
وبعد التحقق، تبين أن الصورة مرتبطة بأحداث القتال في شرق الكونغو والتقطت في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 خلال تصاعد المعارك في منطقة كيوانجا شمال مدينة غوما شرق الكونغو الديمقراطية، وفقا للبيانات المتاحة على موقع وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
ورغم أن المشاهد المتداولة صُنعت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن ذلك لا ينفي حقيقة الأوضاع المأساوية التي تشهدها مدن سودانية عدة، لا سيما مدينة الفاشر التي تشهد أحد أسوأ فصول الحرب الدائرة.
وتشير بيانات أممية إلى أن حرب السودان، التي دخلت عامها الثالث، ألقت بظلالها على أكثر من 15.6 مليون طفل، يواجهون النزوح وسوء التغذية وتفشي الأمراض، وبين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول الماضي، استقبلت اليونيسيف نحو نصف مليون طفل لتلقي العلاج من "سوء التغذية الحاد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات شرق الکونغو فی السودان طفل سودانی أن الصورة pic twitter com تیک توک
إقرأ أيضاً:
بعد جرائم الفاشر.. ما الذي أوصل السودان إلى هذه اللحظة؟
فقد حاصرت قوات الدعم السريع المدينة منذ مايو/أيار 2024 حتى تمكنت من السيطرة عليها الشهر الماضي، وقد جرى تداول عشرات المقاطع التي توثق جرائم الحرب والإعدامات الميدانية للسكان.
وأحدثت هذه السيطرة تحولا في موازين القوى على الأرض حيث اضطر الجيش للانسحاب من مناطق عديدة بعد شهور قليلة من سيطرته على العاصمة الخرطوم وحديث قائده عبد الفتاح البرهان عن قرب إلحاق الهزيمة بالمليشيا التي يقودها حليفه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ووفق تقرير نشرته حلقة 2025/11/17 من برنامج "للقصة بقية"، تمتلك الفاشر أهمية إستراتيجية في هذا الصراع الذي يقول محللون إنه يعكس تدافعا دوليا وإقليميا على احتياطات المدينة من النفط واليورانيوم والذهب.
كما تعني السيطرة على المدينة -التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور- الإمساك بكل خطوط إمداد دارفور مما يعطي الدعم السريع ميزة إستراتيجية في أي مفاوضات مقبلة مع الجيش، برأي الباحث في الدراسات الأمنية والإستراتيجية إبراهيم ناصر.
والأهم من ذلك -برأي ناصر- أن قوات الدعم السريع حاولت من خلال السيطرة على هذه المدينة الإستراتيجية تأكيد تفوقها العسكري والميداني على الجيش، إضافة إلى سعيها لإحداث تغيير ديمغرافي في المدينة للقول إنها تمثل بعض عرقيات البلاد.
توصيف خاطئويرى المحلل السياسي مأمون عثمان ورئيس تحرير صحيفة الوسط فتحي أبو عمار، أن وصول الصراع في السودان إلى هذه اللحظة المأساوية كانت نتيجة لتوصيف المجتمع الدولي الخاطئ له منذ البداية، لكنهما يختلفان في طبيعة هذا التوصيف.
فالحرب في السودان -كما يقول عثمان- ليست صراعا بين رجلين على السلطة وإنما هي حرب بين مليشيا وكيلة وجيش وطني، ومن ثم فإن نهاية هذه الأزمة تبدأ من اعتراف المجتمع الدولي بهذا التوصيف.
ولا يبدو هذا الأمر بعيدا بنظر عثمان بعد تغير المزاج الدولي جراء المجازر المروّعة التي وقعت في الفاشر، والتي يعتقد أنها ستدفع العديد من الدول لدعم موقف الجيش في مواجهة الدعم السريع.
لكن أبو عمار، يرفض حديث عثمان ويقول إن الحل يبدأ من الاعتراف بأن الجيش السوداني كان سببا في كل الحروب المتعاقبة التي شهدتها البلاد، ويرى أنه متورط هو الآخر في جرائم ضد المدنيين.
ويستند أبو عمار، في حديثه، إلى تقرير اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان والتي أقرت قيام الجيش بجرائم ضد المدنيين وعمليات إعدام غير قانونية في مناطق منها حلفايا ودندر وسنجة.
وهذه التقارير هي التي حدت بالجيش لرفض التقرير ومطالبة مجلس الأمن بتقليص فترة عمل اللجنة وعدم التمديد لها، حسب أبو عمار، الذي أكد أن السلام العادل هو المخرج من هذا الصراع وإلا فإن الحروب ستستمر حتى ينتهي الأمر بالسودان مقسما إلى دويلات صغيرة.
بيد أن عثمان وصف الحديث السابق بأنه "سردية تتبناها (قوات) الدعم السريع"، متهما أبو عمار بأنه "يعمل مستشارا لقائد المليشيا"، وهو ما رد عليه الأخير بأن "كلا الطرفين ارتكب جرائم موثقة بحق السودانيين".
ويعتقد عثمان أن بإمكان الجيش حسم المعركة بعد تغير المزاج الدولي، قائلا إن المناطق التي سيطر عليها مؤخرا غرب كردفان ستكون فاتحة لتمديد سيطرته وصولا إلى استعادة الفاشر.
جرائم من الطرفينوبعيدا عن هذا وذاك، ترى عضوة البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان منى رشماوي، أن هذا السجال السياسي لن يصل إلى نتيجة تخدم السودانيين، وتقول إن كلا الطرفين ينتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان على الأرض.
من ثم، فإن على المجتمع الدولي بذل المزيد من الجهد لوقف هذه الحرب وصون الدماء وإيصال المساعدات والتحقيق في الجرائم التي وقعت والسماح لفرق المراقبة للمدن من أجل الوقوف على أوضاع السكان، كما تقول رشماوي.
وفي تطور جديد، طالب ممثلون للادعاء بإصدار عقوبة بالسجن المؤبد على زعيم الدعم السريع، وأوضحوا للمحكمة الجنائية الدولية، الاثنين، أنه ارتكب جرائم مثل القتل وإصدار أوامر لآخرين بارتكاب جرائم جماعية في دارفور، حسب ما نقلته وكالة رويترز.
Published On 18/11/202518/11/2025|آخر تحديث: 01:03 (توقيت مكة)آخر تحديث: 01:03 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2شارِكْ
facebooktwitterwhatsappcopylinkحفظ