شاكر ومقدر جداً لكل الأصدقاء (صديقات واصدقاء) الذين افتقدوا مقالات حاطب ليل الراتبة في الأيام القليلة الماضية.. فإحداهن صديقة ودفعة وحاجة مكركبة زي حالتي… كتبت لي مشفقة فكتبت لها (أنا ما قايل حلوين زي ديل بفقدوني)… فردت بالقول أكان كده غيب تعال طوالي… عشان نفقدك وتكتب مثل هذا الكلام الذي يرفع المعنويات…
أحدهم قال لي مصر كملت فهمك فغلبتك الكتابة….
سقوط الفاشر والجرائم المروعة فيها والتي ايقظت البشرية على أفعال (الأشاوس) وأكدت أن ما يحدث في السودان ليست حرباً بالمعنى المعروف للحرب… إنما هي عدوانا على مدنيين عزل أبرياء لا يعرفون كوع الكلاش من بوع الدوشكا… ما حدث في الفاشر حدث مثله وأسوأ من قبل في شمال الجزيرة.. وربما في مناطق أخرى من السودان… قلت شمال الجزيرة ليس لأنني شاهد عيان بل لأني كنت في قلب العدوان… أديكم مثل…لمنطقة صغيرة جداً من شمال الجزيرة… قرى السريحة وأزرق و ودلميد واللعوتة، كلها تقع على خط مواصلات واحد لايتجاوز طوله العشرين كيلومترا…يبدأ من ألتي جنوباً ويصل السريحة شمالاً.. السريحة هجموا عليها بسلاح فتاك فقتلوا 426 شخصاً في ظرف ساعتين غير الذين ماتوا فيما بعد بسسب تداعيات العدوان…. ثم هجموا على أزرق فأخذت نصيبها من الموت فنزح سكان القريتين جنوباً إلى عديد البشاقرة وودلميد والتكينة.. فجاء الدعم السريع إلى ودلميد وأمروا السكان باخلائها (بس كده) مع تفتيش دقيق عند المخرج الوحيد المتجه إلى اللعوتة…. فجاء سكان وودلميد ومن نزحوا إليهم من السريحة وأزرق إلى اللعوتة بعد منتصف الليل ..
وبعد أربعة أيام تحديداً في 14 نوفمبر 2024 هجموا بمتحرك كامل على اللعوتة… ففي ظرف ساعتين خرج منها قرابة الثلاثين ألف نسمة واستشهد فوق العشرين شخصاً في الساعة والحين… ثم لحق بهم أكبر من ذلك العدد في عمليات النزوح…. فتفرقوا على القرى المجاورة علماً أن كل المنطقة كانت خاضعة للدعامة..
فالبنادق مصوبة على الرؤوس أينما حل الناس مع ممارسة كل الفظائع المعروفة عنهم… كل هذا حدث في النصف الأول من نوفمبر 2024.. ولكن العالم ما جايب خبر… أو على الأقل أصبح العالم متعامياً عما يحدث إلى ان جاءت الفاشر بعد عام…
إن ما حدث في الفاشر جاء معضداً لما حدث قبلها في كل الأماكن التي كان الدعامة قد دخلوا إليها…وما أكثرها في السودان الواسع…. لكن الإعلام العالمي انتبه بعد الفاشر … ولا بأس في ذلك فالمهم أن يدرك الناس حقيقة هؤلاء البشر.. وقد يكون ما حدث في دارفور 2003 سببا في انتباهة العالم… لأنه نشأت عليه مؤسسات عالمية مثل Save Darfour أي أنقذوا دارفور وغيرها فايقظتها أحداث نوفمبر 2025…
الأمر الذي نبهت إليه في آخر مقال هو أن أحداث عام 2003 والتي كانت من نفس المجموعة ولكنها بقيادة مختلفة وهو موسى هلال ورعاية مختلفة و كفيل مختلف عن أحداث 2025.. فهذا يعني أنه إذا لم يتم احتواء العدوان الماثل قد تكون هناك نسخة ثالثة منه برعاية مختلفة وكفالة مختلفة… فقوى الشر العالمية ستظل موجودة ومتربصة… كما أن (الدعتة عتت) فهؤلاء القوم احترفوا القتل عبر البيدقة وأصبح منهجهم ثابتاً فينبغي تنبيه العالم لهذا.. وعلى ضرورة قصر شرهم… وليس إنقاذ المنطقة منهم بل انقاذهم من أنفسهم…
فيا أيها السادة القضية الآن ليست دارفور وحدها ولاحتى السودان وحده بل القضية أكبر من ذلك… لذلك ينبغي أن يكون خطاب السودان للعالم محيطاً بالظاهرة… لأن إرادة المولى وغفلة أهله جعلته مختبراً لهذه الفاجعة العالمية، واللهم لا اعتراض على حكمك..
يوم الجمعة الماضي أصبحت عاديا في غربتي هذة وأثناء تناولي لشاي الصباح مع (شوية كوكيز) وهذة مستلفة من الاستاذ بيجو وشرابه للشاي مع حميدتي.. فتحت الواتساب فوجدت فيه رسالة من سطر واحد (اليوم الذكرى الأولى لمرور عام على اجتياح قريتنا) وكانت من أحد رفقاء تلك المأساة… أشهد الله دخلت في حالة لايمكن وصفها… رأيت أمامي كل أهوال ذلك اليوم والأيام التي تلته.. ولم أفق إلا عندما أذن المؤذن لصلاة الجمعة فحمدت الله على نعمة الصلاة.. وتأكدت من أحداث الفاشر قد ايقظت في دواخلي تلك المواجع فمنعتني من الكتابة وحتى هذه اللحظة مازال الذهن متثاقلا عن الكتابة وغيرها… لقد تأكدت فعلا أن (الدخلت فينا ما بتمرق تاني) ومع ذلك نسعى جاهدين لإبعاد الجانب الذاتي في القضية وتغليب الجانب الموضوعي لكي تنتهي هذة المأساة بأعجل ما تيسر..
بعد تحرير الجزيرة أمضيت فيها قرابة الشهر… وخرجت منها لبورتسودان لإتمام إجراءات الخروج… ومنها إلى السعودية حيث الأماكن المقدسة وأفراد الأسرة الذين عانوا الأمرين من معاناتنا…. ومنها إلى مصر المؤمنة بأهل الله… كتبت كتابا مع بعض الأصفياء لتوثيق ما حدث لشمال الجزيرة… وأعددت كتاباً عن التعايش السلمي في الجزيرة بعد الحرب الحالية متناولا مسألة (الكنابي) مع تحفظي على كلمة كمبو… وكتبت عدة مقالات طالعها الأصدقاء على صفحتي في الفيس بوك. رغم كل هذا تأكدت الآن أنني لم اكتب أي شيء عن البعد النفسي لهذة المأساة… لم أكتب أي حرف عن تجربتي الذاتية وربما لن أكتب أبداً… فلا أريد توزيع المواجع الذاتية بل نريد التناول الموضوعي بهدف المعالجة والخروج من الوهدة… وبعد ذلك فاليأتي أهل الدراما ويصورون ما حدث بوسائلهم المعروفة فنحن نريد التوثيق لكل شيء للوقائع والمشاعر والنفسيات حتى لا يتكرر ما حدث… يجب أن نعرف كل شيء ويجب ألا ننسى أي شيء وبعد ذلك فالنعفو ونسامح ونعالج.. فالانتقام لا يبني أمة ولا يقيم دولة… ومع ذلك الدخلت فينا ما بتمرق…
أعتذار للفريق إبراهيم عبود..
☐ لقد تعودت في السنوات الأخيرة أن أكتب في يوم 17 نوفمبر عن تجربة الفريق إبراهيم عبود في حكم السودان ما لها وما عليها… لأنه وبما يجري من أحداث نجد أنفسنا في حالة فهم متجدد لأي تجربة مضت فالمهدية مثلا… أعادت أحداث اليوم فهمنا لها… فالتاريخ حلقات متصلة فالماضي ينبه الحاضر بما سيكون عليه المستقبل… فاليوم يا سيادة الفريق وجدتنا في حالة (بطالة) لم تسمح لنا بزيارتك السنوية.
دكتور عبد اللطيف البوني
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مصر تجدد إدانتها للفظائع والانتهاكات بالفاشر السودانية
جدد وزير الخارجية ، إدانته للفظائع والانتهاكات المروعة التي شهدتها مدينة الفاشر مؤخرًا، وفقا لنبأ عاجل عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”.
وجري اتصال هاتفي، اليوم الاثنين ١٧ نوفمبر ٢٠٢٥، بين الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج و محي الدين سالم وزير خارجية جمهورية السودان الشقيقة، حيث تناول الاتصال نتائج الزيارة التي قام بها الوزير إلى بورسودان في ١١ نوفمبر الجاري، وسبل دعم الجهود الرامية للوصل لتسوية شاملة للأزمة السودانية.
شدد وزير الخارجية على ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسلامة أراضيه وصون مؤسساته الوطنية، مؤكداً رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها.