الثورة / متابعات

في الوقت الذي تتكشّف فيه تفاصيل جديدة حول الرحلات الغامضة التي خرج عبرها فلسطينيون من قطاع غزة عبر طائرات مستأجرة هبطت في كينيا وجنوب أفريقيا، تتعالى أصوات تحذّر من أن الأمر يتجاوز “مساعدة إنسانية” نحو مخطط أكبر يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه.
التحقيق الذي نشرته صحيفة “هآرتس” قبل أيام كشف عن جمعية تدّعي العمل الإنساني، يديرها شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية–الإستونية، وتتبيّن أنها مجرد واجهة لشركة استشارات في إستونيا.


هذه الجمعية —التي تعرف باسم “المجد”— كانت تعرض على الفلسطينيين دفع ما يقارب 2000 دولار مقابل الخروج من غزة برحلات جوية إلى دول بعيدة، في عملية اتسمت بالغموض التام والوسطاء المجهولين.

آلية احتيال ومخطط تطهير عرقي
وفي تصريح صحفي قال أمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، إن ما تقوم به منظمة “المجد” ليس مبادرة فردية، بل “آلية احتيال ممنهجة تستهدف الفلسطينيين في غزة ضمن مشروع أوسع لتهجيرهم”.
وأضاف البرغوثي: “هذه العمليات تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين عن غزة ومنعهم من العودة إليها، وهي جزء من المخطط الرسمي لفرض ما تسميه إسرائيل ‘تطهيرًا عرقيًا طوعيًا’، بعد فشل التطهير العرقي المباشر عبر حرب الإبادة”.
وأكد أن التعامل مع هذه الجهات “يتطلب أقصى درجات الحذر”، مشددًا على أهمية “توعية الجمهور الفلسطيني بهذه الشبكات الاحتيالية التي تستغل حاجة الناس ودمار حياتهم”.
وأشار البرغوثي إلى أن بعض الدول التي وصلت إليها هذه الرحلات بدأت تدرك خطورة ما يجري، لافتًا إلى أن “هناك تحركات متوقعة لاتخاذ خطوات حاسمة لوقف هذه العمليات وحماية الفلسطينيين من الوقوع في شِراكها”.

مخاوف تتصاعد.. ومسارات تتضح
تزامن هذا التصريح مع كشف معلومات جديدة حول كيفية إخراج الفلسطينيين من القطاع، حيث أكدت مصادر إسرائيلية لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الجيش الإسرائيلي رافق الحافلات التي نقلت المغادرين من داخل غزة إلى معبر كرم أبو سالم، ومنه إلى مطار رامون في النقب.
هذا المسار أثار مخاوف منظمات حقوق الإنسان، التي حذّرت من أن خروج آلاف الفلسطينيين بهذه الطريقة قد يتحوّل إلى نمط منتظم لتهجير السكان، في ظل ظروف إنسانية كارثية تضغط على الناس وتدفعهم إلى القبول بأي منفذ يقدَّم لهم.

عالقون في الجو.. وضحية استغلال متعدد الأطراف
آخر مجموعة خرجت عبر هذه الرحلات —وكانت تضم 153 شخصًا— وجدت نفسها محتجزة داخل طائرة في مطار جوهانسبرغ لأكثر من 12 ساعة. السلطات الجنوب أفريقية رفضت في البداية دخولهم بدعوى “نقص الوثائق” و”عدم وجود تذاكر عودة”، إضافة إلى عدم ختم جوازاتهم عند مغادرتهم إسرائيل.
ركاب الطائرة تحدثوا عن ساعات من العطش والجوع والانتظار، كثيرون منهم لم يكونوا يعرفون الجهة التي رتبت إجراءاتهم، ولا الوجهة النهائية التي كانوا سيصلون إليها.

ما بين “ممر إنساني” و”مخطط مُعدّ مسبقًا”
بين التحقيقات الصحفية، وتصريحات المسؤولين، وتفاصيل الرحلات التي تتكشف تباعًا، يتضح أن ما يجري ليس مجرد مبادرات إنسانية مرتجلة، بل مسار متعدد الأطراف يشارك فيه وسطاء وشركات طيران وهمية أو غامضة، وتسهيلات إسرائيلية رسمية، وركاب فلسطينيون وقعوا بين الأمل والاضطرار والخذلان.
وفي ظل انعدام المعابر التقليدية، والفقر والدمار الهائل الذي خلّفته الحرب في غزة، يجد آلاف الفلسطينيين أنفسهم أمام خيار مرّ: الهروب عبر طرق مشبوهة، أو البقاء في واقع قاتل.
وبين هذا وذاك، تزداد المخاوف اليوم بأن تتحول هذه “الرحلات الفردية” إلى مشروع تهجير صامت، يُعاد من خلاله إنتاج نكبة جديدة بوسائل حديثة… وصمت دولي.

تهجير فعلي
من جهته، حذّر المحلّل السياسي محمد أبو ليلى من أن ما يظهر أمام الرأي العام على شكل “مبادرات فردية” يأتي في سياق سياسي أوسع يجري تمريره بهدوء.
وقال أبو ليلى في تصريح: “الطريقة التي تُدار بها هذه الرحلات، وارتباطها بوسطاء غامضين وشركات غير شفافة، تشير إلى وجود إرادة دولية وإقليمية بالتغاضي — وربما التشجيع غير المباشر — لخلق مسارات خروج دائمة من القطاع. هذا يفتح الباب أمام واقع جديد قد يجد الفلسطينيون أنفسهم فيه أمام تهجير فعلي دون أن يُسمّى كذلك”.
وأضاف أن الخطر لا يكمن فقط في استغلال حاجة الناس، بل في تحويل هذه الحالات الفردية إلى نمط مقبول دوليًا، بحيث يصبح خروج الفلسطيني من أرضه خيارًا مطروحًا وميسّرًا في الوقت الذي تُغلق فيه أمامه كل سبل الحياة داخل غزة.
وختم بالقول: “ما يجري اليوم يفرض على القوى الوطنية والحقوقية متابعة دقيقة، لأن أي تراخٍ سيُترجم عمليًا إلى تغيير ديموغرافي يُفرض ببطء، وبغطاء إنساني ظاهر، لكنه في العمق مشروع سياسي خطير”.

بصمات إسرائيلية
كما قال الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين، إن هذه المؤسسة تعكس رؤية الاحتلال الهادفة إلى دفع الفلسطينيين للخروج من قطاع غزة، موضحًا أن وجود واجهة “مدنية” لا يخفي البصمات الإسرائيلية الواضحة، إذ لا يمكن مغادرة غزة إلا عبر تنسيق كامل مع سلطات الاحتلال وأجهزتها الأمنية.
وأضاف عز الدين في تصريح أن الاحتلال يريد خروج الفلسطينيين دون عودة، ولذلك يصرّ على إبقاء معبر رفح مغلقًا، حتى يصبح الطريق الوحيد أمام الراغبين بالسفر هو هذه الجهة التي وصفها بالمشبوهة.
وأشار إلى أن اشتراط الاحتلال خروج العائلات كاملة يهدف إلى تقليل فرص عودتهم لاحقًا، بخلاف خروج أفراد قد يبقى ارتباطهم بالعودة قائمًا.
وأوضح أن تجنّب الاحتلال ختم جوازات المسافرين يزيد من تعقيد عودتهم مستقبلًا، مؤكدًا أن الأمر ليس مجرد ترتيبات سفر، بل سياسة مدروسة.
وتابع عز الدين أن شبكة من المتعاونين من بعض عناصر السلطة ونشطائها تعمل على تزيين الهجرة للناس وتشجيعهم على التعامل مع هذه المؤسسة، في محاولة لإزالة الحاجز النفسي الذي يمنع الفلسطيني من التعامل المباشر مع الاحتلال أو ممثليه.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

إشادة حقوقية بقانون لجوء الأجانب ورفض مصر تهجير الفلسطينيين | قراءة

انتهت أعمال ورشة العمل الوطنية "نحو تعزيز الإطار الوطني للتعامل مع قضايا اللجوء والهجرة"، التي عقدت اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025، بالشراكة بين المنظمة العربية لحقوق الإنسان (AOHR)، والمؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (EFRR).

وناقشت جلسة العمل الأول "حقائق وأرقام .. التحديات والأفاق"، التي ترأست أعمالها بسمة فؤاد رئيسة مؤسسة المستقلين الدولية: (الصورة العامة والتحديات المجتمعية التي تواجه مصر) في قضايا اللجوء والهجرة.

وقدم الدكتور أيمن زهري خبير السكان ودراسات الهجرة، ورقة عمل بعنوان: “سياق العمل والمهاجرين في مصر”، فيما تحدث خلال الجلسة، جميل سرحان مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (قطاع غزة - فلسطين).

وأشادت بسمة فؤاد بقانون لجوء الأجانب رقم (164) لسنة 2024، خاصًة مع تزايد الصراعات في العالم العربي، الأمر الذي أدى إلى تزايد أعداد اللاجئين، "إذ أن قدر مصر أن يلجًا إليها معظم الجنسيات من الأشقاء العرب".

وأكدت “فؤاد”، أن بعض السلبيات الواردة في القانون يمكن تلافيها في اللائحة التنفيذية للقانون، التي سوف تصدر قريبًا، مشيرة إلى أن غياب الأرقام الدقيقة لأعداد اللاجئين في مصر، وأنه “يجب أن تكون هناك رؤية لدى الدولة المصرية لإعداد هذا الحصر”، مشددة على أهمية تقنين أوضاع اللاجئين في مصر والمهاجرين أسوًة بكل دول العالم.

وتناول زهري، في ورقة العمل التي عرضها ضمن الجلسة 6 محاور رئيسية، كما يلي:

أجانب في مصر: البعد التاريخي، تعرض لتاريخ وجود الأجانب واللاجئين في مصر منذ العصور الحديثة وحتى اليوم.الأطر القانونية والمؤسسية المنظمة، التي تتناول الاتفاقيات الدولية والإقليمية والقوانين الوطنية التي تحكم أوضاع اللاجئين.الملامح الديموغرافية والاجتماعية، بالاعتماد على أحدث بيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين (UNHCR) وتحليل توزيع اللاجئين في مصر.الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، مع بيان أهم مسارات الاندماج والتحديات التي تواجهها الفئات اللاجئة والمهاجرة.السياسات العامة والتعاون الدولي، الذي يرصد علاقات مصر مع شركائها الإقليميين والدوليين في مجال إدارة الهجرة واللجوء.التحديات والآفاق المستقبلية، وفيه نطرح قراءة استشرافية لإمكانات تطوير المنظومة الوطنية للجوء والهجرة في ضوء القانون الجديد رقم164) لسنة 2024.

وتهدف الدراسة في مُجملها إلى الإسهام في بناء فهم متكامل لدور مصر في منظومة الهجرة واللجوء الدولية، وإبراز التوازن الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه بين واجباتها الإنسانية ومسؤولياتها السيادية، في سياقٍ إقليمي ودولي يتسم بالتعقيد والتغير المستمر.

وأوضح زهري، أن مسألة الأرقام لا تُمثل إشكالية كبيرة، فطالما هناك قواعد للأعداد تُلبي الاحتياجات فلا داعي للأرقام الحصرية، إذ أن مسألة الحصر تُصبح مسألة مثيرة للجدل حتى 2027، وبعدها ننتقل للتعداد الحديث، ويمكن وقتها عمل حصر دقيق للأجانب، ولكن حتى التقديرات وإن كانت لا تعطي صورة دقيقة، إلا أنها تساعد على حوكمة ملف الهجرة واللجوء.

كما أكد أن مصر فقط من بين الدول العربية، ومعها وتركيا، قد شاركت مع الدول الأوروبية في صياغة اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

فيما طرح جميل سرحان، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (قطاع غزة - فلسطين)، تساؤلات بشأن إلى أي مدى ينطبق التنظيم القانوني الخاص باللجوء على الفلسطينيين؟، وكذلك كيفية تعزيز العمل من أجل الفلسطينيين الموجودين في مصر؟، مشيرا إلى أن ورقة الدكتور أيمن زهري لم تتناول اللاجئين الفلسطينيين، انطلاقًا من إدراكه لخصوصية الحالة الفلسطينية، من ناحية، ولكون (الأنروا) هي التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين.

وأشاد سرحان، بالموقف المصري حيال القضايا الفلسطينية، التي كان آخرها رفض ومقاومة تهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أنه لولا الموقف المصري الرافض للتهجير لكانت القضية الفلسطينية انتهت، موضحًا أنه منذ العام 1948 احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية 85% من الأراضي الفلسطينية، وهجرت ما يزيد عن 82% من السكان، انتقلوا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنذ 1967 حتى 2023، اضطر الفلسطينيين إلي القدوم إلى مصر للعلاج أو هربًا من المعاناة، ولازالوا موجودين بمصر دون أي غطاء قانوني.

وناشد سرحان الدولة المصرية الموازنة بين الخدمات للفلسطينيين، وبين تجنب تهجير الفلسطينيين، بحيث لا يصبح هذا الأمر مدخلًا لمنع الخدمات عن الفلسطينيين، مطالبا الدولة المصرية بالعمل على تعزيز الإطار الوطني الفلسطيني دون حساسية، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية في رام الله قد أوقفت جوازات السفر لسكان قطاع غزة خشية السفر والهجرة الطوعية.

كما طالب باستثناء الطلاب الفلسطينيين من الحصول على الإقامة حتى يتمكنوا من إتمام دراساتهم العليا، لأن أغلب الطلاب في الوقت الراهن يدرسون عن بعد، كما طالب الدولة المصرية بالعمل على تطوير أو تعزيز الإطار الوطني الفلسطيني مع احترام النهج القائم على حقوق الإنسان من خلال أربعة مؤشرات أساسية وهي: 

المشاركة: تعني ضرورة الاعتراف بالاحتياجات الخاصة للفلسطينيين دون التطرق لفكرة التوطين، والتفاعل المنتج معهم لضمان أنهم ليسوا غرباء بل أصحاب الأرض.عدم التمييز: لا يجوز توكيل محامي لأن التوكيل يتطلب الذهاب إلى الشهر العقاري وهو ما لا يمكن دون وجود الإقامة.التمكين: تمكين الجهات ذات العلاقة لخدمة هؤلاء الفلسطينيين، وتمكين المؤسسات من أن تؤدي أدوارها.الشرعية: علينا إيجاد مجموعة من القوانين واللوائح ومعرفة حقوقنا وواجباتنا.

وأكد سرحان، أن 75% من سكان غزة لاجئين من قرى 1948، ولن يسمحوا بتكرار نكبة اللجوء مرة أخرى، وجرى اتفاق فطري بين إصرار سكان غزة على رفض التهجير وبين الموقف المصري الصلد لرفض التهجير ولحماية الحقوق الفلسطينية.

وأشار إلى أن الفلسطينيين الموجودين في مصر بعد 7 أكتوبر لا يسعون لحق اللجوء ويحرصون على تقديم أنفسهم كضيوف في بلدهم الثاني أو كمهاجرين مؤقتين، ويحتاجون لإطار قانوني مؤقت لدعم وجودهم المؤقت.

كما قدر سرحان، عدد المرضى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية بنحو 180 ألف دخلوا المستشفيات المصرية، ولا يزال منهم 115 ألف، ووفرت الدولة المصرية لهم مساكن التضامن حتى يعودا إلى غزة حين يفتح المعبر.

طباعة شارك اللجوء الهجرة المنظمة العربية لحقوق الإنسان المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين مؤسسة المستقلين الدولية قضايا اللجوء والهجرة اللاجئين قانون لجوء الأجانب قطاع غزة تهجير الفلسطينيين من غزة الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية

مقالات مشابهة

  • إشادة حقوقية بقانون لجوء الأجانب ورفض مصر تهجير الفلسطينيين | قراءة
  • اتحاد الكرة يُسرح جهاز منتخب 2008 بعد الخروج من كأس العالم للناشئين
  • الاتحاد الأوروبي يعقب بشأن تهجير الفلسطينيين قسرا من غزة
  • رحلات غامضة من غزة إلى جنوب أفريقيا.. حكايات هروب فاجأ الجميع
  • جنوب أفريقيا مرتابة من خطة لتهجير الفلسطينيين بعد استقبالها رحلات غامضة
  • تل أبيب تبرّر ترحيل الفلسطينيين: مغادرة مؤقتة أم سياسة تهجير؟
  • يديرها إسرائيلي إستوني.. شبكة غامضة تهرّب الغزيين عبر رحلات سرية / تفاصيل جديدة
  • إسرائيل تخرج فلسطينيين عبر رحلات تشارتر من مطار رامون
  • يديرها إسرائيلي إستوني.. شبكة غامضة تهرّب الغزيين عبر رحلات سرية