«السوشيال ميديا» بين الشائعة وانتهاك الخصوصية
تاريخ النشر: 27th, November 2025 GMT
فى زمنٍ صارت فيه الحياة الزوجية مادة للعرض، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعى من مساحة للتعبير إلى ساحة للتشهير، ومن وسيلة تواصل إلى أداة هدم للأسرة، ووراء كل «ترند» عن طلاق أو زواج جديد، هناك آلاف المتابعين يتداولون التفاصيل، وألسنة تتبارى فى التحليل والاتهام، دون علمٍ أو وعيٍ بعواقب الكلمة، ليتحوّل الزواج من ميثاقٍ غليظٍ إلى محتوى قابل للمشاركة.
انفصالٌ واتهامات
خلال الأيام الماضية، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بسيلٍ من الشائعات التى طالت بعضًا من المشاهير والشخصيات العامة، بعد أن تحوّلت حياتهم الزوجية إلى مادة للنقاش العام، فمن خبر انفصال الفنان كريم محمود عبدالعزيز عن زوجته، وما تبعه من تكهناتٍ واتهاماتٍ لإحدى الفنانات الشابات بأنها سبب الانفصال، إلى قيام بلوجر شهيرة بنشر وثائق وصور تخص حياتها الزوجية بالداعية عبدالله رشدى، ظلّ الرأى العام فى حالة غليانٍ لا يهدأ؛ بين موجات هجومٍ وتعاطفٍ، وانقسامٍ حادٍ بين مؤيدٍ ومعارض.
ورغم اختلاف القصتين فى التفاصيل، فإن النتيجة واحدة: البيوت صارت مشاعًا، والخصوصية أضحت مستباحة، والسوشيال ميديا تحوّلت من وسيلة للتعبير إلى ساحة لفضح الأسرار وهدم الستر.
ناقوس الخطر
وفقًا لأحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS)، بلغ عدد حالات الطلاق فى مصر 265,606 حالة عام 2023، مقابل 269,834 حالة عام 2022 بانخفاضٍ طفيف قدره 1.6%.
فى المقابل، سجّل عام 2022 ارتفاعًا بنسبة 5.9٪ مقارنة بعام 2021، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين تقريبًا، ويرى خبراء أن من أبرز أسباب هذه الزيادة التأثير السلبى للسوشيال ميديا فى العلاقات الأسرية، سواء عبر المقارنة أو الضغط المجتمعى أو انعدام الخصوصية.
يهدم البيوت
وفى هذا السياق قال الشيخ كمال الدين ناصر، واعظ بالأزهر الشريف، إن نشر تفاصيل الحياة الأسرية على السوشيال ميديا «باب واسع للحسد والمشاكل الزوجية»، مؤكدًا أن «الكسب من نشر الخصوصيات عملٌ غير شريف».
ويضيف:«اليوم نرى المشاهير يعرضون حياتهم اليومية على الناس، من الخطوبة إلى الخلاف إلى الصلح، وهذا انتهاكٌ للستر، وقد يكون سببًا فى الطلاق، والخبراء يقولون إن 60% من مشكلات الطلاق اليوم سببها مواقع التواصل».
غياب الحقيقة
من جانبه، أوضح الشيخ بلال خضر، عضو مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، أن الشائعة قد تكون «خبرًا مختلقًا أو جزئيًّا حقيقيًّا يُروَّج لغرضٍ خاص»، محذرًا من خطورتها وقت غياب المعلومة الصحيحة.
وقال خضر: «نحن أمام سيلٍ من المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعى، أغلبها مضلِّل، والحديث الشريف يقول: كفى بالمرء إثمًا أن يُحدّث بكل ما سمع».
وأضاف: «الإسلام ألزمنا بالتحقق، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا، هذا هو المنهج الإسلامى المعتبر: التثبت قبل النشر».
تجسسٌ
وقى سياق متصل، وضح الدكتور على فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء: «من حسن الإسلام ترك ما لا يعنيك، والتدخل فى حياة الآخرين دون علمٍ يعدّ سلوكًا خاطئًا قد يؤدى إلى التجسس ونبش الأخبار».
وأوضح أن الحكم على الناس دون معرفة حقيقية «غير جائز»، وأن الانشغال المستمر بأخبار الآخرين يُضعف الروابط الأسرية، مؤكدًا أن «التركيز على الذات ودعاء الخير للناس أولى من تحليل أخطائهم».
ونبّه فخر إلى ضرورة وجود معايير واضحة لتقديم المحتوى على السوشيال ميديا، موضحًا أن «من يتحدث بلا علمٍ أو تخصص سيتحمل أمانة كلمته أمام الله، لأن الأقوال والأفعال تُراقب من الله تعالى، ولا يجوز أن يتصدر كل أحد للوعظ أو التعليم».
اختراعٌ شيطانيٌّ
أما الدكتور عمرو الوردانى، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، فحذر من خطورة الشائعات التى تنتشر عبر الإنترنت، واصفًا إياها بأنها «اختراع شيطانى ومن أوسع أبواب الكذب».
وقال:«قد يتكلم الإنسان بكلمةٍ لا يُلقى لها بالًا، فيسقط بها فى النار سبعين خريفًا، ومن أخطر صورها نشر الشائعات دون تحقق».
وأضاف:«اجعل نفسك الماء الذى تُطفأ فيه الشائعة. لا تعيد نشرها ولا تعلق عليها حتى على سبيل السخرية، فمن أطفأ شائعة كتب الله له أجر من سن سنة حسنة».
حرامٌ شرعًا
وكان قد أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن الشائعة «خبرٌ مختلقٌ لا أساس له من الواقع، يُراد به إثارة الفتنة والبلبلة»، مشددًا على أن الإسلام حرّم نشرها وترويجها، مستشهدًا بقول الله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (النور: 19).
وأوضح أن مَن يُسهِم فى نشر الشائعات «واقعٌ فى الإثم، حتى وإن لم يكن هو صانعها»، لأن الإسلام ألزم المسلمين بالتثبّت قبل الحكم على الأخبار، ونهى عن الخوض فيما لا علم لهم به.
من التفاعل إلى الانفصال
تقول الدكتورة أمل أبوالعلا، استشارية الطب النفسى، إن متابعة الطلاق على السوشيال ميديا «تحوّل الانفصال إلى مادة ترفيهية»، وتزرع فى عقول المراهقين أن الزواج تجربة مؤقتة يمكن فسخها دون عواقب.
وتضيف أن استعراض تفاصيل العلاقات على الإنترنت يفقدها خصوصيتها، ويخلق بيئة خصبة للغيرة وسوء الفهم، بل وأحيانًا يُستخدم الطلاق العلنى كأداة لزيادة التفاعل والإثارة.
يجمع علماء الدين على أن الستر عبادة، وأن المجاهرة بالأخطاء أو الأسرار الزوجية تفتح باب الفتنة، والرسول ﷺ قال: «من ستر مسلمًا ستره الله فى الدنيا والآخرة»، وفى قوله تعالى: «وجعل بينكم مودة ورحمة» تذكيرٌ بأن الزواج ليس ساحة نزالٍ، بل سكنٌ ورحمة، لا مادة للنشر ولا وسيلة للربح.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السوشیال میدیا
إقرأ أيضاً:
عالم بالأوقاف يحذر: السوشيال ميديا تهدد قيم احترام الكبير بين الشباب
قال الدكتور هشام عبد العزيز، أحد علماء وزارة الأوقاف، إن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بشكل ملحوظ على سلوك بعض الشباب، خاصة الصغار، في تعاملهم مع كبار السن والمجتمع بشكل عام، موضحًا أن بعض الشباب أصبح ينظر إلى الشخص الكبير على أنه "عادي" ولا يملك أي فضل أو مكانة، معتبراً أنه لا فرق بينه وبين أي شخص آخر، وهو ما أدى إلى تراجع قيم الاحترام والتقدير داخل المجتمع.
وأشار الدكتور عبد العزيز، خلال لقاء تلفزيوني، اليوم الخميس، إلى أن السبب الرئيس وراء هذه الظاهرة هو تأثير السوشيال ميديا، التي تجعل الشباب يعتقدون أنهم متساوون مع كل من حولهم، دون إدراك لتاريخ وتجارب وإنجازات من سبقوهم في خدمة الوطن والمجتمع.
وأضاف أن كثيراً من الأشياء التي نستخدمها اليوم — من الملابس إلى الأجهزة وحتى وسائل النقل — من صنع جيل سبقنا، ومن هنا يظهر وجوب التقدير والاعتراف بفضل كبار السن.
وأكد الدكتور هشام أن احترام الكبير ليس تفضلاً، بل هو حق وواجب، وأن التعامل مع الشخص الكبير ينبغي أن يكون على أساس التوقير، وهو أعلى وأرقى من مجرد الاحترام.
وبيّن أن التوقير يعني الانحناء قليلاً أمامه، أو مساعدته، أو مجرد الاعتراف بفضله ومكانته، مستشهداً بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يكرم كبار الصحابة ويعاملهم بتوقير شديد، حتى في المواقف اليومية.
ولفت إلى أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى بعض الشباب يساهم في استهانتهم بحقوق الكبار، مؤكداً أن الاحترام والتوقير من صميم تعاليم الإسلام، ومن مقاصد الدين في تعليم مكارم الأخلاق.
وأضاف أن احترام الكبير لا يعني الموافقة على كل آرائه، بل يمكن الاختلاف مع الحفاظ على أدب الاختلاف والاعتراف بقيمته.
وشدد الدكتور هشام عبد العزيز على ضرورة توعية الشباب بقيم الاحترام والتقدير، والعمل على مواجهة آثار السوشيال ميديا السلبية من خلال التربية الدينية والأخلاقية، وتعليمهم فلسفة التوقير والاعتراف بالفضل لمن أفنى عمره في خدمة الوطن والمجتمع.