حضرموت.. خريطة التشكيلات العسكرية والثروة وصراع النفوذ
تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT
تقع محافظة حضرموت شرقي اليمن، وتعد أبرز محافظة يمنية في صراع النفوذ، لكونها المحافظة اليمنية الأكبر من حيث المسافة (تمثل مساحتها 36% من مساحة البلاد)، وتحتوي على ثروات هائلة، إذ تنتج 80% من النفط اليمني، وتنتج الغاز وثروات أخرى، بالإضافة إلى امتلاكها لشريط ساحلي على البحر العربي يمتد لمسافة 360 كيلومتراً.
ويتجاوز عدد سكان حضرموت 1.8 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 193,032 كيلومتراً مربعاً، ويحدها من الشمال المملكة العربية السعودية، ويحدها من الجنوب بحر العرب، ومن الشرق محافظة المهرة الحدودية مع عمان، ومن الشمال الغربي محافظتا مأرب والجوف، ومن الغرب محافظة شبوة التي تعد مركزاً رئيسياً لإنتاج الغاز في اليمن.
أضف إلى ذلك أن المحافظة تتكون من حضرموت الساحل، وعاصمتها المكلا، وحضرموت الوادي، وعاصمتها سيئون. وفي حضرموت الوادي تقع الثروة النفطية للمحافظة، ومن أبرز الحقول النفطية فيها حوض المسيلة قطاع (14) الذي اكتُشف في عام 1993. ويعتبر قطاع المسيلة النفطي في حضرموت من أكبر الحقول النفطية في اليمن، إذ يمثل أكثر من 39% من إجمالي الإنتاج النفطي، ويحتل المركز الأول بين القطاعات النفطية في البلاد بطاقة إنتاجية قدّرتها وزارة النفط اليمنية في عام 2006 بحوالى 51.7 مليون برميل.
ويوجد قطاع 14 النفطي في محافظة حضرموت ضمن أحواض المسيلة بسيئون، ومساحته تقدر بحوالى 1,257 كيلومتراً مربعاً، حيث تشكل قطاعات المسيلة – وبخاصة القطاعات 14، 10، 51، 32، 53 – العمود الفقري لإنتاج الخام، فيما تعتبر شركة بترومسيلة الوطنية الشركة المشغلة لهذا القطاع بعد أن تسلمته من المشغل السابق، شركة كنديات نكسن الكندية في عام 2011، إذ كانت خطة الشركة تهدف إلى حفر عدد من الآبار التطويرية وحفر بئرين استكشافيتين، إضافة إلى إجراء صيانة لعدد من الآبار والقيام بمسوحات جاذبية ومغناطيسية.
وتملك حضرموت مطارين جويين، هما مطار الريان في المكلا، ومطار سيئون في حضرموت الوادي، وعدداً من الموانئ البحرية، هي: ميناء المكلا، وميناء الشحر، وميناء الضبة النفطي. وتملك أيضاً منفذاً برياً مع السعودية، هو منفذ الوديعة البري الذي عبره ينتقل المسافرون وتُنقَل البضائع والمواد الغذائية من السعودية وإليها، ويعد واحداً من أبرز الأوعية الإيرادية للبلاد، ولكونه أهم منفذ بري بين اليمن والسعودية، فإن ذلك يجعل حضرموت ضمن أولويات الاهتمام السعودي باليمن.
حضرموت... خريطة النفوذ العسكري
هناك المنطقة العسكرية الأولى، وهي إحدى المناطق العسكرية اليمنية السبع، ويقع مركز قيادتها في مدينة سيئون، وتتكون من سبع وحدات قتالية موزعة بين قوات برية وحرس حدود. بينما المنطقة العسكرية الثانية تتخذ من المكلا مقراً لها وتشمل أيضاً محافظة المهرة الواقعة على الحدود مع عمان، والتي تعد ثاني أكبر المحافظات اليمنية من حيث المساحة، وقد نجح الانتقالي الجنوبي بالسيطرة على المكلا وأصبحت المنطقة الثانية حليفة عسكرية له، بينما ظلت المنطقة العسكرية الأولى حجر عثرة أمام استكمال سيطرته الكاملة على كامل محافظة حضرموت، بما فيها حقول النفط الواقعة في حضرموت الوادي.
وتتكون محافظة حضرموت التي تنقسم إلى جزأين، من 28 مديرية، ومدينة المكلا عاصمة لها. يتكون الجزء الأول من ساحل وهضبة حضرموت وينقسم إلى 12 مديرية تسيطر عليها قوات النخبة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والمدعومة من الإمارات، والتي تسيطر على قيادة المنطقة العسكرية الثانية المكونة من الأجزاء الجنوبية لحضرموت ومحافظتي المهرة وسقطرى، كذلك تسيطر على مواقع مهمة أبرزها مطار الريان الدولي في المكلا. أما الجزء الثاني من محافظة حضرموت، فهو مديريات الوادي والصحراء التي تتكون من 16 مديرية وعاصمتها مدينة سيئون، وكانت إلى ما قبل بداية الأسبوع الحالي تقع تحت نفوذ قوات الحكومة المعترف بها دولياً المدعومة من السعودية، وتسيطر على مطار سيئون الدولي.
وبدعم من السعودية، تشكل في عام 2013 حلف قبائل حضرموت، ويرأسه الشيخ عمرو بن حبريش وكيل أول محافظة حضرموت، ويضم الحلف قبائل حضرموت وعشائرها، ويملك تشكيلاً عسكرياً وأمنياً واسع الانتشار في وادي حضرموت تحت اسم "قوات حماية حضرموت" ومقرها منطقة الهضبة في الوادي، حيث تتركز آبار النفط، ومن أبرز مطالب الحلف التي ينادي بها الحكم الذاتي لحضرموت، والحصول على حصة من المخزون النفطي في المحافظة، وتحسين البنية التحتية والخدمات العامة.
وأمام أطماع التوسع والسيطرة على محافظة حضرموت بالكامل، عمل الانتقالي الجنوبي على إنشاء تشكيلات عسكرية مثل (النخبة) و(قوات الدعم الأمني) حيث يهدف الانتقالي من خلال هذه التشكيلات العسكرية إلى السيطرة على وادي حضرموت، والسيطرة على حقول النفط فيه التي يسيطر عليها حلف قبائل حضرموت، بالإضافة إلى السيطرة على المنطقة العسكرية الأولى التي يتهمها بأنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) وأنها تتخادم مع الحوثيين، وعبرها يُهرَّب السلاح للحوثيين.
ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي قراراً باجتياح حضرموت عسكرياً، وعمل بالتزامن مع إقامة عرض عسكري للقوات الجنوبية في عدن هو الأول منذ عام 1989 على التحشيد العسكري من المحافظات التي يسيطر عليها، فحشد آلاف المسلحين ومئات العربات والمدرعات العسكرية من محافظات عدن وأبين والضالع ولحج وشبوة إلى حضرموت الوادي.
وكان حلف قبائل حضرموت قد أعلن الأسبوع الماضي أن وحدات من قوات "حماية حضرموت" قامت بتأمين منشآت حقول نفط المسيلة"، مؤكداً أن تأمين حقول النفط جاء لغرض "تعزيز الأمن فيها والدفاع عن الثروات الوطنية من أي اعتداء أو تدخل خارجي، باعتبارها ثروة شعب وتحت غطاء الدولة الشرعية الرسمية".
والأربعاء سيطرت قوات الانتقالي على مدينة سيئون بالكامل، بعد أن قامت المنطقة العسكرية الأولى بتسليمها بشكل متسارع كلاً من مقر المنطقة والمعسكرات التابعة لها، والقصر الجمهوري، ومطار سيئون، ومجمع المكاتب الإدارية وغيرها من المقرات الأمنية والمدنية، وفي اليوم نفسه سلمت محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان بشكل كامل، مع محور الغيضة العسكري، والمنافذ الحدودية والموانئ، وجميع المقرات الحكومية في المحافظة.
كذلك تمكنت قوات الانتقالي بالسيطرة الخميس، على حقول النفط، وأعادت انتشارها في محيط الشركات النفطية في هضبة حضرموت شمال شرقي اليمن، وبسطت سيطرتها على جميع النقاط والمواقع، وذلك عقب هجوم شنته على قوات حماية حضرموت التابعة لحلف قبائل حضرموت.
وقالت قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي الجنوبي، إن قوات "النخبة الحضرمية"، استعادت مواقعها لحماية الشركات النفطية وبسطت سيطرتها على جميع النقاط، مبررة الهجوم على قوات الحلف، بأنه جاء على خلفية "خلافات داخلية" بين قادة قوات حماية حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش والعوبثاني وبن حريز، بشأن تنفيذ اتفاق التهدئة بين السلطة المحلية وحلف قبائل حضرموت برعاية سعودية.
وقالت قوات النخبة الحضرمية إنها فرضت سيطرتها الكاملة على مواقع الشركات النفطية في منطقة المسيلة بمحافظة حضرموت، عقب عملية عسكرية واسعة بدأت مع ساعات الفجر الأولى. وأضافت القوات أن وحداتها نفذت انتشاراً شاملاً في القطاعات النفطية، شمل محيط الشركات وطرق الإمداد الحيوية، ما أدى إلى انسحاب مجاميع تابعة للشيخ عمرو بن حبريش من مواقعها بعد اشتباكات محدودة في بعض النقاط.
وبهذه السيطرة يكون المجلس الانتقالي الجنوبي قد سيطر بشكل كامل على محافظتي حضرموت والمهرة اللتين تمثلان نصف مساحة اليمن، وهو يسيطر بشكل شبه كامل على بقية المحافظات الجنوبية، وهي المساحة الجغرافية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي يقول إنه يهدف إلى استعادتها، وتحقيق مطلب الانفصال.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن حضرموت الامارات السعودية مليشيا الانتقالي المنطقة العسکریة الأولى الانتقالی الجنوبی محافظة حضرموت حضرموت الوادی قبائل حضرموت حمایة حضرموت النفطیة فی حقول النفط فی حضرموت فی عام
إقرأ أيضاً:
كيف قادت سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة الحكومة اليمنية لمغادرة عدن؟
أدت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن على محافظتي حضرموت والمهرة إلى إشعال خلاف حاد مع الحكومة المعترف بها دولياً التي حذرت من أن هذه التطورات تقوّض سلطتها وتهدد وحدة القرار الأمني والعسكري.
وتمكن المجلس الانتقالي خلال الأيام القليلة الماضية من السيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة اللتين تشكلان نحو نصف مساحة الجغرافية اليمنية، وذلك بعد أن دفع بقوات كبيرة من محافظات أخرى مثل عدن وشبوة.
واللافت أن سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة تمت في الغالب دون أي مواجهات، ما أثار تساؤلات حول هذه التطورات اللافتة في محافظتين كانتا بعيدتين عن مواجهات واضطرابات بدأت قبل نحو 10 أعوام.
مغادرة أعضاء الحكومة
وأثار استمرار سيطرة المجلس الانتقالي على المحافظتين غضب الحكومة اليمنية التي غادرت اليوم الاثنين العاصمة المؤقتة عدن متوجهة إلى السعودية.
وقال مصدر حكومي مقيم في عدن -في تصريح للجزيرة نت- إن الحكومة غادرت إلى السعودية، احتجاجا على التوسع العسكري للمجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة.
وأضاف أن ترك عدن من قِبل الحكومة، جاء بعد 3 أيام من مغادرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قصر معاشيق الرئاسي في العاصمة المؤقتة، أعقبها سيطرة قوات المجلس الانتقالي على القصر.
واختتم المصدر بالقول "الوضع أصبح معقدا سياسيا وعسكريا، ولا ندري إلى أين تتجه الأمور".
وفي السياق، توقفت رحلات طائرات الخطوط الجوية اليمنية في مطار عدن، ما أدى إلى إحداث حالة إرباك كبيرة في صفوف المسافرين.
وفي بيان صحفي، قالت وزارة النقل -المحسوبة على المجلس الانتقالي- إن توقف رحلات الطيران في مطار عدن جاء لأسباب فنية خارجة عن الإرادة.
وأضاف البيان أن قيادة الوزارة وهيئة الطيران والخطوط الجوية اليمنية بذلت جهودا كبيرة أدت لاستئناف الرحلات، وإقلاع طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى الأردن، مساء الاثنين.
لم يغادر الجميعفي المقابل، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي أنور التميمي إن عددا من أعضاء الحكومة التوافقية غادر العاصمة عدن، وبقي آخرون يمارسون مهامهم المعتادة بينهم وزراء الدفاع والداخلية والنقل وآخرون.
إعلانوأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن معظم المغادرين من الشمال ومن بقي معظمهم من الجنوب، مشيرا إلى أن المجلس الانتقالي لم يُبلّغ بأسباب المغادرة.
وتابع "نتمنى أن تكون المغادرة لأسباب شخصية أو لمتابعة مهام حكومية تتطلب السفر للخارج".
واعتبر أن "المجلس الانتقالي حريص على توفير البيئة السياسية والأمنية المناسبة لقيام الحكومة بمهامها، خاصة أنها منذ تأسيسها وضعت على عاتقها التركيز على الجانب الخدمي والاقتصادي، وهذا بالضبط ما يسعى إليه الانتقالي في هذه المرحلة".
وأشار التميمي إلى أن المواطنين تابعوا بارتياح بالغ في الأشهر الماضية التناغم الواضح بين توجهات رئيس الحكومة سالم بن بريك نحو التعافي الاقتصادي، وتوجهات المجلس الانتقالي الذي وفّر الظروف الأمنية المناسبة لإنجاح برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي أثمر تحسنا في قيمة العملة وتحسنا محدودا في القدرة الشرائية للمواطن.
وشدد المتحدث على أن "المجلس الانتقالي حريص على التئام الحكومة بكل أعضائها، وحريص ومساند للبرنامج الاصلاحي للسيد سالم بن بريك، وما زلنا على هذا الموقف".
وتعليقا على هذه التطورات، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إن "الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقا صريحا لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وتهديدا مباشرا لوحدة القرار الأمني والعسكري، وتقويضا لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديدا خطيرا للاستقرار، ومستقبل العملية السياسية برمتها".
وجاء حديث العليمي أثناء لقائه اليوم الاثنين في العاصمة السعودية الرياض مع سفراء الدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن، أبرزها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وحذر العليمي -بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)- من التداعيات الاقتصادية والمعيشية الخطيرة لأي اضطراب خصوصا في محافظتي حضرموت والمهرة، معتبرا أن ذلك قد يعني تعثر دفع مرتبات الموظفين، ونقص الوقود لمحطات الكهرباء، وتفاقم الأزمة الإنسانية، ونسف كل ما تحقق من إصلاحات اقتصادية، وإضعاف ثقة المانحين بالحكومة الشرعية.
كما خاطب العليمي السفراء بأن سقوط منطق الدولة في اليمن لن يترك استقرارا يمكن الاستثمار فيه، لا في الجنوب ولا في الشمال، داعيا إلى تحمل المسؤولية الجماعية، لمنع انزلاق البلاد إلى مزيد من التفكك والفوضى.