الصحافة حرفة قبل أن تكون رسالة، فكيف يمكن لمن يمارس تلك الحرفة أن يحمل تلك الرسالة وقد أصابه القلق والخوف من أن يعضه الجوع، وأن يكون مصيره التشرد؟ الواقع الذى يعيشه من يمتهن الصحافة الآن هو الدافع الأول لطرح السؤال، وقبل أن نخوض فى هذا الواقع، أعرض بعض ما قيل عن تلك المهنة ورسالتها.
قيل عن الصحافة إنها رسالة خالدة، وأنها ركن من أعظم الأركان التى تشيد عليها دعائم الحضارة، وأن كل أمة متمدنة يجب عليها أن تحترم الصحافة، وقيل عنها: لا شىء يدل على أخلاق الأمة ومكانتها مثل الجرائد، فهى المنظار الأكبر الذى ترقب فيه حركاتها وسكناتها، هى رائد الإصلاح ورياح التقدم، إنها لسان الأمة وبرهان ارتقائها، فأمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر، ولا قلب لها فتشعر.
ورغم سمو تلك الرسالة فقد عانت الصحافة ومن يمارسها على مر تاريخها فترات عصيبة من التعنت والاضطهاد والقسوة، تشتد وتلين حسب سياسات السلطة الحاكمة، فاخترع الحكم العثمانى مثلًا دور «المكتوبجى» ليمارس الرقابة على الصحف رغم جهله باللغة العربية، وكان من غرائب هذا «المكتوبجى» ما سجله «سليم سركيس» خلال توليه تحرير جريدة «لسان الحال» فى بيروت عما عاناه هو وغيره فى كتابه «غرائب المكتوبجى عام 1896».
ومن غرائب هذا «المكتوبجى» كما يحكى «سركيس» عن تلك الفترة في بيروت، أنه عندما طبع يوسف أفندى حرفوش كتابًا فى الأمثال وورد فيه المثل الشهير «الحركة فيها بركة»، أمر بحذف المثل زاعمًا أن لفظ الحركة تفيد الثورة!، ومن غرائبه أيضًا عندما كتبت جرائد بيروت أن أحمد أفندى سلطانى زايل «أى تارك ومغادر» الثغر لزيارة شقيقه محمد أفندى سلطانى المقيم فى الأستانة، حذف المراقب النون والياء من سلطانى وصار الاسم «محمد أفندى سلطا»، لأن السلطان لا يكون إلا لعبدالحميد!، ومما ذكره «سركيس» فى كتابه: أنه عندما ضجر عبدالقادر أفندى القبانى صاحب «ثمرات الفنون» من كثرة حذف المقالات، زار «المكتوبجى» راجيًا منه أن يحدد لهم خطة يسيرون عليها فى تحرير صحفهم وأن يريهم القانون الذى يخضعون له، فنظر إليه وقال: ألا تدرى أين القانون؟ فأجاب قبانى أفندى سلبًا، فوضع إصبعه على دماغه وقال: إن القانون هنا!
تلك العلاقة بين الكاتب والمكتوبجى يمكنها أن تمر رغم صعوبتها ووحشتها، يمكن التعايش معها وتفهمها رغم قسوتها ومرارتها، ولكن الأَمَّر الذى لا يمكن أن يمر هو حال من يمارسون تلك المهنة الآن، فقد أصبح قطاع عريض منهم يطارده شبح التشرد، وبات شغلهم الشاغل البحث عن عمل خارج نطاق تلك المهنة لسد حاجتهم وحاجة أولادهم قبل أن يعضهم الفقر.
لا يخفى على أحد أن هناك قطاعًا عريضًا ممن يمارس مهنة الصحافة الآن يكافح من أجل البقاء فى مواجهة ارتفاع جنونى للأسعار متسلحًا برواتب متدنية تسير كالسلحفاة فى سباق غير متكافئ مع سرعة هذا الجنون المتصاعد، وبينما لم يصل الكثير والكثير منهم إلى الحد الأدنى للأجور الذى أقره القانون، يجد البعض أنفسهم فى مواجهة مُلَّاك صحف لا يشعرون بهم ولا يألمون لهم، مُلَّاك لديهم أجندات ومصالح ومكاسب مختلفة، يشهرون أسلحة التهديد بالإغلاق وإعلان الإفلاس إذا لزم الأمر.
فى النهاية: أعلم أن هناك من يكره الصحافة كما السلطان عبدالحميد الثانى عندما قال بعد خلعه من عرش السلطنة: «لو عدت إلى يلدز لوضعت محررى الجرائد كلهم فى آتون كبريت»، وأعلم أن هناك من يتوجس خيفة من أرباب القلم كما نابليون الأول عندما قال إنه يخاف من ثلاث جرائد أكثر من مائة ألف جندى، ومنهم من يسير على نهج «نقولا الثانى» قيصر روسيا عندما قال: «جميل أنت أيها القلم ولكنك أقبح من الشيطان فى مملكتى».. وبين تلك الكراهية والخوف أو التفاهم، يوجد صحفى يريد أن يأكل ويشرب، يريد أن يعيش مطمئنًا بدلًا من تهديده بشبح التشرد أو الخوف من عضة جوع.
أخيرًا: الصحافة لسان الأمة والمرآة التى تريها نفسها اليوم وغدًا وبعد غد.. وما يعانيه قطاع كبير ممن يمارسون تلك المهنة لابد أن يكون له حل عاجل.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب تلک المهنة
إقرأ أيضاً:
صلاح يحارب الجميع.. الصحافة البريطانية تهاجمه.. وإدارة ليفربول تستعد لبيعه
يشهد نادي ليفربول واحدة من أعنف أزماته الداخلية منذ أكثر من عقد، بعدما فجر النجم محمد صلاح تصريحات نارية عقب مباراة ليدز يونايتد في الدوري الإنجليزي، هاجم فيها إدارة النادي والمدرب الهولندي أرني سلوت، متهمًا إياهم بـ"التخلي عنه" و"وضعه تحت الحافلة"، في إشارة إلى تحميله مسؤولية تراجع النتائج.
لم يحتج محمد صلاح سوى سبع دقائق أمام الصحفيين في ممر ملعب "إيلاند رود"، ليُشعل أكبر أزمة داخل ليفربول منذ سنوات.
صلاح نادرًا ما يتحدث بعد المباريات ولكنه أطلق تصريحات صادمة هزت غرفة الملابس والإدارة والجماهير معًا، معلنًا انهيار علاقته مع المدرب آرني سلوت، ومُلمّحًا إلى احتمال أن تكون مباراة برايتون المقبلة وداعًا لجماهير أنفيلد قبل
السفر إلى كأس الأمم الإفريقية.وقال صلاح في مقابلة مطولة مع الصحافة الإنجليزية داخل ممر ملعب إيلاند رود:
"كنت أمتلك علاقة جيدة مع المدرب… فجأة لم تعد هناك أي علاقة، لا أعرف لماذا. يبدو لي أن هناك شخصًا لا يريدني في النادي."
كما أشار إلى احتمال أن تكون مباراة برايتون المقبلة آخر ظهور له في أنفيلد قبل الذهاب إلى كأس أمم إفريقيا، معتبرًا أنه لا يعرف ما سيحدث عقب سفره مع المنتخب.
وتستعد إدارة ليفربول للتفاوض حول بيع صلاح بعد أن تلقى عدة عروض من الهلال والاتحاد السعوديين.
هجوم شرس في الصحافة البريطانيةرؤية كبار الصحفيين البريطانيين تكاد تتفق على أن العلاقة بين محمد صلاح وأرني سلوت لم تعد قابلة للإصلاح خاصة أن إدارة ليفربول تميل إلى دعم سلوت، وليس اللاعب، كما تتوقع بيعه في يناير أصبح خيارًا حقيقيًا للمرة الأولى، حيث أن صلاح فقد فرصة الحصول على “وداع أسطوري” في أنفيلد.
ووصف بول جورست الصحفي بموقع ليفربول إيكو تصريحات صلاح بأنها "انفجار محسوب" مشيرا إلى أن نجم الريدز تعمد توجيه رسائل مباشرة لإدارة النادي والرأي العام.
وأكد أن النجم المصري تصرف بأنانية في توقيت حساس للفريق موضحاً صلاح لم يكن غاضبًا، كان مستعدًا لإلقاء القنبلة. لكنه صب الزيت على نار موسم ينهار، تصريحاته أنانية وقد تضرب الفريق قبل مواجهة إنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا."
ووصف بول جويس، في تقريره بصحيفة ذا تايمز، تصريحات صلاح بأنها “ضربة قاصمة” للنادي، قائلاً: “صلاح حصل على ما أراده قبل شهور عندما جلس على العرش الذهبي لتجديد عقده… ما يفعله الآن يجعل خروجه أقرب من أي وقت.”
وأضاف:“كيف سيخرج صلاح ووكيله الآن من عقد قيمته 400 ألف أسبوعيًا؟" لافتا إلى أن ليفربول لن يمنع انتقاله للسعودية إن جاء عرض قوي، وأن "مو" فتح باب الخروج بنفسه، وأن النادي مستعد للجلوس والتفاوض.
واعتبر جيمس بيرس، أن إحباط صلاح مفهوم، لكن قراره بالتصعيد علنًا غير محترم للنادي ولزملائه، مشيرا "لقد جُرح كبرياء صلاح، لكنه أخطأ حين صعد الأمور بهذه
الطريقة."
وذهب أندى هنتر في تقريره بصحيفة الجارديان، إلى أبعد تحليل، واعتبر أن صلاح خان غرفة الملابس بتصريحاته، وقارن ما حدث بجريمة “روي كين ومقابلة MUTV” الشهيرة، مضيفا "ما فعله صلاح كان تصرفًا ذاتيًا خالصًا وطعنة للمدرب ولزملائه، صلاح هو من اختار نهاية العلاقة بهذه الطريقة. ."