مقامات فى حضرة المحترم (2-2)
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
يتمثل إبداع (الوكيل) فى قدرته على إضاءة النص.. (هو يجعلك ترى ما لم تكن تراه فى الذى تراه).. بمعنى أنك تقرأ النص فتراه أنت بشكل ما، ولكن عندما تقرأ النقد المقدم أو الرؤية المقدمة من (الوكيل) فإذا بك تستجلى الكثير والكثير من الرؤى لما قرأت. أن ما قرأته يشى بالكثير من الأبعاد كانت خافية عنك قبل قراءة (الوكيل).
يحذرنا الوكيل من القراءة الموجهة أو المؤدلجة، ففى تلك القراءة ينطفئ النص ليقف عند ما تريده أو ما تعتقده..»..القراءات الموجهة تحرم النص من أن يضئ بتناقضاته الداخلية، وتحرمنا من الجدل معها، بسبب لهجتها الحاسمة». هناك من تحدوهم الرغبة فى تضخيم ظلال الأيديولوجية بين أعمال محفوظ. تثبيت أفكارهم بيقين، ويوهم أنها ستعمل فى وعى الأجيال القادمة بنفس اليقين، الأمر يتجاوز المصادرة على المستقبل فحسب، بل يرقى إلى أمر الاعتقال، أعنى اعتقال النص.
ويعرض لنا الوكيل لمصطلح لم أجده إلا عند الوكيل على حد علمى، وهو (العنف النقدي)، وفى ظنى أن (العنف النقدي) بدأ مبكرًا مع نجيب محفوظ، فهذا سيد قطب فى معرض تناوله لرواية «زقاق المدق» (1947) يقول: «إنها قصة المجتمع المصرى الحديث وما يضطرب فى كيانه من عوامل، وما يصطدم فى أعماقه من اتجاهات، قصة الصراع بين الروح والمادة، بين المادة والعقائد الدينية والخلقية والاجتماعية والعلمية، بين الفضيلة والرذيلة، بين الغنى والفقر، بين الحب والمال فى مضمار الحياة».
إن النظرة إلى حياة الزقاق بوصفها مجموعة من المتقابلات الذهنية التى لا تقبل المصالحة مثل الروح والمادة، والفضيلة والرذيلة، تدخلنا فى منطق ثنائى ضيق، لا يمكننا من فهم الرواية، بقدر ما يمكننا من فهم سيد قطب نفسه، بوصفه شخصية حدية، صنفت الناس بين مسلمين وكافرين فيما بعد، ربما سيد قطب (الناقد) لم يكن يبحث فى «زقاق المدق» عن صورة الواقع، كما يعيشه أهل الزقاق، بلا التفات إلى المثاليات، ولا قلقه الداخلى حول الروح والمادة والفضيلة والرذيلة والدين والعلم، إنها إشكاليات صدمة الحداثة التى لم يحلها سيد قطب مع نفسه، ولا بأس أن نرى أنفسنا فى الأعمال الروائية، بل يبدو أن هذا هو السعى للقراءة، لكنه لا يلزم الآخرين بشيء.
لقد كانت رغبة نقاد الواقعية الاشتراكية ملحة فى استنطاق محفوظ ليحدد موقفه من الاشتراكية والرأسمالية والشيوعية والدين والعلم، وسوف نرى أن جعفر الراوى قد اختبرها جميعا، ولم تخرجه من «قلب الليل». كان وعى نجيب محفوظ أكثر تعقيدًا من المعانى الأحادية التى تنتجها المثاليات والصور الذهنية.
وإذا كان النقاد قد قسموا إنتاج محفوظ إلى مراحل، فهذا شأنهم، هذه طريقتهم فى العزل والاختيار والتصنيف والفحص المعملى سيضمن دقة عملهم، لكن هذا لا يضمن لنا دقة نتائجهم، فجدل التاريخ يتأبى على هذا التقسيم الصارم.
إن كثيرًا من أعمال محفوظ لم تسلم نفسها للقوائم المرحلية والمرجعيات الأيديولوجية، كما أن كثيرًا من أعماله تجاوزت الحدود النوعية الحاسمة. ويبقى القول أن قراءة كتاب (الوكيل) هامة؛ لأنها تتيح للذهن رؤية أفضل وأفقًا أوسع.
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أكاديمية الفنون المجتمع المصري سید قطب
إقرأ أيضاً:
الوكيل العام الجديد للملك يؤكد على استقلال القضاء ويعلن عن تحديث النيابة العامة لتعزيز العدالة
أكد هشام البلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسًا للنيابة العامة، اليوم الأربعاء، بمناسبة تنصيبه، على التزامه الراسخ بتكريس استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة، والسهر على التطبيق السليم والعادل للقانون.
جاء ذلك في كلمة شدد فيها على أهمية العدالة في « مستوى الرهانات » التي تمر بها البلاد، مستشهدًا بالخطاب الملكي السامي لعام 2009 الذي دعا إلى « قضاء فعال ومنصف، باعتبار حصنا منيعا لدولة الحق ».
وأعلن الوكيل العام للملك عن خطط لمراجعة النظام الهيكلي لمصالح النيابة العامة ليتواكب مع الصلاحيات القانونية الواسعة الموكلة لقضاتها. كما أشار إلى أن رئاسة النيابة العامة ستعمل على تدعيم مواردها البشرية بالتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل، وتسعى جاهدة لإرساء حكامة جيدة والارتقاء بمستوى أداء القضاة وتحسين الخدمات المرفقية.
وتتطلع النيابة العامة، تحت قيادة الوكيل العام الجديد، إلى وضع مخطط استراتيجي لعملها خلال الأشهر القليلة القادمة، واعتماد منهجية التعاقد والعمل بالأهداف والتخطيط الاستراتيجي لرفع فعالية الأداء القضائي.
أكد الوكيل العام للملك على أن مؤسسة النيابة العامة ستكون مؤسسة مواطنة منفتحة على محيطها، تنافح عن حقوق وحريات الأشخاص، تستمع لتظلماتهم، وتتواصل مع الرأي العام عند الضرورة. وفي هذا الصدد، سيتم تسطير برنامج تكويني في مجال التواصل للمسؤولين القضائيين والقضاة الناطقين باسم النيابة العامة.
واستحضارًا للدور المحوري للقضاء في تحقيق التنمية، سيعمل الوكيل العام للملك على تفعيل دور النيابة العامة في مجال حفظ النظام العام الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، باعتباره مدخلاً أساسياً لرفع النمو الاقتصادي في المملكة.
وفيما يتعلق بمكافحة الجريمة، شدد الوكيل العام للملك على عزم كافة مكونات النيابة العامة على التصدي للجريمة ومعاقبة مرتكبيها، مع الحرص التام على حماية حقوق وحريات الأشخاص وكرامتهم. وأكد على ترشيد استعمال الآليات القانونية المقيدة للحرية، وضمان حقوق الدفاع، والالتزام بالأجل المعقول في تدبير الإجراءات، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة. كما سيتم التركيز على تعزيز قدرات قضاة النيابة العامة في مجال حقوق الإنسان من خلال برامج تكوينية مستمرة.
كلمات دلالية هشام البلاوي، النيابة العامة،