ممر العبور في مواجهة طريق الحرير.. مشروع واشنطن لربط أوروبا والشرق الأوسط
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
قال مسؤولون من بعض الدول المشاركة إن الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا يستكملون خططًا لبناء ممر عبور يربط بين المناطق الثلاث، وهي مبادرة ضخمة تواجه عقبات كبيرة ولكنها قد تقوض في النهاية نجاحات الصين في المنطقة، وفقا لما نشرته وول ستريت جورنال.
يهدف المشروع إلى ربط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وربما إسرائيل عن طريق السكك الحديدية للشحن، ثم استخدام النقل البحري للوصول إلى الهند وأوروبا، ليمتد عبر بعض أكبر الاقتصادات في العالم على مسافة إجمالية تزيد عن 3000 ميل.
تدعم هذه الخطط بعض الأهداف الجيوسياسية الرئيسية لصانعي السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا. الأول هو التنافس مع مبادرات البنية التحتية العالمية التي أطلقتها الصين للحد من نفوذ بكين. والهدف الآخر هو تعزيز نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، حيث اكتسب منافسوها العالميون روسيا والصين أرضًا في السنوات الأخيرة.
قال المسؤولون إنه من المتوقع الإعلان عن الخطة يوم السبت خلال قمة قادة مجموعة العشرين في نيودلهي، مع احتمال التوقيع على مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة والهند والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة. وحذر بعض المسؤولين من أن الصفقة لم يتم إبرامها بعد وأن الإعلان الرسمي قد يتأخر.
كثفت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون في الأشهر الأخيرة خططهم لتمويل مشاريع البنية التحتية العالمية في محاولة لمواجهة نفوذ الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق.
سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عبر أبو ظبي في طريقها إلى مجموعة العشرين، واجتمعت مع الرئيس الشيخ محمد بن زايد يوم الخميس وتعهدت بالعمل في جميع المجالات لتعزيز العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والكتلة.
في اجتماع زعماء مجموعة السبع في شهر مايو في اليابان، تعهد الزعماء بحشد 600 مليار دولار لتمويل البنية الأساسية للشركاء العالميين، ومن المقرر أن يعقدوا يوم السبت اجتماع متابعة لهذه المبادرة، الشراكة من أجل البنية الأساسية العالمية والاستثمار.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الخميس، إن البيت الأبيض يستثمر جهوده في مشروع النقل الممتد عبر القارة، والذي كشف موقع "أكسيوس" الإلكتروني لأول مرة عن تفاصيله.
قال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة: "نعتقد أن الاتصال من الهند وعبر الشرق الأوسط إلى أوروبا مهم للغاية وسيجلب عددًا كبيرًا من الفوائد الاقتصادية، فضلاً عن الفوائد الاستراتيجية، لجميع الدول المعنية".
وقال أحد المسؤولين إن جميع الموقعين على الاتفاقية سيلتزمون بالتمويل، لكن تفاصيل التكلفة والجداول الزمنية لن يتم طرحها قبل عدة أشهر أخرى.
ومن غير المتوقع أن تكون إسرائيل شريكا أوليا في بناء الممر، لكن إدراجه على طول الطريق سيساعد على دمجه بشكل أعمق مع المملكة العربية السعودية، حيث يحاول البيت الأبيض التفاوض على صفقة لتطبيع العلاقات بين البلدين. وكان فرض قيود على علاقتها المتنامية مع الصين أحد مطالب واشنطن من الرياض في تلك المفاوضات.
بدأت المملكة العربية السعودية التخطيط لتعزيز بنيتها التحتية الوطنية كجزء من خطط بتريليونات الدولارات لتحويل اقتصادها بعيدًا عن النفط. وإلى جانب النقل، تدرس إنشاء اتصالات جديدة بالكهرباء والبيانات في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الولايات المتحدة الشرق الاوسط اوروبا وآسيا الصين الولایات المتحدة العربیة السعودیة
إقرأ أيضاً:
هل تكتب المنطقة مصيرها أم تبقى تقرأ من دفاتر الآخرين؟!
لا يبدو أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران هو نهاية للحرب وبداية لسلام طويل في منطقة الشرق الأوسط؛ فالتصريحات الإسرائيلية تثير الريبة أكثر بكثير مما تشعر بالاطمئنان لعودة الهدوء. وما يغذي الريبة أن منطقة الشرق الأوسط كانت على الدوام مشبعة بالشكوك ومثقلة بميراث من الانفجارات المؤجلة؛ الأمر الذي يصبح معه وقف إطلاق النار مجرد فاصلة مؤقتة على خط زمني من صراع لا ينتهي.
ومعلوم لدى الجميع الآن أن هدف إسرائيل لا يتلخص في مجرد تعطيل المشروع النووي الإيراني، ولكن في إحداث تغيير استراتيجي عميق في المنطقة تتغير معه كل موازين القوى التي بقيت سائدة لعقود طويلة. وهذا التغيير هو أساسي لاكتمال مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يتحدث عنه نتنياهو وزمرته اليمينية الحاكمة. وهذا «الشرق الأوسط الجديد» الذي يحلم به نتنياهو ليل نهار لا علاقة له بمشروع شيمون بيريز ـ رغم سوء وخطر المشروعين ـ المبني على أسس براجماتية علمانية اقتصادية في مرحلة ما بعد «سلام» أوسلو؛ فهو -أي مشروع نتنياهو- مبني على أساطير تنسب زورا إلى التوراة؛ حيث تسيطر «إسرائيل التوراتية» على المنطقة بأكملها. رغم ذلك فإن نتنياهو يحاول استخدام واجهة مشروع بيريز سواء من حيث الاسم أو من حيث الطرح الاقتصادي؛ ليمرر مشروعه التوسعي الذي يتغذى على ضعف العرب لا على بناء شراكة حقيقية معهم وفق ما كان يطرح بيريز. بل إن الأمر يتجاوز المشروع النووي إلى محاولة كسر إيران، وإعادة إدماجها في النظام الإقليمي وفق الشروط الغربية بعد إضعافها.
وأمام هذا الطرح أو المشروع الذي كسبت فيه إسرائيل بعض الجولات عربيا وخسرت إيرانيا؛ لا بد من مشروع مضاد لا يُبقي المنطقة في مربعاتها الراكدة والمتخمة بالصراعات، بل يواجه جوهر الرؤية الإسرائيلية التي تختزل الشرق الأوسط في معادلة أمنية تكنولوجية، ويضع العرب بين خيارين: إمّا التطبيع، وإما العزلة الدولية والإقليمية!
ويبدأ تفكيك التصور الإسرائيلي من كشف بنيته بالاعتراف أنه تجاوز الرؤية اليمينية الدينية إلى ما يمكن أن نسميه خليطا هجينا من الأسطورة التوراتية، والواقعية الأمنية، والمراوغة الاقتصادية. ما تطرحه إسرائيل -خصوصا في مرحلة ما بعد «اتفاقات إبراهام»- ليس سلاما بالمعنى الأخلاقي أو القانوني، بل اندماج اقتصادي مشروط بتشريع تفوقها الإقليمي، ونزع الطابع السيادي عن الجوار العربي.
وهذا المشروع يفترض تجويف المنطقة من أي بديل معرفي أو اقتصادي أو حضاري، وجرّها إلى أن تصبح سوقا واسعة بلا صوت أو سيادة، و«جوارا» بلا مركز. إنه بعبارة أخرى أكثر وضوحا مشروع «تطبيع التفوق» لا «تطبيع السلام»، وهو ما يجب كشفه فكريا وسياسيا وإعلاميا.
ولكن ما المطلوب من الدول العربية في هذه اللحظة المفصلية في تاريخها؟
لم يعد ممكنا الركون إلى خطاب قومي تقليدي، أو شعارات الممانعة المجردة في وقت تخوض فيه إسرائيل معركتها بأدوات مركبة واستراتيجية؛ ولذلك فإن المنطقة بحاجة إلى صياغة مشروع عربي إقليمي جديد يقوم على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بصفتها بوابة العدالة والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأن أي مشروع لا يعترف بالحقوق الفلسطينية التاريخية، ولا يعالج جوهر المأساة، سيبقى هشا وعرضة للانفجار في أي لحظة، وأمام أي عقبة.
كما يقوم المشروع على تحرير فكرة التعاون الإقليمي من الهيمنة الإسرائيلية عبر تكامل إقليمي يكون ندا لإسرائيل، ويشمل مشاريع مشتركة في الطاقة، والأمن الغذائي، والمياه، وتديره أطراف متعددة.
لكن قبل ذلك وخلاله وبعده؛ لا بد أن يتضمن المشروع الإقليمي مسارا معرفيا وإعلاميا يتحدى السردية الإسرائيلية، ويبني سردية حقيقية للتاريخ واليوم والمستقبل؛ فلا يمكن مواجهة مشروع يقوم على «إعادة تعريف الشرق الأوسط» من دون مساحات فكرية مستقلة تعيد تعريف الذات، والموقع، والدور. وهذا يتطلب جهدا مؤسسيا ضخما ينطلق من وعي جديد وحر في المنطقة.
كما أن تأسيس مشروع عربي جديد يتطلب أكثر من موقف سياسي، بل يحتاج إلى حقل معرفي قادر على إنتاج الأفكار، وتأسيس مراكز أبحاث، ومنصات إعلامية مستقلة تعيد رسم سردية المنطقة بلغتها الخاصة، وتستعيد تعريف القيم مثل السيادة، والعدالة، والتحرر بعيدا عن قوالب الاستيراد.
وإذا كانت إسرائيل تحاول تثبيت مشروعها بقوة السلاح والدعاية؛ فإن المنطقة مطالبة ببناء مشروعها وتثبيته بقوة المعرفة، والسيادة، والعدل. فثمة فرصة نادرة الآن في ظل السقوط الأخلاقي للسردية الإسرائيلية، والمأزق الغربي المتواطئ. السؤال الآن: ليس هل يمكن، بل: هل نريد أن نبدأ من جديد؟ وهل نملك شجاعة أن نكتب بدل أن نظل نقرأ من دفاتر الآخرين؟