مفتي أوكرانيا: نحن بحاجة ماسة إلى أمن الدعوة الإلكتروني
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
عُقدت الجلسة العلمية الأولى لمؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 34 برئاسة علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب بجمهورية مصر العربية، وتحدث فيها كل من الدكتور أحمد الحداد مفتي دبي، والشيخ أحمد تميم مفتي أوكرانيا، والشيخ الحافظ شاكر فتاحو رئيس العلماء ومفتي مقدونيا الشمالية.
وفي بداية الجلسة، قدم علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب بجمهورية مصر العربية، الشكر للدكتور محمد مختار جمعة على رأس وزارة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية على هذا الملتقى، مرحبًا بالحضور جميعًا.
تيسير الوصول إلى الفتوىوشكر الدكتور أحمد الحداد مفتي دبي، محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الذي ما فتئ يجدد الفكر ويشحذ الهمم كل عام بكل جديد من مستجدات الشئون الإسلامية، ويأتي موضوع هذا العام لمناقشة موضوع حيوي مهم يواجه العالم أجمع، وهو الفضاء الإلكتروني والاستفادة منه ودفع خطره، مشيرًا إلى ضرورة الانتفاع من هذه التقنيات فهي من نعم الله تعالى ولها إيجابيات كثيرة منها: أنها تيسر الوصول إلى الفتوى، ونستغني بها عن التنقل والسفر بين البلدان والدول، وتنوع الفتاوى فيجد السائل أكثر من إجابة ليختار ما يناسبه، كذلك تيسير الاستفادة منها لكافة شرائح المجتمع، كذلك رد الحرج والحفاظ على الخصوصية في الأسئلة الخاصة، كذلك أيضا تيسير التواصل مع المفتين في سائر بلاد العالم، وتمكن المفتين في نشر العلم وتبليغ كلمة الله (عز وجل) لأكبر شريحة من العالم، كذلك من إيجابياتها رفع الحرج الذي قد يكون عند السائلين إذا كانت المسألة ذات خصوصية، وتيسير التواصل مع المفتين في العالم الإسلامي للذين يعيشون في الدول غير الإسلامية، ومنها أيضًا أن الأحكام والفتاوى تصل لشريحة كبيرة من المسلمين.
ومن مخاطرها تصدر غير المؤهلين، إذ يمكن لأي أحد أن يؤسس موقعًا ويتحدث فيه باسم الإسلام من غير أن يكون عليه رقابة، فيحدث الخلط الكبير بين الحق والباطل، وكذلك تكون المخاطر من جانب المستفتين فإنهم قد يختارون ما يناسب أهواءهم، ويمكن أيضا أن لا يعطي الصورة كاملة للمفتي فينتج عن ذلك تنزيل الفتوى على غير الصورة الحقيقية، وتكون الفتوى مرتبطة بمكان دون آخر أو زمان دون آخر فيكون الأخذ بها في غاية الإشكال فهذه مخاطر ينبغي أن تجتنب، مؤكدًا على أهمية استقاء الفتوى من الجهات الشرعية الرسمية، وأن تكون هناك رقابة متخصصة تتابع مواقع الإفتاء الإلكتروني من الجهات الدينية المعتمدة لحماية دين الناس ودنياهم، والتحري عن من نأخذ الفتوي.
وفي كلمته، أكد الشيخ أحمد تميم أن الفضاء الإلكتروني سبقنا إليه من سبق، وعم فيه الفساد أكثر وأكثر، إذ امتلأ بالمجادلات والمناظرات والمشتبهات، الأمر الذي فرض علينا أن نتصدى له وأن نشغل الفضاء الإلكتروني بما يفيد، وأن لا نترك هذا المجال لمن يفسده أو بمن يشغله بأفكار متطرفة، فنحن بحاجة ماسة لوضع ما يسمى بأمن الدعوة الإلكتروني، مع الاهتمام بنشر الكتب النافعة والمواد الإعلامية الصحيحة.
مواكبة التطور التكنولوجيوفي كلمته أكد الشيخ الحافظ شاكر فتاحو أنه يجب علينا أن نواكب التطور التكنولوجي على كافة الأصعدة لا سيما الذي يتعلق بالدعوة الإسلامية، وأن الفضاء الإلكتروني له جانب مهم جدًا في مجال الدعوة، ولتصحيح صورة الإسلام في جميع أنحاء العالم، مؤكدًا أنه لابد من العرض الصحيح لصورة الإسلام، وتضييق المساحة على من يتلاعبون بصورة الإسلام السمحة والذين يروجون لصورة مغلوطة عن الإسلام والمسلمين، مما يؤدي إلى شيوع مظاهر التطرف.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الفضاء الإلكتروني الأوقاف الفضاء الإلكتروني مفتي الجمهورية الفضاء الإلکترونی
إقرأ أيضاً:
كيف نحمي أنفسنا من الطائفية؟
قبل أن نجيب على سؤال: كيف نحمي أنفسنا من الطائفية؟، لا بدّ أن نُدقّق النظر في الفرق بين الطائفية والتدين النقي، وبقليل من التأمل نستطيع أن نجد مجموعة من الفروق الواضحة، فعلى سبيل المثال: ينطلق التدين الصادق من رغبة عميقة في طلب رضوان الله تعالى والعيش كما أراد الله لنا في شريعته، فالمتدين الحقيقي يتجلى الدين في حياته الشخصية بوضوح، على نقيض الإنسان الطائفي في علاقته بالدين، حيث نجد لديه حضورا لنمط من التدين يبتعد عن الحالة الروحانية ويقترب كثيرا من الحالة السلطوية والرغبة في توظيف الدين لتحقيق مكاسب، قد تكون سياسية أو تنافسية بشكل عام.
في الحالة الطائفية يغيب عنصر التركيز على التزكية وتهذيب أفراد المجتمع، ليحل محله إقرار السلوكيات المنافية للدين إذا كانت تخدم طائفة في تنافسها مع بقية الطوائف. التفكير الطائفي يجعل من الطائفة المُقدس الأعلى الذي تغدو فيه كل المقدسات ثانوية أو غير حاضرة في تفكير الأفراد.
في التفكير الطائفي لا يعلو صوت الله تعالى كما يريد الله، هناك أصوات أجنبية على الدين تُسيطر على مشهد التدين المشوّه، هناك طاقة مُخيفة من الحقد والكراهية تسري في جسد المجتمع، والمؤسف أنها تُغلّف باسم الدين، ودين الله منها بريء.
الخطاب الطائفي يقوم على إلغاء عقل الفرد لحساب عقل الطائفة، أو بتعبير أدق لحساب المنتفعين من الطائفية سواء من داخل الانتماء الطائفي أو جهات خارجية لها مصلحة في تغذية حالة الانقسام الاجتماعي ومشهد صعود الطوائف والهويات الضيقة.
وإذا أردنا أن نحمي أنفسنا ومجتمعنا من داء الطائفية، فأعتقد أننا بحاجة إلى استعادة روحانية الدين التي فقدناها في خطابنا الديني، الذي في كثير من الأحيان يتغذى بمنطق الحمية وروح الثأر والكراهية!
الروحانية المنشودة لا تعني أن ننسحب من مسرح الحياة، ولكنها تعني العودة إلى الذات، ومعرفة الحياة بتنوعها وحكمة الله في هذا التنوع، واكتشاف رسالتنا فيها على الوجه الذي يُحقّق الخير العام لكل الناس.
ولكي نحمي أنفسنا من الطائفية نحن بحاجة إلى أن نحمي الدين من أن يكون حلبة صراع، أو جدلاً كلامياً تُغذّيه القنوات الفضائية المشبوهة، التي تقتات على تدوير القضايا الخلافية وتحاول إشراك العامة فيها، والأمثلة على مثل هذه القنوات المشبوهة كثيرة.
أنا لا أدعو إلى تكميم الأفواه أو مصادرة الحديث في القضايا الخلافية في الدين، ولكن هناك فرقٌ كبير بين البحث العلمي الموضوعي وبين ما تقوم به هذه القنوات من تحريش وتحريض ونشر للكراهية وإيغار للصدور.
نحن بحاجة إلى إغلاق الدكاكين الطائفية التي تقتات من نشر الخلافيات وتضخيمها، واستبدال هذا الخطاب البائس بالتركيز على بناء الإنسان وفتح الآفاق أمامه وتحريره من سجون الكراهية وأوهام التفوق الطائفي.
وعلى المستوى الوطني نحن بحاجة إلى الانتماء الصادق للأوطان وفق رؤية تتسع للجميع، وتبحث عن القواسم المشتركة وتُحسن التعاون على البر والتقوى وما فيه خير الإنسان والأوطان، وما أحسن ما قاله بعضهم: «نعمل فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه».
ولكي نحمي أنفسنا من الطائفية نحن بحاجة إلى العدالة الاجتماعية وإلى أن تكون أنظمتنا السياسية على مسافة واحدة من كل المواطنين، ومن السهولة بمكان أن نلاحظ أن الانتماء، بل الارتماء في حضن الطوائف يكثر عندما تفشل الدولة في تحقيق ذاتها وبسط عدلها وخدماتها لكل فئات المجتمع.
الشيطان قد يُزين لنا الانتماء إلى الطوائف، ولكن الإنسان العاقل يُدرك جيدا أن الحالة الطائفية لا يمكن أن تكون سفينة نجاةٍ له!
ومن المهم كذلك الإشارة إلى أن الطائفية تختلف عن المرجعية الفقهية في التعبّد، التي هي أشبه بمنهج في فهم الدين، لا برنامج صراع سياسي أو أيديولوجية للصراع الديني، فالمذاهب الفقهية اجتهادات محترمة وجهود مقدرة لفهم الدين والإجابة على المسائل والنوازل التي يعيشها المتدين وليست هوية بالمعنى الذي نجده في الحالة الطائفية، وفي تاريخنا الإسلامي الطويل أروع الأمثلة على التعايش المذهبي والديني.
ولكي نحمي أنفسنا من الطائفية نحن بحاجة إلى تحصين أجيالنا القادمة، إلى أن نُبادر في تثقيفهم بأدبيات التعايش والقبول بالآخر وتقدير التنوع الديني وفهم حكمته في الوجود، ونحن كذلك بحاجة إلى محو الأمية الدينية وأعني بهذا مساعدة الجيل الجديد على اكتساب معرفة صحيحة عن الأديان الكبرى في العالم ومعرفة صحيحة كذلك عن المذاهب الدينية في الإسلام بصورة مختصرة وصحيحة، تُركّز على عناصر الالتقاء والوجه المشرق للفكر الديني في هذه المدارس، ويُخيّل إليّ أن هذا يشكل وقاية لعقول شبابنا من السموم الطائفية التي قد تصل إليهم من القنوات المشبوهة والأقلام المأجورة.
ولكي نحمي أنفسنا من الطائفية نحن بحاجة إلى أن نولي التعليم النوعي مزيد اهتمام، ونُركّز على تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الشباب وإكسابهم الشجاعة العلمية الكافية لنقد وفحص سيل الأفكار التي يتعرضون لها في وسائل التواصل المختلفة، فتكوين الملكات أولى وأهم من زحمة المعلومات التي نُثقل بها عقول أولادنا.
وفي قناعتي الدين جاء لتحقيق خير الإنسان، لإخراجه من الظلمات إلى النور، وقد فقه هذا الجيل الأول من المسلمين ومن المأثور قولهم: جئنا لِنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها.
نعم نحن بحاجة إلى سعة الدين، لا إلى ضيق الطائفة، نحن بحاجة إلى هوية جامعة، لا إلى هوية تخنقنا، أو تُمزق أوطاننا، وقد أدرك سلفنا هذا، فقال شاعرهم:
إذا كان أصلي من ترابٍ فكلها
بلادي وكل العالمين أقاربي
الحبيب سالم المشهور كاتب عماني