قوسُ الضَّجر بخاصرةِ الوقت
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
آخر تحديث: 14 شتنبر 2023 - 11:00 صطالب عبد العزيز لم أسمعْ أحداً، كان وجهي بارداً، لا يستجيبُ لنداء يأتي من البعيد، لكنني هبطتُ وحيداً، أتبعُ الماء النازل من الجبل، وأفتتُ ورقةً كتبت فيها اسمَ جنديٍّ كان هنا، أحكُّ وجهي بحجرٍ كنته ذات يوم، في الوهاد التي بالكاد تعرفتُ على هوائها، ومن كوّةٍ في ما انخسف تحت قدمي رحت اسمع صليل الحجر وهو يراكم موجه، وهو يرتطم بالماء.
لم تغم السماء آنئذٍ، ولم يهبط من السفح طائرٌ أزرق، والشجر الذي كان غابة الأمس تراجع في غصون ثلاثة. أمسِ شهدتُ موتَ ذئب، خرج مستسلماً لضجّة الأطفال في الحديقة، رأيتُ الدمَ مرسلاً تحتَ صدره والأطفال الهلعين. الماء يأخذ بالمسرات بعيداً، ما علق بحجارته منها، وما ظلَّ منها مستكيناً الى حيث يضيقُ الحجرُ بالحجر، ويلتئمُ قوسُ الضجر بخاصرة الوقت، ويبهمان في الخريطة. أحدهم، يقضمُ مباهج الرحلةَ عنك، فاستعنْ بما يتسرمدُ في الأفق من الضوء. كانت البيرة تركيةً على الطاولة، والوقت يمرُّ في قطعة الجبن بطيئاً، مع العلب الطافية، لا يوقفها الاطفال بكاميرات هواتفهم، والثلج مضمراً في الموج كان، يطير في العيون الزرق وينأى. من درجات ثلاث هبط الولدُ، يرمّم حكايةً عن سويعات قبل الغروب، كان طبق السمك بالبصل والطماطم آخر ما قاله عن بائعِه، قال: أعدّه على نارٍ في موقدٍ لم نره، على حطب غابة هجرها ذئبها الوحيد، لكنه ظلَّ يضفي على الطبق مهابة صانعه الأول. كانت الطاولة تستقيمُ كلما أبعد أحدُهم علبةَ البيرة، وكلما انتهرَ المغيبُ الحكايةَ. لم أشأ الانتظارَ فقد يتوقف النهرُ في موجة، أو تغيمُ السماءُ في صورة على الجدار. يأتي سائقُ الباص بالوقت من أعلى الجبل، حيث تحثُّ الشمسُ منسرحَها، ويتنزلُ الماءُ من صفحته البعيدة. في السادسة والنصف، من اليوم السابع، من العام الاخير… وقفتُ على حجر البحيرة، كانت النجوم آخرَ من التحف بالسرو من جهة الضَّجر، ومن فضلة في فم الجبل يطلُّ، معتمراً رأسَه نادلُ الغياب، لذا، أسلمتُ الى الماء يدي، والى عشبةٍ في الجوار سميتها -الكرز نائماً- ما تبقّى من شجن البارحة… تأخر سادنُ الوقت، قالوا: يبلّورُ النَّدى على ورقِ الرصيف، فتأملتهُ وهو يقطعُ غصناً من الثلاثة، وهو يهزمُ ضفدعةً. في المدينة الغامضة أسفلَ الجبل، حيث أقفُ وأطلُّ من ساعة في الشوارع والازقّة البعيدة على العتبات المغسولة بالضوء توّاً وأمام الابواب الموصدة، وتحت الشبابيك خلف دوحات الشجر في الحدائق الصغيرة تحت أعمدة النور في الشرفات الواطئة وفي ما لا أراه ولن أراه من هناك، أسمع الآن نجوى قلبين تقاسما سريراً من الجريد أصغي لمنشار نجّار أعمى الى مطرقة حدّاد ميّت.. الى فلّاحٍ يقيظُ تحت نخلة وأطيلُ النظر في رفشٍ على الارض ثم أبحثُ في الصمت الذي ران عن صورة امرأة ظلّت تصيحُ: يا الله أسمعتَ ما يُنشدُ هؤلاء؟
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
حكم الوضوء بماء المطر وفضله.. الإفتاء توضح
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"حينما ينزل المطر أحرص على أن أتوضأ منه، فما حكم الوضوء من هذا الماء؟ وهل لهذا الماء فضيلة؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء نزوله.
حكم الوضوء بماء المطرمن المقرر شرعًا أنَّ الطهارة لا تكون إلَّا بالماء الطهور المطلق، وهو الباقي على أصْلِ خلقته؛ إذ الماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يُطلق عليه اسم الماء بلا قيدٍ أو إضافة، ومن الماء المطلق: ماء البحار، والأنهار، والعيون، والآبار، وماء المطر، كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 116، ط. دار الكتب العلمية).
ولا خلاف بين العلماء في أن مياه الأمطار من الماء المطلق، والتي يجوز الطهارة بها، ما لم تختلط بشيء يغيّرها تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليها، كأن تختلط بماء ورد أو مسك، والأصل في جواز الوضوء بماء المطر قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].
قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (13/ 41، ط. دار الكتب المصرية): [المياه المنزلة من السماء والمودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطُعومها وأرياحها حتى يخالطها غيرها] اهـ.
وقال الإمام البغوي في" تفسيره" (3/ 448، ط. إحياء التراث): [﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا؛ لأن الله تعالى سمى الماء طهورًا بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وكذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه»، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد الجد المالكي في "المقدمات الممهدات" (1/ 85-86، ط. دار الغرب الإسلامي): [فالأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير، ماء السماء وماء البحر وماء الأنهار وماء العيون وماء الآبار، عذبة كانت أو مالحة] اهـ.
وقال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 60، ط. دار الفكر): [قال: (قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48] أي: مطهرًا، ويُعبر عنه بالمطلق، وعدل عن قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11] وإن قيل بأصرحيتها؛ ليفيد بذلك أن الطهور غير الطاهر، إذ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الفرقان: 48] دل على كونه طاهرًا؛ لأن الآية سيقت في معرض الامتنان وهو سبحانه لا يمتن بنجس] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي في شرحه على "مختصر الخرقي" (1/ 115، ط. دار العبيكان): [كل طهارة -سواء كانت طهارة حدث أو خبث- تحصل بكل ماء هذه صفته سواء نزل من السماء، أو نبع من الأرض على أي صفة خلق عليها، من بياض وصفرة، وسواد، وحرارة وبرودة، إلى غير ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾] اهـ.
فضل ماء المطر
أما عن فضيلة هذا الماء فتظهر من وصف الله تعالى له بأوصاف متعددة في مواطن كثيرة من القرآن، حيث جاء وصفه مرة بأنه رحمة، ومرة بأنه طهور، ومرة بأنه مباركٌ، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق: 9]، وقال جل شأنه: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال تعاظمت أسماؤه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28]، والرحمة المقصودة في هذه الآية هي البركة الناتجة عن المطر، كما قال الإمام النسفي في تفسيره "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 255، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾: أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب] اهـ.
ولذا كان من السنة التعرض للمطر، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يَتَعرَّض له بجسده الشريف، ولما سُئل عن ذلك قال: إنه -أي: ماء المطر- حديث عهد بربه، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» رواه مسلم.
فأفاد استحباب التعرض للمطر عند نزوله، قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (6/ 195-196، ط. دار إحياء التراث): [معنى "حسر": كشف، أي: كشف بعض بدنه، ومعنى حديث عهد بربه، أي: بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها، وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر] اهـ.
وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكانوا يتعرضون للمطر؛ لينالوا من بركته، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَطَرَ خَلَعَ ثِيَابَهُ وَجَلَسَ، وَيَقُولُ: «حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْعَرْشِ» رواه ابن أبي شيبة.
الخلاصة
بناءً على ذلك: فماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء هطوله.