كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن اتخاذ شركة دفاعية أمريكية عملاقة وشركات غربية أخرى قرارا بإنهاء التعامل والتعاون مع شركة سعودية بعدما كانتا على وشك إبرام صفقات تسليح، لا سيما أنظمة دفاع جوي متقدمة ضد الطائرات المسيرة كان سيتم تصنيعها في المملكة بموجب ذلك التعاون، وذلك بعد علم الشركة الأمريكية بأن شركائها السعوديين كانوا يمارسون أعمالا مع كيانات صينية وروسية خاضعة للعقوبات.

وأوضحت الصحيفة، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن شركات دفاعية غربية كبرى أخرى أوقفت التعاون مع الشركة السعودية، وتعيد النظر الآن في اتفاقيات موقعة مع المملكة، بسبب المخاوف بشأن التعامل مع الكيانات الروسية والصينية.

كما أدت القضية إلى استقالة مجلس استشاري من ضباط الجيش الأمريكي المتقاعدين كانوا يعملون بالشركة السعودية، فيما عمدت الشركة إلى طرد رئيسها التنفيذي الأمريكي الذي أثار مخاوف تعاملها مع كيانات خاصعة للعقوبات مع مالك شركته والمسؤولين الأمريكيين.

اقرأ أيضاً

تردد أمريكا في توقيع اتفاقية دفاع مع السعودية.. ماذا يعني؟

ما القصة؟

وتشير التفاصيل التي نشرتها الصحيفة إلى أن شركة الدفاع الأمريكية العملاقة RTX كانت قد بدأت تعاونا مع شركة "سكوبا Scopa" السعودية للأسلحة، والتي تأسست عام 2021، لدعم رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لقطاع الأسلحة المحلي.

ووقعت RTX و"سكوبا" مذكرة تفاهم في عام 2022 لإنشاء مصنع في المملكة العربية السعودية لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة لحماية البلاد من هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ.

وقال نصر الغريري، وهو أمريكي كان أحد منتسبي المارينز، والذي كان الرئيس التنفيذي لشركة "سكوبا" حتى إقالته هذا العام، إن خطة التعاون مع الشركة الأمريكية كانت تهدف إلى تجميع أجهزة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي المتعددة التي يمكنها اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ من مختلف الأحجام التي تطير بسرعات وارتفاعات مختلفة.

وقال إن النظام، الذي يطلق عليه اسم بطارية متعددة المهام، كان من المفترض أن يكون قادرًا على حماية مساحة تبلغ ثمانية أميال مربعة.

وأوضح أنه كان من المتوقع أن يستثمر المشروع المشترك المقترح بين RTX و"سكوبا" 25 مليار دولار في المملكة ويحقق مبيعات بقيمة 17 مليار دولار.

لكن اكتشاف تعامل الشركة السعودية "سكوبا" مع شركات روسية وصينية أثار مخاوف فورية لدى الشريك الأمريكي باحتمالية وقوع المعلومات حول أنظمة الأسلحة الأمريكية الحالية التي سيتم استخدامها في أسلحة "سكوبا" الجديدة في أيدي روسيا أو الصين، حيث ثد تتعرض لخطر إجراء هندسة عكسية، مما يقوض الدفاعات الأمريكية.

اقرأ أيضاً

بعضها خليجية.. دول متحالفة مع الغرب ترسل ذخيرة إلى أوكرانيا سرا

نفي سعودي

بدوره، ينفي محمد العجلان، مالك شركة "سكوبا"، هذه الادعاءات، قائلا إن أي تعاملات مع الشركات الصينية تقتصر على تأمين المواد الخام مثل النحاس أو المطاط لاستخدامها في إنتاج الذخيرة والمركبات المدرعة.

وقال العجلان، في مقابلة: "نحن لا نعمل مع أي شركة عليها عقوبات دولية".

وأضاف أن الاقتراحات التي تقول عكس ذلك "كلها شائعات وغير دقيقة وغير منطقية وغير واقعية".

وفي بيان لاحق، قال إن أياً من شركاته لا تشارك في أي مفاوضات أو تعاملات مع أي شركات خاضعة للعقوبات.

واعتبر العجلان أن قرار شركة RTX بإنهاء التعاون مع شركته السعودية كان "متسرعا وغير عقلاني"، وأضاف أنه عين مديرا تنفيذيا جديدا بعد إنهاء عقد الغريري بسبب فشله في تحقيق أهداف الأداء.

من جانبه، نفى الغريري ذلك وقال إنه وسع نطاق أعماله بسرعة، وكشف أنه طُرد لأنه أثار مخاوف بشأن الأعمال التجارية مع روسيا والصين.

اقرأ أيضاً

رغم العقوبات.. شركة حكومية تمثل روسيا في معرض آيدكس العسكري بأبوظبي

شركات غربية تتراجع

وأفاد تقرير "وول ستريت جورنال" أن شركات غربية أخرى، مثل شركة "بيريتا Beretta Defense Technologies" الإيطالية، وشركة بناء السفن " فينكانتيري  Fincantieri "، وشركة "ليوناردو إس.بي.إيه Leonardo-Finmeccanica" قد تراجعت أيضا عن العمل مع شركة "سكوبا" السعودية لنفس الأسباب.

وكان من المفترض أن تكون "سكوبا" شريكا في التصنيع المحلي لأنظمة أسلحة يستخدمها حلف الناتو داخل السعودية، ما يعني إمكانية وصولها إلى تكنولوجيا متحكم بها لتصنيع بعض تلك الأسلحة، بموجب شراكاتها الغربية.

شركتان سعوديتان أثارتا القلق

لكن أشخاصا مطلعين على الأمر ووثائق استعرضتها "وول ستريت جورنال" أفادت أن كيانين تابعين للعجلان، مالك "سكوبا" بذلتا جهودًا للتعامل مع الكيانات الصينية والروسية والبيلاروسية الخاضعة للعقوبات.

وقال بعض الأشخاص إن تلك الاتصالات هي التي أثارت مخاوف مجلس إدارة سكوبا والشركاء الغربيين المحتملين مثل RTX.

وإلى جانب "سكوبا"، أسس العجلان شركتا "تال Tal" و "سيفا Sepha" للصناعات العسكرية. ولإدارة الثانية، عين العجلان قام مسؤولا تنفيذيا من شركة Concern Granit-Electron، وهي شركة روسية تزود حكومة موسكو بتكنولوجيا الاتصالات وفرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لدعم القاعدة الصناعية العسكرية الروسية.

اقرأ أيضاً

التعاون العسكري بين السعودية وروسيا.. رسالة سياسية أم توجه استراتيجي؟

كما تمتلك "تال" و "سيفا" حق الوصول إلى خوادم شركة "سكوبا"، وهو الأمر الذي استمر حتى خلال الوقت الذي كانت فيه "سكوبا" تتجه نحو الوصول إلى بيانات حساسة من شركات غربية، بما فيها RTX، وهو ما أثار المخاوف من إمكانية وصول موسكو وبكين لتلك الأمور.

وتشير إحدى الوثائق المؤرخة في سبتمبر/أيلول 2022 إلى أن شركة "سيفا" لديها اتفاق مبدئي مع شركة BelTechExport لتصدير الأسلحة الحكومية البيلاروسية للحصول على أنظمة دفاع جوي متنقلة وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار اقترحت بيعها إلى وزارة الدفاع السعودية.

ومن المعروف أن وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات على BelTechExport كجزء من القيود المفروضة على صناعة الدفاع البيلاروسية في عام 2021.

وتُظهر الوثيقة أيضًا أن سيفا بحثت في تسويق الذخيرة والدروع الواقية ومعدات المراقبة الروسية في المملكة العربية السعودية، وتجميع طائرات الهليكوبتر الهجومية الروسية هناك، وتصنيع المركبات المدرعة مع شركة الصناعات العسكرية الروسية Granit.

وتزعم شكوى أخرى مقدمة إلى وزارة الخزانة الأمريكية، والتي استعرضتها الصحيفة، أن "تال" كانت على اتصال مع ما لا يقل عن 6 شركات صينية خاضعة للعقوبات.

على سبيل المثال، سعت "تال" إلى إنتاج أنظمة برية مع مجموعة "نورينكو"، التي واجهت عقوبات أمريكية لسنوات بسبب صلاتها بالجيش الصيني وتزويد إيران بتكنولوجيا الصواريخ، وفقًا لسجل شركة "تال" منذ يناير/كانون الثاني 2023.

وكانت "سكوبا" و"تال" و"سيفا" تخطط لعرض طائرات بدون طيار ورادارات صينية من شركة BelTechExport إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية RTX وأسلحة "بيريتا" النارية في معرض الرياض الدفاعي المقبل، المقرر عقده في فبراير/شباط 2024، وفقًا لوثيقة أخرى.

اقرأ أيضاً

ماذا وراء التعاون العسكري الروسي المتزايد مع السعودية ومصر؟

تحذير أمريكي

وتقول الصحيفة إن السفارة الأمريكية في الرياض علمت بالمحادثات التي أجرتها "تال" و"سيفا" مع الشركات الصينية والروسية في وقت مبكر من أغسطس/آب 2022، عندما أبلغت "سكوبا"، في رسالة بريد إلكتروني استعرضتها الصحيفة، أن تلك الأنشطة "يمكن أن تعيق بشكل خطير قدرة "سكوبا" على الدخول في اتفاقيات تعاقدية مع شركات الدفاع الأمريكية.

المصدر | ستيفن كالين / وول ستريت جورنال - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العلاقات السعودية الأمريكية شركات أسلحة عقوبات غربية العلاقات السعودية الصينية العلاقات السعودية الروسية وول ستریت جورنال فی المملکة التعاون مع اقرأ أیضا بدون طیار مع شرکة

إقرأ أيضاً:

فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟

 

فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟

 

 

تكشف العديد من استطلاعات الرأي حول العالم تراجعاً في صورة الولايات المتحدة الأمريكية منذ الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، واستمرت أزمة القوة الناعمة الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية. وبالتزامن مع ذلك، باتت الصين تتطلع إلى أداء دور أكثر نشاطاً على الساحة الدولية، مدركة بشكل أكبر أن صورتها الذهنية تصنع فارقاً، وعلى نحو جعل عالِم العلاقات الدولية الراحل، جوزيف ناي، يحذر، في مستهل عام 2025، من أن “الصين على أهبة الاستعداد لملء الفراغ الذي خلفته سياسات الرئيس ترامب”. وفي هذا الإطار، تُثار تساؤلات من قبيل: هل تملك الصين مقومات حقيقية للقوة الناعمة؟ وهل تستطيع الاستفادة من التراجع النسبي الأمريكي في هذا المجال؟

ترامب وتراجع القوة الناعمة:

قدّم جوزيف ناي، في عام 1990، مفهوم القوة الناعمة للدوائر الأكاديمية والسياسية الغربية، معرفاً إياها بأنها “قدرة الدولة على جعل الآخرين يريدون ما تريده”؛ ومن ثم فهي القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين، وتنبني بصورة رئيسية على جاذبية الأفكار والممارسات، بخلاف القوة الصلبة أو الخشنة التي تتضمن “إصدار الأوامر” وتستند بالأساس إلى الإكراه العسكري والحوافز الاقتصادية. واعتبر ناي أن الثقافة والقيم السياسية الليبرالية والسياسة الخارجية هي المرتكزات الرئيسية للقوة الناعمة الأمريكية، وقدم المفهوم باعتباره أساساً لرسم سياسة أمريكية أكثر فعالية. وفي العقود اللاحقة، ذاع مصطلح القوة الناعمة وارتبط بجهود الدبلوماسية العامة وبناء السمعة الدولية.

وقد حاولت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحقيق القيادة العالمية بالاستثمار في أرصدة القوة الناعمة، مع الاعتماد على الجاذبية والإقناع. ويمكن عزو القوة الناعمة الأمريكية خلال تلك الحقبة، بدرجة رئيسية، إلى تجسيد الولايات المتحدة للقيم الليبرالية، وحيوية مؤسساتها الديمقراطية، فضلاً عن النموذج الأمريكي الناجح المتمثل في مجتمع منفتح يستوعب مختلف الإثنيات.

وتبنى الرئيس ترامب، سواء في ولايته الأولى أم الثانية، سياسات أدت إلى تراجع القوة الناعمة الأمريكية، ومنها الآتي:

1- التشكيك في القيم الديمقراطية: تبنى الرئيس ترامب خطاباً سياسياً يشوه المؤسسات الإعلامية، ويقوض الثقة في الانتخابات الأمريكية مثلما حدث في عام 2020؛ مما نال بالسلب من صورة الولايات المتحدة كبلد يجسد تقاليد راسخة للانتقال السلمي للسلطة. وبعد تنصيبه رئيساً للمرة الثانية في يناير 2025، استمر ترامب في انتهاج السياسات ذاتها التي تنعكس سلباً على مصداقية الولايات المتحدة وقيمها الليبرالية؛ وهو ما ظهر مثلاً في التضييق على الحريات الأكاديمية والدخول في صدام مع بعض الجامعات الأمريكية.

2- تراجع واشنطن عن التزاماتها الدولية: بدت الولايات المتحدة كحليف دولي غير موثوق به، عبر تشكيك ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والهجوم على حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومطالبتهما بدفع مقابل أكبر للحماية الأمريكية، فضلاً عن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية خلال ذروة انتشار وباء كورونا.

وفي ولايته الرئاسية الثانية، أعلن ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ بالرغم من تهديدات التغير المناخي، وكذلك الانسحاب من منظمة اليونسكو، فضلاً عن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). كما أطلق ترامب تصريحات غير ودية تجاه حلفاء تقليديين مثل الدنمارك وكندا، وأيقظ المخاوف في أمريكا اللاتينية عبر تهديد بنما ثم فنزويلا. كذلك أدى إفراط ترامب في سياسات الحمائية التجارية إلى جعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها شريك اقتصادي غير موثوق به.

وللتدليل على الضرر الذي ألحقته سياسات الرئيس ترامب بالقوة الناعمة الأمريكية، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز (YouGov) في فبراير 2025 أن شعبية الولايات المتحدة قد انخفضت في سبع دول أوروبية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والدنمارك والسويد وإسبانيا وإيطاليا بنحو 8% منذ نوفمبر 2024 لتصل إلى 34%. وفي استطلاع رأي آخر أجرته (Le Grand Continent) في مارس 2025، كان ترامب ثاني قائد يحظى بأقل قدر من الثقة بين 13 قائداً سياسياً، بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما رأى 70% من المبحوثين أنه يجب على أوروبا الاعتماد على قوتها الذاتية لضمان أمنها، مع تراجع نسبة من يثقون بمصداقية الولايات المتحدة كشريك قادر على الدفاع عن أوروبا إلى 10% فقط.

ركائز القوة الناعمة الصينية:

ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرة في الصين في الخطاب السياسي الرسمي عام 2007، حين تحدث الرئيس السابق، هو جنتاو، في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي، عن أهمية تعزيز القوة الثقافية الناعمة للصين. ويعمد الرئيس الحالي، شي جين بينغ، إلى التشديد على أهمية القوة الناعمة من خلال استدعاء المفهوم في العديد من اللقاءات والخطابات الرسمية، والتي تفصح عن إدراك متزايد لأهميته في تطور الصين كقوة عظمى، وضرورة تحسين القوة الصلبة في بُعديها العسكري والاقتصادي بالتوازي مع الارتقاء بالقوة الناعمة التي تقوم على القيم والأفكار والثقافة.

ويكشف تقصي السجالات الفكرية للأكاديميين الصينيين أن القوة الناعمة للصين ترتكز على عدد من المصادر والمقومات، من أهمها الإرث الحضاري الصيني، وثقافتها وما تحفل به من قيم مثل: احترام المجتمع، والتكامل ونبذ الشقاق، والتناغم الداخلي، واستيعاب الاختلافات. ويضاف إلى ذلك، خصوصية النموذج التنموي الصيني وجاذبيته للدول الفقيرة، بما يمنحه من أولوية للتنمية الاقتصادية والابتكار.

كما تسعى الصين إلى تعزيز قوتها الناعمة من خلال أدوات متعددة، منها ما يلي:

1- تبني سياسة خارجية نشطة: تشدد المقاربة الصينية على ضرورة أن تبدو سياستها الخارجية مشروعة وذات طابع أخلاقي، مع إبداء استعدادها لتسوية بعض النزاعات الحدودية مع جيرانها. إضافة إلى ذلك، هناك تنامٍ في عدد المؤسسات الدولية والإقليمية التي تشغل الصين عضويتها، كما أصبحت بكين منذ نهاية التسعينيات مشاركاً نشطاً في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي الوقت الحالي تُعد الصين أكبر دولة مساهمة بقوات حفظ السلام من بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما يعزز صورتها كفاعل دولي مسؤول.

2- التركيز على المكاسب الاقتصادية المشتركة: يكون ذلك من خلال عقد الصفقات التجارية، ومشاريع البنية التحتية مع الدول الأخرى. وفي هذا السياق، تبرز مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى إلى تعزيز الترابط الاقتصادي مع العديد من دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر شبكة واسعة من مشاريع النقل والمواصلات والاتصالات. وتتسم برامج المساعدات الاقتصادية للصين بأنها تُمنح دون مشروطية اقتصادية أو سياسية.

3- نشر الثقافة الصينية: تشهد الصين في السنوات الأخيرة توسعاً ملموساً في جهود نشر ثقافتها عبر معاهد كونفوشيوس التي يبلغ عددها أكثر من 500 معهد حول العالم. كما أدرجت أكثر من 80 دولة اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، ويبلغ إجمالي عدد الأجانب الذين يتعلمون اللغة الصينية ويستخدمونها نحو 200 مليون شخص. ولا تزال جامعات الصين تُمثل وجهة تعليمية رئيسية للطلاب الأجانب، ولا سيّما من دول آسيا وإفريقيا، وإن كانت مكانتها كوجهة تعليمية لا تزال أقل من الجامعات الغربية.

مكاسب نسبية لبكين:

يثور التساؤل حول مدى قدرة الصين على الاستفادة من التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية. وبالرغم من أن الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ فإن قدرتها على ابتكار منتجات ثقافية مؤثرة خارجياً لم تكن حتى وقت قريب متناسبة مع صعودها الدولي. لكن تغيرات كبيرة تحدث؛ إذ تشهد الصين ثورة في الإنتاج الترفيهي، ومن أمثلتها دمية “لابوبو” (Labubu) التي رفعت القيمة السوقية لشركة “بوب مارت” بنسبة 400%، وسلسلة مطاعم “ميكسوي” (Mixue) التي انتشرت في جنوب شرق آسيا.

وقد أظهر استطلاع رأي لمركز “بيو” الأمريكي للأبحاث في 25 دولة، نُشرت نتائجه في يوليو 2025؛ أن الغالبية ما تزال تنظر بإعجاب أكبر إلى الولايات المتحدة مقارنةً بالصين؛ ولكن الفجوة بين البلدين آخذة في الانحسار. وتراجعت التقييمات الإيجابية للولايات المتحدة. ففي كندا مثلاً، انخفضت نسبة الاستحسان للولايات المتحدة بمقدار 20%، بينما حققت الصين مكاسب هامشية.

وبالرغم من تحسن صورة الصين نسبياً في عام 2025 مقارنةً بفترة ما بعد “كوفيد-19″؛ فإن 54% من المبحوثين في الدول الـ25 يحملون صورة سلبية عنها، و66% لا يملكون ثقة كبيرة في قدرة الرئيس شي على معالجة الأزمات الدولية. ومع ذلك، فإن الذين يبدون ثقة أقل في ترامب فيما يتعلق بالأزمات الاقتصادية أكثر ميلاً إلى إقامة علاقات اقتصادية أقوى مع الصين. وفي دول مثل الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، تميل قطاعات واسعة إلى رؤية الولايات المتحدة كمصدر تهديد للمصالح القومية، بينما تُعد الصين حليفاً رئيسياً في دول مثل جنوب إفريقيا وإندونيسيا. وتُقدم الصين نفسها كشريك لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو خطاب يجد صدىً إيجابياً في عدة دول نامية؛ لكن سمعتها تبقى سلبية في أوروبا وبعض الدول الآسيوية بسبب المخاوف الأمنية.

تحديات أمام الصين:

على الرغم من التحسن النسبي في صورة الصين في العديد من دول العالم؛ فإنها تواجه عدة تحديات قد تحدّ من تعزيز قوتها الناعمة، أهمها ما يلي:

1- الضعف النسبي لوسائل الإعلام الصينية مقارنةً بالنفوذ الواسع للإعلام الغربي؛ إذ لا تزال وكالة “شينخوا” عاجزة عن تحقيق تأثير يماثل تأثير المنافذ الإعلامية الأمريكية الكبرى.

2- طبيعة النظام السياسي الصيني الذي يفرض رقابة على المحتوى الثقافي؛ مما يُصعّب عملية الابتكار. وعلى الرغم من تشجيع الحزب الشيوعي الحاكم للابتكار؛ تظل هناك قيود تفرضها الحكومة، وتؤثر في عملية الإنتاج.

3- عجز بكين عن تقديم بديل جدي لقيادة النظام العالمي أو التعامل الفعّال مع الأزمات الدولية؛ ما يجعل كثيراً من استطلاعات الرأي تشكك في قدرتها على خلافة واشنطن.

ختاماً، يمكن القول إنه مع التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية، تبدو الصين شريكاً أكثر موثوقية في نظر كثيرين، إلا أن ذلك لا يجعلها القائد العالمي غير المنازع في مجال القوة الناعمة. كما أن بكين قلّصت مساعداتها التنموية للدول النامية بسبب الضغوط الاقتصادية الداخلية، وتفاقم الديون في دول “الحزام والطريق”. وتدل الخبرة التاريخية على أن القوة الناعمة للولايات المتحدة شهدت فترات من الازدهار ثم الانحسار، كما حدث بعد حرب فيتنام. ومع أن استعادة أسس القوة الناعمة بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية قد تكون عملاً مكلفاً؛ فإن الديمقراطية الأمريكية ذات التقاليد الراسخة ستظل قادرة على التعافي، بما يجعل استعادة تلك القوة أمراً ممكناً.


مقالات مشابهة

  • اعتذار طولان.. 3 أسباب وراء خروج منتخب مصر من كأس العرب| تفاصيل مثيرة
  • القوات الأميركية تصادر شحنة عسكرية متجهة إلى إيران من الصين
  • الزواج من 6 شهور| صديقة عروسي فيديو الصلاة تكشف لـ صدى البلد تفاصيل مثيرة.. والمصور: لن أحذفه
  • فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
  • إنتل تختبر أدوات صناعة رقائق من شركة لديها وحدة في الصين تخضع لعقوبات أمريكية
  • ضبط طرفي مشاجرة بالإسكندرية بسبب خلاف مالي
  • توقف عمل تلفريك عجلون الجمعة بسبب سرعة الرياح
  • أخبار سعيدة للزملكاوية.. انتهاء أزمة القيد و3 صفقات شتوية على الأبواب | تفاصيل
  • البحرية الأمريكية تنتشل طائرتين من قاع بحر الصين الجنوبي
  • تفاصيل مثيرة عن زعيم تنظيم الدولة في الصومال وحياته الأسرية