لازم الصحفي الأميركي والتر إيزاكسون إيلون ماسك رجلَ الأعمال والملياردير الأقوى، والأكثر إثارة للجدل الوقت الحالي، كظله لمدة عامين، تجول خلالهما صحبته في مصانعه، وسافر معه في طائرته الخاصة، وحضر اجتماعاته الأكثر سرية، ليفك رموز الشخصية المعقدة لمالك "تسلا" و"سبيس إكس" الماهر في الاستفزاز والمجازفة، والذي يرى نفسه منقذا للبشرية.

بهذه المقدمة لخصت صحيفة لوباريزيان أهم محاور مقابلة حصرية مع إيزاكسون بعد صدور السيرة الذاتية التي حاول فيها إلقاء الضوء على المناطق الرمادية من حياة ماسك (52 عاما) من خلال شهادات زوجاته السابقات وشقيقه كيمبال ووالديه المنفصلين الآن، ليقدم صورة للنفسية العميقة والفريدة لرجل أعمال لا يزال فريسة "للشياطين الداخلية" الموروثة من طفولته.

وانطلقت المقابلة -التي حررتها غايتان مورين- من نشأة ماسك جنوب أفريقيا في السبعينيات والثمانينيات في وقت كان فيه العنف في كل مكان، وقد عبر ماسك ذات يوم في بركة من الدماء تسبح فيها جثة لا تزال السكين مغروسة في دماغها.

وفي المدرسة تعرض للتخويف والضرب على يد أقرانه لأنه كان ضعيف البنية، حتى إنه تعرض للتشوه ودخل المستشفى جراء ذلك وغاب عن الدروس أسبوعا كاملا، غير أن الأسوأ أن والده إيرول وقف إلى جانب من ضربوه، ووصفه بأنه غبي ولا يجيد شيئا، مما أثر فيه بعمق، حتى أن إساءة الأب النفسية هذه لا تزال تطارده وتحدد مزاجه وسلوكه.

ولم تتمكن ماي، والدة ماسك التي حرمت من حضانته بعد انفصالها عن والده، من حمايته لأنها كانت مشغولة بحياتها الخاصة، حيث تعمل في وظيفتين أو ثلاث لتتمكن من تدبر أمرها، وكانت ترى أن على "إيلون" أن يصبح أكثر صرامة وأن يتعلم كيف يدافع عن نفسه، ولذلك ترى الأب تاركا لولده الحبل على الغارب تأسيا بما فعل معه والداه، ليتعلم المخاطرة وينقل له طعم المغامرة كما تذوقه هو في الصغر.

أما والده إيرول -تقول الكاتبة- فهو اليوم من أصحاب نظرية المؤامرة، وهو يميني متطرف من الناحية السياسية، ولم يعد إيلون يكلمه، ولكن العين لا تخطئ مع ذلك ملامحه فيه وإن كان يحاول إخفاء ذلك، كما تقول أمه ماي، بل إن اثنتين من زوجاته أكدتا أنه عندما تسوء أموره، يصرخ بنفس الكلام الذي يصدر عن والده.


رجل بلا مشاعر

وعندما سئل كاتب سيرته عن السر في عدم استقرار ماسك الذي أنجب 11 طفلا من 4 زيجات، قال إن ماسك يعترف بأنه مصاب بمتلازمة أسبرجر التي تظهر في عدم حساسية عاطفية، وبالتالي فإن المشاعر لا تمسه فهو خال من التعاطف بارد للغاية، وليست لديه ذرة من الرومانسية.

وكمثال على ذلك، يقول الكاتب، فإن ماسك عندما التقى المغنية الكندية غرايمز على تويتر، كان موعدهما الأول زيارة تسلا، حيث أمضيا الليل وهما ساهران في ممرات المصنع وهو يحاول حل مشكلات العمل، قبل أن يصطحبها لتناول العشاء، وقد عصب عينيها ووضع سيارته على وضع القيادة الآلية، وقالت غرايمز للصحفي "اعتقدت أنه مجنون. شعرت وكأنني في فيلم من أفلام العجائب".

ماسك لا يعرف كيف يقدر نجاحاته ولا اللحظة التي يعيشها، فهو يتوقع دائما الأزمات القادمة، وقد أكد لي ذلك -كما يحكي إيزاكسون- بالقول "أنا لا أحب الهدوء. أنا مخلوق للعواصف" لدرجة أنه عندما يسير كل شيء على ما يرام يختلق كوارث، بحيث يضغط مثلا على فرقه للتقدم بشكل أسرع وإنتاج المزيد، مما قد يسبب مشاكل أو "ضجة سيئة".

ويطلب ماسك الكثير من موظفيه، وقد نجح في استقطاب أفضل المهندسين سواء في "تسلا أو سبيس إكس" ولكن الكثيرين منهم غادروا بمرارة "وقد شهدت بنفسي (يقول كاتب السيرة) مشاهد كان فيها قاسيا جدا. إنه يدفعهم إلى الجنون" فهو يتصرف كجنرال في ساحة المعركة، وقد نصب سريره في المصنع عندما كادت "تسلا" أن تتوقف عن العمل عام 2018.

يقول الملياردير إنه بعد الاستحواذ على تويتر عام 2022، أراد نقل الخوادم من سكرامنتو في كاليفورنيا إلى بورتلاند بأوريغون في أسرع وقت ممكن، ولكن مديريها طلبوا مهلة تتراوح بين 6-9 أشهر لتنفيذ الأمر بأمان، فخرج غاضبا. وفي الطائرة، سأله أحد مرافقيه لماذا لا نقوم بالأمر على الفور، فأمر بالعودة فورا، وظهر أمام موقع سكرامنتو طالبا الوصول إلى الخوادم، حيث كان هناك أكثر من 150 ألف جهاز حاسوب.

وأخذ ماسك سكينا من أحد الحراس ودخل تحت الأرض لفصل الكابلات دون أي احتياط، ثم استأجر جميع الشاحنات المتوفرة وقام بتحميل أجهزة الحاسوب التي وصلت بأعجوبة إلى وجهتها دون أي ضرر، ولكن هذا تسبب في اضطرابات كبيرة على تويتر لمدة شهرين، واعترف ماسك في النهاية بخطئه.


ماسك ومليارديرات التكنولوجيا

أما علاقة ماسك بمليارديرات التكنولوجيا الأميركيين، فعرضها كاتب سيرته من خلال رفضه التعاون مع بيل غيتس الذي طلب منه إجراء مقابلة على أمل إقناعه بالمساهمة المالية في مكافحته لظاهرة الاحتباس الحراري، فقال له ماسك "لا أستطيع أن آخذ أعمالك الخيرية المتعلقة بالمناخ على محمل الجد بسبب محاربتك شركة تسلا التي تبذل قصارى جهدها لحل مشكلة تغير المناخ.

أما جيف بيزوس مؤسس أمازون وبلو أوريجين، فلا يجده فعالا بما فيه الكفاية، ولا يراه يستثمر بما فيه الكفاية في عمله، وهو يأسف لرؤيته يضيع وقته وماله في المنازل الفخمة واليخوت، أما مارك زوكربيرغ فقد تحداه ماسك في نزال لفنون القتال المختلط على سبيل الدعابة والاستفزاز.

ماسك (يمين) تحدى زوكربيرغ (الفرنسية) ماسك وحرف إكس

يحب ماسك حرف إكس الذي يجده غامضا لأنه يمثل المجهول في الرياضيات، وهو إشارة إلى أبطاله الشباب، لذلك سمى أحد أبنائه إكس، وأطلق على شركته اسم "سبيس إكس" وأعاد تسمية "تويتر" وأطلق عليها "إكس" ليمحو الاسم الجميل المرتبط بطائر صغير ساحر كان يمقته.

وقد استثمر ماسك في الذكاء الاصطناعي عام 2017 حتى لا تتحكم غوغل في كل الذكاء الاصطناعي وحدها -كما يقول- ولكن إغلاق الشركة التي كان يشارك فيها يدفعه للتفكير بإنشاء شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح، لأنه قلق من أننا نخترع ذكاءً اصطناعيًا يهدد البشرية.

وخلص كاتب السيرة إلى أن ماسك عبقري مجنون ولكنه ليس سيئا بالضرورة، مع أنه ليس حكيما ولا متعقلا، ويريد مساعدة الإنسانية -كما يقول- فمثلا عندما كانت جميع شركات السيارات خائفة من البدء في إنتاج السيارات الكهربائية، بدأ هذه الحركة نحو الطاقة المستدامة، وها هو بعد أن حاولت الدول الكبرى غزو الفضاء، يرسل أقمارا صناعية إلى المدار أكثر من جميع الدول والشركات الخاصة مجتمعة.

وأرسل لي -يقول الكاتب- رسالة نصية ذات يوم حول الصراع الروسي الأوكراني قال فيها إن الأوكرانيين يريدون استخدام ستارلينك (كوكبة الأقمار الصناعية الخاصة بها) لشن هجوم سري على الروس بشبه جزيرة القرم، وهو ما رفضه خوفا من رد نووي روسي، وقد أظهر لي رسائل الوزير الأوكراني وقال "بنيت ستارلينك حتى يتمكن الناس من مشاهدة الأفلام ولعب ألعاب الفيديو، فكيف أجد نفسي وسط هذه الحرب؟".

وختم إيزاكسون بأن دافع ماسك لما يقول به ليس المال فحسب، وقال "أعتقد أنه يريد حقا أن يكون مثل الأبطال الخارقين في قصص الخيال العلمي المصورة التي قرأتها صغيرا. إنه يشعر بالاستثمار في مهمة إنقاذ البشرية، وهي أيضا وسيلة لترك طفولته الصعبة وراءه. ولهذا السبب يريد أن يرشدنا إلى الطريق للطاقة المستدامة، والذكاء الاصطناعي الآمن، وتجاوز الحدود المكانية".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

تحذير من موجات حر قاسية.. هل يتحول صيف 2025 إلى كارثة مناخية؟

بينما يستعد الملايين في العالم لقدوم فصل الصيف، تتزايد التحذيرات العلمية من موجات حر قاسية قد تضرب المنطقة هذا العام، في ظل تسارع التغيرات المناخية عالمياً، حيث أن التوقعات لا تبشّر بصيف اعتيادي، بل بصيف أكثر جفافًا، أكثر حرارة، وربما أكثر خطورة من أي وقت مضى.

ومنذ بداية عام 2025، سجلت مراكز الأرصاد في عدة دول عربية ارتفاعات مبكرة في درجات الحرارة، تجاوزت المعدلات الطبيعية لمثل هذا الوقت من السنة.

وأشارت بيانات منظمة الأرصاد الجوية العالمية (WMO) إلى أن شهر كانون الثاني/ يناير الماضي كان أكثر دفئًا من المعدلات التاريخية بـ1.75 درجة مئوية، مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما يعد دلالة واضحة على استمرار التدهور المناخي العالمي.

وبينما تتجه درجات الحرارة إلى الارتفاع عالميا، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديدا تظهر تسارعا أعلى من المعدلات الدولية، وأكدت دراسة منشورة في مجلة JGR Atmospheres أن الحرارة في دول المنطقة ترتفع بمعدل أسرع بمرتين إلى ثلاث مرات من باقي أنحاء العالم، نتيجة لطبيعتها الصحراوية وشبه الصحراوية، إضافة إلى تأثير الاحتباس الحراري.

من جانبه، حذر تقرير علمي من أن مدنا كبرى مثل الرياض، بغداد، والكويت العاصمة باتت ضمن ما يعرف بـ"النقاط الساخنة" على خريطة العالم المناخي، وهي مناطق مهددة بموجات حر تفوق قدرة الإنسان على التحمّل البشري، خاصةً في غياب البنية التحتية المناسبة للتبريد والتكيّف.


ورغم أن خدمة "كوبرنيكوس" الأوروبية لتغير المناخ تشير إلى أن صيف 2024 كان الأشد حرارة منذ بدء التسجيلات المناخية، إلا أن صيف 2025، وفقًا للتوقعات الأولية، قد لا يحطم الرقم القياسي ذاته، لكنه قد يحمل أنماطا مناخية أكثر تقلبا وتطرفا، مثل العواصف الرملية الطويلة، والجفاف الحاد، وارتفاع موجات الرطوبة القاتلة.

ووفق تصريح لعالمة المناخ ديانا فرانسيس، فإن درجات الحرارة في بعض دول الخليج مرشّحة للارتفاع بدرجة إلى درجتين مئويتين فوق المعدلات الموسمية المعتادة، لا سيما في الكويت، العراق، إيران والسعودية، حيث تتضاعف عوامل الحرارة بفعل قلة الغطاء النباتي، والتوسّع العمراني غير المستدام.

ولم تعد الحرارة المرتفعة مجرد ظاهرة موسمية، بل تحولت إلى أزمة صحية واجتماعية واقتصادية، حيث تؤدي إلى زيادة حالات الإجهاد الحراري، وتفاقم الأمراض المرتبطة بالتنفس والقلب، كما تهدد الأمن الغذائي والمائي في مناطق واسعة، خصوصًا في الدول ذات البنية التحتية الهشة.

تقدّر تقارير التنمية المناخية أن كل ارتفاع بمقدار درجة واحدة مئوية في الحرارة يؤثر مباشرة على الإنتاج الزراعي، استهلاك الكهرباء، وإمدادات المياه، ما يزيد من الضغط على الحكومات والمجتمعات في دول المنطقة.


وفي ظل هذه المؤشرات، يؤكد الخبراء أن التكيف لم يعد خيارا إضافيا، بل ضرورة وجودية، حيث قالت فرانسيس إن المطلوب هو إعادة تصميم المدن لتصبح أكثر مرونة في مواجهة موجات الحر، وذلك عبر زيادة المساحات الخضراء، استخدام تقنيات تبريد طبيعية، وتحسين البنية التحتية للمياه والكهرباء.

أما على المدى الأبعد، فالمعركة الحقيقية ما تزال في خفض الانبعاثات، والانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، ورغم مرور عشر سنوات على اتفاق باريس للمناخ، لا تزال الانبعاثات الكربونية تتصاعد، ودرجات الحرارة العالمية تسجّل مستويات غير مسبوقة.

مقالات مشابهة

  • غروندبرغ يقول إنه ناقش مع وزير الخارجية المصري الوضع بالبحر الأحمر والسلام في اليمن
  • اتحاد أمهات مصر: امتحانات الإعدادية اليوم رايقة ومباشرة وخالية من التعقيد
  • ليلة قاسية.. اعتداء على موظفين واحتراق أبقار وحوادث سير في محافظة جنوبية
  • أخطاء التي يقع فيها الحجاج.. تصرفات شائعة احذر منها
  • العدالة تعود بعد طول انتظار: سوريا تعيد حقوق الموظفين المفصولين في عهد الأسد
  • ما تعليق إيلون ماسك والبيت الأبيض على تقرير يزعم تعاطي الملياردير المخدرات؟
  • اعتبارا من تموز المقبل ..فرنسا تحظر التدخين في كل الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال
  • فرنسا تحظر التدخين في كل الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال بدءًا من يوليو
  • "بن آند جيريز" للمثلجات تصف العدوان على غزة بأنه "إبادة جماعية"
  • تحذير من موجات حر قاسية.. هل يتحول صيف 2025 إلى كارثة مناخية؟