أداء للقسم وبيانات عن اللاعودة.. انتفاضة السويداء تتوسع
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
تواصل السويداء السورية ما بدأته قبل 26 يوما، وبينما ظلّت الشعارات والمطالب ذاتها بإسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد أصبح زخم الانتفاضة والمشاركة فيها يتوسع يوما بعد يوم، حتى تجاوز عدد المتظاهرين يوم الجمعة حاجز الـ10 آلاف، حسب ما قال ناشطون ومشاركون لموقع "الحرة".
وخرج الآلاف من أبناء المحافظة يوم الجمعة بمظاهرات شعبية وصفت بـ"الأكبر من نوعها" قياسا بسابقاتها على مدى الأسابيع الماضية.
وكان لافتا خلال الساعات الماضية تأكيد المتظاهرين على سلمية الحراك، في ردٍ على حادثة إطلاق النار التي نفذها عناصر يعتلون أسطح مقر "حزب البعث"، يوم الثلاثاء، وأسفرت عن إصابات بين المحتجين.
وترجم المتظاهرون التأكيد على السلمية من خلال الهتافات وإقدامهم على الدخول لفرع الشرطة وسط المدينة، وتقديمهم أطباق من "المنسف" الذي تعرف به المحافظة للعناصر الموجودين داخله، فيما اتجه آخرون للتعبير عن ذلك وسط "ساحة السير"، التي بات يطلق عليها اسم "ساحة الكرامة".
في مشهد للتاريخ.. المحتجون في #السويداء يقدمون منسف لحم لقيادة الشرطة التي يقع مقرها قرب ساحة الكرامة، مؤكدين على سلمية حراكهم، وعلى مطالبهم المشروعة، اليوم الجمعة.#مظاهرات_السويداء pic.twitter.com/mOTTd86Kwv
— السويداء 24 (@suwayda24) September 15, 2023ويوم الخميس قرأت سيدة بيانا باسم المنتفضين في الشارع، مؤكدة على "استمرار المظاهرات السلمية والمدنية في ساحة الكرامة حتى رحيل النظام السوري"، كما طالب نص البيان بـ"تحقيق الانتقال السياسي لمرجعية القرار الأممي 2254 الصادر في 2015"، وتفعيل القرر 2118 الذي يحول مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات.
وطالب أيضا بـ"الكشف عن المغيبين قسرا والإفراج عن المعتقلين والكف عن ملاحقة المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ومحكمة الإرهاب، مع إلغاء قراراتها غير الشرعية".
وبعد ساعات من انطلاق جولة جديدة من المظاهرات الجمعة أظهرت تسجيلات مصورة أداء المحتجين قسما على وحدة السوريين في جميع البلاد. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان بيان صادر عن "الهيئة السياسية للعمل الوطني في المحافظة"، تم التنسيق فيه مع شيخ العقل، حكمت الهجري.
وجاء في البيان أن "السويداء انتفضت كي يصل كفاح السوريين إلى الحياة بوطن حر وموحد"، وأن "الشعب السوري يعاني منذ عقود من هيمنة نظام فاسد حكم بأدوات القمع والعنف، ولم تتوارى أجهزته الأمنية عن ارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحق السوريين والسوريات".
واعتبر البيان أن "النظام السوري جعل سوريا عز الشرق وخزان ثروته وطنا للجائعين المحرومين من أبسط حقوق الحياة"، وجعل "فلاح البلد يزرع ولا يأكل.. والعامل يصنع ولا يلبس.. والجندي يدافع ولا أحد يدافع عنه"، فيما أكد على الاستمرار في التظاهر حتى "نيل الحرية".
"محطة فارقة"ويعتبر ناشطون سياسيون من السويداء أن الانتفاضة في المحافظة دخلت في "محطة فارقة" بعد حادثة إطلاق النار التي حصلت قبل يومين، والتي دفعت شيوخ العقل إلى اتخاذ موقف تصعيدي ضد النظام السوري.
وحصلت الحادثة أمام فرع "حزب البعث" ظهر الثلاثاء، وأسفرت عن 3 إصابات بالتزامن مع محاولة محتجين اقتحام المكان من أجل تحطيم تمثال حافظ الأسد، وإعادة إغلاق المقر الحزبي، بعدما أقفل شبان أبوابه بالحديد، قبل أسبوع.
وفي أعقابها ألقى الشيخ حكمت الهجري كلمة هاجم فيها النظام السوري وإيران وميليشياتها واعتبرها "محتلة"، في وقت أكد على ضرورة "ضبط النفس"، وأن ما حصل "عبارة عن مؤامرة".
وانضم إليه بعد ذلك الشيخ أبو وائل حمود الحناوي، معلنا أن "إطلاق النار لا يمكن السكوت عنه. إلي بدو يطلق النار على ولادنا بعدوا ما عاش".
وظهر الحناوي في تسجيل مصور، الجمعة، وهو يحمل غصن زيتون في إشارة إلى السلمية بين جموع من المتظاهرين، وذلك بعدما تردد اسم الهجري في البيان الذي أكد على مطالب المتظاهرين حتى إسقاط النظام السوري.
ويوضح الناسط السياسي، مروان حمزة أن "البيانات التي صدرت الجمعة متممة للحراك، وتؤكد على أنه سلمي وضد العسكرة وضد إطلاق أي طلقة رصاص".
ويقول حمزة لموقع "الحرة": "أعداد المتظاهرين تفوق 10 و12 ألف نسمة في ساحة الكرامة. جاءوا من كل أنحاء المحافظة، وردّوا على الاعتداء الذي حصل من سطح فرع البعث".
"المشاركة الكبيرة يوم الجمعة تؤكد أننا سلميين ولا نفتعل أي أذى".
#شاهد: من قلب ساحة الكرامة في السويداء، هتافات الحريّة تعلو من آلاف المحتجين/ات، اليوم الجمعة.#مظاهرات_السويداء pic.twitter.com/sqzZs7JM4m
— السويداء 24 (@suwayda24) September 15, 2023ويتابع حمزة: "نحن لا نفاوض على حقنا في لحياة ونطالب دول العالم بسماع صوتنا. شعارنا هو تطبيق القرار 2254 الذي ينص على رحيل النظام السوري".
ولم تتسع "ساحة الكرامة" للمحتجين خلال الساعات الماضية، حسب ما تقول الصحفية السورية، بيسان أبو عسلي، وما تؤكده أيضا الناشطة السورية، لبنى الباسط.
وتوضح أبو عسلي لموقع "الحرة" أن "الحشود كانت الأكبر منذ بدء الحراك"، وأن المشاركة جاءت من جانب مكونات مختلفة من المحافظة، "من الدروز والعلويين والمسيحيين والسنة".
وكان لافتا بحسب الصحفية السورية "التأكيد على سلمية الحراك" وإظهار العادات التي تشتهر بها السويداء من "صب القهوة المرة في الطرقات واللباس التقليدي ونشر أطباق المنسف، كنوع من التعبير عن المظهر الحضاري للاحتجاجات".
"لا عودة"ومن غير الواضح حتى الآن المسار الذي ستسلكه الانتفاضة في المحافظة ذات الغالبية الدرزية في الأيام المقبلة، ولاسيما مع تأكيد المتظاهرين على البقاء في الشارع، وانضمام شيوخ العقل إليهم.
وأيضا في وقت نزع المتظاهرون معظم صور رأس النظام السوري بشار الأسد وتماثيل أبيه حافظ الأسد، وعادوا الجمعة ليغلقوا مبنى "حزب البعث" بالحديد، بعدما تعرضوا لإطلاق نار أمامه، قبل يومين.
ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات قبل 3 أسابيع، وكان الرد الوحيد من جانبه من قبل "فرع حزب البعث في السويداء"، في أعقاب حادثة إطلاق الرصاص.
ويقول الناشط حمزة إن "المظاهرات الشعبية ستستمر، وهي استمرار للمطالب الأولى للثورة السورية قبل 12 عاما".
ويضيف أن "الإصرار على التظاهر لا يعني أننا نريد قطع العلاقة. نحن من سوريا وإذا تصرف النظام برعونة وحشر المحافظة بالزاوية فلن نقبل ذلك".
"نحن لا نفاوض على حقوقنا الأساسية"، من ماء وكهرباء ومحروقات وأساسيات، وهو ما أكدت عليه البيانات، بإشاراتها إلى أنها "غير قابلة للتفاوض والمساومة عليها"، حسب الناشط السياسي.
ويشير الصحفي السوري ومدير شبكة "السويداء 24" المحلية، ريان معروف إلى أن تضاعف أعداد المشاركين الجمعة مرده تخصيص هذا اليوم ليكون رئيسيا في الانتفاضة ضد النظام السوري.
ويوضح حديثه بالقول لموقع "الحرة": "الجمعة هو يوم عطلة والناس لديها قدرة على التحرك والخروج ليس كما هو الحال بالنسبة لباقي أيام الأسبوع".
وتكلّف عملية الانتقال من القرى والبلدات الواقعة في الأرياف إلى مركز المدينة أكثر من 50 ألف ليرة سورية ذهابا وإيابا، وهو ما يعتبره معروف "مرهقا للمشاركين، ولذلك تم التركيز على الجمعة كأساس للخروج بالمظاهرات".
وإلى جانب ما سبق اعتبر الصحفي السوري أن تأييد المرجعيات الدينية للحراك جعل زخم المشاركة يتوسع أكثر فأكثر، وأن تأكيدهم على "دولة علمانية مدنية هو الذي يطالب به الجميع ويعتبر خلاص السوريين".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: النظام السوری ساحة الکرامة فی المحافظة یوم الجمعة حزب البعث
إقرأ أيضاً:
«انتفاضة» سياسية ضدّ ترامب ونتنياهو معاً
ما نشهده من «انتفاضة» سياسية، عارمة وغير مسبوقة ضدّ حكومة اليمين العنصري في دولة الكيان الصهيوني هو «انتفاضة» مزدوجة، لأنها ضد دونالد ترامب، أيضاً.
أحد المحفّزات الكبيرة التي تبدو خارج السياق الذي عرفناه طوال فترة الإبادة الجماعية، وحيث شارك بها «الغرب» «المنتفض» اليوم، وبكلّ فصولها، فصلاً وراء آخر هو المحفّز الداخلي للكيان نفسه.
عاد قادة الجناح الفاشي في حكومة الاحتلال للحديث عن الإبادة العدوانية وكأنها مسألة «طبيعية ومشروعة»، وعاد الحديث عن إبادة الأطفال وكأنه أمر مرغوب و»ضروري»، وكذلك عن استيطان القطاع، وكأنه التتويج الطبيعي لاستكمال العمليات العسكرية الهمجية الشاملة على القطاع، بما فيها العملية البرّية التي يجاهر بها «اليمين الفاشي»، ولا تنفيه القيادات العسكرية، كما عاد الحديث عن «حتمية» الانتصار الساحق الماحق على المقاومة، والبدء العملياتي المباشر لتهجير أكثر من نصف سكان القطاع جهاراً نهاراً، على مرأى ومسمع العالم كلّه، ومسمع العالم العربي تحديداً، والإصرار على التجويع وتعطيش الناس والإعدام الجماعي لآلاف مؤلّفة من الأطفال «كخطوة» تمهيدية للتهجير.
لم يكن نتنياهو ليملك «شجاعة» الحديث عن كل هذا، على لسانه مباشرة، أو بلسان أقطاب «اليمين الفاشي» لولا أنّه بات مطمئناً إلى أن العالم العربي مشغول عن هذا كلّه باستقبال ضيفهم الكبير، وتقديم العطايا له.
المحفّز الإسرائيلي الداخلي، و»الانتفاضة» السياسية الإسرائيلية، بصرف النظر عن زاوية رؤياها سبقت «الانتفاضة» العالمية التي نشهدها اليوم. أتذكّر بهذا الصدد قبل عدّة شهور ما كان قد كتبه الأستاذ عماد شقور، أن انتبهوا إلى شخص يصعد نجمه في دولة الاحتلال وهو يائير غولان، زعيم «حزب الديمقراطيين».
بالفعل فقد جاءت تصريحات «مدوّية» على لسانه، لم يسبق أن قالها أيّ زعيم إسرائيلي بمن فيهم يعالون نفسه.
يقول غولان، إن لدى كيانه هواية قتل الأطفال، وهذه المسألة تعتبر بكلّ المقاييس صعقة سياسية مدمّرة للحكومة الفاشية.
حديث هذا الرجل سيكون على ما يبدو بداية جديدة، لـ»معارضة» من نوع جديد، بمضمون جديد، وأدوات جديدة، وربّما بقوى اجتماعية وسياسية جديدة.
وجدت بريطانيا ضالّتها في وصول «المعارضة» لسياسات الحكومة الفاشية إلى هذا المستوى من الوضوح، لأنها والدول الأوروبية الأخرى، وخصوصاً فرنسا، وبداية الالتحاق الألماني بهذا الركب الجديد..
وجدت بريطانيا أن لديها فرصة كبيرة لامتصاص حالة الغضب الشعبي الكبير فيها ضد سياسات حكومة الاحتلال، وأرادت من خلال «الانتفاضة» السياسية التي دشّنتها بمواقف نوعية جديدة، والتهديد بإجراءات وخطوات أكبر وأخطر في القريب العاجل، أن تعيد أوروبا إلى الشرق الأوسط من النافذة، بعد أن أخرجها ترامب من الباب العريض.
اكتشفت أوروبا بعد سنواتٍ وسنوات من التبعية الكاملة لأميركا، وبعد الالتحاق الذيلي المهين لها، سواء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا أنها ببساطة تشبه «المرأة المهجورة».
فهي ليست مطلّقة حتى يُخلى سبيلها بعد أشهر العدّة، وهي ما زالت على ذمّة أميركا، لكن لا شأن لها بما يقوم به «الزوج»، وهو في هذه الحالة أميركا بشخص رئيسها ترامب.
واكتشفت أوروبا أن كلّ ما دفعته في أوكرانيا كان نوعاً من فرض «الخاوة» الأميركية عليها، وصدمت أوروبا حين استعاد ترامب كلّ ما أنفقته بلاده بأضعاف مضاعفة، وأن كل ما هو مطلوب منها أن «تودّع» ملياراتها التي أنفقتها، بل وعليها أن تتفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشروطه هو، وليس بشروطها، وأن عليها إذا أرادت أن تتقي «شرّ» روسيا مستقبلاً أن تقبل بالشروط الروسية لوقف الحرب في أوكرانيا، والعودة للتعاون مع روسيا في ظروف الانتصار الإستراتيجي الذي حققته الأخيرة على أوروبا كلّها، بل وعلى «الغرب» كلّه.
ولاحظت «بريطانيا العجوز» الاستعمارية المعروفة بحنكتها وشدّة الدهاء الذي تميّزت به ـ أن بلدان «الخليج العربي الجديد» قد عقدت تحالفاً جديداً تم استثناء أوروبا منه، بل وتمّ تجاوز دولة الاحتلال نفسها من خلاله.
أوروبا قرأت المعادلة جيداً بعد تريليونات ترامب، استحوذت أميركا على كل شيء، وأعدّت عدّتها للمستقبل جيّداً.
اتفاق متوقّع مع إيران، انسحاب كامل من الحرب على جماعة «أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية، تجاوز الدولة العبرية، ووضعها في إطار إستراتيجيته ورؤاه الخاصة، واستعداد لحماية الكيان، وليس رعاية طموحاته.
فهمت أوروبا أن المشروع الصهيوني تراجع، وفهمت جيداً ما كتبه ديفيد هيرست من أن الكيان هزم سياسياً، ولكنه لم يدرك بعد طبيعة هزيمته، ولم يفهم أن الإنجازات الميدانية لا قيمة لها في الميزان الإستراتيجي إذا لم تترجم إلى منجزات سياسية عينية ومباشرة ومكرّسة.
على العكس تماماً مما يعتقده الكيان، فالواقع يقول إن دولته قد تجاوزت كل النتائج العملية للحرب العدوانية التي خاضتها، وتواصل خوضها على اعتبارات تكتيكية، في حين تقلّص دورها ومكانتها، وهي لم تعد قادرة على الاستمرار بها، ولم تعد قادرة على إيقافها، ما يعطي «لمنجزاتها» طابعاً مؤقّتاً وثانوياً بالمقارنة مع خساراتها، ومهما أوغلت في إجرامها فإن هذه الحقيقة لن تتغيّر، وقد قلنا وكتبنا ما قاله هيرتس مرّات ومرّات، ومنذ الأشهر الأولى للحرب العدوانية، لكن مشهد الإبادة والتوحُّش والإجرام والهمجية غطّى على هذه الحقائق، ووقع جزء من شعبنا في مصيدة لوم الضحيّة، وما زال البعض يُكابر حتى يومنا هذا.
أوروبا تحاول اصطياد عدّة عصافير بحجرٍ واحد، ومهما كان للاعتبارات «الإنسانية» من دور في هذه «الانتفاضة» فإن الاعتبارات السياسية أساساً هي مفتاح فهم الذي جرى وما زال يجري حتى الآن، ومفتاح فهم الذي سيجري لاحقاً، وهو أكبر من كلّ الذي جرى ويجري.
ليس مستبعداً في ضوء قوّة دفع هذه «الانتفاضة» أن تركب أميركا هذه الموجة، لكي تصطاد عصافير جديدة أكبر وأسمن من العصافير الأوروبية التي ما زالت على الشجرة، على كلّ حال.
(الأيام الفلسطينية)