#سواليف

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمديرة مكتبها في بغداد، لويسا لوفلوك، ومديرة مكتبها في القاهرة، كلير باركر، قالتا فيه إن شهر نيسان/ أبريل هو شهر جميل على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث تعطر الأزهار النسيم، وتنبض الحياة في المدن الساحلية. لكن بالنسبة لميرون استفانوس وآخرين ممن يراقبون مرور #المهاجرين، فإن الربيع يجلب أيضا شعورا بالقلق.

كثيرا ما تسأل استيفانوس، الناشطة الإريترية المقيمة في أوغندا، نفسها: “كم من الناس سنخسر هذه المرة، كم أُمّا ستتصل بي لتسأل عن ابنها أو ابنتها المفقودة؟”

على مدى العقد الماضي، أصبح #البحر الشاسع بين شمال أفريقيا وتركيا وأوروبا مسرحا للموت الجماعي. وتشير تقديرات متحفظة إلى أنه من بين أكثر من مليوني شخص حاولوا العبور، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط، هناك ما لا يقل عن 28 ألف شخص في عداد #المفقودين، ويفترض أنهم لقوا حتفهم.

مقالات ذات صلة لمواجهة موجة حر نادرة.. حديقة تقدم لحيواناتها مثلجات / فيديو 2023/09/26

وكان الربع الأول من عام 2023 هو الأكثر دموية في وسط البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2017، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة. ويخشى المدير العام أنطونيو فيتورينو أن تكون #الوفيات “قد أصبحت أمرا متقبلا”.

ومن بين القتلى المعروفين، لم تتمكن السلطات الأوروبية من انتشال سوى حوالي 13% من الجثث، حسب تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر. لم يتم تحديد الغالبية العظمى منهم أبدا. إن فرص حصول أحد الأقارب على تأكيد بوفاة أحد أحبائه المفقودين هي “مثل احتمالات الفوز باليانصيب”، على حد تعبير أحد المسؤولين الإنسانيين.

وقالت كريستينا كاتانيو، أستاذة الطب الشرعي في جامعة ميلانو، التي يعمل مختبرها على التعرف إلى جثث المهاجرين التي تعثر عليها السلطات الإيطالية: “إنه بالتأكيد أكثر تحديا من حادث تحطم طائرة محلية مثلا، ولكن مع الإرادة الصادقة، يمكن القيام بذلك”.

لكن مختبر كاتانيو في لابانوف لا يتلقى أي تمويل من الدولة. لا تقدم الحكومات الأوروبية سوى موارد قليلة لاستعادة الرفات البشرية التي تصل إلى شواطئها، ناهيك عن حفظها والتعرف عليها.

تمتلك إسبانيا قاعدة بيانات مركزية للطب الشرعي، لكن لا يمكن البحث فيها إلا بالاسم. في إيطاليا واليونان، هناك تنسيق محدود بين المكاتب والمناطق المختلفة التي تتعامل مع حالات المهاجرين المفقودين. ولم يتم بعد تنفيذ اتفاق عام 2018 بين إيطاليا ومالطا واليونان وقبرص لتبادل معلومات الطب الشرعي مع المفوضية الأوروبية.

وضمن هذا الفراغ، يحاول أشخاص مثل كاتانيو وضع أسماء ووجوه للمفقودين. وقالت: “أنت تقوم بأخذ عينة الأنسجة، وتجمع كل المعلومات التي تحتاجها وتضعها في بياناتك. الجزء الصعب هو البحث عن القريب، لكنه ليس مستحيلا”.

استفانوس هي واحدة من الوجوه الأكثر شهرة في الشتات الممتد، ما يجعلها شريان حياة لأولئك الذين يبحثون عن المفقودين.

يعطونها التفاصيل التي عرفوها قريبا (متى غادر القارب، ومن هو المهرب الذي دفع له المال) والتفاصيل التي عرفوها دائما مثل (“لقد كسر أسنانه عندما كان يلعب كرة القدم عندما كان طفلا”).

تشارك قصصهم على فيسبوك وفي برنامجها الإذاعي الأسبوعي. وفي إحدى الحالات، سافرت للعثور على إجابات، وبحثت في المستشفيات والسجون، ولكن دون جدوى.

في بعض الأحيان، يتواصل أحد الناجين من حطام السفينة، أو يقوم أحد المهربين بمشاركة قائمة الركاب من السفينة المفقودة.

في كثير من الأحيان، يتم ابتلاع القوارب دون وجود ناجين، وتغرق عميقا، لدرجة أنه لا يمكن العثور عليها أبدا. أو تتناثر الجثث على سواحل مختلفة، دون وثائق هوية، ولا يبذل المسؤولون هناك الكثير للتحقق من هويتهم.

ويصر الخبراء والناشطون على أنه لا يزال هناك الكثير مما يمكن القيام به لاحترام كرامة الموتى، وتوفير خبر يقين للعائلات التي تتوق إلى معرفة مصير أحبائها.

أم إريترية فُقد ابنها عام 2005، وتتصل بإستيفانوس منذ 18 عاما. فترد عليها الناشطة: “أتمنى أن أستطيع إعطاءك إجابة، لكني لا أستطيع”. وترد المرأة دائما بنفس الطريقة: “لماذا لا تخبريني أنه مات؟”

ويركز الاتحاد الأوروبي على منع الهجرة، ويبرم صفقات مع الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لاعتراض القوارب قبل وصولها إلى المياه الأوروبية، ويمول مراكز الاحتجاز لاحتجاز ركابها.

في أغلب الأحيان، لا تتخذ الحكومات الأوروبية إجراءات منسقة لتحديد هوية الموتى إلا بعد غرق السفن الكبيرة التي تجتذب تسليط الأضواء من وسائل الإعلام.

عندما غرقت سفينة صيد زرقاء في المياه اليونانية في 14حزيران/ يونيو وعلى متنها 750 شخصا، اتخذت البلاد خطوة نادرة، تتمثل في تفعيل نظام تحديد هوية ضحايا الكوارث، والذي يستخدم عادة في أثناء الكوارث الطبيعية. تواصلت السلطات مع بلدان المهاجرين الأصلية للمساعدة في التعرف على الجثث، وأنشأت خطا ساخنا للعائلات.

لم يصاحب أي رد فعل من هذا القبيل عشرات حوادث الغرق التي حدثت منذ ذلك الحين، في اليونان أو في أي مكان آخر. وقد سجل مشروع المهاجرين المفقودين ما يقرب من 500 حالة وفاة في البحر الأبيض المتوسط خلال تلك الفترة.

قالت كاتانيو: “الناس يلوون رؤوسهم طوعا ووعيا عن المشكلة”.

وتفوقت تونس على ليبيا هذا العام كنقطة انطلاق رئيسية لقوارب المهاجرين المتوجهة عبر البحر الأبيض المتوسط. وفي المياه الجنوبية للبلاد، يعثر الصيادون على الجثث في شباكهم، ويكتشفهم رواد الشاطئ وقد جرفتهم الأمواج إلى الرمال.

في عام 2016، بدأت عواطف عماد مشارق، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة أمستردام والمتخصصة في الطب الشرعي، تسمع المزيد والمزيد من هذه القصص من مسقط رأسها في جرجيس، وهي مجتمع ساحلي يقع على بعد حوالي 50 ميلا من الحدود الليبية.

وهي اليوم الباحثة الرئيسية في مشروع ممول من مجلس البحوث الأوروبي، ويحركه سؤال مركزي: كيف انتهى الأمر بهذه الجثة هنا؟

وقالت: “في السنوات الأولى، لم يكن الناس يهتمون كثيرا بالموتى”. وأضافت أن المهاجرين التونسيين غادروا على متن قوارب أكثر ثباتا وطرقا أكثر أمانا، وغرق عدد أقل منهم.

تغير ذلك في تموز/ يوليو 2019، عندما جرفت الأمواج 87 جثة على شاطئ جرجيس. كانت مشارق هناك في رحلة بحثية. وقالت إن الشرطة كانت مرهقة. وحمل عمال نظافة الشوارع الجثث في شاحناتهم.

تم نقلهم إلى مدينة قابس، التي تبعد حوالي 90 ميلا شمالا، والتي يوجد بها مستشفى مجهز لإجراء تحاليل الطب الشرعي. ومنذ ذلك الحين، قام طبيب هناك وآخر في مدنين بفحص الجثث التي جرفتها الأمواج إلى الشاطئ في جرجيس.

وقالت مشارق: “ما نجحت به قابس هو إمكانية التعرف على الأشخاص بناء على أمتعتهم الشخصية – ملابسهم أو الأشياء التي يحملونها معهم”.

إذا كانت الجثة تعود لمواطن تونسي، تبحث أسرته عنه بنشاط، فإن تحديد الهوية يكون سهلا نسبيا. وأضافت: “لكن عندما يتعلق الأمر بالتعرف على جثة عشوائية مجهولة جرفتها الأمواج إلى الشاطئ، يكون الأمر أكثر صعوبة”.

خلال فترة أربع سنوات من 2017 إلى 2021 في أحد المستشفيات الكبرى في مدينة صفاقس جنوب شرق البلاد، لم يتم التعرف على ثلاثة أرباع القتلى، وفقا لتقرير صادر عن متخصصين في الطب الشرعي.

ويقول مسؤولون في المجال الإنساني إن مطابقة عينات الحمض النووي مع الأقارب في بلدان أخرى تتطلب قاعدة بيانات دولية، ما يسمح بشكل مثالي لأفراد الأسرة بتقديم عينات محليا.

وقال فلوريان فون كونيغ، الذي يقود جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإشراك الحكومات في قضايا الهجرة: “لكل هذا، نحتاج إلى وجود أنظمة واتفاقات قائمة، وإلى أن يعرف الناس بالفعل أن هذه السبل موجودة”.


ويتفق الخبراء على أن العقبة الأكبر هي الافتقار إلى الإرادة السياسية.

قالت مشارق: “هناك شيء يجب أن يتغير. لا يمكنك القيام بذلك على المستوى الوطني، ويجب أن تكون دولية بسبب طبيعة المشكلة. أنت لا تعرف أين ستنجرف الجثث”.

وفي تونس، دُفن العديد منهم على يد شمس الدين مرزوق، وهو ناشط وصياد سمك من جرجيس، تعتبر مقبرته للمجهول المثوى الأخير لمئات المهاجرين. شواهد القبور الصغيرة ترتفع من أكوام التراب الحمراء.

قال مرزوق: “كان هذا الصيف هو الأكثر كثافة التي مررنا بها”. مقبرته ممتلئة الآن.

ويدعو مرزوق وزملاؤه الناشطون منظمات الإغاثة إلى مساعدة المتطوعين المحليين على جمع المزيد من الجثث من البحر الأبيض المتوسط، كما يدعون السلطات الأوروبية إلى المساعدة في التعرف على هوياتهم.

وأضاف: “هناك عائلات تنتظر أحباءها”.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف المهاجرين البحر المفقودين الوفيات البحر الأبیض المتوسط الطب الشرعی التعرف على لم یتم

إقرأ أيضاً:

مقابر الأرقام في إسرائيل رفات شهداء فلسطينيين بلا شواهد ولا هوية

مقابر الأرقام هي مقابر سرية أنشأتها إسرائيل قبل 56 عاما وأطلقت عليها اسم "مقابر الأعداء"، بقصد دفن رفات الشهداء الفلسطينيين والعرب وإخفائها عن ذويهم، وبدلا من أسمائهم يحمل كل شهيد رقما مثبتا فوق قبره على لوحة معدنية.

ويبقي الاحتلال كل ما يتعلق بهذه المقابر مجهولا، ويرفض إعطاء أي معلومات عن أماكنها، ولا يُعرف عددها الحقيقي، مما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"تهديد مباشر للمدنيين".. مخاوف حقوقية من انسحابات أوروبية من معاهدة حظر الألغامlist 2 of 2لاحتفائهم بالقصف الإيراني.. اعتداءات إسرائيلية وحشية على الأسرىend of list

ويتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة احتجاز جثامين الشهداء في هذه المقابر وفي ثلاجاته، لاستخدامها ورقة ضغط ومساومة في أي صفقة تبادل مستقبلية.

مدافن بلا شواهد

تحاط المقابر بحجارة دون شواهد، وفوق كل منها لوحة معدنية تحمل رقما فقط دون تدوين اسم صاحب القبر، ولكل رقم ملف سري خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية.

ويحيط الاحتلال الإسرائيلي هذه المقابر بأسلاك شائكة، ويتّبع طريقة مهينة في دفن جثامين الشهداء فيها، مما يجعل عملية تحديد مكان الضحايا والتعرف عليهم لإخراجهم مهمة شاقة وصعبة.

ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي هذه المقابر مناطق عسكرية مغلقة، ويمنع الوصول إليها دون موافقة مسبقة من جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، بينما تقع هذه المقابر تحت إشراف ومسؤولية الجيش الإسرائيلي.

ويعود قرار احتجاز جثمان الشهيد لقائد المنطقة، وهو ضابط يستند إلى قرارات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، كما يعتمد على قانون الطوارئ الذي يعود لفترة الانتداب البريطاني، الذي كان يخوّل القائد العسكري احتجاز جثامين الشهداء أو فرض شروط على شكل الجنازة وإتمام مراسيمها.

سياسة إسرائيلية قديمة

تعود سياسة دفن جثامين الشهداء في مقابر الأرقام إلى بداية إعلان قيام إسرائيل عام 1948.

وتصاعدت هذه السياسة بشكل ملحوظ بعد حرب 1967، إذ أنشأت إسرائيل مقابر عدة لاحتجاز رفات شهداء عرب وفلسطينيين قضوا في حرب الأيام الستة، وبعدها توسعت لتضم رفات منفذي العمليات الفدائية، ورفات الأسرى الذين يقضون في السجون الإسرائيلية.

وفي عام 1985، كشف عضو البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) يوسي ساريد أن السلطات الإسرائيلية تسرق الأعضاء من الجثامين الموجودة في مقابر الأرقام، وقال إنها سياسة تدل على "انحدار إلى أدنى مستوى أخلاقي للبشرية".

إعلان

وفي يناير/كانون الثاني 1999، توصل تقرير، أعده فريق تفتيش عينه الحاخام العسكري في إسرائيل، إلى إخفاقات في التعامل مع جثث الضحايا في مقابر الأرقام، وأوصى بوسائل إضافية لتحديد الهوية، بما في ذلك "زجاجة مغلقة تحتوي على رقم الجثمان وتوضع في التابوت، وربط سوار بالجثة يحمل رقمها"، إلا أن أيا من ذلك لم يتم.

وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى في أواخر سبتمبر/أيلول 2000، تصاعدت سياسة إسرائيل في دفن الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام إلى حد كبير.

تدخلات المحكمة

وفي أغسطس/آب 2015، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيتوقف عن احتجاز الجثامين، وسيشرع في تأسيس بنك للحمض النووي تمهيدا لتحرير كافة الجثامين المحتجزة، خاصة في مقابر الأرقام، لكنه لم يف بذلك.

ومع اندلاع "هبّة القدس" في أكتوبر/تشرين الأول 2015، اتخذ الاحتلال عددا من التدابير لمعاقبة الفلسطينيين وردعهم، منها تفعيل سياسة احتجاز الجثامين.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2017، أصدر الكابينت قرارا يقضي بمنع تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين ممن ينتمون لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لاستخدامهم ورقة ضغط ضدهم من أجل الإفراج عن جنوده المأسورين في قطاع غزة.

قضية اختفاء جثة الشهيدة دلال المغربي تعد واحدة من أبرز القضايا التي أثارت موضوع عبث إسرائيل بمقابر الأرقام (وكالات)

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، أصدرت المحكمة نفسها قرارا يعتبر حجز جثامين الشهداء غير قانوني، ولكنها لم تأمر بتسليمها لأهالي الشهداء، بل أمهلت الحكومة الإسرائيلية لسن تشريعات قانونية جديدة، تمنحها صلاحية احتجاز الجثامين لغرض المساومة على إطلاق سراح أسرى.

وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 2019، أقرّت المحكمة العليا الإسرائيلية رسميا سياسة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام والثلاجات، لغاية المفاوضات، سعيا لاستعادة الجنود المأسورين في قطاع غزة، الأمر الذي يخالف مواثيق حقوق الإنسان والديانات السماوية.

وفي 15 فبراير/شباط 2020 اعترف الاحتلال الإسرائيلي، ولأول مرة، بأماكن دفن جثامين 123 شهيدا في "مقابر الأرقام"، بعد أن توجّهت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء بـ3 التماسات للمحكمة الإسرائيلية العليا منذ عام 2016، لتحديد أسماء وأماكن احتجاز الجثامين والإفراج عنها.

إحصائيات وأرقام

تقدر مراكز حقوقية فلسطينية وجود ما لا يقل عن 6 مقابر للأرقام، تقع الأولى شمال فلسطين عند جسر "بنات يعقوب" قرب منطقة "عميعاد" العسكرية الحدودية بين سوريا وفلسطين ولبنان، وبها عشرات القبور لشهداء فلسطينيين ولبنانيين، غالبيتهم ممن سقطوا في حرب عام 1982.

أما المقبرة الثانية فتقع في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدران عالية ولها بوابة حديدية، وفوقها لافتة كبيرة مكتوب عليها بالعبرية "مقبرة لضحايا العدو"، ويوجد فيها نحو 100 قبر مرقم من "5003-5107″، وتدّعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأن هذه الأرقام مجرد رموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى.

وثالثها هي مقبرة "شحيطة" وتقع في قرية وادي الحمام، شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا، وغالبية الجثامين الموجودة فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار، التي وقعت بين عامي (1965-1975).

إعلان

كما توجد 3 مقابر أخرى واحدة منها في مدينة عسقلان، والأخرى جنوب شرق سهل الحولة شمال فلسطين المحتلة، والثالثة عند منطقة "ريفيديم" قرب غور الأردن.

وتفيد الإحصائيات الرسمية الفلسطينية بأنه وحتى أبريل/نيسان 2025 يوجد 684 جثمانا محتجزا لدى الاحتلال الإسرائيلي، من بينها 256 في مقابر الأرقام.

ولا تشمل هذه الأرقام جثامين الشهداء الغزيين الذين احتجزتهم إسرائيل أثناء حرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتعود أقدم الجثامين المحتجزة للشهيد المقدسي جاسر شتات، الذي استشهد عام 1968، في حين أن أصغر جثمان محتجز في هذه المقابر يعود للطفل حسن الشرباتي من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية وكان يبلغ من العمر (13 عاما) عند استشهاده.

وفي يوليو/تموز 2024، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يحتجز نحو 1500 جثمان لفلسطينيين لم تعرف هويتهم في حاويات مبردة داخل القاعدة العسكرية المعروفة باسم "سدي تيمان"، وأنه تم تصنيف الجثامين بالأرقام وليس الأسماء.

وذكرت الصحيفة أن الجثامين وصلت إلى مرحلة معينة من التحلل، وبعضها مفقود الأطراف، والبعض الآخر بلا ملامح، ويرجح أن الجثامين تعود إلى شهداء ارتقوا في الأيام الأولى من الحرب على غزة.

سرقة الأعضاء

أفادت تقارير حقوقية بأن هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، مما يعرضها للانجراف بفعل العوامل الجوية، إضافة إلى نبش الحيوانات لها ونهش جثامين الشهداء، مما أدى إلى اختلاط عظام الشهداء بعضها ببعض.

وفي تصريحات سابقة لرئيس معهد تشريح "أبو كبير"، قال "إن مقابر الأرقام تقع جميعها في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع الاقتراب منها"، وكشف أن دفن الشهداء في هذه المقابر يكون في قبور لا يزيد عمق الواحد منها على 50 سنتيمترا، وتكون متلاصقة جدا.

وجاء في التصريحات، التي نشرتها القناة الإسرائيلية الثانية، أن خبراء الطب الشرعي في معهد "أبو كبير" يستأصلون الجلد والقرنيات وصمامات القلب والعظام من جثث الفلسطينيين.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، كشف المحامي أندريه روزنتال، الذي حضر عمليات فتح بعض القبور بهذه المقابر، أنها لم تكن في صفوف مستوية، ولم تكن هناك أي علامات تدل على وجود الجثامين، وأن "جرافة حفرت في عمق قليل فظهرت بعض الجثامين التي وضعت في أكياس ومسح ما عليها من معلومات، ولم نتمكن من تشخيص الجثث دون فحص طبي".

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "معاريف" في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2014، فإن 3 تقارير إسرائيلية داخلية وجدت أن المسؤولين عن هذه المقابر عبثوا فيها، وخاصة فيما يتعلق بعمليات الدفن وصيانة القبور.

وبحسب التقرير، فإن هناك إهمالا شديدا في هذه المقابر، فهناك جثث اختفت، وأخرى جرفت مع انجراف التربة بسبب الأمطار، وهناك قبور حفرت دون تحديد فاصل ترابي بينها، فصارت تبدو مثل القبور الجماعية.

كما تحدث التقرير عن اختفاء جثة الشهيدة دلال المغربي، كاشفا بذلك عن واحدة من أبرز القضايا التي أثارت موضوع عبث إسرائيل بمقابر الأرقام.

بعد ذلك كشفت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء عن انتزاع السلطات الإسرائيلية أعضاء الشهداء الأسرى -الذين يدفنون في مقابر الأرقام- وبيع أجسادهم لمراكز طبية، ومبادلة أعضاء الشهداء الأسرى من معهد أبو كبير للطب الشرعي مقابل أجهزة طبية.

وفي يوليو/تموز 2023، أكدت الهيئة الفلسطينية المستقلة لملاحقة جرائم إسرائيل أن الاحتلال يسرق أعضاء الجثامين، ويتاجر بها، ويجري عليها التجارب الطبية بحماية قانونية من سلطات الاحتلال.

حملة ويوم وطني

وفي عام 2008، أطلقت عائلات الشهداء المحتجزين، بالتعاون مع مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة في مقابر الأرقام والثلاجات وتشييعهم ودفنهم وفقا للشعائر الدينية، وبما يليق بكرامتهم الإنسانية، وكذا لإلزام إسرائيل بتحديد مصير المفقودين الذين تنكر وجودهم لديها.

إعلان

وعملت الحملة على حشد الرأي العام الفلسطيني والدولي للضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تلزم الدول باحترام جثامين ضحايا الحرب وتمكين ذويهم من دفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية.

وتستند الحملة في نشاطها إلى تحرك ذوي الضحايا، وإسنادهم من الجمهور الفلسطيني عبر المذكرات والاعتصامات، إضافة إلى مقابلة ممثلين عن البعثات الدبلوماسية، ومنظمات الأمم المتحدة والهيئات والمؤسسات القانونية المدافعة عن حقوق الإنسان.

وجمعت الحملة أسماء الشهداء المحتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام، وقدمت العديد من العرائض إلى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة في محاولة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتسليم جثامين الشهداء المحتجزة.

في الثالث من أغسطس/آب 2008، قررت الحكومة الفلسطينية اعتبار 27 أغسطس/آب من كل عام يوما وطنيا لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب المحتجزة لدى الاحتلال، والكشف عن مصير المفقودين.

كما كلّفت وزارة الخارجية بالعمل على إثارة قضية هذه الجثامين مع الحكومات والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، بهدف "فضح السياسة العنصرية لحكومة إسرائيل والضغط عليها لتنفيذ التزاماتها حسب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف".

وفي 11 مارس/آذار 2023، أعلنت أكثر من 120 جمعية ومنظمة وحزبا في عشرات الدول عن إطلاق "الحملة الدولية لتحرير جثامين الشهداء من ثلاجات ومقابر الأرقام" وذلك تحت شعار "بدنا ولادنا"، وسعت لتدويل هذه القضية.

وينظم أهالي شهداء مقابر الأرقام مسيرات دورية في الضفة الغربية، للمطالبة باسترداد جثامين أبنائهم من مقابر الأرقام، ودفنهم بما يليق بكرامة الإنسان ووفق تعاليم الشريعة الإسلامية.

انتهاك القانون الدولي

وتعد سياسة احتجاز جثامين الشهداء انتهاكا للقانون الدولي، فالفصل الـ11 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949، تطرّق إلى هذه المسألة.

وتنص المادة (130) بأن "على السلطات الحاجزة أن تتحقق من أن المعتقلين الذين يتوفون أثناء الاعتقال يدفنون باحترام، وإذا أمكن طبقا لشعائر دينهم، وأن تحترم مقابرهم وتصان بشكل مناسب، وتميز بطريقة تمكن من الاستدلال عليها دائما".

وفي المادة نفسها تؤكد الاتفاقية على أن يدفن المتوفون في مقابر فردية، إلا إذا اقتضت ظروف قاهرة استخدام مقابر جماعية، وبمجرد أن تسمح الظروف، وبحد أقصى لدى انتهاء الأعمال العدائية، تقدم الدولة الحاجزة قوائم تبين المقابر التي دفنوا فيها، وتوضح هذه القوائم جميع التفاصيل اللازمة للتحقق من هوية المعتقلين المتوفين ومواقع المقابر بدقة.

مقالات مشابهة

  • حكم المايوه الشرعي البوركيني وهل يجوز للنساء نزول البحر؟ 4 شروط تُبيح ارتداءه
  • شاهد.. اعتقال لاعب خلال مباراة فريقه بتهمة الشروع بجريمة قتل
  • مقابر الأرقام في إسرائيل رفات شهداء فلسطينيين بلا شواهد ولا هوية
  • ننشر تقرير الطب الشرعي لوفاة متهم داخل حجز مصر القديمة
  • لماذا قلصت إيران عدد الصواريخ التي تطلقها على إسرائيل؟
  • أهالي غزة يعلقون على هروب الإسرائيليين تجاه قبرص بـالسخرية والتعجّب
  • مستوطنة بيت يام بنت البحر التي قصفتها إيران
  • روسيا تعيد 1245 جثة إلى أوكرانيا وتكمل عملية أرجاع 6057 جثة
  • تداول 9 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر
  • تداول 9 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة و 573 شاحنة بموانئ البحر الأحمر