الخليج الجديد:
2025-06-25@11:55:34 GMT

العودة إلى القيم

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

العودة إلى القيم

العودة إلى القيم

القيم إذن هي الفضائل التي يعتمدها النسق المعياري العام للمجتمع، والأخلاق هي التسامي إلى أعلى درجات هذا السلم القيمي.

القيم هي التي تمكّن البشرَ من التواصل العمومي الحقيقي وتتيح للإنسان الخروجَ من ذاتيته المغلقة، وليست بالتالي طريقاً للتعصب أو الجمود.

أدرك الأصوليون هذا المنحى في القيم الشرعية من خلال أطروحة مقاصد الشريعة التي اعتبر الشاطبي أنها مشتركة بين الملل والأديان، أي أنها إنسانية كونية.

المدونة الأخلاقية التراثية تتمحور حول ثلاث مفاهيم محورية: الآداب والفضائل والمكارم، وتدور حول التسامي والترقي في السلوك والعمل، بدل معايير الفعل القابلة للتعميم الكوني.

اعتبر جوناس أن القيم لا بد أن تستند إلى مرجعية دينية متعالية، ويمكن لهذا التعالي أن يأخذ أشكالا متعددة، من التعلق العاطفي والمحبة الصافية إلى الانقياد الطوعي والرضى النفسي.

رأي مستشرقون غربيون أن الشريعة الإسلامية لا تتضمن منظومةً أخلاقية لكن الحقيقة أن تصورها الأخلاقي يختلف عن فكرة المعايير الذاتية المجردة والكونية التي ترى القيم قوانين ملزمة.

* * *

تتردد مقولةُ «القيم» على كل الألسن، البعض يتحدث عن منظومة القيم الاجتماعية على غرار علماء الاجتماع، والبعض الآخر يتحدث عن القيم الدينية.. وقد أصبح «حلف القيم» محوراً لعمل منظمة اليونسكو.

وفي السياق العربي الإسلامي، برزت مبادرة منتدى أبوظبي للسلم الذي يرأسه العلامة الشيخ عبد الله بن بية وترعاه دولة الإمارات العربية المتحدة حول حلف الفضول الجديد الذي هو حلف فضائل وقيم عالمي.

ومع أن مفهوم القيمة ظهر في الأصل في الحقل الاقتصادي، فإنه دخل في التفكير الفلسفي على يد «نتشه» خلال بلورته لمنهج الجينالوجيا الذي يحلل أصول القيم وقيمة الأصول، من منظور نقدي لا يرى في التقويمات الأخلاقية سوى مظهر من مظاهر قوة الضعفاء والعبيد.

وقد كاد مفهوم القيم يختفي في الفلسفة المعاصرة، منذ أن أصبح المسلك التفكيكي غالباً عليها، إلى حد أنها توزعت إلى مسلكين: نتشوي جينالوجي ينظر للمسألة الخُلُقية من زاوية الغرائز الحيوية؛ وليبرالي يستبدل القيم بالقانون المدني ويعوض الخيرَ بالعدل. ومن الاستثناءات النادرة أطروحة الفيلسوف الألماني هانس جوناس في كتابه «كيف تنشأ القيم؟» الذي صدرت ترجمته الفرنسية مؤخراً.

في هذا الكتاب يرى جوناس أن مسألة الغيرية التي هي محور التفكير الفلسفي الراهن، تقتضي التصورَ الموضوعي للقيم، أي اعتقاد استقلالها عن الذات وعن المواقف النفسية الفردية والجماعية، والنظر إليها من حيث هي مطلقات كونية تتعالى على التاريخ والسياقات الاجتماعية.

ومن هنا اعتبر جوناس أن القيم لا بد أن تستند إلى مرجعية دينية متعالية، ويمكن لهذا التعالي أن يأخذ أشكالا متعددة، من التعلق العاطفي والمحبة الصافية إلى الانقياد الطوعي والرضى النفسي، بما يعني أن القيم هي التي تمكّن البشرَ من التواصل العمومي الحقيقي وتتيح للإنسان الخروجَ من ذاتيته المغلقة، وليست بالتالي طريقاً للتعصب أو الجمود.

في معجمنا العربي، لا نجد مكاناً للقيم بالمفهوم المعاصر، بل أن المدونة الأخلاقية التراثية تتمحور حول ثلاث مفاهيم محورية هي: الآداب والفضائل والمكارم، وكلها تدور حول معنى التسامي والترقي في السلوك والعمل، بدل معايير الفعل القابلة للتعميم الكوني كما هو تصور كانط للمسألة الأخلاقية.

ومن هنا يمكن القول إن ما نعنيه حالياً بالقيم هو نظام السلوك المتبع اجتماعياً، أي الفضائل العامة التي لا تستند بالضرورة لمرجعية دينية، حتى لو كان الشرع اعتمدها لاحقاً، كما يستشف من الحديث الشريف «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».

وعلى هذا الأساس كان اعتماد «حلف الفضول» السابق على الرسالة المحمدية، بالرجوع إلى مقاصده ومراميه الثابتة. وإذا كان الكثير من المستشرقين الغربيين يرى أن الشريعة الإسلامية لا تتضمن منظومةً أخلاقية (وهو رأي الفيلسوف الألماني هيغل)، فالحقيقة أن تصورها الأخلاقي يختلف عن فكرة المعايير الذاتية المجردة والكونية التي لا ترى في القيم سوى قوانين ملزمة.

وقد حاول الفقيه الأزهري المرحوم محمد عبد الله دراز في كتابه الشهير «دستور الأخلاق في القرآن الكريم» تأصيل أخلاق الواجب الكانطية من منظور إسلامي، إلا أنه لم يدرك أن مساحة التشريع السلوكي في الإسلام لم تتجاوز الحدود القصوى في الفعل وفق سلم متدرج من المنع إلى الوجوب مروراً بالكراهية والترغيب، مما حدا بالإمام أبي حامد الغزالي إلى اعتبار الفقه علماً من علوم الدنيا غرضه منع الظلم وضمان الحقوق.

القيم إذن هي الفضائل التي يعتمدها النسق المعياري العام للمجتمع، والأخلاق هي التسامي إلى أعلى درجات هذا السلم القيمي. ولقد أدرك الأصوليون هذا المنحى في القيم الشرعية من خلال أطروحة مقاصد الشريعة التي اعتبر الشاطبي أنها مشتركة بين الملل والأديان، أي أنها إنسانية كونية.

ومع أن الفكر الغربي تخلى عن نظرية الفضائل الأرسطية منذ عصور الحداثة، فإن العديد من المقاربات الفلسفية الراهنة أعادت الاعتبار لهذه النظرية باعتبار أن قوانين الواجب لا يمكن أن تغني عن ما سماه بول ريكور «القصدية الأتيقية» التي هي مصدر التقويمات الجوهرية أي تحديد معايير الخير والعدل.

ما نخلص إليه هو أن القيم لا تكون إلا كونية، ومن ثم خطورة وعقم كل المقاربات النسبية للقيم من منطلق التعددية الثقافية والعقدية أو من منظور التفكيك النقدي. وهكذا يمكن القول إن الحوار المطلوب مع الثقافات الأخرى لن يكون بالضرورة إلا في نطاق هذه القيم الكونية.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: القيم الأخلاق الفكر الغربي القيم الدينية الشريعة الإسلامية

إقرأ أيضاً:

ندوة تثقيفية بطنطا: «القيم الدينية ودورها في غرس الولاء لدى الشباب» ضمن حملة تعزيز الانتماء الوطني

في إطار حملة "تعزيز قيم الولاء والانتماء لدى الشباب"، نظم المجمع الإعلامي بطنطا التابع للهيئة العامة للاستعلامات، ندوة تثقيفية كبرى بعنوان "القيم الدينية ودورها في غرس قيم الولاء لدى الشباب"، وذلك بقاعة المؤتمرات بمجمع إعلام طنطا، تحت رعاية الهيئة العامة للاستعلامات برئاسة الدكتور ضياء رشوان، وبإشراف الدكتور أحمد يحيى رئيس قطاع الإعلام الداخلي، وبالتعاون مع مديرية التضامن الاجتماعي بالغربية.

حاضر في الندوة فضيلة الشيخ محمد أبو الخير، مدير عام إدارة الوعظ ورئيس لجنة الفتوى بالغربية، وشارك فيها الإعلامي إبراهيم عبد النبي، مدير المركز الإعلامي بطنطا، والأستاذ إيهاب زغلول، المنسق الإعلامي لفرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف بالغربية، وسط حضور ملحوظ ومشاركة كبيرة من الفتيات والشباب.

في كلمته، أكد الإعلامي إبراهيم عبد النبي حرص الهيئة العامة للاستعلامات وقطاع الإعلام الداخلي على تنظيم مثل هذه اللقاءات التي تستهدف توعية الشباب باعتبارهم النواة الحقيقية للمجتمع، مشيرًا إلى اهتمام الدولة بتوفير أفضل الخدمات لهم وإزالة المعوقات التي تعترض طريقهم، كونهم شريكًا أساسيًا في تحقيق خطط التنمية والاستراتيجية الوطنية.

وتحدث فضيلة الشيخ محمد أبو الخير عن مكانة مصر في الإسلام، مشيرًا إلى أنها البلد الوحيد الذي ذُكر في القرآن الكريم، وأنها بلد الأمن والأمان عبر العصور. وشدد على أن حب الوطن والمحافظة عليه فطرة إنسانية، داعيًا الشباب لإظهار الولاء والانتماء، والتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل رفعة مصر.

وأكد الشيخ أبو الخير أهمية احترام مؤسسات الدولة، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، ودعم القيادة السياسية في مواجهة التحديات، محذرًا من خطورة الانسياق وراء الشائعات والدسائس التي تهدد أمن الوطن واستقراره. وختم كلمته بأن جميع الأديان تدعو إلى الولاء للوطن والعمل بإخلاص من أجل رفعة شأنه.

أعد اللقاء ونفذه فريق العمل: السيد سنيد، همت أنور، دينا محمد، إيهاب أبو طالب، تحت إشراف إبراهيم عبد النبي، مدير مركز إعلام طنطا، و إبراهيم زهرة، مدير عام إعلام وسط الدلتا.

مقالات مشابهة

  • الكونغرس يجهض تحركا لعزل ترامب بسبب ضرب إيران
  • إجبار طائرة على العودة بعد 15 ساعة في الجو
  • ندوة تثقيفية بمجمع إعلام طنطا حول "القيم الدينية ودورها في ترسيخ الولاء لدى الشباب"
  • ندوة تثقيفية بطنطا: «القيم الدينية ودورها في غرس الولاء لدى الشباب» ضمن حملة تعزيز الانتماء الوطني
  • الحبس 6 أشهر عقوبة الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع
  • "العالم الإسلامي": العدوان الإيراني على قطر انتهاك لكل القيم والمبادئ
  • ضعف القيم والرفقاء والتقليد أبرز أسباب التعاطي
  • مساعد وزير التعليم: تعديل فى مناهج العربى والدين لترسيخ القيم الأخلاقية
  • رئيس حزب التجمع: عودة القيم الأخلاقية سبيلنا الوحيد لمواجهة التنمر والتحرش
  • “أيوفي” تعقد جلسة استماع حول “متطلبات التدقيق لتقييم الالتزام بمبادئ الشريعة وأحكامها”