تقع واحة "الفرافرة" في قلب صحراء الربع الخالي في مصر، وتعتبر واحدة من أكثر الوجهات السياحية شهرة في البلاد، وتستقطب الشباب من جميع أنحاء العالم. بدأت رحلة تحول الفرافرة من مجرد واحة معزولة إلى مقصد شبابي ساحر بفضل طبيعتها الخلابة ومغامراتها المثيرة.

عندما يقوم الزوار بالوصول إلى الفرافرة، يشعرون بأنهم وصلوا إلى عالم منفصل عن الواقع، حيث يمكنهم الاستمتاع بالهدوء والسكينة بعيدًا عن صخب المدينة.

 

وتتميز الواحة بمناظرها الخضراء الجميلة والنخيل المتراصة، وتعد ذلك المكان المثالي للاسترخاء والابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية.

مع مرور الوقت، استطاعت الفرافرة أن تجذب الشباب من خلال توفير مجموعة واسعة من الأنشطة المغامرة التي تناسب جميع الأذواق. يمكن للزوار تجربة ركوب الجمال والدروع الرملية السائلة والتزحلق على الكثبان الرملية العالية. 

ويمكنهم استكشاف مسارات الرحلات الجبلية وركوب الدراجات الهوائية في صحراء الربع الخالي، مما يمنحهم تجربة فريدة من نوعها في رحلة تعتبر مغامرة لا تُنسى.

وتحظى الفرافرة بشعبية كبيرة بين عشاق السفر والاستكشاف، والتي تزيد من عدد الشباب الذين يسعون لزيارتها. 

وتتوافر في المنطقة الكثير من المخيمات والفنادق ومنشآت السياحة البيئية التي تستقبل الزوار، وتوفر كل ما يحتاجونه للعيش بأمان وراحة تامة.

إن الجمال الطبيعي والمغامرات المذهلة التي توفرها الفرافرة جعلت منها وجهة مثالية للشباب الذين يبحثون عن تجربة استكشاف جديدة ومثيرة. يمكن للزوار التمتع بالترفيه الخارجي واكتشاف الثقافة المحلية وتجربة الضيافة الدافئة التي يقدمها سكان المنطقة.

وتبقى واحة الفرافرة إحدى المناطق المنسية على مر الأجيال، ربما لوقوعها بعيدًا عن كافة المناطق الحضرية. 

وقررت الذهاب من القاهرة، فسيتعين عليك قطع مسافة تزيد عن 638 كيلومترًا، وإذا ذهبت من المحافظة التي يتبعها “الوادي الجديد”، فسيتعين عليك قطع مسافة 700 كيلومتر. 

وبعد الإنتهاء من طريق “الفرافرة ديروط” السريع، أصبح من الممكن الوصول إليه من أسيوط بعد قطع مسافة 400 كيلومتر تقريبًا. وفي الماضي القريب كانت حالة الطرق سيئة وعانى المسافرون من خشونتها، إضافة إلى غياب الخدمات عليها.

لقد تغيرت هذه الظروف كثيرًا هذه الأيام، الواحة التي كانت معزولة تم إحاطتها بشبكة طرق قوية وأصبحت بالفعل مزرعة كبيرة، حيث يوجد ربع مليون فدان تم تحويلها إلى مزارع خضراء، بالإضافة إلى تطوير حالة الخدمات فيها وتحويل 23 مركزاً سكانياً إلى مدن نموذجية ذات خدمات متكاملة وجذابة للسكان. 

وهذا ما دفع العديد من أبناء أسيوط وسوهاج والمنيا وكفر الشيخ والشرقية وغيرها إلى الإقامة والعمل بها، خاصة في مجال الزراعة. 

وتمثل الفرافرة مركزًا كبيرًا للتنمية الزراعية بعد مشروعات البنية التحتية التي أقيمت خلال السنوات العشر الماضية، وإطلاق مشروع المليون ونصف فدان، وزيارتين للرئيس عبد الفتاح السيسي، مما شجع على جذب الشركات الزراعية الكبرى، شركات الاستثمار وتوفير آلاف فرص العمل.

بداية نشير إلى أن واحة الفرافرة التي تبلغ مساحتها 87 ألف كيلومتر مربع، ليست جديدة، بل تعود إلى عصور ما قبل الأسرات. 

وحكمتها لفترة طويلة قبائل البربر، ثم قبائل “الطمهو” وهي خليط من الأوروبيين والبربر، ثم جاء عصر السلالات الفرعونية وأطلقوا عليها اسم "تا أحت" وتعني "أرض البقرة"، وذلك لاتساع المراعي وكثرة الأبقار التي كانت موجودة في ذلك الوقت. 

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن الفراعنة اعتنوا به وأخضعوه لحاكم أبيدوس. وقد قسموا الواحات إلى وحدتين، الأولى شمالًا وتضم سيوة والبحرية، والثانية جنوبًا وتضم «الفرافرة والداخلة والخارجة».

ورغم المسافات الكبيرة بين هذه الواحات، إلا أن تحتمس الثالث وصل وضم الفرافرة إلى الواحات الشمالية إلى جانب سيوة، نظرا لموقعها المتوسط ​​بين الواحات، وظلت مزدهرة في عهد الفراعنة والرومان، وازدهرت فيها الزراعة والتجارة إلى أن دخل العرب مصر.

ويروي الباحث محمود عبدالمهمين أحد المهتمين بهذه القصة، أنه في فترة عاشت الواحات حالة من الانحطاط وخلت من سكانها. 

وأصبح يحكمها أهل الواحات الذين كان لهم تأثير حتى الفتح الإسلامي وقدوم الأيوبيين، وبقيت مأهولة بالسكان حتى شهدت فترة أخرى من الانحطاط بسبب الصراعات والسيطرة القبلية عليهم. اهتمت طرق التجارة والمماليك بالواحات وتم تعيين مفتش في الواحات مسؤول عن تحصيل الضرائب والأمن في الواحات، واستمر الوضع على هذا النحو حتى عصر محمد علي باشا الذي فتح الواحات عام 1813م

وعين قوة تسمى الفرقة 400 لحفظ الأمن في الواحة وجباية الضرائب. وتم تعيين عمدة لكل واحة وتم تعيين المشايخ للمساعدة. في السلطة "الفرافرة" كانت تابعة إداريا للواحة البحرية وبلغ عدد سكانها عام 1873 نحو 345 نسمة، وفي عام 1947 وصل إلى 741 نسمة ثم نحو 1000 نسمة في عام 1970.

ويضيف الباحث عبدالمهمين في أواخر الستينات ومع ظهور التعمير وتوسيع الآبار زادت المساحة المزروعة، وبدأ مشروع الخريجين في الثمانينات بإنشاء مجمعات سكنية مثل النهضة، اللواء صبيح، الخرج وكفاح وأبو هريرة وأبو منقار لاستقطاب المواطنين من كافة المحافظات وفي نفس الوقت تقديم خدمات وفصول دراسية ووحدة صحية. 

وفي عام 1966 صدر قرار جمهوري بضم الفرافرة إلى محافظة الوادي الجديد بعد أن كانت تابعة لمطروح. وفي عام 1992 صدر قرار من رئيس الوزراء باعتبار واحة الفرافرة مركزاً ومدينة. وتقع على بعد نحو 800 كيلومتر من العاصمة الخارجة، على حدودها الغربية المتاخمة لليبيا، وشرقاً محافظتي المنيا وأسيوط. وعرفت الزراعة في هذه المنطقة التي تضم بين جبالها أكبر محمية طبيعية في العالم (محمية الصحراء البيضاء) ووادي حنس الذي يحتوي على آبار كبريتية ساخنة يعشقها السياح العرب والأجانب.

وهذه المنطقة ذات هذا التاريخ تحولت في السنوات الأخيرة إلى مزرعة كبيرة وتبلغ مساحتها ما يقرب من ربع مليون فدان من الأراضي الخضراء، ويعيش على أراضيها أكثر من 43 ألف مواطن.

مستقبل البناء والإنتاج.

ويقول اللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد الفرافرة أول منطقة تستقبل مشروع المليون ونصف فدان على مساحة 10 آلاف فدان كمرحلة أولى، ويتم حاليًا إنشاء عدة قرى في الريف المصري ليكون أول مشروع يخدم التعمير والعمران ويوفر فرص عمل للشباب. وكانت المنطقة أول من أطلق المخطط القومي لرصف تقاطع طريق الفرافرة ديروط بطول حوالي 260 كيلو متراً، بما يخدم تطلعات الدولة في توفير السلع والإنتاج لمدن الصعيد ويخدم تسويق إنتاج الإقليم. الوادي الجديد وخاصة من الفرافرة وأبو منقار وغرب الموهبة وشرق العوينات في الباقي. من المحافظات. هذه الواحة تشهد الطلب. واستطاع عدد كبير من الشباب العمل والإنتاج. ساهم في ذلك جهود الدولة في دعم فرص الاستثمار وتوفير البنية التحتية، خاصة ما حققته مبادرة العيش الكريم بتحويل أكثر من 23 تجمعا سكنيا بقرى الفرافرة إلى قرى حضارية تتمتع بكافة وسائل الراحة المعيشية التي جعلت الشباب يستقرون فيها.

"الفرافرة"

وأكد محافظ الوادي الجديد أن الفرافرة تحظى باهتمام كبير من القيادة السياسية. وهي منطقة تمثل المستقبل الحقيقي للبناء والإنتاج. وأصبحت وجهة للاستثمار الزراعي والسياحي. ووصلت مساحة المشاريع الاستثمارية إلى ربع مليون هكتار، إضافة إلى مبادرة زراعة النخيل التي شملت 367 ألف نخلة وشهدت إدخال المحاصيل الزراعية، وبفضل الاستثمار انتصرت نباتات جديدة غير تقليدية، كدوائية وعطرية. 

وحرصت الشركات على استخدام طرق الري الحديثة في الزراعة ومنها الري بالتنقيط والري بالرش، بالإضافة إلى استخدام طريقة الري البعلي لأول مرة مما يساعد على توفير المياه الجوفية والوقت والأسمدة.

وعن خدمات "حياة كريمة" الصحية لمركز الفرافرة قال المحافظ: بدأ التشغيل الفعلي لوحدات طب الأسرة بقريتي لواء صبيح وعبد المجيد بالمركز بإجمالي 8 وحدات وتشمل القرى. أبو منقار، بئر 5، الكفاح، النهضة، أبو هريرة، عثمان بن عفان، والشيخ مرزوق... وقد تم تأسيسها. وضمن مشاريع “الحياة الكريمة” تم تجهيزها بالكامل بالمعدات الطبية وتضم عيادات بمختلف التخصصات ومختبرات تحاليل وخدمات تنظيم الأسرة وصيدلية لتقديم خدمات طبية متميزة وغير مسبوقة لسكان البلدات، مشيراً إلى أن طب الأسرة وتعمل الوحدات والمجمعات الحكومية في بقية الأراضي. قرى المركز تباعا، وستقدم هذه الوحدات خدمات الرعاية الصحية الشاملة في الرعاية الأساسية والطب الوقائي ومبادرات الصحة العامة وتنظيم الأسرة والطوارئ على مدار الساعة، لافتا إلى أن تكلفة الوحدة تبلغ نحو 60 مليون جنيه. بما في ذلك البناء والمعدات. وبشكل عام قدمت مبادرة الحياة الكريمة بمركز الفرافرة 141 مشروعا، تم إنجاز 102 منها والباقي في مرحلته النهائية.

بداية الانطلاقة

أما احد مسئولي مركز ومدينة الفرافرة ( رفض ذكر اسمة ) فيوضح أن بداية التدشين بدأت مع نجاح الدولة في تنفيذ أكبر شبكة طرق تربط الفرافرة بعدة محافظات ومناطق انتعاش منها الطريق السريع. الفرافرة-ديروط. بطول 310 كيلومترات، وطريق الفرافرة الداخلة بطول 350 كيلومترا، وطريق الفرافرة عين دالة بطول 85 كيلومترا، والفرافرة الواحة البحرية بطول 180 كيلومترا، مشيرة إلى أن “”الحياة الكريمة” ونفذت عدداً من المشروعات منها زيادة كفاءة 15 مدرسة بالقرى، بالإضافة إلى خدمات تطوير الوحدات الصحية ومشروعات الكهرباء والطرق الداخلية. وفيما يتعلق بمشاريع تحسين البيئة ورفع كفاءة حديقة ساحة الثورة وتطوير ساحات الشرطة والحكومة والثورة.

أما نائب المحافظ حنان مجدي فتقول: المشروعات التي تم إنشاؤها شملت أيضًا 6 مجمعات خدمية. 

ويضم كل مجمع مركزًا تكنولوجيًا لتقديم الخدمات للمواطنين ومكاتب مركزية للتسجيل العقاري والتسجيل المدني والبريد والتموين والمجلس المحلي. الوحدات

وتقول حنان مجدي نائب المحافظ: من بين المشروعات التي تم إنشاؤها هناك أيضًا 6 مجمعات خدمية. ويضم كل مجمع مركزًا تكنولوجيًا لتقديم الخدمات للمواطنين ومقرًا للشهر العقاري والسجل المدني ومكتب البريد والتموين والوحدات المحلية والتضامن الاجتماعي. وقد تم تجهيزهم بالأثاث، وتشغيلهم على أساس تجريبي، وتم نقل موظفين من الوحدات الريفية المحلية إليهم. كما تم إنشاء ستة مجمعات زراعية بواقع مجمع لكل وحدة محلية لتقديم خدمات شاملة للمواطنين، بالإضافة إلى وجود مركز لتجميع الألبان في المجمع الزراعي بقرية الكفاح. وقد وصلت معدات التشغيل اللازمة ويجري الاستعداد لتشغيلها.

منطقة الجذب

يقول محمد احمد، أحد سكان الفرافرة: هذه المنطقة أصبحت بالفعل منطقة جذب للسكان، على عكس ما كانت عليه في الماضي، حيث كانت منفرة ومعزولة عن العالم. عندما وصلت إلى الفرافرة مطلع التسعينيات ضمن مشروع توطين الخريجين الذي أعلنت عنه الدولة في ذلك الوقت، كانت الحياة هناك صعبة للغاية، وبعيدة عن أعين واهتمامات المسؤولين، وفقيرة في الخدمات الأساسية. إلا أنها الآن في ظل الجمهورية الجديدة أصبحت وجهة حقيقية لكل الشباب والباحثين عن فرص عمل، خاصة بعد توسع مشاريع شركات الاستثمار الزراعي والمشاريع الخدمية في كافة القطاعات.

محمد حسين، أحد الشباب الذين يعملون في الفرافرة، يأخذ الحديث على أنه "السائق". ويقول: “الفرافرة بها كافة الخدمات وجميع حرفات عدة محافظات لتصليح السيارات والمعدات، وكذلك محلات بيع قطع الغيار، وهو أمر مفقود منذ سنوات، ناهيك عن المشاريع الوطنية المقدمة حسب الحالة، وخاصة رصف الطرق. والبنية التحتية، مما جعل السفر إلى الفرافرة أسهل.

رعاية النساء

أما رشا المنصوري من سكان الفرافرة فتعتبر نفسها أكثر حظا، حيث استطاعت الفرافرة أن تتمتع بهذا العدد الكبير من الإنجازات التي حدثت خلال السنوات العشر الأخيرة في كافة البلدات والمدن في مختلف المجالات، وتذكر دور الدولة في تقديم أنشطة مختلفة للمرأة في الفرافرة من رعاية صحية واجتماعية وغيرها، كما لاحظت الاهتمام بالمرأة وتقديم الخدمات الأسرية لها، وكل ذلك كان غائبا في هذه المنطقة حيث كان المجتمع هنا ذكوريا. المجتمع ولم يكن هناك تفكير في تقديم الخدمات للنساء.

وما قالته رشا أكده لنا مسئولي مديرية التضامن الاجتماعي بالوادي الجديد، مشيراً إلى اهتمام الدولة بالمنطقة وإقامة مشروعات التضامن الاجتماعي ومنها مركز التنمية الأسرية بقرية أبو منقا وآخر في قرية عثمان بن عفان، وإنشاء مركز تأهيلي في مدينة الفرافرة.

وقيادات مديرية الزراعة بالوادي الجديد تؤكد بأن الفرافرة شهدت في الآونة الأخيرة نجاحاً ملحوظاً في الإنتاج الزراعي وإدخال العديد من المحاصيل مثل البطاطس والبطاطا وبنجر السكر. هذا بالإضافة بالطبع إلى محصول القمح الذي تبلغ المساحة المزروعة في المنطقة نحو 95 ألف هكتار. وبشكل عام تبلغ مساحة المشاريع الاستثمارية الزراعية أكثر من 100 ألف هكتار. ألف هكتار في المنطقة للشركات ورجال الأعمال وشباب الخريجين.

ويوكد مسئولي مديرية الصحة بالمحافظة، تم تطوير مستشفى الفرافرة المركزي على عكس وحدات طب الأسرة التي تم إنشاؤها بالقرى وتجهيزها بكافة المعدات بالإضافة إلى إنشاء تسع نقاط إسعاف . وتجري حالياً دراسة لإنشاء مستشفى متكامل بتكلفة 600 مليون جنيه لخدمة المنطقة وتمكينها من الدخول في نظام التأمين. صحة متكاملة.

من جانبه، أشار بهاء شوقي مدير عام الشباب والرياضة بالمحافظة، إلى أن الدولة لم تهمل الاهتمام بالشباب وأنشأت 8 مراكز شبابية لتقديم الخدمات الرياضية للمواطنين، بالإضافة إلى تطوير 10 ملاعب. مشيراً إلى أن الواحة ظلت معزولة لقرون عديدة وتدخل الآن حقبة جديدة في التنمية الزراعية والاستثمار وتقديم الخدمات المتكاملة. في مختلف المجالات

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الوادى الجديد محافظة الوادي الجديد محافظ الوادى الجديد نائب محافظ الوادي الجديد الخارجة الداخلة بلاط باريس الفرافرة واحة الفرافرة الوجهات السياحية مصر الوادی الجدید بالإضافة إلى هذه المنطقة الدولة فی إلى أن فی ذلک مرکز ا فی عام

إقرأ أيضاً:

غرق السلمون للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن

ربّما يعرف كثيرون واحة الراهب الممثّلة والمخرجة والفنّانة التشكيليّة، لكن تبقى الروائيّة غائبة عن أذهان الناس عند ذكر اسمها.

لواحة الراهب 4 روايات وهي "مذكرات روح منحوسة" عن دار العين بمصر، "الجنون طليقا" و"حاجز لكفن" و"غرق السلمون" عن دار نوفل هاشيت أنطوان بلبنان.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من كلكتا إلى نوبل.. طاغور شاعر الطبيعة والحزن وفيلسوف الحياةlist 2 of 2يوسف القدرة: في الشعر لغة “فرط صوتية” ضد عار العالمend of list

تركز واحة الراهب في مشروعها الروائي الذي لا يتجزّأ عن مشروعها الإنساني السياسي على الظلم الواقع على المواطن السوري العادي من نظام حكم الأسد الذي كان في السلطة عند صدور روايات واحة الأربع. ومن يعرف واحة الراهب يعرف تماما موقفها السياسي الواضح من نظام الأسد، وهو ما أفصحت عنه في مقالاتها ومقابلاتها التلفزيونية بالإضافة إلى رواياتها.

في روايتها الأحدث "غرق السلمون" تناقش واحة الراهب فساد السلطة من منبعها، أي من منزل شخصية تعمل لدى السلطات السورية لتدخلنا إلى عالم الحكام الخاص، حياتهم اليومية، مخاوفهم، علاقاتهم الأسرية، كيف يمضون وقتهم في منازلهم مع عوائلهم، كيف يمارسون نشاطاتهم كأفراد عاديين بعيدا عن الكراسي المعلقة في سماوات نسمع عنها ولا نعرف عنها إلا النزر المتواضع.

تستخدم واحة الراهب في روايتها أسلوب الراوي الأول العليم والمتعدد، إذ تفرد المساحة لغالبية الشخوص الأساس في العمل ليتحدثوا بألسنتهم عن حيواتهم، مشاعرهم، طفولتهم، تطلعاتهم ونظرتهم الخاصة لكل ما يدور حولهم من أحداث، خالقة مسافة حرية لكل شخصية بعيدا عن سلطة الكاتبة وبعيدا أيضا عن سلطة الراوي العليم.

تبين واحة الراهب بهذه التقنية مدى وضوحها وشفافيّتها في مشروعها الأدبي، فهي وإن كانت تهاجم سلطة نظام الأسد، لكنها أبقت على تلك الفسحة الإنسانية لشخوص السلطة، سمحت لهم بالحديث عن أنفسهم من دون إقحام لرأيها الشخصي بهم. فنرى كل شخصية حصلت على مساحة مقبولة من السرد بلسانها، لا لتبرير إجرام بعضهم، ولكن للطرح الحر، وترك الحكم للقارئ.

روايات واحة الراهب (الجزيرة)مشروع واحة

يعد هذا النوع من الكتابة سردا شجاعا، إذ يصعب على الكاتب أحيانا أن يتجرد من كينونته، عواطفه، وانفعالاته ويترك المجال لشخوصه للكتابة عن ذواتها بواقعية أو غير واقعية قد يكون الكاتب مختلف تماما مع تفاصيلها. فمشروع واحة، وتحديدا في هذه الرواية هو ليس الهجوم، بل الاستفادة من إخفاقات الماضي لبناء وطنا لا يبكي أبناءه يوميا.

إعلان

واليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، كم هو مهم لنا كقراء عرب نعيش في منطقة تغلي سياسيا أن نقرأ عملا كغرق السلمون لنعتبر من الأمس المظلم، ننسى خلافاتنا، أحقادنا، ثأرنا، لنتحد كوطن واحد، شعب واحد، وأسرة واحدة. وهل أسمى من هكذا قيم يقدمها لنا الأدب؟

الرواية لم تناقش معاناة السوريين في نظام الأسد فقط، بل تطرقت إلى مواضيع أخرى مهمة وهو موضوع الانعتاق، التي قد تبدو بظاهرها انعتاق سياسي بحت، لكنها في الواقع تناقش الانعتاق من قيود كثيرة وقاسية تفرضها علينا الحياة، كسلطة الأب والأخ على الابنة، أو سلطة العائلة بشكل عام إن صح التعبير، سلطة الزوج، سلطة المجتمع ونظرته للمرأة المطلقة، والأهم، سلطة الذات الأكثر قسوة علينا من أية سلطة خارجية.

تهتم واحة الراهب بشخوص روايتها. هي الأم التي تعتني بكل تفصيلة تشكل بناء حيواتهم. تُلبسهم، تُطعمهم، تخاف عليهم، لتأتي كل شخصية محملة بالكثير من المعاني والثيمات التي تتقاطع مع شخوص أخرى في الرواية مشكلة دائرة متصلة من الأحداث تدفع دفتي الرواية إلى الأمام.

هل تغرق سمكة السلمون؟

"غرق السلمون" عنوان جذّاب. لماذا السلمون؟ تلك السمكة التي تسبح عكس التيار، كأمل، واحدة من شخوص العمل الأساس، التي عتقت نفسها من مشنقة البيت، الأب المتسلط، الأخ السائر على نهج والده، الزوج اللاحس لأحذية السلطة، الوطن الذي بات يضيق عليها، والنفس الضعيفة العاجزة دوما عن العيش. وهل تغرق سمكة السلمون؟ نعم، عندما لا يكفي الأكسجين المذاب في الماء تغرق السمكة، فما كان أكسجين أمل المذاب؟ وهل غرقت؟ الرواية تجيب عن هذه التساؤلات.

ناقشت الرواية أيضا آلة صنع الطاغية وكيف يتبدل حال الفرد منا أحيانا وفقا لما يعيشه من أزمات. فربيع الحالم، الشاب المناضل في الثورة السورية، العاشق لأمل هل هو نفسه الذي أصبح داعشيا؟ ورند، شقيق أمل، ذاك الشاب الطموح، كيف مزقته أنياب والده وألقت به في لج المسلحين في العراق؟ إنها آلة الطغيان التي لا تسرف الوقت في المضغ، بل تبتلع لقمة واحدة وتبصق طغاة جددا.

لغة الرواية

مقتل رواية "غرق السلمون" كان اللغة. استخدمت الراهب لغة متكلفة جدا لا تناسب مواضيع الرواية الحساسة والتي تمس الإنسان بشكل مباشر. قررت واحة الراهب السرد بلغة كانت غير مفهومة وتحديدا في فصول السرد الذاتي المونولوجي بشخصية أمل عن تجسدها بصورة سمكة السلمون. لغة متخشبة خالية من المعنى أتت بصورة أحاج غير مفهومة وغير مترابطة أدت وللأسف فصل اندماج القارئ مع العمل. هذه اللغة المسرفة بعدم الوضوح في تلك الفصول تحديدا ناقصت كثيرا من متعة قراءة العمل وإن كان موضوع الرواية شديد العمق والأهميّة.

أقدر كثيرا جهد الكاتبة وسعيها الحثيث في استخدام لغة راقية وأدبية، لكن اللغة الأدبية لا تعني بالضرورة تعجيز القارئ على الفهم، ولا تعني أبدا استخدام النعوت القديمة غير المتداولة في اللغة الحديثة، ولا يعني الإسهاب في أوصاف لا تقدم ولا تؤخر في سيلان الحدث والعمل كله، بل تعطل القارئ وتفصله عن تلك الحميمية التي تبنى عادة بين القارئ والنص على جسر اللغة الذي يشيده الكاتب وهذا ما، وللأسف، أخفقت به الراهب في هذه الرواية.

إعلان

أكثر ما يزعجني كقارئ قبل أن أكون ناقدا، أن نصا بهذه الجودة من الأفكار تشوهه اللغة غير المناسبة له وغير المتكافئة مع وحدته ومغزاه.

السؤال هنا، هل طرح هذه المشكلة من حرر النص في دار النشر؟

مقالات مشابهة

  • وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية: نتطلعً لإدخال أكثر من 95% من المواطنين تحت مظلة التأمين الصحي
  • الأمكنة تنبض بالحياة من جديد.. أكثر من مليون سوداني يعودون إلى ديارهم
  • طعن المتهمين في قضية خط غاز الواحات على حكم حبسهم 10 سنوات
  • جولة لوزير قطاع الأعمال ومحافظ الإسكندرية بالمعمورة لبحث تطويرها
  • غرق السلمون للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن
  • «أكثر من نصف مليون دولار».. وزير الصحة يكشف تكلفة علاج سكان غزة في مصر وعدد العمليات الجراحية
  • نقل أكثر من 19 مليون مسافر وحاج جوًا بموسم حج 1446هـ
  • بمشاركة أكثر من 40 عارضا..افتتاح صالون الخدمات المالية الموجهة لدعم الاستثمار
  • أكثر من 1.8 مليون أردني يختارون “سند” للهوية الرقمية.. نحو مستقبل رقمي جديد!
  • أمير الشرقية: الأحساء مؤهلة لتكون من أبرز الوجهات السياحية بالمملكة