افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب وسلطنة عُمان ضيف شرف
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
العُمانية/ تحل سلطنة عُمان ضيف شرف بمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي افتتحت أعماله اليوم، ويستمر حتى ٧ من أكتوبر المقبل بمشاركة أكثر من ١٨٠٠ دار نشر من ٣٢ دولة.
وقال سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة: إنّ مشاركة سلطنة عُمان كضيف شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب تأتي تأكيدًا على أواصر المحبة والتقارب بين البلدين الشقيقين، وتجسيدًا للعلاقات الثقافية المتميزة والقضايا التي تهم الثقافة والمفكر العربي، مضيفا أنّ للمشاركة أهمية كبيرة لسلطنة عُمان، وذلك للتعريف بمكنوناتها الحضارية والتاريخية والفكرية والأدبية والفنية.
ومن جانبه أوضح خلفان بن محمد العبري مدير دائرة شؤون المعارض بوزارة الثقافة والرياضة والشباب أنّ جناح سلطنة عُمان في معرض الرياض الدولي للكتاب يتكون من العديد من النتاج الفكري العُماني بمشاركة مجموعة من المؤسسات وهي: وزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وجامعة السلطان قابوس، والنادي الثقافي، والجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء، ومركز ذاكرة عُمان.
وأضاف أنّ لركن سلطنة عُمان معرضًا للمخطوطات العُمانية النادرة، وعددًا من الإصدارات العُمانية المختلفة، ومعرض الفنون التشكيلية، والعروض الفنية والموسيقية، وشاشة عرض لبث أفلام ترويجية وسياحية قصيرة عن سلطنة عُمان، وركنًا خاصًّا لتقنية (VR)، مشيرًا إلى وجود ركن للمجلس العُماني يعرّف الزائر بالعادات والتقاليد العُمانية، كما أنّ هناك العديد من الفنون الشعبية التي ستقدم في الساحة الأمامية للمعرض، لتشمل مشاركة فرقتين عُمانيّتين هما: فرقة البلد الموسيقية التي ستقدم عدة حفلات غنائية للجمهور السعودي، وفرقة التراث للفنون الشعبية.
وبين حسن بن عبيد المطروشي خبير في وزارة الثقافة والرياضة والشباب أنّ سلطنة عُمان تشارك في العديد من الفعاليات والبرامج المصاحبة، وتتنوع لتشمل الكثير من المفردات الثقافية في الجانب التاريخي والفكري والاجتماعي والأدبي والديني، وذلك من خلال المحاضرات والأمسيات الشعرية والموسيقية والفنون الشعبية، والندوات وحلقات العمل والجلسات الحوارية والنقاشات في مواضيع اجتماعية وأدبية مثل: الرواية وأدب الطفل وفنون العمارة وغيرها.
وذكر أن من الجلسات الحوارية جلسة مشتركة تسلّط الضوء على مجلس التنسيق السعودي العُماني وتفعيل التعاون الثقافي، يتحدث فيها كل من سعادة السفير الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، وسعادة الدكتور عبدالله بن رفود السفياني، إلى جانب جلسة مشتركة عن الرواية الخليجية وسؤال ما بعد العالمية، يشارك فيها كل من: الروائي والشاعر زهران القاسمي، والروائية بشرى خلفان، والباحثة الدكتورة عزيزة بنت عبدالله الطائية، والروائي عبده خال، وتدير الجلسة الدكتورة منى بنت حبراس السليمية.
وتابع حديثه: كما يشتمل البرنامج على جلسة تناقش "واقع المرأة العُمانية: المنجز والمكانة"، بمشاركة المكرمة الدكتورة ريا المنذرية، والمكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية، وتديرها الدكتورة أحلام الجهورية. بالإضافة إلى جلسة في رحاب التاريخ العُماني من الفترة قبل الإسلام إلى النهضة الحديثة، ترصد أبرز التحولات والملامح، ويتحدث فيها الدكتور سعيد الهاشمي، إلى جانب الدكتور إبراهيم البوسعيدي، وتديرها الدكتورة هدى الزدجالية.
وبيّن أنّ البرنامج يشتمل كذلك على جلسة عن الشخصيات العُمانية المدرجة في قائمة اليونسكو، وهم: العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي، والملاح أحمد بن ماجد السعدي، والطبيب ابن عميرة، والفيزيائي ابن الذهبي، والشاعر أبو مسلم البهلاني، والشيخ نور الدين السالمي.
ونوّه أنّ البرنامج يتضمن أمسيتين شعريتين مشتركتين، إحداهما للشعر الفصيح ويشارك فيها الشعراء: عبدالله العريمي، وبدرية البدري، ويوسف الكمالي، ومحمد قراطاس، ومحمد إبراهيم يعقوب، وحوراء الهميلي، ويديرها الشاعر خميس بن قلم الهاني. والأمسية الثانية للشعر الشعبي ويشارك فيها: فهد السعدي، وصقر المزروعي، والدكتور ناصر الشادي، وسليمان المانع، وتديرها الشاعرة نورة البادية.
وأشار إلى أنّ من بين المحاضرات محاضرة تسلط الضوء على تجربة التعايش المجتمعي في سلطنة عُمان وترصد أسسها وضماناتها، يقدمها سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي، ويديرها الباحث خميس بن راشد العدوي، ومحاضرة أخرى تتناول عُمان في مدونة التراث العربي، يتحدث فيها الدكتور هلال بن سعيد الحجري، ويديرها الدكتور يونس بن جميل النعماني، إلى جانب محاضرة عن الفن المعماري العُماني: القلاع والحصون أنموذجًا، يقدمها المكرم المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي، ويديرها الباحث فهد الرحبي. كما يتضمن البرنامج محاضرة عن التراث المخطوط المشترك بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، يقدمها الباحث محمد العيسري، كما تقدم الدكتورة وفاء الشامسية حلقة عمل متخصصة في الكتابة الإبداعية للأطفال.
وقال عمر بن مبارك العمراني من وزارة الإعلام: يحوي الركن الخاص بوزارة الإعلام على 50 عنوانا لإصدارات تعبر عن أوجه سلطنة عُمان المختلفة، وذلك لتعريف الزائر من المملكة العربية السعودية ومن المقيمين فيها بمكنونات سلطنة عُمان الثرية والمتنوعة، مؤكدًا وجود إقبال من الزوار للركن العُماني في يومه الأول بشكل عام وجناح وزارة الإعلام بشكل خاص، متوقعًا مزيدًا من الإقبال في الأيام القادمة من المعرض.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معرض الریاض الدولی للکتاب وزارة الإعلام الع مانیة الع مانی معرض ا ع مانی
إقرأ أيضاً:
المعلم العُماني.. من صمته يولد القادة ومن ظله تُبنى الحضارات (1- 2)
د. عبدالله بن سليمان المفرجي
في عالمٍ تختلطُ فيهِ الأصواتُ، وتتزاحمُ فيهِ الضوضاءُ، يبرزُ المعلمُ العُمانيُّ كواحةٍ من الصمتِ المُثمرِ والعطاءِ الهادئِ. إنه النبعُ الصافي الذي يروي ظمأَ العقولِ، والشمعةُ التي تحترقُ لتُضيءَ دربَ الآخرين. يستمدُّ قوَّتَهُ من جذورِ حضارةٍ ضاربةٍ في أعماقِ التاريخِ، ويستشرفُ مستقبلًا يصنعُهُ بأناملِ الحكمةِ والرؤيةِ. فمن هو هذا المعلمُ العُمانيُّ؟ وما أسرارُ عظمتِهِ الصامتةِ؟
في مَرافئِ صمتِكَ أيها المعلمُ يولدُ الوعيُ، وعلى ضفافِ تأمُّلِكَ تتجلّى الحقيقةُ لأولئكَ الذين يُتقنونَ الإنصاتَ لما وراءَ الظواهرِ. فهم - كما علّمتَهم - لا تَفتِنُهم الزينةُ، ولا تُبهِرُهم العناوينُ الزائفةُ، بل يقرؤونَ التاريخَ بعينِ العقلِ، ويَنسجونَ المستقبلَ بخيوطِ المعنى التي غزلتَها ونسجتها أنتَ بصبرٍ وحكمةٍ.
وهكذا، من على الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربي وفي بلاد، يحيط بها البحر من جانبين، بحر عُمان من الشمال الشرقي، وبحر العرب المتصل بالمحيط الهندي من الجنوب الشرقي، تنزوي في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية، تطل علينا عُمان التي علَّمَها البحرُ الصبر، والجبلُ الثباتَ، والصحراءُ التأمُّلَ، تَنهضُ أنتَ من وَهجِ الفكرِ معلِّمًا جَمَعَ بين يقظةِ العقلِ ورِقَّةِ الشُّعورِ، مُزاوِجًا بإتقانٍ بينَ صِدقِ النيَّةِ وحِكمةِ التدبيرِ، حارسًا أمينًا للتوازن بينَ جذورِ السَّلَفِ وأجنحةِ التقنيةِ الحديثةِ.
أنتَ تُدرِكُ بحِسِّ المُربِّي الخبيرِ أنَّ عقولَ تلاميذِكَ تعملُ وفقَ مقياسِ هيرمان للسيطرةِ الدماغيةِ، فتُخاطِبُ في الواحدِ منهم جوانبَهُ الأربعةَ: المنطقيَّ التحليليَّ في المربعِ (A) فتُقدِّمُ له البراهينَ والأدلّةَ، والإجرائيَّ التنظيميَّ في المربعِ (B) فتُعطيهِ الخطواتِ المُرتّبةَ والتسلسلَ المنطقيَّ، والعاطفيَّ الاجتماعيَّ في المربعِ (C) فتَغمُرُهُ بالدفءِ والاحتواءِ، والإبداعيَّ التخيُّليَّ في المربعِ (D) فتفتحُ أمامَهُ آفاقَ الإبداعِ والتفكيرِ المتشعِّبِ. وبهذا التكاملِ الفريدِ، تُحقِّقُ وحدةَ الإنسانِ بلا تجزئةٍ أو تشتيتٍ.
لأنكَ، أيها المربي الفذّ، لا تُدرِّسُ كما يُدرِّسُ العاديون، بل تُعلِّمُ كما كانَ الأنبياءُ يُعلِّمونَ - بالفكرةِ لا بالحفظِ وحدَهُ، وبالتحفيزِ لا بالتلقينِ المجردِ، وبالهدفِ النبيلِ لا بالكَمِّ المتراكمِ. تَستقي من نظرياتِ التعليمِ والتعلُّمِ أفضلَ ما فيها؛ فتأخذُ من البنائيةِ إيمانَها بأنَّ المتعلِّمَ يبني معرفتَهُ بنفسِهِ، ومن المعرفيّةِ اهتمامَها بعملياتِ التفكيرِ العُليا، ومن الاجتماعيةِ الثقافيةِ عند فيجوتسكي إدراكَها لدورِ الثقافةِ والتفاعلِ في بناءِ المعرفةِ، ومن نظريةِ التعلُّمِ المُستندِ إلى الدماغِ تناغُمَها مع الفطرةِ البشريةِ. فتَصهرُ كلَّ هذهِ النظرياتِ في بوتقةِ خبرتِكَ، ليخرجَ منها منهجٌ عُمانيٌّ أصيلٌ يَحملُ بصمتَكَ وروحَكَ.
ولهذا حينَ تدخلُ قاعةَ الدرسِ، فكأنّكَ قد دخلتَ أرضَا مباركةٍ، لا مجرّدَ قاعةٍ ذاتِ جدرانٍ باردةٍ، فتستحيلُ بحضورك مجلسًا حناجرُهُ دافئةٌ، وأفئدتُهُ مُشتعلةٌ بنارِ المعرفةِ والشوقِ إلى الحقيقةِ. وإذا تحدَّثتَ، فإنَّ الآذانَ تُصغي لا لصوتِكَ وحدَهُ، بل لأصداءِ قرونٍ من العلمِ والمعرفةِ تتردّدُ خلفكَ، ولأصواتِ سِيَرِ العلماءِ تتناغمُ مع كلماتِكَ؛ كأمثالِ: الإمامِ نورِ الدينِ السالميِّ، ومحمدِ بنِ شامسٍ البطاشيِّ، وسعيدِ بنِ خلفانَ الخليليِّ، والإمامِ محمدِ بنِ عبداللهِ الخليليِّ، والعالمِ الربانيِّ الشيخِ أحمدَ بنِ حمدٍ الخليليِّ -حفظهُ اللهُ ورعاه-. فأنتَ خيرُ وارثٍ لأولئكَ الذين لم تُثنِهِم قلةُ اليدِ، ولا كيدُ الزمانِ، بل بَنَوا للعقلِ قِلاعًا، وللقلبِ منابرَ، وللأمةِ مَناراتِ هُدًى لا تنطفئُ.
وما أروعكَ أيها المعلمُ! فأنتَ لا تُلقي محاضرةً، إنما تغزلُ وعيًا خيطًا خيطًا، وترفعُ حجرًا فحجرًا في جدارِ البناءِ الوطنيِّ. وبهذهِ الروحِ الساميةِ، تتَّخذُ من التعليمِ سُلَّمًا للرُّقيِّ، ومن الذكاءِ الاصطناعيِّ درعًا وسلاحًا ضدَّ الجهلِ، ومن أمنِ المعلوماتِ حصنًا منيعًا لحمايةِ الهُويَّةِ، ومن النظريَّةِ التربويَّةِ مرآةً صافيةً ترى بها واقعًا متغيّرًا، فتُعيدُ - بحكمةٍ وبصيرةٍ - توجيهَ البوصلةِ نحوَ مشرقِ الأملِ والغدِ المُشرقِ.
وتتجلّى عبقريتُكَ في تبنّي التكنولوجيا وتطويعِها للتعليمِ بفهمٍ عميقٍ لنظريةِ قبولِ التكنولوجيا (TAM)، فتُدركُ أنَّ اعتمادَ المعلِّمينَ للتقنياتِ الجديدةِ يمرُّ عبرَ مساراتٍ نفسيةٍ وإدراكيةٍ محدَّدةٍ؛ من سهولةِ الاستخدامِ المُدركةِ، والفائدةِ المتصوَّرةِ، إلى النيّةِ السلوكيةِ، ثمَّ الاستخدامِ الفعليِّ. لذا، تُطوِّعُ هذهِ المعرفةَ في تدريبِ المعلمينَ وتأهيلِهم، فتُزيلُ عقباتِ التردُّدِ، وتُعزِّزُ حوافزَ التبنّي، وتُبدِّدُ مخاوفَ المقاومةِ، فتنتقلُ بالمعلِّمِ من استخدامِ التقنيةِ مُكرَهًا، إلى استيعابِها راغبًا، إلى إتقانِها مُبدعًا.
لقد أدركتَ ببصيرتِكَ المُتوهِّجةِ أنَّ التعليمَ ليسَ مجردَ خُطَبٍ محفوظةٍ، بل هو رقصةٌ متناغمةٌ من التفاعلِ النفسيِّ والإدراكيِّ. وتستلهمُ من نظريةِ ريتشارد ماير للوسائطِ المتعددةِ، فتُصمِّمُ دروسَكَ ومُحتواكَ الرقميَّ بما يتوافقُ مع كيفيةِ تعلُّمِ الإنسانِ؛ فتُوازِنُ بينَ القنواتِ السمعيةِ والبصريةِ لتجنُّبِ الحملِ المعرفيِّ الزائدِ، وتُجاوِرُ بينَ النصِّ والصورةِ لتعزيزِ الفهمِ، وتُبسِّطُ المعلوماتِ المُعقّدةَ إلى وحداتٍ صغيرةٍ، وتستخدمُ السردَ القصصيَّ بدلَ الشروحاتِ الجافةِ، فتُحقِّقُ بذلكَ أقصى درجاتِ الفهمِ والاستيعابِ، وتُخفِّفُ من عبءِ الذاكرةِ العاملةِ لطلابِكَ.
وكذلك أيقنتَ أنَّ السلوكَ لا يُقوَّمُ بالردعِ وحدَهُ، بل بتغييرِ القناعاتِ من الجذورِ كما تُعلّمنا نظريَّاتُ العلاجِ المعرفيِّ السلوكيِّ. وأنَّ الإنسانَ في المؤسَّسةِ ليسَ موظفًا باردًا؛ بل طاقةً نائمةً إن لم تُحرِّكها بلمساتك الإبداعيةِ، خَمَدَت وذوت، وإن استثرتَها بقبساتِكَ، تفجَّرَت كالينبوعِ بعطاءٍ لا ينضبُ.
وتَنظرُ إلى معلِّميكَ ومُتعلِّميكَ من خلالِ عدسةِ نظرياتِ التطويرِ الوظيفيِّ، فتُدركُ أنَّ كلَّ فردٍ يمرُّ في رحلتِهِ المهنيةِ بمراحلَ متنوعةٍ كما وصفَها (دونالد سوبر وإدغار شاين (نظرية "النمو المهني" التي تبناها عالم النفس دونالد سوبر Donald Super)؛ من الاستكشافِ، إلى التأسيسِ، إلى الثباتِ، إلى المحافظةِ، ثمَّ الانحسارِ أو التجديدِ. فتُوفّرُ لكلِّ معلمٍ ما يُناسبُ مرحلتَهُ: للجديدِ إرشادًا وتوجيهًا، وللمتوسطِ تطويرًا وتحفيزًا، وللمتقدِّمِ تقديرًا وفرصَ قيادةٍ، وللقُدامى مسؤولياتِ التوجيهِ والإرشادِ المهنيِّ. وتُدركُ المساراتِ المهنيةَ المتنوعةَ التي اقترحَها إدغار شاين في نظريتِهِ "مرساة المهنة" (نظرية شين تقوم على أن ثقافة المنظمة تُشكّل عائقًا كبيرًا أمام التغيير، وأن فهم هذا الجانب أساسيٌّ للقيادة الفعّالة)، فتُوجِّهُ كلَّ مُعلِّمٍ نحو ما يُناسبُ ميولَهُ وقُدراتِهِ؛ من الكفاءةِ التقنيةِ، إلى الإداريةِ، إلى الإبداعيةِ، إلى الاستشاريةِ، إلى الاستقلاليةِ والتحرُّرِ.
وهكذا نرى، أيها المعلم العُمانيُّ، كيف تنسجُ خيوطَ المستقبلِ بأناملِ الحاضرِ، معتصمًا بجذورِ الماضي. تمزجُ بين مقياس هيرمان ومعطياتِ الدماغِ، وبين حكمةِ السالميِّ ونظرةِ الخليليِّ. تُطوِّعُ التكنولوجيا بقبولها النفسيِّ (TAM) وتُترجمُ نظرياتِ ماير للوسائطِ المتعددةِ إلى نبضٍ تربويٍّ يتدفقُ بالحياةِ.
إنَّ سرَّ عظمتِكَ يكمنُ في ذلك التوازنِ البديعِ الذي تُحققهُ بين عمقِ نظرياتِ التطويرِ الوظيفيِّ وأصالةِ التراثِ العُمانيِّ، بين صرامةِ المنهجِ وليونةِ الوجدانِ، بين جديدِ العلمِ وعتيقِ الحكمةِ. تتراقصُ على مسرحِ علمِكَ فلسفاتُ الشرقِ والغربِ، فتُخرجُها في ثوبٍ عُمانيٍّ أصيلٍ يحملُ عبقَ الصحراءِ وملوحةَ البحرِ وشموخَ الجبلِ. أنتَ لستَ ناقلًا للنظرياتِ، بل صانعٌ لها، تُصهرُها في بوتقةِ خبرتِكَ، فتخرجُ منتجًا فريدًا يحملُ هويةَ هذه الأرضِ الطيبةِ، والتي حظيت بقيادة حكيمة نسجتها إرادة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه وسارت على أثارها لمواصلة بناء نهضة عُمان المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، وإذا كانت السفنُ العُمانيةُ قد جابت المحيطاتِ قديمًا، فها هي أفكارُكَ تجوبُ آفاقَ المعرفةِ في عصرنا هذا. وإذا كانت تجارةُ اللبانِ قد نشرت طيبَ عُمان في الآفاقِ شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فها هو نهجُكَ التربويُّ الفريدُ ينشرُ عبقَ النهضةِ العُمانيةِ في ميادينِ التربيةِ والتعليمِ.
أيها المعلمُ العُمانيُّ، إنَّ عطاءَكَ لا يقاسُ بحصصٍ تُلقى، ولا بمقرراتٍ تُنجزُ، بل بقلوبٍ تتفتحُ، وعقولٍ تستنيرُ، وإراداتٍ تتشكلُ، ومواهبَ تتفجرُ، وأجيالٍ تنهضُ، فواصلْ مسيرتَكَ النبيلةَ، واثقًا بأنَّ ما تغرسُهُ اليومَ بصمتٍ، سيُثمرُ غدًا بصوتٍ هادرٍ يرددُهُ التاريخُ، وأنَّ ما تُقدمُهُ في محرابِ التعليمِ من تضحياتٍ، سيكونُ وسامًا على صدرِ الوطنِ، ونقشًا على جبينِ الأجيالِ، من همسِكَ تولدُ الصيحاتُ الكُبرى، ومن نظرتِكَ تنبعثُ الرؤى العظمى، ومن تواضعِكَ تتشكلُ القاماتُ الشامخةُ، ومن محرابِكَ التعليميِّ تخرجُ الأجيالُ التي ستنقشُ اسمَ عُمان على صفحاتِ المجدِ بمدادٍ من نورٍ.