خشية إيرانية من تنامي القومية التركية في القوقاز.. ما علاقة الأذر الإيرانيين؟
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
وقفت إيران إلى جانب أرمينيا دائما في صراعها مع أذربيجان، رغم أن البلدين دولتين مسلمتين، وسط امتعاض من طهران من دور تركيا في جنوب القوقاز، ومخاوف من تغيير بالجغرافية السياسية للمنطقة.
وفي تصريحات سابقة، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أن بلاده ضد أي توتر أو تغيير في الحدود التاريخية للمنطقة، مؤكدا أن طهران مستعدة للعب دور فعال في منع الصراعات والتغيرات الجديدة التي قد تحدث في الجغرافية السياسية للمنطقة.
ونشر موقع إيراني تصريحات لكبير مستشاري الرئيس الإيراني، علي أكبر ولايتي، قال فيها إنه في الأشهر الأخيرة، يعتزم حلف شمال الأطلسي، يتخذ إجراءات لترسيخ هيمنته في جنوب القوقاز، مضيفا أن الأمريكيين تحت عباءة تركيا يريدون التدخل في جنوب القوقاز، وغذا فعلوا ذلك فإنهم سيجدون أنفسهم عالقين أمام مقاومة المجموعات العرقية المختلفة.، وسيكونون محاصرين هناك.
وتابع المسؤول الإيراني، بأنه في السنوات الأخيرة، يروج بعض المسؤولين الأترام ووسائل إعلامية هناك، أن الأذربيجانيين في إيران يتعرضون لضغوط منذ سنوات، ويبدو أن الحكومة التركية لديها هدف لتحريرهم، مضيفا أن الأذر الإيرانيين جزء من هوية إيران و"لن نسمح بإثارة النزاعات العرقية في البلاد".
تصريحات علي أكبر ولايتي، تظهر الخشية الإيرانية من تنامي العرق القومي للأذر الإيرانيين الذين يمثلون ثلثا السكان، ويتكتلون في شمال غرب البلاد.
من هم الأذر الإيرانيين؟
الإيرانيون الأذربيجانيون أو الإيرانيون الأتراك هم أكبر مجموعة عرقية في إيران بعد الفرس، ويقدر عددهم ما بين 25 إلى 30 مليون في الجمهورية التي يبلغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان أذربيجان نحو 10 مليون نسمة.
ويتواجد معظمهم في شمال غرب إيران أي محافظات أذربيجان الشرقية، أردبيل، زنجان وأجزاء من أذربیجان الغربیة وبأعداد قليلة في محافظات أخرى مثل كردستان، قزوين، همدان، وجيلان، ومركزي.
كما يعيش كثير من الإيرانيين الأذربيين في طهران وكرج غرب العاصمة ومناطق أخرى.
وساهمت ما يسمى بمعاهدة "تركمانجاي" عام 1828 بين الإمبراطورية الروسية والدولة القاجارية (1794- 1925) في تقسيم أذربيجان إلى قسمين، وفي العام 1937، ثم تقسيم معظم أذربيجان الإيرانية، التي كانت حتى ذلك الحين تُحكم كمقاطعة واحدة داخل البلاد، إلى مقاطعتين منفصلتين.
قبل نهاية سلالة قاجار، كانت هناك ثلاث انتفاضات في جيلان وخراسان وأذربيجان في شمال إيران، وفي منطقة القوقاز، لعب الناشطون الأذريون وجماعات أخرى دورًا نشطًا في الانتفاضات.
وقادت هذه الانتفاضات شخصيات مؤيدة للإصلاح، اعتقدت أن الإصلاحات الديمقراطية في مناطقها من شأنها أن توفر الأساس لتحرير بقية إيران، ومن بين الانتفاضات الثلاث، كانت الانتفاضة التي هددت النظام أكثر من غيرها هي الانتفاضة في أذربيجان الإيرانية بقيادة محمد حياباني.
وفي نيسان/ أبريل 1920، أسس حياباني حكومة أزادستان "أرض الحرية" المتمتعة بالحكم الذاتي في أذربيجان الإيرانية. سعى فيها إلى إنشاء مدارس اللغة الأذرية هناك، والتي غالبا ما يعمل بها معلمون من شمال أذربيجان أو تركيا.
لكن حياباني لم يستطع إكمال حركته الإصلاحية وبرامجه الثقافية، بعد قمع تمرده في أيلول/ سبتمبر 1920 على يد قوات رضا خانالذي عرف فيما بعد باسم رضا شاه وأعدم بالنهاية حياباني.
ومع تأسيس النظام البهلوي في إيران وخضوع أذربيجان الشمالية للحكم الروسي في عام 1918، ظهرت عقبات كبيرة قيدت العلاقات بين الأذربيجانيين الذين يعيشون على جانبي الحدود.
وعانى الأذريون والأقليات العرقية الأخرى في إيران من الاضطهاد الثقافي والتمييز في ذل النظام البلهلوي (الذي تأسس عام 1925). وقام رضا شاه باتباع سياسة تعزيز القومية الإيرانية من خلال الجمع بين هوية الدولة والأمة الإيرانية مع الشعب الفارسي واللغة الفارسىة، وقام بإعلاق المدارس التي تقدم التعليم بلغات الأقليات والمؤسسات التي تنشر بها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر قاد الحزب الديمقراطي انتفاضة شبه دموية في أذربيجان الإيرانية، مما أدى إلى إنشاء الحكومة الوطنية الأذربيجانية، مع احتلال الجيش السوفيتي لشمال إيران لحمايتهم من غضب طهران. لكن واشنطن وقفت في صف طهران التي استطاع جيشها إسقاط هذه الجمهورية بعد تخلي السوفيت عنها في عام 1946.
وردا على السياسة القومية الفارسية للنظام البهلوي، قدم الأذريون الإيرانيون دعما مكثفا للثورة الإيرانية في العام 1979، وكانت مدينة تبريز من أهم مراكز الثورة في ذلك الوقت.
طُلب أن تصبح اللغة التركية الأذرية لغة رسمية إلى جانب اللغة الفارسية في المناطق ذات الأغلبية الأذرية في إيران. ومنذ ذلك الحين، عارضت إيران التعليم التركي وإضفاء الطابع الرسمي على اللغة التركية في المناطق ذات الأغلبية الأذرية.
وكان هناك عدد كبير من الأذربيجانيين من بين الرواد الأوائل للجمهورية الإسلامية، مثل آيات الله موسوي أردبيلي، وخامنئي، وأول رئيس وزراء للجمهورية الإسلامية، مهدي بازركان، الذي عينه الخميني.
وفي عام 1981، عندما تأسس النظام الجديد في إيران، اعتبر انتخاب كل من الرئيس (علي خامنئي) ورئيس الوزراء (مير حسين موسوي) من الأذريين بمثابة محاولة من جانب النظام لعدم الإساءة لهم، لكن خامنئي عندما أصبح الزعيم الديني للبلاد عام 1989، عقب وفاة الزعيم الديني الفارسي الخميني عارض إضفاء الطابع الرسمي على اللغة التركية الأذرية، لكنه تعمد علما التحدث بلغته الأم في بعض المناسبات، من أجل تخفيف ردود أفعال الأذريين بشأن هذه القضية.
وأدى إنشاء جمهورية أذربيجان في كانون الأول/ ديسمبر، عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، لتحفيز العديد من الأذريين الإيرانيين للتماهي مع المجتمع العرقي الأذري، وكان حق استخدام اللغة الأذرية في إيران قضية مهمة أكدت عليها الحركات السياسية التي ظهرت في تلك الفترة. وفي النصف الأول من التسعينيات لوحظ انتعاش كبير في الأدب الأذربيجاني في إيران.
تباينت وجهات النظر بين الأذر الإيرانيين في تلك الفترة، وأعلن البعض منهم أنهم مع الدولة الإيرانية وأكدوا ولائهم لها، لكن البعض الأخر، تأثر بحقيقة أن الشعب الأذربيجاني الذي حصل على الاستقلال استخدم لغته الأم في المدارس وواصلوا جميع جوانب حياتهم الثقافية في أذربيجان، لدرجة أنهم طالبوا بمطالب مماثلة بمناطقهم في إيران.
كما اعتبر العديد منهم أن المطالبة بهذه الحقوق الثقافية، التي وعد بها الدستور الإيراني ولكن لم يتم تنفيذها، كانت مشروعة لهم كإيرانيين؛ لذلك لم يعتبروا أنفسهم انفصاليين.
ومن أهم التطورات التي أثرت على الهوية المجتمعية للأذربيجانيين الإيرانيين خلال هذه الفترة هو انتشار مشاهدة القنوات التلفزيونية التركية منذ عام 1992.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1992، قررت طهران تقسيم محافظة أذربيجان الشرقية إلى قسمين، وتم إنشاء مقاطعة جديدة في منطقة أردبيل.
وكان أحد أهم التطورات السياسية بين الأذربيجانيين الإيرانيين في تلك الفترة هو إنشاء مجموعة تسمى "مجلس النواب الأذربيجانيين" في البرلمان، وركزت هذه المجموعة على القضايا المتعلقة بالمقاطعات الأذربيجانية في إيران وتطوير العلاقات مع جمهورية أذربيجان.
لماذا تدعم إيران أرمينيا وليس أذربيجان في جنوب القوقاز؟
وأدى قلق إيران من أن إنشاء جمهورية أذربيجان قوية من شأنه أن يعزز الهوية العرقية للأذريين الذين يعيشون في بلادها إلى قيامها بتبني سياسة تدعم بحكم الأمر الواقع أرمينيا في صراع قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان.
ونفذ أعضاء في البرلمان الإيراني من المحافظات الأذربيجانية حملات تهدف إلى دفع طهران إلى التقليل من علاقاتها مع أرمينيا ونشروا رسائل احتجاج على يريفان. وطلب النواب الأذربيجانيون علنا من طهران مساعدة باكو في البرلمان.
وبعد استقلال أذربيجان، حدث توسع مفاجئ في نطاق العلاقات والاتصالات المباشرة بين الأذربيجانيين الذين يعيشون في هذه الدولة الجديدة ونظرائهم في إيران. وتم تشكيل تعاون متبادل بين المقاطعات الأذربيجانية في إيران وجمهورية أذربيجان، لاسيما في مجال التجارة والتعليم والبحث العلمي.
وكان لافتا أن بعض النواب في أذربيجان، طالبوا عام 2012 بتغيير اسم بلادهم إلى "أذربيجان الشمالية" للتذكير بقضية المنطقة الخاضعة لإيران، على غرار نموذج كوريا الشمالية والجنوبية.
وخلال حرب قره باغ في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، نظم الأذربيجانيون الإيرانيون مظاهرات، بعد تسرب أنباء عن فتح طهران المجال أمام الإمدادات العسكرية الذاهبة إلة أرمينيا، وطالبوا بإغلاق الحدود.
صحيفة "تركيا" في تقرير أنه منذ استعادة باكو أراضيها في قره باغ عام 2020، ازداد التوتر بين أذربيجان وإيران بشكل كبير، وقد بدأت طهران التي ترى أن التغيير في الوضع الجيوسياسي في القوقاز يشكل خطرا على مصالحها الإقليمية في اتخاذ موقف تهديدي بشأن "ممر زنغزور".
وأضافت أن تعزيز يد أذربيجان في المنطقة بالدعم الذي تلقته، و"انتصار قره باغ" ورغبتها في تتويجها بممر زنغزور، من الأسباب التي تجعل إيران تشعر بعدم الارتياح.
وتابعت بأن السبب الأهم من موقف إيران، هو أن أذربيجان القوية تعني وجود تركيا قوية في القوقاز وآسيا الوسطى، وهذا الباب يؤدي بالطبع إلى وحدة العالم التركي.
وأكدت أنه مع انتشار "الروح القومية" في المنطقة، قد يتحرك الأتراك الذين يعيشون في إيران التي قد تتعقد الأمور بالنسبة لها.
ويعد ممر زنغزور هو الطريق المؤدي إلى "توران" (المنطقة التاريخية في آسيا الوسطى)، ولذلك بإن إيران تعتبره مشكلة أمنية خارجية.
كما أنه بفضل أرمينيا، ترتبط إيران بالبحر الأسود للحصول على حصة من التجارة العالمية في ظل العقوبات الأمريكية.، ولذلك تشعر بالقلق من أن هذا الاتصال سيتم قطعه عبر "ممر زنغزور".
وتابعت الصحيفة بأنه رغم العلاقات الودية بين طهران ويريفان، إلا أن العلاقة لم تتطور إلى تحالف عسكري، والسبب في ذلك هم الأتراك الذين يعيشون في إيران.
وأضافت أن الأتراك في إيران لديهم رغبة في فصل المنطقة التي يعيشون فيها عن إيران، مما يتعرض الاستقرار المضطرب في البلاد إلى المزيد من التدهور، ناهيك عن الخسارة الكبيرة لأن الأتراك الأذربيجانيون في إيران يمثلون ثلث السكان.
قلق من تنامي القومية التركية في القوقاز
ويشكل "ممر زنغزور" المحطة الأخيرة من طريق أطول يمتد بين الشمال والجنوب يسمى "الممر الأوسط" الذي من شأنه أن يربط الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى بتركيا عبر أذربيجان.
وقال الخبير التركي الأمريكي في مقال على موقع فوربس، إن قاره باغ بما أنها لم تعد تشكل تهديدا تكتيكيا، فإن الشريان التركي أصبح على بعد خطوة واحدة من الاكتمال.
وأضاف أنه بغض النظر عن شق طريق تجاري مستقل، فإن الارتباط الجديد من شأنه أن يخلق عودة ثقافة وهوية "الوحدة التركية"، والتي قد تتسبب بتغيير حسابات القوة، بعد أن كانت خاملة لعدة قرون.
وأوضح أنه إذا بدأت الكتلة التركية في التماسك والعمل بشكل منسق، فسوف يبرز تهديد جديد لإيران وروسيا والصين، ناهيك عن أرمينيا.
وأشار إلى أن ذلك قد يتسبب في شعور الأتراك الإيغور في الصين "قد يشعرون بالجرأة" في حال انبثاق قوة قومية تركية قريبة موحدة. كما أن "العديد من المناطق التركية من تتارستان إلى بورياتيا قد تبدأ في الانفصال.
أما إيران ستشعر قبل كل شيء، بالتهديد لأن سكان محافظة أذربيجان (الغربية) الخاصة بها سيرغبون في الاتحاد مع أبناء عمومتهم في الشمال الذين لديهم دولة خاصة بهم.
ويذكر الكاتب أن الكثيرين من الغرب قد لا يدركون أهمية فكرة القومية التركية ويعتقدون أنها "بعيدة أو خيالية"، لكن بلدان المنطقة تتذكر جيدا الدور التركي فيها والذي استمر لقرون، والذي تسبب بإقامة الصين سور الصين العظيم، كما أن لروسيا تاريخ في مواجهة هذه القومية والامبراطورية العثمانية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية إيران تركيا القوقاز ممر زنغزور إيران تركيا القوقاز اذربيجان ممر زنغزور تغطيات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أذربیجان الإیرانیة فی جنوب القوقاز الذین یعیشون فی فی أذربیجان أذربیجان فی الترکیة فی فی القوقاز فی إیران قره باغ
إقرأ أيضاً:
ما الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في قصف الأعماق الإيرانية؟
في الساعات الأولى من فجر اليوم الجمعة، كانت طائرات "إف-15" الإسرائيلية تعبر حدود الجغرافيا وتتجاوز كل الخطوط الحمراء، وتلقي بقنابلها على الأرض الإيرانية.
من نطنز إلى الملاجئ تحت الجبال وصولا للحرب الرقمية التي تُدار عن بعد خلف الشاشات، يتشكّل مسرح جديد للمواجهة أكثر شراسة وعدوانية. مسرح لا تهيمن عليه الطائرات فقط، بل كذلك المسيرات، والعملاء، وحرب المعلومات والعمليات المباغتة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماذا نعرف عن سلاح إيران الذي ستستخدمه في هجومها المرتقب على إسرائيل؟list 2 of 2المسيّرة الأميركية الأقوى تحتضر وهذه هي الأسبابend of listقالت إسرائيل إن ضرباتها استهدفت على دفعات منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وإن هذه بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي.
وفي المقابل أفادت وسائل إعلام إيرانية وشهود عيان بوقوع انفجارات في مواقع عدة، من بينها منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، بينما أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ تحسبا لرد إيراني بضربات صاروخية وطائرات مسيرة.
أولى الملاحظات على الصورة الأولية للتصعيد العسكري كان بيان وكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي جاء فيه أن مفتشي الوكالة يواصلون تقديم تقارير عن الوضع الميداني على الأرض، ووفق آخر التحديثات فإنه لم يُرصد أي تسرب للمواد الإشعاعية. وذكرت الوكالة أنه "لم تحدث زيادة في مستويات الإشعاع" في موقع نطنز عقب الضربات.
يضعنا ذلك أمام احتمالين أساسيين لاستهداف المنشآت النووية، الأول أن إسرائيل حاولت بالفعل تدمير المنشأة النووية بالكامل لكنها لم تتمكن من ذلك، والثاني أنها أرادت إخراج المنشأة عن العمل لكن بشكل لا يسمح بتسريب نووي قد يصل أثره إلى دول مجاورة، ما يعني أن الضربة كانت محدودة.
إعلانتقع منشأة نطنز على بُعد حوالي 250 كيلومترًا جنوب طهران، وقد بُنيت عند سفوح سلسلة جبال كركس، مما يوفر غلافًا طبيعيًا جبليًا يعزز الحماية.
تضم المنشأة قسمًا رئيسيًا لتخصيب اليورانيوم يحتوي على آلاف من أجهزة الطرد المركزي، وقد بنيت المنشأة على عمق يُقدّر بين 8 إلى 23 مترًا، ضمن مصفوفات خرسانية مسلّحة بسمك عدة أمتار، كما تحوي المنشأة على سقف إسمنتي مقوّى فوق القاعات، وهو سقف يُعتقد أنه قادر على امتصاص أو تحمّل القصف التقليدي.
المنشأة كذلك محمية بأنظمة دفاع جوي مثل صواريخ "تور-إم1" الروسية، ومنظومات محلية، وقد أضيفت لها طبقات من التمويه والخداع الإلكتروني.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت إيران بتوسيع منشأة نطنز إلى أعماق أكبر (عشرات الأمتار إضافية تحت الجبل) لتصبح شبه منيعة ضد الهجمات الجوية الأميركية التي تستخدم القنابل الخارقة للتحصينات. وحسب المعلومات المتاحة، فلا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت فوردو ونطنز النووية مثلا، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو 57 إيه بي" (GBU-57A/B)
تُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (MOP)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار.
هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تُشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية.
يظل من غير المعروف إلى الآن ان كانت إسرائيل قد استخدمت هذه القنابل أم لا، لكن بشكل عام هناك عدة قنابل تستخدمها في سياق هذا النوع من الضربات الجوية وقد استخدمت من قبل، وأولها هو "ذخيرة الهجوم المباشر المشترك" (JDAM) ، وهي ليست قنبلة بحد ذاتها، بل هي أشبه بعقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة.
إعلانفمثلا إن وضعت تلك الأجهزة على "مارك 84" التي تزن حوالي 1000 كيلوجرام، تتحول إلى قنبلة سُميت "بي إل يو 109" قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية. وتقوم الفكرة على تزويد القنبلة بجهاز ملاحة متطور يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي إلى جانب زعانف توجيهية تُركّب على ذيل القنبلة لتُصحح وتوجّه مسارها أثناء سقوطها، بالإضافة لتقنيات أخرى.
وتستخدم إسرائيل مجموعة إضافية من أطقم القنابل دقيقة التوجيه التي طورتها شركة "رافائيل" الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة، تسمى "سبايس". وبصيغة تشبه ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، فهي طقم توجيه إضافي يمكن ربطه بالقنابل "البسيطة" العادية مثل فئة "مارك" (84 و83 و82)، مما يحولها إلى قنابل ذكية عالية الدقة.
في مقدمة القنبلة، تُثبَّت كاميرا كهروضوئية تُغذَّى سلفا بصور مفصلة للهدف، أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة. وبفضل دمجها مع نظام تحديد الموقع العالمي "جي بي إس" ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس"، تستطيع هذه القنابل أن تُصيب أهدافها حتى مع غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوشة.
ويُقاس نجاح القنابل الموجَّهة بما يُعرف بـ"احتمال الخطأ الدائري"، أي المسافة بين النقطة المقصودة ونقطة السقوط، وهنا، تتفاخر "سبايس" بدقة تُقاس بأقل من 3 أمتار.
تستخدم إسرائيل كذلك قنابل خارقة للتحصينات، لكن ليس بمستوى جي بي يو 57 إيه بي، مثل قنابل "جي بي يو 28″، الموجَّهة بالليزر، مع وزن أكثر من 2000 كيلوجرام.
عادة ما تُعرف القنابل الخارقة للتحصينات بأنها تلك القنابل المُصمَّمة لاختراق الهياكل المحصنة والمخابئ تحت الأرض. قنبلة "جي بي يو 28" التي يمكنها اختراق ما يصل إلى أكثر قليلا من 30 مترا تحت الأرض أو 6 أمتار من الخرسانة.
إعلانصُمِّمت هذه القنابل لتكون ثقيلة نسبيا مع قدرتها على التحرك بسرعات عالية، وتستخدم بعض القنابل الخارقة للتحصينات خاصة تلك المُصمَّمة للاختراق العميق، معززات صاروخية تُنشَّط أثناء مرحلة الهبوط النهائية إلى الهدف.
إلى جانب ذلك، تُصمَّم القنابل بغلاف خارجي طويل نسبيا ونحيف ومقوَّى، يمتلك من الكثافة والشدة ما يركز الطاقة الحركية في مساحة سطح صغيرة، وهو ما يرفع من قدرتها على الاختراق.
أضف لهذه المجموعة صاروخ آخر تم تصميمه خصيصًا لاختراق وتدمير الهياكل المحصنة، لكن بالطبع ليس مثل حالة جي بي يو 57 إيه بي، وهو "رامبيج".
وهذا الصاروخ أسرع من الصوت، يُطلق من مسافة بعيدة من الجو، ويعمل بنظام ملاحة بالقصور الذاتي مع نظام تحديد المواقع العالمي، وأنظمة مضادة للتشويش، وتصوير طرفي بالأشعة تحت الحمراء، ووصلة بيانات ثنائية الاتجاه، ما يعني إمكانية تعديل مساره أثناء الضربة، بناء على معلومات استخباراتية.
وقد ذُكر هذا الصاروخ في الهجوم الإسرائيلي على إيران في عملية أبريل/نيسان 2024، ويتراوح مداه بين 150 و250 كيلومترا تقريبا، المدى الأقصر عند إطلاقه من ارتفاعات منخفضة أو من مسافة فاصلة أقصر، ويصل إلى ٢٥٠ كيلومترا عند إطلاقه من ارتفاعات عالية بواسطة طائرات نفاثة سريعة الحركة.
ما سبق من قنابل، تنطلق غالبا من نوعين أساسيين من الطائرات الأميركية الصنع التي تستخدمها إسرائيل بكثافة، وهما "إف-15″ و"إف-16".
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن عشرات المقاتلات نفذت عملية أطلق عليها اسم "الأسد الصاعد"، ووصفها "بالضربة الافتتاحية" في قلب إيران، تلتها هجمات وضربات أخرى.
وأضاف -في بيان صباح الجمعة– أن 200 مقاتلة شاركت في الهجوم على إيران وضربت نحو 100 هدف في مناطق إيرانية مختلفة، كذلك استُخدمت 300 قنبلة، في إطار تنفيذ تلك الهجمات. وأشار إلى أن الطائرات الحربية "تواصل مهاجمة" منشآت نووية في إيران.
إعلانتهتم إسرائيل عاما بعد عام بالطائرة المقاتلة من طراز "إف-15 آي إيه"، والتي يبلغ مدى طيرانها نحو 22 ألف كيلومتر، ولديها القدرة على حمل أكثر من 13 ألف كيلوغرام من الصواريخ والقنابل.
إلى جانب ما سبق، يمكن زيادة مدى هذه الطائرة عبر إضافة خزانات وقود خارجية مصممة لتتناسب بشكل وثيق مع محيط جسم الطائرة، مما يحسّن الديناميكية الهوائية مع توفير سعة وقود إضافية، على عكس الخزانات التقليدية التي تحل محل نقاط تثبيت الأسلحة، التي تشغل تلك المساحة في جسم الطائرة.
كذلك يقلل تصميم هذه الخزانات من المقطع العرضي للرادار، وهو أمر مهم بشكل خاص للمهام الخفية، وفي هذا السياق تظل الطائرة محافظة على أداء عالي الكفاءة لمعايير مثل السرعة والقدرة على المناورة.
بالإضافة إلى ذلك، صُممت طائرة إف-15 لتكون متوافقة مع أنظمة التزود بالوقود جوا، مما يوسّع نطاقها التشغيلي بشكل أكبر، وهو أمر بالغ الأهمية للمهام في العمق الجغرافي بعيدًا عن القواعد الرئيسية.
ويمكن لطائرة إف-15 حمل حمولة متنوعة وثقيلة، بما في ذلك الصواريخ جو-جو والذخائر جو-أرض والقنابل الموجهة، وبذلك يمكنها المشاركة في كل من أدوار التفوق الجوي والهجوم الأرضي أثناء مهمة واحدة، مما يقلل من الحاجة إلى طلعات جوية متعددة، وبشكل خاص يمكن لهذه الطائرة إطلاق صاروخ رامبيج، سالف الذكر.
وغالبا ما تستخدم مقاتلات إف-16 مع مقاتلات إف-15 في نفس الضربة (مع طائرات متعددة الأدوار مثل إف-35 كذلك)، حيث تمتلك الأولى قدرة عالية على المناورة، مما يسمح لها بالأداء بشكل فعال في مجموعة مهام متنوعة، من الدعم الجوي القريب إلى الضربات الدقيقة عالية السرعة.
ومقارنة بالطائرات النفاثة الأكبر حجمًا، فإن طائرة إف-16 أكثر فاعلية من حيث التكلفة، مما يسمح بمعدلات طلعات عالية كما أن نشرها وصيانتها أسهل، خاصة عند التشغيل في تضاريس متنوعة.
في هذا السياق فإن الطائرة "إف-15 آي إيه" مزودة بمحركين قويين، يحققان نسب دفع إلى وزن عالية، مما يمكنها من الحفاظ على سرعات تفوق سرعة الصوت حتى عندما تكون محملة بشكل كبير.
ولا يقلل ذلك من قدرتها على الوصول إلى الأهداف بسرعة على مسافات طويلة، ويمكنها كذلك من المناورة وتغيير الارتفاعات بدرجة من المرونة، تحسبا لأي رصد من الدفاع الجوي.
إعلانولمزيد من التأمين فإن الطائرة مزودة بأنظمة رادار متقدمة توفر قدرات الكشف والتتبع بعيدة المدى لكل من الأهداف الجوية والبرية، كما تسمح تقنياتها الإلكترونية بالتنقل والاشتباك مع الأهداف بدقة على مسافات كبيرة.
وبذلك، تتكامل الطائرتان في مهمة واحدة، فتوفر إف-15 القدرة على حمل سلاح ثقيل للضربات والاشتباكات بعيدة المدى، بينما توفر إف-16 المرونة التشغيلية والقدرة على التكيف للهجمات الدقيقة، كما تؤدي أدوارا داعمة.
حرب المسيراتلكن الأمر كما يبدو تخطى حاجز الطائرات المقاتلة، حيث نقل تقرير صادر عن موقع "إن 12" الإسرائيلي أن الموساد أعد للهجوم على مدى أشهر عديدة، بما في ذلك وضع عملاء في إيران، كما أوضحت منصة "ذا وار زون العسكرية"، وهو أمر لم تؤكده أو تنفيه الجهات الإيرانية الرسمية.
وبحسب المنصة "ذا وار زون العسكرية"، وعبر هذا العمل الاستخباري، قام أولئك بتشغيل طائرات مسيرة هجومية أحادية الاتجاه وصواريخ مضادة للدروع، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة سرية للطائرات المسيرة "في قلب إيران"، لتحييد الدفاعات الجوية الإيرانية، بحسب المنصة.
ومن بين الأهداف التي ورد أن عملاء إسرائيليين استهدفوها داخل إيران موقع دفاعٍ جويٍّ قرب طهران، وقبل بدء العملية بوقتٍ قصير، ضربت طائراتٌ إسرائيليةٌ مُسيّرةٌ انطلقت من داخل إيران منصات إطلاق صواريخ أرض-جو هناك، ممهّدةً الطريقَ لشنّ هجومٍ أوسع، والذي شارك فيه أيضًا مقاتلاتٌ تابعةٌ لسلاح الجو الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي أيضًا عملياتٍ جوية لقمع وتدمير الدفاعات الجوية للإيرانيين، بما في ذلك "عشرات الرادارات ومنصات إطلاق الصواريخ أرض-جو".
في هذا السياق، تم تداول لقطات فيديو تُظهر قوات على الأرض في إيران وهم يُشغّلون صواريخ رافائيل دقيقة التوجيه.
وأكدت صحيفة هآرتس أن مصادر أمنية إسرائيلية كشفت عن أن جهاز الموساد الإسرائيلي كان قد أنشأ قاعدة عسكرية داخل إيران قبل الضربات الجوية التي نُفذت فجر الجمعة، حيث تم تخزين مسيّرات مفخخة هُربت إلى الداخل الإيراني منذ وقت طويل، وقد استُخدمت هذه الطائرات في الهجوم على منشآت عسكرية ونووية إيرانية.
إعلانونقلت هآرتس عن المصادر تأكيدها تجهيز مركبات داخل إيران بأنظمة هجومية وتقنيات متطورة، استخدمت لتفكيك قدرات الدفاع الجوي الإيرانية، ما مكّن الطائرات الإسرائيلية من تنفيذ مهمتها دون مقاومة فعالة.
وأشار التقرير إلى أن هذه العملية لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة جمع معلومات استمر لسنوات، شمل ملفات دقيقة عن شخصيات بارزة في المؤسسة الدفاعية الإيرانية وعلماء نوويين، إضافة إلى البنية التحتية الصاروخية الإستراتيجية لطهران.
ورغم ضراوة الضربات الإسرائيلية، وعمق التخطيط الاستخباراتي، وتنوع أدوات الهجوم من مقاتلات إلى طائرات مسيرة وصواريخ ذكية، فإن ما تكشفه هذه العملية -في جوهرها- ليس قوة إسرائيل بقدر ما يكشف مأزقها.
فالهجوم ليس تعبيرًا عن ثقة إستراتيجية أو تفوق كاسح، بل عن قلق وجودي يتزايد مع كل يوم تقترب فيه إيران من عتبة النووي العسكري، ومع كل جبهة مقاومة جديدة تُفتح ضد إسرائيل.
ثمّة جيوش تتراجع، لكن لا تختفي. وهناك دول تُستهدف في العمق، لكنها لا تسقط. فإيران -بخبرتها الطويلة في إدارة الحصار والصراع- لم تعد خصمًا يمكن تحييده بضربة جوية أو عمليات استخباراتية نوعية، بل تحوّلت إلى خصم شبكي، مرن. مقابل ذلك، تظهر إسرائيل كطرف قوي يهاجم من موقع الارتباك، ويتحرك دون إستراتيجية خروج واضحة.
وقد أشارت معظم التقديرات إلى أن الضربات الإسرائيلية، بمفردها، قد تُؤخر البرنامج النووي الإيراني عدة أشهر.
في المقابل، تُشير التقارير العامة إلى أن الضربات الأمريكية قد تُؤخر البرنامج النووي الإيراني لمدة تصل إلى عام.
ووفق التصعيد العسكري المتسارع، وطبيعة الهجوم الإسرائيلي المدعوم أميركيا، يبدو مُرجحا أن تُسارع إيران الآن جاهدةً نحو امتلاك سلاح نووي لا بديل عن امتلاكه إذا ما استطاعت أن تخرج من هذا التصعيد الذي يهدد وجودها.
إعلان