ماذا حققت إسرائيل؟ وهل ستقلب إيران الطاولة؟
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
في 12 يونيو/ حزيران؛ انتهت المهلة التي فرضتها الولايات المتحدة على نفسها، ومدتها 60 يومًا للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران أو مواجهة العمل العسكري، دون إحراز أي اتفاق يذكر، بعد خمس جولات من المحادثات.
وفي ذات اليوم؛ مرّر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا يُعلن أن إيران انتهكت التزاماتها بموجب إجراءات الضمانات الدولية.
وردًا على قرار الوكالة، أعلنت إيران خططا لاستبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة من طراز IR-1 في منشأة فوردو بأخرى أكثر تطورًا من طراز IR-6، ولبدء بناء منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم.
لم تكد تمر ساعات حتى شنت إسرائيل في فجر 13 من يونيو/حزيران، هجماتٍ واسعة النطاق على أهداف إيرانية، باستخدام حوالي 200 طائرة، أصابت ما يقرب من 100 موقع في جميع أنحاء إيران، حسب بيانات الجيش الإسرائيلي.
وصف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الضربات بأنها في سياق "عملية سوف تستمر لعدة أيام لتحييد تهديد وجودي" تتعرض له بلاده"، ويتمثل هذا التهديد في نية طهران العمل على حيازة سلاح نووي في فترة وجيزة.
وركز الهجوم على البنية التحتية النووية الحيوية، بما في ذلك منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وخنداب وخرم آباد ومنطقة طهران.
إعلانكما استهدفت الضربات أصولًا عسكرية -مثل مصانع الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي ومراكز القيادة- بالإضافة إلى أحياء سكنية تضم كبار قادة حرس الثورة وقيادات عسكرية وسياسية وعلماء نوويين، كما وردت تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين في المناطق السكنية المستهدفة.
ردًا على ذلك، أطلقت إيران أكثر من 100 طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى حالة تأهب على مستوى البلاد وإعلان حالة الطوارئ. وتعهّد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بالرد، في ظل تصاعد غير مسبوق في المواجهة.
فكيف يمكن قراءة الآثار الإستراتيجية المحتملة لهذه الموجة التصعيدية الجديدة الأعنف تاريخيا بين إسرائيل وإيران؟ وإلى أين تتجه سيناريوهاتها في المستقبل القريب، في الوقت الذي لا زالت طهران تمتلك فيه العديد من أوراق القوة بالغة التأثير؟
ماذا حققت إسرائيل؟تفيد قراءة خريطة الأهداف الإسرائيلية أن العملية تتجاوز البرنامج النووي في حد ذاته، بل تصل إلى استهداف قدرات وركائز النظام السياسي والأمني لطهران بصفة عامة، بشريا وماديا. كما يمكن وصف الموجة الأولى منها بعمليات افتتاحية استهدفت إرباك مراكز القيادة والسيطرة وشل القدرات الدفاعية لطهران.
ومن الناحية العسكرية، حققت الضربة الإسرائيلية نجاحًا تكتيكيًا واضحًا بإلحاق أضرار أولية بالقدرات النووية والصاروخية الإيرانية.
فوفقًا للمعطيات المتاحة حتى الآن، تمكنت الموجات الجوية المتتالية من تدمير أجزاء من منشآت نووية رئيسية فوق الأرض، في مقدمتها محطة نطنز لتخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى استهداف مواقع يشتبه بأنها معنية بأبحاث الرؤوس النووية، ومستودعات لأجهزة الطرد المركزي.
كما استهدفت، الهجمات مراكز إنتاج ومنصات إطلاق في أصفهان وقاعدة الإمام علي، وشلّت قدرة طهران على تنفيذ رد فوري واسع. كما طالت الضربات قيادات عسكرية رفيعة في الحرس الثوري وفي برنامج الصواريخ، بهدف خلق حالة من الارتباك والفوضى في بنية القيادة الإيرانية.
كما أن إحدى النتائج الهامة التي حققتها الضربة، هي استهداف مجموعة من العلماء النوويين، إذ يشير عدد من المحللين السياسيين، أنه إذا ما كان استبدال القادة العسكريين الذين تم اغتيالهم أمرا يسيرا على القيادة الإيرانية، فمن ذا الذي يعوض استهداف العقول المختصة في بناء المشاريع النووية وسط ندرة هذا الاختصاص، وبما يمتلكون من خبرة امتدت لعقود في بناء المشروع النووي الإيراني.
إعلانأظهرت إسرائيل إذا قدرة اختراق نوعية للمنظومة الأمنية الإيرانية، استخباريا وعملياتيا، خاصة إذا صدق ادعاء تل أبيب بأنها نجحت في تسريب عدد كبير من المسيرات داخل حدود إيران ثم أطلقتها خلال العمليات.
وبصورة عامة، بدا أن طهران لم تشهد مثل هذا الانكشاف منذ عقود، بعدما تعرضت بنيتها الدفاعية لاختبار قاسٍ يكشف عن عجز واضح في حماية العمق الإيراني.
لكن التقييم الاستراتيجي لا يقف عند حدود الإنجاز العسكري المباشر، بل يتجاوز إلى سؤال أعمق: هل أزالت الضربة تهديد البرنامج النووي الإيراني نهائيا؟
ثمة تقديرات عديدة، من بينها تقدير مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دانيال شابيرو في يناير/كانون الثاني الماضي، كانت تشير إلى أن أية ضربة إسرائيلية منفردة مهما بلغت قوتها، لا يمكنها القضاء على البرنامج النووي الإيراني، بل قد تؤخره أشهرًا أو بضع سنوات في أفضل الأحوال، إذ لا تزال إيران تملك المعرفة التقنية والكوادر العلمية ومخزونا كبيرا من اليورانيوم عالي التخصيب يكفي لصنع عدة قنابل نووية.
ويُعتقد أن جزءًا من هذا المخزون محفوظ على هيئة مواد خام أو في أجهزة طرد مركزي حديثة، بعضها ربما نُقل إلى مواقع سرية محصنة يصعب استهدافها.
تدعم السوابق التاريخية هذا التصور، فبعد عملية "أوبرا" الإسرائيلية التي دمّرت مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981، أعاد النظام العراقي إطلاق برنامجه النووي بسرية وتصميم أكبر، بل كان على وشك تحقيق اختراق كبير مطلع التسعينيات لولا أن حرب الخليج قوضت قدراته.
ولا شك أيضا أن إيران اليوم تملك برنامجًا أكثر تقدمًا، وعلماء أكثر خبرة، ومنشآت أكثر تحصينًا وانتشارًا.
خيارات إيران.. وقيود السيناريوهات المحتملةمن المؤكد أن طهران، كما صرح قادتها، لن يكون أمامها خيار سوى الرد علي الحملة الإسرائيلية مهما بدا ذلك طريقا مفتوحة للتصعيد غير المحسوب، رغم أن ثمة قيودا تكتنف خيارات إيران، أولها يكمن في الجغرافيا؛ إذ لا تجمع إيران وإسرائيل حدود مباشرة، وتفصل بينهما مسافة تتجاوز 1500 كيلومتر، ما يجعل أي رد بري أو جوي تقليدي شبه مستحيل، في حين يعاني سلاح الجو الإيراني من تقادم مزمن، ولا يمتلك القدرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي أو مجابهة التفوق التقني والجوي لإسرائيل.
إعلان
في المقابل، تمتلك إسرائيل منظومة دفاع جوي من عدة طبقات: تشمل منظومات "آرو" (Arrow) لاعتراض الصواريخ الباليستية على مراحل خارج الغلاف الجوي، ومنظومات "القبة الحديدية" و"مقلاع داود" للصواريخ القصيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى بطاريتي ثاد THAAD أميركيتين نُشرتا مؤخرًا في إسرائيل لتعزيز الدرع الصاروخي.
وقد أظهرت مواجهة أكتوبر 2024 أن هذه المنظومات قادرة على اعتراض وابل من الصواريخ الباليستية الإيرانية بنسبة نجاح مرتفعة نسبيا، رغم وصول عدد محدود منها لأهدافه وإحداث أضرار في عمق إسرائيل.
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب سعت في البداية إلى النأي بنفسها عن المشاركة المباشرة في الهجوم الإسرائيلي الأخير، إلا أنها من المرجح أن تُساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم إيراني، والذي من شأنه أن يُضعف على الأقل جزءًا من قوتها.
مع ذلك، من المرجح أن تنجح بعض الصواريخ والأنظمة الأخرى -ربما أكثر من المحاولات الإيرانية السابقة- في الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وهو ثمن يبدو أن إسرائيل مستعدة لدفعه وفق تصريحات نتنياهو الأخيرة.
بناءً على ذلك، فإن خيارات الرد التقليدي الإيراني تنحصر عمليًا في سلاح الصواريخ والطائرات المسيّرة. إذ تمتلك طهران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن مسيرات هجومية متنوعة، عملت في السنوات الأخيرة على تحسين دقتها بالتعاون مع شركاء مثل روسيا.
ومع إدراكها لقيود الرد العسكري المباشر، يمكن أن تُفعّل إيران أدواتها في الحرب غير المتماثلة، وفي مقدمتها شبكة الحلفاء الإقليميين، في العراق ولبنان واليمن، لتنفيذ عمليات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية أو أميركية، سواء داخل إسرائيل أو في مناطق النفوذ الأميركي.
غير أن اللجوء إلى هذه الورقة أيضا ليس مضمون النتائج: حزب الله مكبل داخليًا ويواجه ضغوطًا محلية ودولية، والميليشيات العراقية تتعرض لمراقبة أميركية مشددة، أما الحوثيون فإمكاناتهم محدودة نسبيا. ومع ذلك؛ يبقى هذا الاحتمال واردا بشدة، لأسباب استراتيجية وأيديولوجية تربط قوى ما يسمى محور المقاومة بطهران، رغم قيود الواقع.
إعلانمن جانب آخر؛ تبدو فتح جبهة الحرب السيبرانية واحدة من أكثر الاحتمالات إغراءً لطهران؛ فهي لا تتطلب صواريخ، ولا أنظمة دفاع جوي، وتتيح لطهران توجيه ضربات مباشرة داخل العمق الإسرائيلي مع هامش واسع من الإنكار والمناورة.
وعلى مدار العقد الماضي، راكمت إيران قدرات رقمية هجومية متقدمة نسبيًا عبر وحدات مكرسة في "الجيش السيبراني" و"قسم العمليات الإلكترونية" التابع للحرس الثوري.
وقد أثبتت طهران مرارا قدرتها على تعطيل أنظمة حساسة، من بينها هجمات على منشآت مائية وكهربائية في إسرائيل. ومن ثم؛ فإن هجومًا رقميًا واسع النطاق بات أحد أهم أدوات الردع البديلة التي يُعوَّل عليها في طهران، إما بوصفها بديلا عن الهجوم العسكري المباشر، أو بكونها سلاحا موازيا يزيد من الضغط على البنية التحتية الإسرائيلية.
في هذه الحالة؛ قد تستهدف إيران شبكات الاتصالات أو المطارات أو المصارف الإسرائيلية، أو تسعى لاختراق نظم التحكم في الطاقة أو المواصلات بهدف بثّ الذعر وإرباك الجبهة الداخلية.
ورغم أن إسرائيل تُعد من القوى السيبرانية المتقدمة عالميًا، ولديها أنظمة حماية وهجوم عالية المستوى مثل وحدة "8200"، فإن المخاطر في هذا المجال تظل عالية، لأن الهجوم لا يتطلب تفوقًا شاملًا بقدر ما يحتاج إلى ثغرة واحدة فقط.
وهنا تكمن الخطورة؛ أن تنجح إيران في اختراق نوعي مفاجئ يساهم في تغيير المعادلات القائمة.
قلب الطاولةفي ضوء هذه الخيارات والقيود؛ ثمة سيناريو آخر يمكن أن تلجأ إليه طهران، وهو التشدد بصورة أكثر حسما في البرنامج النووي والانتقال السريع، سرا أو علانية لامتلاك القنبلة النووية، بوصفها أداة ردع أخيرة وحاسمة!
في هذا السيناريو؛ قد تقرر طهران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وطرد مفتشي الوكالة الدولية، والإعلان عن رفع مستوى التخصيب إلى درجة تصنيع سلاح نووي. هذه الخطوة قد تكون استعراضية، أو مقدمة لمسار فعلي نحو القنبلة.
إعلانيمنح هذا السيناريو إيران قوة ردع رمزية كبرى، ويعزز صورتها بوصفها قوة إقليمية لا تُبتز عسكريًا. لكنه يحمل أيضًا مخاطر هائلة: فمجرد التلويح بالخروج من المعاهدة سيستفز الغرب، وقد يدفع الولايات المتحدة إلى تحرك عسكري لوقف وصول طهران لهذه النتيجة.
لذلك، قد يكون هذا السيناريو أداة ضغط تفاوضية أكثر منه خطة فعلية في المدى القريب. لكن إذا شعرت إيران أن الردود الأخرى لم تحقق الردع أو تحفظ هيبتها، فقد يصبح هذا الخيار مطروحًا فعليًا في صلب حساباتها ليصبح جوهريا في صلب وجودها.
والخلاصة؛ أنه رغم الهشاشة التي أظهرتها إيران إثر الحملة الإسرائيلية؛ لا تزال تحتفظ طهران بنقاط قوة بالغة التأثير، وإذا ما تخلت عن "إستراتيجية الصبر الإستراتيجي" واحتواء التصعيد فقد يكتشف نتنياهو أن أمامه سنوات أخرى من حرب لا تنتهي، لكنها ستكون بالتأكيد أكثر ضراوة من حروبه الأخرى الحالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج أبعاد البرنامج النووی ت إسرائیل
إقرأ أيضاً:
بعد هدنة الحرب مع إسرائيل.. طهران تعلن عن تغييرات أمنية وإستراتيجية
طهران- بعد 6 أسابيع من الهدنة التي أنهت الحرب الإسرائيلية على إيران، أعلنت السلطات الإيرانية عن تغييرات هيكلية غير مسبوقة في المنظومة الأمنية، شملت تأسيس "مجلس دفاع" بمهام إستراتيجية، وعودة السياسي المخضرم علي لاريجاني إلى موقعه كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي، فيما اعتبره مراقبون خطوة استباقية تحضيرا لجولة جديدة من التصعيد.
وإثر خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي -الذي ألقاه الأسبوع الماضي واقفا دون أن يتكئ على عصاه التي لازمته لعقود- وإصداره الأوامر السبعة من أجل "إيران قوية" وحديثه في سياق إعادة هيكلة الأمن الوطني، كشفت وكالة فارس -المقربة من الحرس الثوري الإيراني– أن التغييرات الهيكلية في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قد أُقرت بالفعل، وأن مجلس الدفاع سيتولى مهام إستراتيجية في مجال السياسات الدفاعية للدولة.
وأضافت الوكالة، الجمعة الماضية، نقلا عن مصادر مطلعة أنه إثر مزاولة لاريجاني مهامه الجديدة خلال الأيام القليلة المقبلة سيتولى الأمين الحالي للمجلس علي أكبر أحمديان مسؤولية مهام إستراتيجية وخاصة تتطلب إدارة وتنسيقا على أعلى المستويات.
ويرى الناشط السياسي عبد الرضا داوري أن التغييرات التي طالت قيادة المؤسسات الأمنية العليا تأتي في إطار مراجعة شاملة تجريها السلطات الإيرانية لإستراتيجياتها الكبرى، وذلك في أعقاب العدوان الإسرائيلي الذي استمر 12 يوما، معتبرا أن آثار هذا العدوان تمهد لتحول جذري في الخطاب الذي يحكم دوائر صنع القرار في طهران.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح داوري أن تيارا سياسيا قد هيمن على مفاصل مؤسسات اتخاذ القرار بإيران خلال العقدين الماضيين وأن تطورات الحرب الأخيرة أثبتت فشل حوكمته وخطابه وتقديراته على المستويين الإقليمي والدولي، معتبرا أن التحول الهيكلي في منظومة الأمن القومي الإيراني يأتي لهندسة القوة على صعيد الأشخاص -وليس المؤسسات- وفق مصالح الأمن القومي.
إعلانوأوضح أن مرتكزات القوة الوطنية في إيران تقتصر على رباعي المؤسسة الدينية بمدينة قم والقوى الثورية وشبكة القوى التكنوقراطية والأوساط الشعبية، معتبرا التغييرات في مجلس الأمن القومي الإيراني تصب في صالح كفة المؤسسة الدينية وتيار التكنوقراط، وذلك لأن لاريجاني يعتبر متحدثا غير رسمي باسم المؤسسة الدينية ولديه علاقات جيدة مع تكنوقراط إيران.
وتابع المتحدث نفسه، أن تشكيل مجلس الدفاع قد ورد في المادة 176 من الدستور الإيراني المعدل عام 1989 عقب الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) لكنه تم تأجيل إنشاء المجلس لعدم وجود الضرورة.
وأضاف، أنه مع عودة لاريجاني إلى أمانة المجلس -وهو المعروف بأنه "مُهندس السياسة الأمنية الخارجية" للجهورية الإسلامية- بأمر من الرئيس مسعود بزشكيان وتزكية المرشد الأعلى، سيترأس الأمين الحالي للمجلس علي أكبر أحمديان مجلس الدفاع الجديد ممثلا عن مكتب المرشد، وبذلك سيكون سعيد جليلي المرشح الخاسر في الرئاسيات السابقة والممثل الحالي للمرشد خارج نطاق هيكلية القوة في المجلس.
الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي: #إيران تريد تنظيم الميدان للمرحلة المقبلة وتصفير المشاكل، وهي بحاجة شديدة لعلاقات أمان على الحدود لحمايتها من إسرائيل#الأخبار pic.twitter.com/RcXPMkGAGA
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 3, 2025
عودة العقلانيةمن ناحيته، يؤيد منصور حقيقت بور، المستشار السياسي لمكتب علي لاريجاني -بشكل ضمني- التقارير بشأن عودة لاريجاني إلى أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، معتبرا التحولات في منظومة بلاده الأمنية تمثل إستراتيجية جديدة في خطط طهران السياسية والأمنية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير حقيقت بور إلى سجل لاريجاني السياسي والثقافي خلال العقود الأربعة الماضية بدءا من رئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون، ثم تقلده منصب وزير الثقافة وأمانه المجلس الأعلى للأمن القومي ورئاسة البرلمان وكذلك مشاركته في المفاوضات النووية وعمله مستشارا للمرشد الأعلى، معربا عن أمله بضخ العقلانية في سلوكيات البلاد الأمنية والسياسية مع عودته إلى المشهد السياسي.
أما على الصعيد الدولي، حيث تواجه المصالح الوطنية الإيرانية تحديات جدية، فيعتقد حقيقت بور أن التغييرات الأخيرة ستسهم في تعزيز قدرات البلاد، خصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والبرنامج النووي، ويرى أن إعادة ترتيب المشهد الأمني والدبلوماسي تمثل تصحيحا للتعيينات السابقة في المناصب العليا بالدولة.
مجلس دفاع
من ناحيته، يعتبر الباحث السياسي علي رضا تقوي نيا، قرار سلطات بلاده بتشكيل مجلس وطني للدفاع مؤشرا على وجود تقديرات ترجح عودة شبح الحرب بل إن البلاد لا تزال تخوض حربا بشكل من الأشكال، مؤكدا أن تولي لاريجاني منصبه الجديد سيردم الهوة التي ظهرت خلال عدوان يونيو/تموز حيث سجل سلفه أداء رائعا على الصعيد العسكري دون معالجة الحرب الناعمة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد تقوي أن مجلس الأمن القومي تناط به عشرات المهام المختلفة وأن قيادته للحرب قد تقوض تركيزه على الملفات الأخرى مما يحفز القيادات الإيرانية على تشكيل مجلس للدفاع يأخذ مهمة إدارة أية حرب محتملة على عاتقه.
إعلانوبرأيه، فإن التطورات الأخيرة، خاصة ما شهدته المنطقة خلال العام الماضي، شكلت مبررا كافيا لتشكيل مجلس الدفاع حتى قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران، ويضيف أن تفعيل الدول الغربية لآلية الزناد بات شبه مؤكد، الأمر الذي ستقابله طهران بخطوات مؤلمة، من شأنها أن تصعد التوتر وتفتح الباب أمام جولة جديدة من المواجهة.
في المقابل، تنتقد شريحة من الإيرانيين التحول الجاري في معادلة صنع القرار الإيراني وتدوير الشخصيات في مؤسسة إستراتيجية مكلفة دستوريا بربط السياسة الخارجية بالأمن القومي والعسكري وحصر التغيير في هيكلية الأمن القومي في استحداث دوائر لا تتجاوز صلاحياتها دور التنسيق بدلا من القيادة الإستراتيجية.
مهام غامضةفي غضون ذلك، يشير الباحث السياسي أستاذ الجغرافيا السياسية، عطا تقوي أصل، إلى أن انتظار نتائج مختلفة جراء تكرار سياسات مماثلة ليس سوى ضرب من الجنون، موضحا أن التغييرات المزمعة تحيط بها نسبة كبيرة من الغموض بشأن مهام مجلس الدفاع وفروقه عن المؤسسات الرديفة مثل مقر خاتم الأنبياء المركزي وتناقض صلاحياته الدستورية مع القيادات العسكرية الأخرى.
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت تقوي أصل إلى حالة الغموض التي تحيط بمهام مجلس الدفاع، مشيرا إلى أن بنيته التنظيمية وعضوية عدد من أفراده في مؤسسات إستراتيجية أخرى قد تؤدي إلى تداخل صلاحياته مع الجهات الأمنية والعسكرية الرسمية.
ورأى أن الشعب الإيراني كان يتطلع إلى تحول إستراتيجي جراء مشاركة جيل الشباب في قيادة المؤسسات الإستراتيجية، معتبرا إعادة تعيين لاريجاني على رأس مجلس الأمن القومي استمرارية للسياسات المحافظة التي سبق أن مارسها في المناصب التي تولاها خلال مسيرته السياسية والعسكرية لكونه عضوا سابقا في الحرس الثوري.
وبرأيه فإن إنشاء مجلس دفاع وتعيين شخصيات أمنية فيه يظهر سيطرة النهج الأمني على إدارة الأزمات في بلاده، بينما تحتاج المشاكل الجذرية إلى حلول سياسية وأمنية واقتصادية بديعة، مؤكدا أن استمرارية هيمنة النزعة الأمنية المحافظة على إدارة الدولة لا تحل المشكلات الهيكلية، بل قد تزيدها تعقيدا عبر مؤسسات متوازية.
وتشير عودة علي لاريجاني إلى صدارة المشهد الأمني في إيران إلى ما هو أبعد من مجرد تغيير في المناصب، إذ تُعد خطوة تعكس توجها لإعادة تشكيل الدبلوماسية الإيرانية المتعددة المسارات في مرحلة حساسة تتسم بتحولات جيوسياسية كبرى، ويرى مراقبون إيرانيون أن نجاح هذه الخطوة سيعتمد على مدى قدرة لاريجاني على التوفيق بين ضرورات الانفتاح الدولي وتفادي معارضة التيارات المتشددة داخل النظام الإيراني.