التصعيد الإسرائيلي الإيراني.. من الضربات العسكرية إلى الضغوط التفاوضية
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
وأفاد مراسل الجزيرة بوقوع انفجارات قوية، في حين أعلن التلفزيون الإيراني أن "الكيان الصهيوني" استهدف منشأة نطنز بمحافظة أصفهان.
وجاء هذا التصعيد العسكري المباشر نتيجة حتمية لسلسلة من التطورات المتراكمة التي رصدتها حلقة (2025/6/13) من برنامج "بانوراما الجزيرة نت"، والتي تناولت كيف تصاعدت الأزمة، وكيف تباينت مواقف الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة المعقدة.
ولفهم جذور هذا التصعيد يجب تتبع الأحداث منذ بدايتها، حيث كانت الشرارة الأولى عندما كشفت إيران حصولها على كنز إستراتيجي من داخل إسرائيل يتمثل في آلاف الوثائق السرية المتعلقة معظمها ببرنامج إسرائيل النووي وعلاقاتها الخارجية.
ولم يكن هذا الكشف مجرد إعلان عادي، بل رسالة مدروسة التوقيت تهدف إلى إظهار امتلاك إيران أوراق ردع غير تقليدية لتعزيز موقفها أمام الضغوط الغربية المتزايدة.
وفي تطور لهذا المسار نقلت مصادر إيرانية أن طهران حدّثت بنك أهدافها داخل إسرائيل استنادا إلى المعلومات السرية التي حصلت عليها، مما يشكل تهديدا مباشرا وملموسا للأمن الإسرائيلي.
مخاوف إسرائيلية
وعلى الجانب الآخر من المعادلة ازدادت المخاوف داخل إسرائيل من أي اتفاق أميركي إيراني جديد، واعتبرته تل أبيب تهديدا مباشرا لأمنها الإستراتيجي.
إعلانودفعت هذه المخاوف إسرائيل إلى التفكير جديا في خيار التصعيد العسكري كوسيلة لعرقلة أي تقدم في المسار التفاوضي بين واشنطن وطهران.
لكن هذا التوجه الإسرائيلي اصطدم بموقف أميركي حازم، حيث كشفت وسائل الإعلام أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية من اتخاذ أي خطوات قد تعرقل جهوده للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران، مؤكدا أن هذا ليس وقت التصعيد.
موقف واضح
ويمكن فهم الموقف الأميركي من خلال تصريحات ترامب نفسه التي جاءت واضحة ومباشرة "لا أقول إن هجوما إسرائيليا على إيران وشيك لكنه قوي ومحتمل، لا أريد أن توجه إسرائيل ضربة لإيران طالما هناك اتفاق، نحن قريبون للغاية من إيران لتقديم تنازلات في المفاوضات".
وبالتوازي مع هذا الموقف الدبلوماسي اتخذت واشنطن إجراءات احترازية عملية تمثلت في إصدار أوامر بمغادرة طوعية لعائلات العسكريين الأميركيين من بعض قواعد الشرق الأوسط، فضلا عن إجلاء الموظفين غير الأساسيين من بعض سفاراتها في المنطقة.
وتعكس هذه الخطوات إدراكا أميركيا لخطورة الوضع واحتمالية تطوره إلى صراع عسكري واسع النطاق.
من جهتها، ردت إيران على هذه التطورات بإعلان رفع جاهزيتها الدفاعية إلى أقصى المستويات، مؤكدة أنها أعدت سيناريوهات لمواجهة أسوأ الاحتمالات.
لكن الرد الإيراني لم يقتصر على الجانب الدفاعي، بل تعداه إلى التهديد المباشر بالقول إن "كافة القواعد الأميركية تحت مرماها، وستستهدف تلك القواعد إذا فُرض عليها صراع".
ويمكن فهم هذا التصعيد في الخطاب الإيراني كإستراتيجية ردع تهدف إلى رفع تكلفة أي عمل عسكري ضدها، وجعل الولايات المتحدة تعيد حساباتها قبل السماح لإسرائيل بتوجيه أي ضربة.
وفي إطار هذا التصعيد المتبادل دخل مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خط الأزمة بقرار رسمي يتهم إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها النووية، مؤكدا أن نقص المعلومات يحول دون التحقق من سلمية برنامجها النووي.
إعلانوأضاف هذا القرار الدولي ضغطا إضافيا على إيران، خاصة في ضوء تقديرات تشير إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب يكفي نظريا لصنع 10 قنابل نووية.
تنديد إيراني
وردا على قرار الإدانة الدولي نددت طهران بما اعتبرته تسييسا لملفها النووي، وسارعت إلى اتخاذ إجراءات مضادة تمثلت في تشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم والاستعاضة عن أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول بأخرى من الجيل السادس.
وهي خطوة تعني عمليا زيادة كبيرة في قدرة إيران على إنتاج اليورانيوم المخصب بوتيرة أسرع وبكميات أكبر.
كما هددت إيران بإنشاء مجمع ثالث للتخصيب إذا استمر الضغط عليها، مؤكدة أن "هناك مفاجآت قادمة في هذا المجال"، وأن "رد إيران على أي تهديدات عسكرية سيكون موجعا".
ورغم هذا التصعيد فإن أبواب التفاوض ظلت مواربة، حيث تستضيف سلطنة عمان الجولة السادسة من المحادثات الإيرانية الأميركية، والتي يراها محللون مفصلية في رسم ملامح المستقبل.
لكن هناك تشكيك من مراقبين بجدوى الدبلوماسية في ظل إصرار أميركا على تصفير التخصيب داخل إيران وتأكيد الأخيرة على حقها في مواصلته لأغراض مدنية.
وفي لحظة بدا فيها أن المفاوضات قد تفضي إلى خفض التوتر جاءت الضربة الإسرائيلية لتفتح فصلا جديدا من التصعيد وتجعل كل الاحتمالات واردة.
وهذا التوقيت ليس صدفة، بل يعكس إستراتيجية إسرائيلية مدروسة لعرقلة أي تقدم في المسار التفاوضي.
وتشير التحليلات إلى أن هذه التحركات العسكرية قد تبدو جزءا من الحرب النفسية، لكن الهدف الحقيقي هو دفع إيران إلى تقديم تنازلات جوهرية أثناء المفاوضات، فالتهديدات لا تعني أن خيار الحرب مطروح فعليا، بل هي ورقة في مفاوضات دولية شديدة التعقيد.
الصادق البديري13/6/2025المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
لبنان.. الجدار الإسرائيلي يضع «اليونيفيل» أمام اختبار صعب
أحمد عاطف (بيروت)
أخبار ذات صلةشدد خبراء ومحللون على أن بناء جدار خرساني إسرائيلي داخل أراضٍ لبنانية يمثل أخطر خرق للخط الأزرق منذ سنوات طويلة، مؤكدين أن هذا التطور يضع قوات «اليونيفيل» أمام اختبار صعب، وسط محدودية صلاحياتها وغياب توافق دولي يسمح لها باتخاذ خطوات فعّالة.
وأوضح هؤلاء، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن السعي الإسرائيلي عبر هذا التحرك يهدف إلى فرض أمر واقع جديد على الحدود، في ظل ظروف داخلية لبنانية معقدة، وانشغال القوى الكبرى بأولويات أخرى.
وندد الباحث السياسي، حكمت شحرور، بالتصعيد الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك استهداف محدود لقوات «اليونيفيل» ذاتها، التي تحول دورها تدريجياً إلى مراقب وناقل للشكوى من دون قدرة عملية على الرد، لافتاً إلى أن خطوة بناء الجدار تُعد الأكثر جرأة، إذ إن تشييد جدار إسمنتي داخل الحدود الرسمية يُعيد ملف الترسيم إلى المربع الأول، ويعكس محاولة واضحة لفرض معادلة جديدة على الأرض.
وقال شحرور، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن هذا المسار يكشف الانتقاص من دور «اليونيفيل»، التي تجد نفسها الآن في حالة حرجة، خصوصاً في ظل تباين مواقف القوى المؤثرة، فبينما تتولى فرنسا مهمة الدفاع السياسي عن عمل القوات الدولية، تلعب الولايات المتحدة دور الغطاء الدولي للتحركات الأخرى، مضيفاً أن فعالية «اليونيفيل» تتراجع تدريجياً، وباتت بحاجة إلى دعم وتوافق دوليين.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي اللبناني، عبدالله نعمة، أن التصرف الخاص ببناء الجدار يُعد خارج حدود الشرعية الدولية، مستشهداً بخروقات إسرائيلية متكررة للخط الأزرق وتقدّمها داخل الأراضي اللبنانية سابقاً، مشيراً إلى أن الجدار الجديد يثير مخاوف من محاولة تثبيت أمر واقع يشمل توسيع السيطرة إلى عمق الجنوب اللبناني.
وأوضح نعمة، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن قوات «اليونيفيل» تدين الاعتداءات وترفع تقارير دورية، لكنها غير قادرة على الردع العملي، موضحاً أن الاعتداءات السابقة عليها، بما فيها استهداف مباشر لآلياتها، تكشف محدودية هامش تحركها، مؤكداً أن التمديد المقبل لولاية «اليونيفيل» قد يفتح نقاشاً واسعاً حول جدوى مهامها في ظل الوضع القائم.
بدوره، أكد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، الدكتور خالد العزي، أن مهمة «اليونيفيل» منذ إنشائها تقوم على مراقبة الخروقات وتقديم تقارير دورية، وليست قوة فصل وفق الفصل السابع، وبالتالي فإن صلاحياتها لا تمكّنها من منع التحركات الإسرائيلية بالقوة.
وأوضح العزي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن تشييد الجدار داخل الأراضي اللبنانية يمثل اختراقاً فعلياً للحدود وتثبيتاً لمنطقة عازلة جديدة، لافتاً إلى تنفذ هذه الخطوة ضمن استراتيجية تقوم على الضربات الاستباقية ومنع أي إمكانية لفتح أنفاق أو تنفيذ عمليات عبر الحدود، في سياق إعادة رسم خطوط اشتباك جديدة بعد حرب غزة.
وأشار إلى أن الجدار سيُشكّل محطة خلاف طويلة بين لبنان وإسرائيل، لأنه يضيف نقطة نزاع جديدة إلى ملف الترسيم، الذي لا يزال يضم 13 نقطة خلافية، بالإضافة إلى النقاط الخمس التي تعتبرها بيروت محتلة، منوهاً بأن الخطوة الإسرائيلية قد تستهدف عملياً إفشال دور القوات الدولية، عبر وضعها بين ضغطين.