غازيني: زرت درنة واستمعت لما حصل فيها خلال الفيضانات المدمرة
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
ليبيا – زارت الخبيرة في مجموعة الأزمات “كلوديا غازيني” ليبيا مؤخرًا للنظر بأسباب كارثة انهيار سدين في مدينة درنة ومن يتحمل المسؤولية.
وجاء في نص تقرير ميداني أعدته “غازيني” لصالح المجموعة وتابعته وترجمت المهم منه صحيفة المرصد:”عندما تنفجر السدود في ليبيا هل كارثة طبيعية أم يمكن الوقاية منها؟ ففي أعقاب الفيضانات الهائلة التي أودت بحياة نحو 20 ألف شخص سافرت إلى البلاد”.
وتابعت غازيني قائلة:”وقررت أن أرى ما تبقى من أكبر الحواجز المائية في مدينة درنة وهو سد بو منصور وسد آخر أصغر حجمًا من سابقه على مشارف المدينة هو سد البلاد هو الذي حول فيضان درنة إلى مأساة إنسانية”.
وقالت غازيني:”أردت أن أفهم ما حدث في تلك الليلة ولماذا لم يتحمل السد هطول الأمطار الغزيرة التي أطلقتها عاصفة البحر الأبيض المتوسط الضخمة المسماة دانيال على شرق ليبيا في اليوم السابق وللوصول إلى مصدر الطوفان تطلب ذلك منعطفًا كبيرًا”.
وبحسب غازيني كان الطريق الذي يحيط بالوادي ويربطه بالمدينة قد تم محوه مع كل شيء آخر في محيطه ونتيجة لذلك فإن الرحلة التي كان من المفترض أن تكون 13 كيلومترًا أصبحت الآن أطول بـ7 أضعاف ورافقها صديق ليبي قديم من المنطقة عندما ذهبت.
وقالت “غازيني”:”سافرنا جنوبًا من درنة إلى الصحراء ومن ثم شقينا طريقنا ببطء عبر التلال القاحلة والوديان العميقة للجبال الخضراء كان هناك صف من الصخور يسد الجزء الأخير من الأسفلت المؤدي إلى السد لكننا تمكنا من المناورة حوله”.
ووفقا لـ”غازيني” فقد أرادت أن تعرف سبب انهيار هذا السد الذي بنته شركة يوغوسلافية في منتصف السبعينيات فالليبيون الغاضبون ألقوا باللوم على السياسيين لفشلهم في صيانته السد بشكل صحيح أو إصدار الأوامر في الوقت المناسب لسكان مدينة درنة بالإخلاء.
وتحدثت “غازيني” عن نظريات أخرى متداولة حول الانهيار إذ يقول بعض السكان إن صمامات السد لم تكن مفتوحة عندما ضرب دانييل المدينة الأمر الذي كان سيجعله أكثر عرضة للفشل في عاصفة بهذا الحجم فيما قام سياسيون باختلاس أموال مخصصة لتجديده.
وأضاف “غازيني” قائلة:”عندما وصلت إلى منحدر يطل على وادي بو منصور خطر في ذهني ما قد حدث في تلك الليلة الرهيبة إذ يوجد أدناه وادي يبلغ عمقه 200 متر على الأقل وينحدر من الجنوب ويستمر حتى الشمال وهو جاف لا يجمع الماء إلا عند هطول المطر”.
وتابعت “غازيني” بالقول:”لم يكن بإمكاني رؤية سوى الـ10 كيلومترات الأخيرة منه لكنني عرفت من الخرائط أنه يمتد لمسافة 100 كيلومتر أخرى على الأقل إلى الغرب تقريبًا بموازاة ساحل البحر الأبيض المتوسط
وفي قاعه اكتشفت ما بقي من السد”.
وقالت “غازيني”:”تل من الطين كان مغطى بالصخور وأطلق المزيد من الأشخاص ذوي التفكير الفني على هيكل وادي بو منصور اسم سد محقون بالطين وحطمت المياه الجزء الأوسط ما أدى إلى كسر الطريق الذي يمتد على طول الجزء العلوي منه”.
وبينت “غازيني” ما قاله خبراء بشأن هذا النوع من السدود المصنوعة من الطين والصخر فهي قوي للغاية لكن أساساتها معرضة لتأثيرات التآكل الناجمة عن الفيضانات خاصة عندما يتم بناؤها على قاعدة طينية كما يبدو أنه كان الحال في بو منصور.
وقالت “غازيني”:”أخبرني شهود عيان أن الفيضان بدا وكأنه جاء من العدم وقال شاب يعيش في مكان قريب عند غروب الشمس كان الوادي لا يزال جافًا فيما انضم إلينا حارس السد وروى لنا أحداث ذلك المساء المؤكدة لما قاله الشاب”.
وبحسب الحارس بدأ السد يمتلئ في نحو الساعة الـ8 مساء ولكن في منتصف الليل كان ممتلئًا إلى نصفه فقط وحتى الـ2 صباحًا بدأت المياه ترتفع بسرعة خطيرة فقد وصل الماء إلى ارتفاع مترين فوق السد وتدفق إلى الجانب الآخر ما أدى لإضعاف هيكله تدريجيًا وانهياره.
وقال الحارس:” كنا نسمع احتكاك الصخور أثناء تفككها ما ترك أيضًا رائحة غريبة للمواد المحترقة في الهواء وانهار السد أخيرًا في الساعة الـ2 و40 دقيقة صباحًا وكانت صمامات ممرات السد مفتوحة وكانت كذلك منذ التسعينيات”.
وتابعت “غازيني” أنها تحدثت لاحقًا مع القائمين على أمر السدود في مدينة درنة وكافة السدود في شرق ليبيا ليؤكدوا لها رواية الحارس فالسد تم تصميمه في الأصل لأغراض الري فيما أيقن المسؤولون في نهاية الثمانينيات أنه يعاني من مشاكل هيكلية.
ووفقًا للقائمين على السدود كانت المياه تتسرب من تحت السد ما أدى إلى إنشاء قناة جديدة وتم التوقف عن استخدامه للاحتفاظ بالمياه ما قادر لترك صماماته مفتوحة ما يعني أن هذه الرواية تفند إدعاءات إلقاء لائمة ما حصل على مشغيلي السد.
واستدركت “غازيني” بالإشارة إلى رواية بعض سكان مدينة درنة ممن أكدوا أن الصمامات لم تكن مفتوحة فالمزارعين المحليين أغلقوها لري أشجار الرمان عند قاعدة الوادي الجاف أسفل السد مشيرة إلى أنها ليست وضع يسمح لها بتحديد من هو على حق.
وتابعت “غازيني” إن السد وفق لحسابات القائمين عليه محكوم عليه بالفشل بغض النظر عن كيفية تشغيله ما يعني أنه قد جمع مياها تصل لـ100 مليون متر مكعب من المياه في تلك الليلة وأدى الضغط الناتج عن ذلك في نهاية المطاف لانهياره فهو مصمم لاستيعاب 22 مليونا فقط.
وبحسب المسؤولين عن السدود كان إجمالي قدرة تصريف المياه للسد 170 مترًا مكعبًا في الثانية فيما تم حساب ما مطلوب من قدرات تصريفية لجميع المياه الداخلة إلى الوادي وكانت 1200 ما يعن أن ما حصل كارثة طبيعية لا بشرية.
ووفقا لـ”غازني” كان هناك اتفاق واسع النطاق بين سكان مدينة درنة أو من هم مقيمين في محيط السد أن الكارثة القادمة لا تثير القلق فقد اجتمعت مجموعة منهم لمناقشة كيفية حماية أنفسهم نظريًا وافتراضيًا ولم يدفع أحد باتجاه تنبيه السلطات والتحذير من خطر انهيار جدي.
وبينت “غازيني” ما قاله عميد بلدية درنة المقال عبد المنعم الغيثي بشأن عدم تلقيه أية معلومات بشأن مخاوف السكان فجميع السلطات وضعت الأعين على مدينة بنغازي باعتبارها ستكون على المسار المتوقع للعاصفة دانيال المتحولة بخلاف التوقعات للبلدية.
وأشارت “غازيني” لمحاولة الغيثي التملص من المسؤولية عبر إلقاء لائمة السدود على سلطات أعلى من سلطته من خلال القول:”كان الخوف الأكبر قبل العاصفة هو أنها قد تلحق الضرر بالمنطقة السكنية المطلة على البحر واعتقدنا أن الخطر سيكون بحريًا”.
وأصر الغيثي على فرضية استعداد السكان لفيضان محتمل بالسدود فقد شهدوه بالفعل مرتين من قبل وليس لانهيارها فعليًا مبينًا إن لجنة الطوارئ المشكلة قبل 3 أيام من العاصفة أصدرت أوامر بإخلاء الأحياء الـ3 الأكثر عرضة لخطر الفيضانات لأنها كانت على أرض منخفضة.
وأوضحت “غازيني” إن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت انتشار مقاطع فيديو تظهر رجال شرطة في سياراتهم وهم يأمرون الناس بالمغادرة فيما قال الغيثي:”لسوء الحظ لم يستجب سوى القليل من السكان لهذا النوع من التحذيرات”.
ونقلت “غازيني” عن رئيس فرع المنطقة الشرقية بوزارة الموارد الموائية في حكومة تصريف الأعمال عبد القادر سويسي قوله:”الكارثة لم يكن من الممكن منعها حتى لو كان سد جديد تمامًا وبنفس الأبعاد بمثابة الحاجز لهذه المياه ما يعني أن الكارثة طبيعية 100%”.
وفيما طرحت “غازيني” تساؤلات بشأن تحميل جزء من لائمة ما حصل على الانقسام السياسي شددت على الحاجة الآن إلى تقييم نهائي لما حدث في الـ10 والـ11 من سبتمبر الفائت عبر خبراء محليين ودوليين مطالبين بالتحقق من مستويات هطول الأمطار.
وبينت “غازيني” إن هؤلاء الخبراء معنيين بإجراء عمليات تفتيش ميدانية لما تبقى من سد بو منصور وتحليل العقود والوثائق الأخرى والتحدث مع المسؤولين وشهود العيان فمن المفهوم أن الليبيين يريدون حاليًا إجابات بشأن حقيقة ما حصل.
وتابعت “غازيني” بالقول إن لانعدام ثقة الناس في مؤسسات بلادهم يحتم على السلطات والشركاء الأجانب النظر في تعيين لجنة تحقيق شامل مستقلة في هذه المأساة رغم أن الأوان قد فات الآن بالنسبة لآلاف الأشخاص الذين فقدوا في فيضان مدينة درنة.
واختتمت “غازيني” بالإشارة إلى أهمية الدروس المستفادة إذ يمكن لها أن تساعد المدينة على الاستعداد لمستقبل أكثر أمانا فيما تقدم أيضا رؤى للمجتمعات الأخرى التي تقع أسفل السدود فهي قد تتعرض لاحقا للخطر بشكل مماثل.
ترجمة المرصد – خاص
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: مدینة درنة ما حصل
إقرأ أيضاً:
فيما أهل غزة يتضورون جوعاً
صلاح المقداد
من المُقرر أن يبدأ الرئيس الأمريكي المهووس دونالد ترامب الثلاثاء الثالث عشر من مايو الجاري زيارة رسمية للمنطقة هي الأهم لرئيس أمريكي منذ عقود طويلة، وتشمل زيارة ترامب بقرته الحلوب ( السعودية) وإمارة قطر ودويلة الإمارات .
وتنتظر ترامب المتلهف كثيراً للحصول على أموال مشيخات النفط الخليجية مُفاجآت عدة سارة يسيل لها لعابه، قد تعوض أمريكا بعض ما خسرته بسبب قراراته المثيرة للجدل المتعلقة بفرض الرسوم الجمركية على عدد من الدول والتي استهل بها فترة رئاسته الثانية.
حيث من المنتظر أن يوقع ترامب خلال زيارته للرياض اتفاقيات وصفقات مع ابن سلمان تحصل بموجبها أمريكا على ترليون دولار، غير الهدايا الثمينة والنفيسة التي سيحصل عليها من بني سعود، في الوقت الذي يتضور فيه ملايين الفلسطينيين بغزة جوعًا بسبب استمرار العدوان الصهيوني عليهم ومحاصرتهم من قبل سلطات الإحتلال والدول العربية المحيطة والمجاورة لقطاع غزة.
فيما أشارت وسائل اعلام غربية ومنها شبكة “إيه بي سي” الأمريكية إلى أن إمارة قطر بدورها قدمت طائرة بوينغ 747-8 الفاخرة للغاية، كهدية للرئيس ترامب بقيمة 400 مليون دولار، والتي قد تكون الهدية الأكثر قيمة على الإطلاق التي تُقدم للولايات المتحدة من حكومة أجنبية .
وتأتي هدية قطر هذه لسيد الأعراب ومولاهم ترامب تعبيراً عن الولاء للعم سام وتأكيداً لتبعية هؤلاء الأعراب لسيد البيت الأبيض .
كذلك من المتوقع أن يحصل ترامب من دويلة الأمارات أثناء زيارته لأبو ظبي على مليارات الدولارات نظير اتفاقيات وصفقات متعددة يبرمها مع بن زايد، وستذهب هذه الأموال إلى الخزينة الأمريكية التي تمول جريمة إبادة الشعب الفلسطيني بغزة وتقتل اليمنيين في بلادهم بلا ذنب سوى تحركهم لإسناد اخوتهم بالقطاع في معركة طوفان الأقصى .
وبهذا يبلغ السفه العربي مُنتهاه ومبلغه الذي لا يُطاق ولا يمكن تبريره والسكوت عليه ، لا سيما وقد تجاوز هذه المرة حدود المعقول والممكن والمقبول والمحظور، على أن الأدهى والأنكى من ذلك أن هذا السفه العربي الغير مسبوق يأتي في ظل استمرار أمريكا في دعمها اللامحدود للصهاينة ليستمروا في إبادة ملايين الفلسطينيين المحاصرين في غزة ، ومع استمرار آلة الحرب الصهيونية الفتاكة الأمريكية الصنع في حصد أرواحهم بشكل يومي وإرسالهم إلى ثلاجات الموتى بالمشافي ثم إلى المقابر، والبعض منهم قد قطعت ومزقت أعضائه وصاروا أشلاء في مشهد دامي وقاسي لم يهز ضمير العالم والإنسانية أو يحرك ساكنًا في عالم منافق صامت وفي الصدارة من يسمون أنفسهم عربًا ومسلمين ! .
وفي المحصل فإن ما ستكسبه أمريكا خلال زيارة رئيسها ترامب المرتقبة للمنطقة من أموال تقدر بمليارات الدولارات من أعراب الخليج تكفي لتحقيق نقلة نوعية لشعوب ودول عربية فقيرة وحل الكثير من مشاكلها الإجتماعية والإقتصادية.
كما يؤكد ذلك السفه لحكام المشيخات النفطية الخليجية حقيقة انعدام عدالة توزيع الثروة التي تعاني منها الأمة كمعضلة تاريخية مزمنة وجزء من اشكالية العالم العربي المستمرة، حيث تحتكر الثروة أقلية مترفة مرتهنة للخارج وتقوم بتبديدها بكل صفاقة وسفه وهي حق عام لكل أبناء الأمة جمعاء.
فضلاً عن ذلك فإن بقاء هذه الثروة بأيدي سفهاء هذه الأمة ومترفيها يجعل من تلك الثروة نقمة لا نعمة، إذ أن التصرف بها واهدارها على ذلك النحو جعلها كذلك وحولها لأن تكون أخطر معاول الهدم والتدمير لهذه الأمة ، وجرى تسخيرها لتدمير بلدان وشعوب كما حدث ويحدث في أكثر من بلد عربي والنماذج والأمثلة كثيرة .
وآن لأنظمة الخليج التي تُمارس العهر السياسي بإحترافية عالية أن تنتهي وتتوقف عن تبديد الثروة التي هي ملك للأمة العربية قاطبة ويعود حكامها إلى رشدهم ويرعوون عن ذلك السفه والواجب أن تسخر تلك الثروة لما فيه مصلحة الأمة وتنمية دولها وشعوبها لا أن تذهب عائداتها وريعها للأعداء وعلى رأسهم أمريكا، وعلى مثل حكام الخليج ينطبق قوله تعالى : “إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة” .