جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@20:34:11 GMT

ضمير الوطن سيبقى حيًّا

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

ضمير الوطن سيبقى حيًّا

 

حمد الحضرمي **

 

تأكيدًا للمبادئ التي وجهت سياسة الدولة في مختلف المجالات خلال العقود الماضية، وتصميما على مواصلة الجهد من أجل بناء مستقبل أفضل يتميز بمزيد من المنجزات التي تعود بالخير على الوطن والمواطنين، تأسس في عام 1999 جهاز الرقابة المالية للدولة وفي عام 2011 أمر السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بتوسيع صلاحيات جهاز الرقابة المالية للدولة بإضافة الرقابة الإدارية، وتم تعديل مُسماه ليصبح جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، ومُنح أعضاؤه صفة الضبطية القضائية، ومنذ ذلك الحين والجهاز يواصل جهوده من أجل إعلاء قيم النزاهة والمحاسبة.

وبصدور المرسوم السلطاني رقم (111/ 2011)، أصبح جهاز الرقابة ينعم بحيادية سلطاته، ويحاكي في هيئته الجديدة الأجهزة النظيرة حول العالم؛ إذ يهدف الجهاز إلى حماية الأموال العامة للدولة، والأموال الخاصة التي تديرها أو تشرف عليها أي من الوحدات الخاضعة لرقابته، والتثبت من مدى ملاءمة أنظمة الضبط والرقابة الداخلية وسلامة التصرفات المالية والإدارية، واتباعها للقوانين واللوائح والقرارات التنظيمية، وتجنب وقوع تضارب المصالح والمخالفات المالية والإدارية، وتقييم أداء الجهات الخاضعة لرقابته، والتحقق من استخدام الموارد بطريقة اقتصادية وبكفاءة وفاعلية، والكشف عن أسباب القصور في الأداء والإنتاج وتحديد المسؤولية، وامتدت رقابة جهاز الرقابة لتغطي كافة محافظات السلطنة. وما التقرير السنوي لعام 2022م الصادر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة قبل أيام باسم "ملخص المجتمع"، إلّا ليبين للجميع أن الدولة ماضية في نهضتها المتجددة بقيادة حكيمة من سلطان البلاد هيثم بن طارق المعظم- نصره الله- في تطبيق النظام والقانون على الجميع، وتقرير الرقابة كشف جحم الجهود المبذولة من هذا الجهاز الدقيق في أعماله وتخصصاته، والذي كشف عن جرائم المال العام، واستغلال الوظيفة، والتربح غير المشروع، وغيرها من الجرائم، وقد بلغ عدد قضايا الأموال العامة للدولة في العام 2022 نحو 113 قضية.

وظاهرة الفساد قديمة قدم وجود الإنسان في هذا الكون، ورغم محاولات فهم هذه الظاهرة بأبعادها المختلفة، إلّا أنها ما زالت عصية على العلاج؛ بل إنها تتجدد مع تجدد أنماط الحياة البشرية والمكتشفات العلمية التي تواكبها، فالفساد من حيث المفهوم يعني الخلل والاضطراب وبالتالي إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات، وهو ناتج عن سلوك البشر مصداقًا لقول الله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" (الروم: 41) والإنسان الفاسد هو الشخص غير النزيه الذي لا يتحلى بالأخلاق في تعامله مع غيره، ومنظمة الشفافية الدولية تعرف الفساد بأنه "سوء استغلال السلطة المعطاة للشخص لتحقيق مكاسب شخصية" أي أن الفساد يعني سوء استغلال الموظفين في قطاعات الأعمال لتحقيق مكاسب شخصية لهم، والفساد له عدة سلوكيات غير الرشوة؛ لأن الرشوة كالعمولة تحصل عندما يقوم المتعامل بدفع مبلغ مقطوع، أو نسبة من قيمة المشروع، أو مكافأة أخرى كالأسهم، أو معلومات سرية للموظف الذي يسمى مُرتشيًا في هذه الحالة، وذلك مُقابل حصول المُتعامِل على خدمة أو رخصة ليس له فيها حق كحصوله على مناقصة، أو خصم في الضريبة، أو غيرها من صور التهرب من الواجبات أو الحصول على مكاسب غير مستحقة. أما الابتزاز فيحصل عندما يستغل الموظف سلطته في الحصول على نقودٍ أو مكافأة أخرى، مما يعني أن المتعامل يدفع لخدمة يستحقها، وقد يستخدم الموظف الإكراه أو التهديد، أما الاختلاس هو عبارة عن سرقة موارد الدولة من قبل الموظفين الذين يحققون مكاسب لأنفسهم من غير تواجد متعامل.

وهذا يعني أن كلًا من الرشوة والابتزاز والاختلاس، هي ممارسات تعبر عن تجاوزات الموظفين في مسؤولياتهم وواجباتهم، وإلحاق الضرر بمصالح الدولة، أو الضرر بمصالح المواطنين بمعنى أدق، كما أن الموظف يمكنه إخفاء الكثير من الحقائق والبيانات وتزويرها وتحريفها لتحقيق مصالح شخصية كالتورط في غسيل الأموال، وهذا ما يسمى بالاحتيال، وهناك ممارسات أخرى كاستغلال السلطة العامة، كما إن المحسوبية هي صورة من صور الفساد، وتعني تقديم الخدمات والمنافع للأقارب والأصدقاء من غير استحقاق، كتوزيع الأراضي الحكومية السكنية والتجارية والصناعية والزراعية أو أراضي الانتفاع، ومنح قروض مُيسرة بلا فوائد، لأشخاص غير مستحقين لها، وبصورة أخرى يتم تقليد المناصب لأشخاص لا يستحقونها وغير مؤهلين لها، مع وجود أشخاص ذوي كفاءة عالية، وكل هذه الأفعال والتصرفات وغيرها تكون ضارة بمصالح الوطن والمواطنين.

إن السيطرة على الفساد- لا أقول استئصاله فهذا أمر مستحيل- أمرٌ ممكنٌ إذا توفرت شروطها، وهي كثيرة ومتنوعة بتنوع أشكال الفساد والبيئات التي يوجد فيها، ولدينا تجارب ناجحة حول العالم قد سيطرت على الفساد من خلال وجود قياداتٍ شرعية لها مصداقية، ولديها الإرادة السياسية لمحاربة الفساد وتغيير ثقافة المجتمع ودفعه إلى رفض الفساد بكل درجاته وأشكاله. وقد يكون رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو، مثالًا على هذه القيادات؛ حيث نجحت سنغافورة في عهده بأن تصبح من الدول الأقل فسادًا في العالم بنسبة مئوية بلغت 97.1، وهذا الأمر يتطلب لتحقيقه جهودا كبيرة من سلطات الدولة الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ووجود قوانين تُلزم مؤسسات الدولة بتوفير معلومات كافية عن سياساتها تمكن بقية مؤسسات المجتمع من تقييم أدائها، أي تعاون مكونات المجتمع وتفاعلها مع مؤسسات الدولة، هو شرط لنجاح مكافحة الفساد، لأنه من غير مشاركة فاعلة من المواطنين، ووسائل الإعلام الحرة، والقضاء المستقل، ليس من الممكن السيطرة على الفساد.

ويوضح مؤشر تصور الشفافية الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن دول الشرق الأوسط وغالبيتها دول عربية، كان تصنيفها دائمًا دون المتوسط العالمي من حيث النزاهة، وغالبيتها دول عربية نفطية، كما تؤكد بيانات البنك الدولي أن أداء دول الشرق الأوسط فيما يتعلق بالشفافية والتعبير عن الرأي وكذلك السيطرة على الفساد، هو دون المتوسط العالمي مع بعض التفاوت، وكل هذه المؤشرات تعتبر جوهرية لتقليل الفساد، وتقرير النزاهة العالمية يقيم الإطار القانوني لمكافحة الفساد ودرجة تنفيذه على أرض الواقع، ويبين مدى قدرة المواطنين على استخدام آليات محاربة الفساد؛ حيث ثبت أن بعض الدول العربية تعاني من ضعف القوانين التي تكافح الفساد، لأنَّ بعض النخب من المسؤولين في بعض هذه الدول لا تسمح بتطبيق القوانين عليها، لأن هذه النخب هي مصدر الفساد، ولكن ضمير الوطن سيبقى حيًّا لا يموت، وسينتهي يومًا هذا الفساد.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرقابة المالية تصدر التقرير السنوي لأداء صناديق التأمين الخاصة لعام 2024

أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية تقريرها السنوي لأداء صناديق التأمين الخاصة لعام 2024، في خطوة تعكس الدور المحوري للهيئة في دعم شفافية قطاع التأمين، وتوفير بيانات دقيقة تُسهم في رفع كفاءة السوق وتعزيز ثقة المتعاملين، ويُعد التقرير مرجعًا أساسيًا لرصد الاتجاهات المالية والاستثمارية للصناديق، وأداة مهمة في دعم صناعة القرار والسياسات التي تعزز الحوكمة والحماية التأمينية في مصر.

168.1 مليار جنيه إجمالي استثمارات صناديق التأمين الخاصة بنهاية 2024 مقابل 133.7 مليار جنيه في 2023

واشتمل التقرير على أحدث المؤشرات المالية ونتائج الأعمال عن العام المنتهي في 31 ديسمبر 2024، مسلطًا الضوء على الأداء المتنامي لصناديق التأمين الخاصة باعتبارها إحدى آليات الحماية الاجتماعية، ووسائل الادخار والاستثمار طويل الأجل التي تقدم مزايا تأمينية اختيارية ودعمًا ماليًا للمشتركين، بما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي للأفراد وأسرهم، وتخضع الصناديق لرقابة دقيقة من الهيئة وفق أفضل الممارسات الدولية لضمان سلامة إدارة أموالها ومتانة مراكزها المالية.

ورصدت الهيئة من خلال التقرير تطور أداء صناديق التأمين الخاصة، بالتوازي مع جهودها المستمرة لتطوير هذا القطاع الحيوي وتوسيع نطاق الاستفادة منه ليشمل فئات جديدة من المواطنين غير المشمولين بالتغطية التأمينية، مع العمل على تحسين وتنويع الأدوات الاستثمارية المتاحة للصناديق، بما يعزز دورها كمستثمر مؤسسي يدعم الاقتصاد الوطني ويرفع العوائد لصالح أعضائها.

وتضمن التقرير استعراضًا شاملاً للمسار التشريعي المنظم لنشاط صناديق التأمين الخاصة، بدءًا من قانون رقم 54 لسنة 1975، مرورًا بالتعديلات المتتابعة للائحة التنفيذية وقواعد الحوكمة، وصولًا إلى قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024 الذي وحّد الإطار القانوني لجميع أنشطة التأمين تحت مظلة واحدة، وأفرد فصلًا متكاملًا لتنظيم صناديق التأمين الخاصة، منهياً العمل بالقانون القديم.

ويُعد قانون التأمين الموحد أول تشريع شامل للقطاع بعد أن كان يخضع لأربعة قوانين منفصلة، ما يجعله خطوة مهمة لدعم التنظيم والرقمنة وتعزيز استخدام التكنولوجيا المالية وتوسيع نطاق المستفيدين من الخدمات التأمينية.

كما شهد عام 2024 إصدار حزمة من القرارات التنظيمية شملت تحديث ضوابط الحوكمة، وإصدار قواعد استثمار الأموال، وإلزام الصناديق التي تتجاوز أموالها 500 مليون جنيه بإعداد قوائم مالية وفقًا لمعايير المحاسبة المصرية، كما نظمت الهيئة شروط اختيار أعضاء مجالس الإدارة وآليات التسجيل والشطب وتعديل النظم الأساسية، مع تحديد نسب وضوابط ملزمة لاستثمار أموال الصناديق في أدوات استثمارية متنوعة.

وكشف التقرير عن ارتفاع عدد الصناديق السارية إلى 671 صندوقًا، وزيادة عدد الأعضاء إلى نحو 4.3 مليون عضو. وبلغ إجمالي الاشتراكات 18.6 مليار جنيه بنهاية 2024 مقابل 15.5 مليار جنيه في 2023 بنسبة نمو 20%. كما ارتفع إجمالي الأصول إلى 195.8 مليار جنيه مقابل 162.9 مليار جنيه، محققًا نموًا بنسبة 20.2%، وبلغ المال الاحتياطي 184.8 مليار جنيه مقارنة بـ151.4 مليار جنيه بمعدل نمو 22%.

وسجلت استثمارات الصناديق نموًا قويًا، حيث بلغت 168.1 مليار جنيه في نهاية 2024 مقارنة بـ133.7 مليار جنيه في 2023 بنسبة نمو 25.7%. كما ارتفعت قيمة المزايا التأمينية المسددة إلى 17.9 مليار جنيه مقابل 15.9 مليار جنيه بنسبة نمو 12.6%. وحقق صافي الدخل من الاستثمارات قفزة ملحوظة ليصل إلى 31.4 مليار جنيه مقارنة بـ16.8 مليار جنيه بنسبة نمو 87%.

وفي إطار خطتها للتحول الرقمي، تواصل الهيئة العامة للرقابة المالية تنفيذ برنامج متكامل للميكنة يشمل تحسين الخدمات المقدمة للأفراد والمؤسسات، والاستفادة من التقنيات الحديثة لإتاحة منتجات تأمينية مبتكرة تلبي متطلبات مختلف شرائح المجتمع، وتعزز الشمول التأميني، كما أتاحت الهيئة تأسيس صناديق مشتركة بين أكثر من جهة، بما يدعم تنمية الوعاء الادخاري والاستثماري في المجتمع.

ويؤكد إصدار التقرير السنوي لعام 2024 التزام الهيئة بمواصلة بناء بيئة تأمينية قوية ومنضبطة، وتوفير بيانات دقيقة وشفافة تعزز قدرة صناديق التأمين الخاصة على دعم منظومة الحماية الاجتماعية ودورها كمستثمر مؤسسي فاعل في الاقتصاد الوطني، وترسيخ مكانة الهيئة كركيزة أساسية في تطوير قطاع التأمين المصري.

اقرأ أيضا

عاجل | بقيمة 10 جنيهات.. تحرك جديد في سعر الذهب بمستهل تعاملات اليوم الخميس 11 ديسمبر

بعد تخفيض الفائدة الأمريكية.. مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025

بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025 في البنوك

مقالات مشابهة

  • حملات رقابية على الأسواق بالشرقية لحماية حق المواطن
  • المالية تطلق منصات رقمية جديدة لتسهيل الإجراءات الضريبية وتحسين الإيرادات
  • «أم القرى» تنشر نص الموافقة على مشروع نظام الرقابة المالية
  • الباشا موسى العدوان… حين يتكلم ضمير الوطن ويسكت تجّار الأوطان
  • ندّاف قدّمت تصريح الذمّة المالية إلى هيئة مكافحة الفساد
  • الرقابة المالية: 168.1 مليار جنيه استثمارات صناديق التأمين الخاصة بنهاية 2024
  • الرقابة المالية: 168.1 مليار جنيه إجمالي استثمارات صناديق التأمين الخاصة بنهاية 2024
  • الرقابة المالية تصدر التقرير السنوي لأداء صناديق التأمين الخاصة لعام 2024
  • الخط الرسمي للدولة.. لماذا تحتاج مصر إلى «صوت بصري موحد»؟
  • الرقابة المالية: حجم الأوراق المخصمة تقارب 92 مليار جنيه في 9 أشهر