«الوطن» في مركز القيادة الإسرائيلي وقت الحرب: الرشاشات لم يُطلق منها «رصاصة واحدة»
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
فى 6 أكتوبر 1973، كان آرئيل شارون قائداً لمركز القيادة المتقدم للجيش الإسرائيلى، باعتباره قائد فرقة، وأكبر رتبة عسكرية موجودة فى هذا الموقع، والذى يبعد قرابة 10 كيلومترات عن قناة السويس، وكان يتخذه «مركزاً لإدارة عمليات القتال» مع أبطال قواتنا المسلحة المصرية، وهو الموقع الذى سقط فى يد جنودنا البواسل يوم 8 أكتوبر 1973، ليتركه «شارون» منسحباً برجاله.
البداية كانت باستقلال أبطال القوات المسلحة، المكلفين باقتحام «النقطة الحصينة» التى تُدير عمليات القتال للجيش الإسرائيلى فى قطاع واسع من المواجهة مع القوات المسلحة المصرية، المعروفة باسم «تبة الشجرة»، القوارب المطاطية يسع الواحد منها 13 مقاتلاً، ثم ساروا لعمق 7 كيلومترات داخل أراضى سيناء، حتى وصلوا لطريق جانبى طوله قرابة 300 متر، ومنه للوصول إلى «موقع القيادة الوسطى الإسرائيلية بالحرب»، والتى كانت مركزاً متقدماً للقيادة للجيش الإسرائيلى إبان الحرب.
«الوطن» زارت هذا «المركز»، عدة مرات، الذى يُعتبر حالياً متحفاً عسكرياً، المعروف باسم «تبة الشجرة»، فور دخولك، تجد أمام عينيك حقل ألغام مؤمَّناً، تركه أبطال القوات المسلحة المصرية فى الموقع بعد تأمينه، ليحاكى الواقع الرئيسى للحرب، وهى الألغام التى رصها الجيش الإسرائيلى حول الموقع بأكمله عدا ثغرات بسيطة تسمح بعبورهم، مع وضعها على 3 صفوف متباعدة، والتى تضم ألغاماً كبيرة الحجم، بالسؤال عنها تبين أنها ألغام لدبابات ومدرعات، وألغام صغيرة للأفراد.
ثم بالاقتراب إلى موقع «تبة الشجرة»، تجد خنادق كثيفة لا تزال موجودة حتى اليوم، مع أسلاك شائكة، ودبابات ومدرعات وسيارات عسكرية كانت تستخدمها إسرائيل فى الحرب، وأمامها، تجد بوابة مدوناً عليها عبارتا: «تحيا مصر»، و«ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».
ورغم أن موقع «تبة الشجرة»، أحد أهم المواقع الشاهدة على انتصار قواتنا المسلحة الباسلة فى حرب أكتوبر المجيدة، لكنها شاهدة أيضاً على أن السلام يحتاج لقوة تحميه؛ فتجد عبارات عدة منها «السلام قوة»، وبالنظر إلى جوارك تجد معدات عسكرية إسرائيلية لم تستخدم أو يطلق منها رصاصة واحدة، ومنها رشاش «آلى متعدد»، وقذائف، وألغام، ومدفع هاون، وقذائف إسرائيلية، ورشاشات عدة بحالتها الطبيعية.
وبمواصلة سيرك، تجد أمامك إحدى أحدث الدبابات فى العالم، وقت حرب أكتوبر المجيدة، وهى الدبابة الإسرائيلية M48 A5، وهى «مكسورة»، إذ تجد برج قتالها الرئيسى متحركاً من موقعه، وماسورة مدفعها موجهة للأسفل، وهى دبابة دمرها البطل فتحى شلبى، والذى رافق «الوطن» فى زيارة لهذا الموقع العسكرى التاريخى فى عام 2017، وروى لنا كيف قضى على تلك الدبابة الحديثة فى هذا التوقيت.
صائد الدبابات من «تبة الشجرة»: دمرنا ثلثى دبابات الجيش الإسرائيلى فى أول أيام الحربويقول البطل فتحى شلبى، والمعروف أيضاً بـ«صائد الدبابات»، إنهم لم يصدقوا أنفسهم من الفرحة وقتما جاءت لهم أوامر العبور إلى الضفة الشرقية للقناة، وأنهم واصلوا العمل ليل نهار حتى نفذوا المهام المكلفين بها، موضحاً أنه كان أحد عناصر اقتناص الدبابات عبر صواريخ «مالوتيكا»، موضحاً أن عناصر اقتناص الدبابات ورجال الجيش المصرى دمروا قرابة ثلثى الدبابات الإسرائيلية فى أول أيام الحرب فقط.
أما مركز القيادة الإسرائيلى نفسه؛ فتجد حولك خنادق دائرية كثيفة حول الموقع لتمكن القوات الإسرائيلية من الدفاع عنه، بالإضافة إلى شون وتحصينات وأماكن ارتكاز لرشاش نصف بوصة، وشون وتحصينات عدة.
ومع مواصلة التحرك له، تجد موقع «تبة الشجرة»، مزوداً بحجارة متراصة فيما بينها، متراصة بأسلاك من حديد موضوعة بينها، فضلاً عن مادة لاصقة حتى تتماسك، وهو التحصين الهندسى الذى اتبعه الجيش الإسرائيلى لحماية الموقع من «قنبلة ذرية»، أو طيران أو مدفعية، حال الإقدام عليها، بحسب أحد الجنود المكلفين بالوجود داخل الموقع وقت الزيارة.
«شارون» أدار من خلاله عمليات القتال مع قواتنا المسلحة من «الفردان» لـ«فايد».. وانسحب تاركاً خلفه «دباباته مكسورة»أما داخل «مركز القيادة»؛ فتجده مقسماً لعدة غرف، منها غرف ضابط مخابرات، وضابط أمن، وضابط مدفعية، وضابط طيران، فضلاً عن غرف للضباط والجنود، وصولاً لمكتب قائد مركز إدارة العمليات، وكان وقتها الجنرال آرئيل شارون، وهى أكبر غرف الحصن، وتجد عليها خريطة كبيرة للمنطقة التى كان يتولى شارون مسئوليتها، وهى المنطقة الوسطى للجبهة، والممتدة من منطقة «الفردان» حتى «فايد».
وتجد فى غرفة «شارون» أعلاماً إسرائيلية، وتليفوناً سلكياً قديماً للاتصال بينه وبين قادة النقاط القوية على خط بارليف لتوجيههم خلال عمليات القتال، فضلاً عن نظارة ميدان معظّمة كان يستخدمها وقت الحرب.
وعلى جانبى مركز العمليات، تجد غرفة مفتوحة لأعلى، والتى تنقلك للخنادق المرتبطة بطرق للهروب من المركز حال استهدافه، ومع الخروج منها، تجد سيارات «جيب» كان يستخدمها الجيش الإسرائيلى فى تنقلاته، وكذلك ناقلات جند مدرعة من طراز M113.
كما تجد مبنى مزوداً بغرف محولات كهربائية لتوليد الطاقة للمركز، فضلاً عن مبنى مزود بـ5 غرف مبيت للضباط، وأسرة وغرفة طعام، وعيادة، وغرفة للطاقة، وأماكن للاستحمام وحمام، وغرفة طعام.
كما تجد لوحة تذكارية باسم شهداء قواتنا المسلحة موجودة فى الموقع، ومدوناً عليها الآية القرآنية التى تقول: «لا يقاتلونكم جميعاً إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون».
وأكد اللواء دكتور محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق وسلاحى المدرعات والشرطة العسكرية، أن موقع «تبة الشجرة»، هو الموقع الشهير الذى هرب منه «شارون» خلال فترة الحرب، والذى أذيع منه تسجيل «شارون»، وهو ينسحب ويخاطب قيادته بأنه لا يستطيع أن يصد الهجوم المصرى.
وأضاف مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، فى تصريح لـ«الوطن»، أن توافر المعلومات الكاملة عن الجيش الإسرائيلى وأماكن تمركزه ومواقع قيادته وسيطرته، وتسليحها، كان عنصراً حاكماً فى التخطيط الجيد لعملية اقتحام خط بارليف، والمواقع العسكرية الإسرائيلية منه وسيناء، موضحاً أن الهزائم المتتالية التى لحقت بالجيش الإسرائيلى وقت الحرب، جعلتهم «منهزمين نفسياً»، واستطاع رجال قواتنا المسلحة مواصلة الحرب وتحقيق النصر بشجاعة وبسالة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف خط بارليف الجيش الذي لا يقهر الجیش الإسرائیلى قواتنا المسلحة مرکز القیادة
إقرأ أيضاً:
انضمت للجيش وتقاتل لجانبه.. هل تسعى مجموعات السودان المسلحة لمقابل سياسي؟
الخرطوم- تتصاعد المخاوف في السودان من تعدد المجموعات العسكرية والكتائب التي تقاتل إلى جانب الجيش النظامي في مواجهة قوات الدعم السريع.
ويحذِّر مراقبون من أن عدم وجود رؤية واضحة لمستقبل هذه المجموعات بعد الحرب يمكن أن يهدد أمن واستقرار البلاد ويدخلها في دورة جديدة من العنف، كما حذَّروا من الاستجابة لمطالب بعض المجموعات بدور سياسي ثمنا للقتال مع الجيش.
ودفعت الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل/نيسان 2023 تشكيلات ومجموعات عسكرية منظمة وأخرى شعبية للانخراط طواعية في القتال بجانب الجيش لدحر قوات الدعم السريع، وإجبارها على التراجع والاستسلام.
ووضع آلاف الشباب المسلحين أنفسهم تحت خدمة الجيش والشرطة في الولايات لتأمين مناطقهم التي انسحب منها الدعم السريع بعد هزيمته بمعارك في ولايات سنار والجزيرة وشمال ولاية النيل الأزرق وجنوب ولايتي النيل الأبيض ونهر النيل.
خريطة المسلحينوانضمت إلى الجيش منذ الأسابيع الأولى للحرب مجموعات عسكرية عدة، ضم بعضها شبانا كانوا يقاتلون في جنوب السودان قبل انفصاله ضمن قوات الدفاع الشعبي في عهد الرئيس السابق عمر البشير وتم حلها في 2020.
وبلغت المليشيات المقاتلة مع الجيش 12 مجموعة؛ أبرزها كتائب "البراء بن مالك"، و"الطيارين"، و"البرق الخاطف"، و"السائحون" و"البنيان المرصوص"، وأكد قادة هذه الكتائب أنهم يقاتلون تحت راية الجيش وسيسلمونه أسلحتهم بعد الحرب وينصرفون لوظائفهم وأعمالهم.
إعلانوالتحق بقوات الجيش كذلك عناصر من كيان "غاضبون بلا حدود" وهي من المجموعات الشبابية التي برزت خلال الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير.
كما انضم للجيش في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أبو عاقلة محمد كيكل قائد قوات درع السودان التي أسسها مطلع العام 2022، قبل أن يلتحق بقوات الدعم السريع ويصبح قائدا لها في ولاية الجزيرة وسط السودان، ومن ثم انشق عنها وشارك مع قواته في استعادتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي ولاية غرب كردفان المتاخمة لإقليم دارفور وجنوب السودان، شكل 6 آلاف من شباب 6 محليات بالولاية "قوات احتياط" توزعوا في "سرايا" و"كتائب" و"فصائل" ويقاتلون مع الجيش في ولايتهم.
إعادة تموضعفي بداية الحرب أعلنت قوى من حركات مسار دارفور التي وقَّعت اتفاق سلام مع الحكومة في جوبا، تمسكها بالحياد لكنها غيرت موقفها وقررت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 الدخول في المعارك للقتال مع الجيش السوداني، ضد قوات الدعم السريع، وهما حركتا تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي والعدل والمساواة بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم.
وكذلك أقرت حركة تحرير السودان بقيادة والي وسط دارفور مصطفى طمبور الوقوف بجانب الجيش، وقوات التحالف السوداني بقيادة حاكم ولاية غرب دارفور خميس أبكر التي اتهمت الدعم السريع باغتياله.
كما انضمت للقتال إلى جانب الجيش أيضا "حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي" برئاسة صلاح رصاص الذي انشق في يوليو/تموز 2024 عن رئيس الحركة الهادي إدريس، وتم تعيينه لاحقا عضوا في مجلس السيادة خلفا له.
وكذلك انشق عبد الله يحيى عن قوى تجمع تحرير السودان، برئاسة الطاهر حجر وتحالف بقواته مع الجيش وعُيّن أيضا عضوا في مجلس السيادة خلفا لرئيسه السابق.
وفي أبريل/نيسان الماضي انحازت حركة العدل والمساواة السودانية الجديدة بقيادة منصور أرباب، إلى جانب القوات المسلحة " لدحر التمرد الغاشم والقضاء عليه" حسب تعبير زعيمها عقب لقائه رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وفي شرق السودان أعلنت 3 حركات مسلحة الأسبوع الماضي تشكيل قوة مشتركة في منطقة قرقر الحدودية في دولة إريتريا.
إعلانوتضم القوة مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، وحركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، والحركة الوطنية للعدالة والتنمية في شرق السودان بقيادة محمد طاهر سليمان بيتاي.
وأدى انتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم وولايات وسط البلاد، إلى استنفار عشرات الآلاف من المواطنين وتلقيهم تدريبا عسكريا لاستعادة مناطقهم. وكانوا قد اشتكوا من التأخر في تسليحهم، ما أثار جدلا وانتقادات للقيادة العسكرية التي كانت تخشى من انتشار السلاح وإساءة استخدامه.
وتدخلت القوات المسلحة لتنظيم المستنفرين في المقاومة الشعبية على امتداد الولايات، وكلَّف قائد الجيش البرهان في مايو/أيار 2025 اللواء المتقاعد بشير مكي الباهي رئيسا للجنة القومية للاستنفار والمقاومة الشعبية.
الإصلاح الشاملمن جهته، يرى نائب رئيس هيئة الأركان والمتحدث باسم الجيش الأسبق الفريق محمد بشير سليمان أن عدم حسم مستقبل الحركات والمجموعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش النظامي قبل نهاية الحرب سيهدد أمن واستقرار السودان.
ويقول للجزيرة نت: إن القيادة الحاكمة ينبغي أن تستعين بلجنة قومية وخبراء لوضع رؤية لإصلاح وتطوير القوات المسلحة تراعي التوازن الجهوي والديمغرافي، واستصحاب آراء قيادات الحركات المسلحة التي وقعت اتفاق سلام مع الحكومة.
ويضيف الفريق سليمان أن رؤية مرحلة ما بعد الحرب ينبغي أن تكون شاملة لمعالجة القضايا السياسية والمطالب التي تدعو بعض المجموعات لحمل السلاح في إطار بناء دولة حديثة.
أما الصحفي والكاتب المهتم بشؤون الحركات المسلحة بكري المدني، فيرى أن اتفاق جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق الموقع في 2020 يقضي بدمج قواتها في القوات النظامية "جيش، شرطة ومخابرات"، وبدأت بعضها في ذلك وخاصة الحركة الشعبية-شمال برئاسة مالك عقار.
إعلانويقول للجزيرة نت: إن الحركات المسلحة التي انحازت للجيش، جاء انتساب مقاتليها أثناء الحرب، حسب ما كشف عنه جبريل إبراهيم.
ويعتقد أن انتصار الجيش في الحرب سيفرز روحا إيجابية تدفع الجميع لدمج عناصرهم في القوات النظامية، ولكن سيصعب ذلك حال الدخول في تسوية سياسية مع الدعم السريع وعودتها للمشهد.
ويرجح المتحدث ذاته أن قوات درع السودان وقادة المجموعات التي تقاتل تحت راية المقاومة الشعبية لن تغادر المشهد بعد نهاية الحرب، بل ستعزز وجودها بالحصول على وضع سياسي والمشاركة في السلطة.