الإخوان الإرهابية ومسيرة التلون والتواطؤ (١١٢)
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
نستكمل حديثنا اليوم مع موضوع جديد وشيق وشغل الأوساط السياسية فى التسعينيات من القرن الماضى، وهو قصة تأسيس حزب الوسط والذى ساد جدل كبير وقتها حول ما إذا كان هذا الحزب إخوانياً أم أنه مستقل كما كان يقول مؤسسه أبوالعلا ماضى، فى كواليس قصة تأسيس الوسط كان جهاز أمن الدولة يراقب الحالة خطوة بخطوة.. وفى المقابل كانت قيادات الإخوان تبعث برسائلها كلما اقترب الحزب من موعد النظر رسمياً، تأكد من خلالها أن المشروع ينتمى إلى جماعة الإخوان، واستهدف ذلك عرقلة ولادة الحزب، فى التفاصيل كان اسم عبدالمنعم أبوالفتوح سبباً آخر فى خوف الأجهزة الأمنية.
جرت هذه الوقائع كلها ما بين شهرى أغسطس وأكتوبر ٢٠٠٩، وكانت لجنة شؤون الأحزاب برئاسة صفوت الشريف قد حددت يوم السبت ١٥ أغسطس ٢٠٠٩ للقاء مع أبوالعلا ماضى، وكيل مؤسسى حزب الوسط، الذى كان قد تقدم بأوراقه أربع مرات متتالية على مدى ١٣ عاماً، دون أن يحظى بالقبول، قبل أسبوعين تقريباً من هذا الموعد كان هناك عزيزى القارئ تقرير أعدته مباحث أمن الدولة، تؤكد فيه أنه من الصعب أن يحصل أبوالعلا على ترخيص بحزبه، وعرضت الأسباب من وجهة نظر أمن الدولة، والتى كان من أهمها أن هناك بعض دوائر داخل الحزب ترى أن الوسط عندما بدأ بالتقدم بطلب تأسيس من مجموعة الشباب كان الأب الروحى لهم هو مهدى عاكف، بعد الحصول على موافقة مصطفى مشهور، وذلك دون علم مأمون الهضيبى الذى كان نائباً للمرشد، مما أثار حفيظته وهدد بالاستقالة من الجماعة إذا لم يتم تجميد المشروع، وهو ما أدى إلى إجراء تحقيق مع المجموعة التى تقدمت بالحزب لاحتواء غضب مأمون الهضيبى، وصدر قرار بتجميد عضوية من رفضوا التحقيق، وكان على رأسهم أبوالعلا ماضى، وتساءل التقرير من يضمن أن يكون انقلاب أبوالعلا ماضى على الإخوان ليس سوى انقلاب نفسى بحت؟، فهو يريد أن ينتقم ممن جمدوه فى الجماعة، خاصة أنه حتى الآن لم يستطع تحرير موقفه من هذه القضية، ولم يقدم ضمانات على أنه أصبح مختلفاً اختلافاً جذرياً عن جماعة الإخوان المسلمين.
كان أبوالعلا ماضى صاحب مقام وشأن داخل جماعة الإخوان الإرهابية، كانوا يلقبونه بسيد شباب الجماعة، وقد اعتقد أنه عندما سيخرج منها غاضباً بعد تجميد عضويته سيتبعه آلاف الأعضاء، إلا أنه تقريباً خرج وحيداً، ولم يلحق به إلا ثلاثة أو أربعة كان من بينهم رفيق دربه عصام سلطان. تقرير أمن الدولة التفت إلى مساحة أكثر خطورة، قد تستدعى عدم منح أبوالعلا الترخيص بالحزب، وهى مساحة علاقته القوية والخاصة بعبدالمنعم أبوالفتوح، «وقتها كان عبدالمنعم مسجوناً على ذمة قضية التنظيم الدولى، وكان يعانى صحياً، وقد استدعى هذا أن تقوم مجموعة من القوى السياسية بجمع توقيعات للإفراج عنه، وكان أبوالعلا هو رقم ٢ فى قائمة الموقعين على البيان»، رغم أنه على المستوى الإعلامى ينفى نفياً قاطعاً أن يكون بينه وبين أبوالفتوح أى علاقة من أى نوع، اعتبر التقرير أن أبو العلا ماضى لا يزال محسوباً على عبدالمنعم أبو الفتوح، فهما يحملان نفس الأفكار، وكل منهما يحاول أن يعيد الثانى إلى صفه مرة أخرى، عبدالمنعم يقول لماضى «لابد أن ترجع إلى جماعة الإخوان، لأن هذه جماعتنا نحن وليست جماعتهم»، وأبو العلا يقول لعبدالمنعم «ننتظرك فى حزب الوسط فهذه لم تعد جماعتك»، ولم يكن أبو العلا يفعل ذلك، لكنه كان يعرف أن انضمام أبو الفتوح لحزب الوسط سيكون نصراً كبيراً، بل يمكن أن يتسبب فى دخول عدد كبير من الإخوان حزب الوسط، ثقةً فى عبدالمنعم أبو الفتوح، واطمئناناً لصحة مواقفه، وللحديث بقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإخوان عبدالمنعم ابو الفتوح عضويته جماعة الإخوان أمن الدولة
إقرأ أيضاً:
متى يحل الإخوان تنظيمهم؟!
كلما مرت بالإخوان المسلمين محنة في بلد عربي أو غربي، أو ضاقت عليهم الإجراءات الإدارية والسياسية في بلد ما، إلا وخرجت أصوات تنادي الإخوان بضرورة أن يحلوا تنظيمهم، ويصفوا كل الكيانات الإدارية، بكل مستوياتها، فقد غدا تنظيما بلا فائدة، ولا هم له إلا جلب المحن على أتباعه.
وهذه الدعوة ليست وليدة اليوم فقط، بل هي وليدة سنوات مضت، ولأن من تصدر عنهم هذه الدعوات ليسوا على مزاج واحد، وليسوا في مستوى واحد من الفكر، أو الحرص الحقيقي على الجماعة، فحتى يمكننا أن نقيم هذه الدعوات من حيث جديتها، أو من حيث سوء نوايا من أطلقوها، ينبغي أن نقف عدة وقفات.
أفكار سابقة لمفكرين كبار بالتحول لتيار
الوقفة الأولى: حول تصنيفات من يطلقون هذه الدعوات، فمنهم صاحب العطاء الفكري، والمهموم بهموم العمل الإسلامي، ولذا فهي تنبع من شخص انقدح زناد فكره للبحث عن طريقة أفضل تعمل به الجماعة، سواء صحت فكرته أم لم تصح؟ وسواء ناسبت الجماعة أم لم تناسبها، ولدينا في هذا السياق عدة أشخاص لا يمكن لشخص أن يشكك في نواياهم، فكروا في تحويل الإخوان من تنظيم لتيار.
كان أول من فكر في هذا الاتجاه الأستاذ محمود عبد الحليم، صاحب كتاب: (الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ) والذي صدر في ثلاث مجلدات كبار، وهو يعد من أهم الكتب التي عنيت بتاريخ الإخوان حتى خمسينيات القرن العشرين، فقد كان يرى أن الأفضل للإخوان أن يعملوا بعد خروجهم من السجون في عهد السادات، على أن ينشئوا دارا للنشر، ومؤسسات فكرية، ويهتموا بهذا الجانب. وقد كانت فكرة شيخنا العلامة القرضاوي، فقد كنت أناقشه في مرحلة ما بعد خروج الإخوان من سجون السادات، فقال: كنت أرى أن الأفضل أن يتحول الإخوان لتيار كبير واسع، لا يصنف، ولا يميز بتنظيم معين، ولكنه لم يين كيفية تحول التنظيم لتيار حسبما تراءى له.
تجربة الحل في قطر
ثم نفذت الفكرة بالفعل في بلد عربي، لم يكن من البلاد المركزية في تنظيم الإخوان، حيث تم حل التنظيم في قطر، في سنة 2003م على ما أذكر، وإن نسبت الفعل لشخص واحد هو الدكتور جاسم سلطان، وظل حتى اليوم ينسب إليه، والرجل لم يتخذ القرار وحده، وهو قرار لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض، ويحتاج إلى بيان تفصيلي، بعد مرور ما يزيد عن عشرين عاما، وكنت قابلته وقابلت عددا ممن شاركوا في القرار، ولم يقبلوا بإعطائي التفاصيل، وكل ما سمحوا به وقتها أنه يمكنهم أن يعطوني المعايير التي حكموها في اتخاذ القرار، ولم أجد أي نفع من طلب ذلك، إذ ماذا يفيدني معايير، دون المعلومات التي طبقت عليها المعايير؟!
من يقرر حل التنظيم أو بقاؤه، هم الإخوان أنفسهم، ولن يكون ذلك بقرار من مفكر أو كاتب، أو باحث، أو مباحث، بل لو أن مرشد الإخوان خرج وقرر حل التنظيم، دون موافقة القواعد، فلن يكون قراره مجد، أو فعال، فالتنظيم ليس ملكا لمسؤول حالي أو سابق، بل صار فكرة امتلكتها فئات مختلفة ثم كتب تأييدا للفكرة بعد ثلاث سنوات، الدكتور عبد الله النفيسي، حيث كتب دراسة نشرها في مجلة (المنار الجديد)، بعنوان: الحالة الإسلامية في قطر، وكتب مؤيدا فكرة حل التنظيم، وقد رددت عليه وقتها بمقال في موقع (المصريون)، حيث لم سمع من طرف واحد، وهو من قام بالحل، ولم يسمع للطرف الآخر، الذي بقي، بغض النظر عن صحة ما ذهب إليه، أو لا.
تلك الطروحات التي تطرح كل فترة، من ذوي أقلام وأفهام مخلصة، لا يشكك أحد في حبها للعمل الإسلامي، وترشيده، لكن هناك فئات أخرى، تطلق الكلمة، من واقع شخصنة بحت، فهم لهم مواقف شخصية مع قيادات إخوانية، سواء كانوا أصحاب حق في هذه المواقف، أم خرجوا من التنظيم لفقدانهم مصالحهم، أو انكشفت سوءات بعضهم في مواقف معينة، فراح يلقي الكلام بمناسبة وبدون مناسبة، عن ضرورة حل التنظيم لأنه تنظيم انتهت صلاحيته، بينما ترى خطابهم للمستبدين والظلمة وفسدة الأنظمة خطاب الاعتراف بسلطاتهم!!
حجج حل التنظيم
مسألة حل التنظيم، وتحويله لتيار، أو تغيير رؤاه ووسائله، مسألة جديرة بالتفكير الجاد، لكن بعيدا عن الهوس الذي لدى البعض، لكن السؤال الأهم: هل بالفعل الإخوان تحتاج لحل تنظيمها؟ ما العلة والحجة؟ إن الحجة الأبرز التي يبرزها أصحاب هذا الطرح، هو: أن التنظيم بات بعبعا للعرب والغرب، وبات مطاردا من كل الأنظمة، وهي مسألة يرد عليها واقع نعيشه، فأي الجماعتين كانت أولى بالتغيير وعدم القبول: الجماعات الجهادية التي حملت السلاح، وصفنت منظمات إرهابية على مستوى العالم، وكان من هؤلاء: أحمد الشرع، الرئيس السوري، والذي تحول في خلال بضع شهور إلى مسؤول يقابله أكبر رؤساء العالم، وإسقاط ما عليه من تهم، وعلى من معه؟ فهل هذا هو النظام العالمي الذي سنحتكم إليه لبقاء تنظيم الإخوان أو حله؟!
ولو رحنا نسرد حجج هؤلاء حجة وراء الأخرى، سنجد الردود من الواقع حاضرة بشكل مربك، بل إن الشرع نفسه ترك خطه، وجاء لخط الإخوان، الذين يطالبهم البعض بحل تنظيمهم، فهل المطلوب إقصاء التيار الإسلامي الوسطي، لأنه أقدر على المنافسة، وأقدر على الوصول للمجتمع؟ أم ماذا؟
من يقرر حل التنظيم؟
من يقرر حل التنظيم أو بقاؤه، هم الإخوان أنفسهم، ولن يكون ذلك بقرار من مفكر أو كاتب، أو باحث، أو مباحث، بل لو أن مرشد الإخوان خرج وقرر حل التنظيم، دون موافقة القواعد، فلن يكون قراره مجد، أو فعال، فالتنظيم ليس ملكا لمسؤول حالي أو سابق، بل صار فكرة امتلكتها فئات مختلفة، من قيادات كبرى، لوسطى، لقواعد تمثل جمعية عمومية، وفي كل قطر له ظروفه وملابساته، وبخاصة في ظل انقسامات الإخوان، لو قرر فصيل منهم الحل، ستخرج فصائل أخرى ترفضه، فالأجدى والأهم الآن تفكير الإخوان ودوائرهم القريبة، المهتمة بهم، التفكير في تطوير الجماعة، فكرا، ولوائح، ومشاريع، وعلاقات.
[email protected]