في حلقة جديدة من سلسلة شهادته التي خصّ بها صحيفة "عربي21"، يواصل المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، المحامي علي صدر الدين البيانوني، رواية فصول من أخطر محطات العمل الإسلامي والمعارض في تاريخ سورية الحديث.

في هذه الحلقة، يكشف البيانوني تفاصيل دقيقة عن توحيد جماعة الإخوان المسلمين مع جناح الأستاذ عصام العطار والطليعة المقاتلة، وهو حدث مفصلي مهّد لتحولات كبيرة في مسار الجماعة.

كما يتوقف عند معركة حماة الكبرى عام 1982، تلك اللحظة الدامية التي شهدت أعنف مواجهة بين النظام السوري والجماعة، وانتهت بكارثة إنسانية ودمار شامل للمدينة، سُجلت في التاريخ بوصفها واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين السوريين.

في سرده، يُبرز البيانوني كواليس القرارات المصيرية، والخيارات الصعبة التي واجهتها القيادة في الخارج، في ظل تزايد الضغط الأمني، وتشتت فصائل المعارضة، وتخاذل الموقف الدولي.

12 ـ توحّد الجماعة مع جناح الأستاذ عصام العطار والطليعة:

في أوائل السبعينيات، حصل انشقاق في الجماعة، بسبب الخلاف حول ضرورة وجود المراقب العام للجماعة داخل سورية، بينما كان الأستاذ عصام العطار يقيم في ألمانيا، فتدخّل بعض الإخوان من غير السوريين، وأجروا انتخابات عامة تحت إشرافهم، فاز فيها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، بينما لم يقبل طرف الأستاذ عصام بنتائجها، مما أدّى إلى انقسام الجماعة إلى فريقين: أحدهما يقوده الأستاذ عصام العطار المقيم في ألمانيا، وعُرف باسم طرف دمشق، حيث كان يتركّز معظم أتباعه، والآخر على رأسه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وبعده الأستاذ عدنان سعد الدين، وعُرف باسم طرف حلب، حيث كان يتركّز معظم أتباعه، بينما توزّع الإخوان في المدن الأخرى بين الطرفين بنسبٍ متفاوتة.

كما أن عدم الوصول إلى تفاهم واتفاق مع الطليعة - كما أشرتُ قبل قليل، أدّى إلى استمرار كل فريق في العمل مستقلاً.

وكان واضحا خلال عام 1980 أن المنحنى البياني للثورة لم يكن صاعداً، وأن الموقف الدولي ليس مشجعاً، وأن حملات البطش والتنكيل والقتل والاعتقال أضعفت مسارات الثورة، وأضعفت دور مؤيديها. واضطرت العديد من قادة الطليعة على الأرض، إلى مغادرة مواقعهم عبر المعابر الحدودية المتاحة، والالتحاق بدول الجوار..

مع بداية شهر شباط 1982، بدأت الأخبار تأتي من حماة من خلال المسافرين، تصف المعارك والقصف الشديد على المدينة، والفظائع التي ترتكبها قوات النظام. وأعلنت الجماعة النفير العام، وبدأ الإخوان يتوافدون إلى المعسكر في بغداد، استعداداً للتدخّل لإنقاذ المدينة، إذا أتيحت الفرصة، لكن بعض العقلاء في الجماعة، تدخّلوا لوقف هذه العملية التي كان محكوماً عليها بالفشل، والتسبب في مقتل المتدخّلين، دون جدوى. وعاد الإخوان المتجمّعين في المعسكر، إلى أقطارهم التي قدموا منها.ولما كانت ظروف المعركة التي تخوضها الأطراف الثلاثة مع النظام، تستدعي التنسيق والتعاون، فقد نجحت مساعي بعض الإخوان من مختلف الأطراف، وفي مقدّمتهم الشيخ منير الغضبان رحمه الله، في الوصول إلى اتفاق في شهر آذار 1981، وحّد الأطراف الثلاثة في جماعة واحدة، بقيادة المراقب العام الدكتور حسن هويدي (من فريق الأستاذ عصام العطار)، وشكلت قيادة واحدة ضمّت أربعة ممثلين عن كل طرف. وبالمناسبة فقد تمت محاولة اغتيال الأخ الأستاذ عصام العطار في ألمانيا، في نفس الأسبوع الذي تمّ فيه توقيع الاتفاق، واستشهدت في المحاولة زوجته الأخت الفاضلة بنان الطنطاوي رحمها الله.

وقد أقرّ مجلس شورى الجماعة هذا الاتفاق بالإجماع، لكن عدنان عقلة لم يلبث أن انشقّ عن الجماعة، ثم تمّ استدراجه من قبل أجهزة الأمن إلى الداخل السوري، حيث اعتقل مع حوالي سبعين من شباب الطليعة، ثم أعدموا واستشهدوا جميعا، رحمهم الله.

13 ـ أحداث حماة الكبرى 1982

في أواخر عام 1981، وبداية عام 1982، ازداد الضغط والحصار على المقاتلين في مدينة حماة، ووصلت رسالة من المسئول عنهم إلى القيادة، تشير إلى صعوبة الوضع، وأنه ليس أمامهم إلاّ المواجهة، والدخول في معركة حاسمة مع قوات النظام. فكان جواب القيادة أن وضع المدن الأخرى لا يسمح بالمشاركة في مثل هذه المعركة، وأن عليهم الانسحاب من مواقعهم، وعدم الدخول في معركة مكشوفة، وأنّ بإمكان الملاحقين والمطلوبين التسلّل والخروج من المدينة، ومغادرة البلاد مؤقتاً، ريثما يعاد ترتيب الأوضاع. لكن عدنان عقلة كان قد دخل إلى حماة، قبل شهر واحد، ووعدهم بالدعم والإمداد، وعلمنا أنه أرسل إليهم عبر الإذاعة إشارة تؤكد جاهزيته لمساندتهم.

ومع بداية شهر شباط 1982، بدأت الأخبار تأتي من حماة من خلال المسافرين، تصف المعارك والقصف الشديد على المدينة، والفظائع التي ترتكبها قوات النظام. وأعلنت الجماعة النفير العام، وبدأ الإخوان يتوافدون إلى المعسكر في بغداد، استعداداً للتدخّل لإنقاذ المدينة، إذا أتيحت الفرصة، لكن بعض العقلاء في الجماعة، تدخّلوا لوقف هذه العملية التي كان محكوماً عليها بالفشل، والتسبب في مقتل المتدخّلين، دون جدوى. وعاد الإخوان المتجمّعين في المعسكر، إلى أقطارهم التي قدموا منها.

لقد تسبّب القرار المرتجل في استنفار الإخوان، وتجميعهم في المعسكر، للتدخّل لإنقاذ مدينة حماة، في ظروفٍ لا تسمح بمثل هذا التدخّل، بل كان سيؤدّي ـ لو تمّ ـ إلى نتائج كارثية، ثم إيقاف عملية التدخّل.. لقد تسبّب كلّ ذلك بخيبة أملٍ كبيرة، وكان له انعكاسات سلبية على الصف الداخلي، امتدّت آثارها لعدّة سنوات، انتهت بانقسام الجماعة في عام 1986، لا سيما بعد أن تبيّن أن قوات النظام قامت بتدمير معظم أحياء المدينة، وقتل عشرات الآلاف من سكانها، وارتكاب أفظع الجرائم بحق سكان المدينة، وتهجير عشرات الآلاف منهم.. دون أن تتمكن الجماعة من تقديم أيّ مساعدة لوقف هذه المجزرة، أو التخفيف من معاناة سكان المدينة..

14 ـ التحالف الوطني لتحرير سورية:

كانت جماعة الإخوان المسلمين تدرك أنها لا يمكن أن تنفرد بقيادة الثورة، وأنه لا بدّ من التوافق على هيئة وطنية جامعة لكل قوى المعارضة السورية، تعبّر عن تطلّعات الشعب السوري بكلّ شرائحه ومكوّناته.

وكانت العراق والأردن تشكلان حزاماً عربياً مؤيداً لثورة الشعب السوري، وقد اجتمع فيهما نخبة من القيادات الوطنية السورية، من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، المهجّرة بفعل الملاحقات والتصفيات ومختلف وسائل القمع الأسدي..

لقد تسبّب القرار المرتجل في استنفار الإخوان، وتجميعهم في المعسكر، للتدخّل لإنقاذ مدينة حماة، في ظروفٍ لا تسمح بمثل هذا التدخّل، بل كان سيؤدّي ـ لو تمّ ـ إلى نتائج كارثية، ثم إيقاف عملية التدخّل.. لقد تسبّب كلّ ذلك بخيبة أملٍ كبيرة، وكان له انعكاسات سلبية على الصف الداخلي، امتدّت آثارها لعدّة سنوات، انتهت بانقسام الجماعة في عام 1986وقد شهدت الأشهر الأخيرة من عام 1981، والأشهر الأولى من عام 1982، لقاءات سياسية، وحوارات بين شخصيات معارضة إسلامية ويسارية وقومية وبعثية.. انتهت إلى الاتفاق على إعلان تشكيل (التحالف الوطني لتحرير سورية) في شهر آذار 1982، وتمّ التوافق على ميثاق وطني له، وتحوّل إلى مؤسّسة وطنية. وقد دعمت الحكومة العراقية تشكيل هذا التحالف، الذي كان مقرّه بغداد. وقام بعقد مؤتمرات وأنشطة سياسية وإعلامية في بعض الدول الأوروبية، وكانت الجماعة طرفاً وطنياً فاعلاً ومؤثّراً فيه. كما كان أول تحالف تلتقي فيه هذه القوى السياسية المختلفة، وشكّل تجربة وطنية ناجحة ومستقرّة.

كان من هذه القوى التي شكّلت التحالف: حزب البعث العربي الاشتراكي (جناح القيادة القومية)، وعلى رأسهم الأستاذ شبلي العيسمي الذي اختطفه نظام بشار الأسد من لبنان، مع بداية الثورة السورية الحالية، ومن ورائه الأستاذ ميشيل عفلق، مؤسّس حزب البعث، والرئيس الأسبق أمين الحافظ الذي دخل التحالف كشخصية مستقلة، وأكرم الحوراني عن الحزب العربي الاشتراكي، واللواء محمد الجراح وزير الداخلية السوري الأسبق، من الاتحاد الاشتراكي.. وغيرهم.

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ "عربي21".. هذه بدايتي

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي تفاصيل تجربته في سجون الأسد

إقرأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي شهادته.. من سجون الأسد إلى مفاوضات الطليعة


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير سورية تاريخ سورية تاريخ اخوان سيرة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات النظام فی المعسکر التدخ ل

إقرأ أيضاً:

بحضور قيادات الأزهر والأوقاف.. إعلام الفيوم يناقش الخطاب الديني ومعركة الوعي

نظم مركز إعلام الفيوم لقاءً إعلاميًا موسعًا تحت عنوان "الخطاب الديني ومعركة الوعي"، وذلك بقاعة مسجد ناصر بمدينة الفيوم، تحت رعاية الدكتور ضياء رشوان، رئيس الهيئة، وبإشراف الدكتور أحمد يحيى، رئيس القطاع.

شارك في اللقاء عدد من القيادات الدينية والأكاديمية البارزة، من بينهم الشيخ سلامة عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف، والشيخ محمود حسانين، رئيس الإدارة المركزية لمنطقة الفيوم الأزهرية، والدكتور سعيد قرني، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، والشيخ محمود عبد الستار، مدير عام الدعوة بالأزهر، والشيخ يحيى محمد، مدير عام الدعوة بالأوقاف، والدكتور خالد دياب، مدير إدارة التعليم النوعي بالأزهر، بالإضافة إلى الأستاذة سهام مصطفى، مدير مركز إعلام الفيوم، والأستاذة مروة إيهاب أبو صميدة، مسئول إعلام أول بالمركز، إلى جانب لفيف من الأئمة والدعاة والوعاظ.

في كلمتها الافتتاحية، أكدت سهام مصطفى أن هذا اللقاء يأتي في توقيت حساس، ضمن جهود الدولة المصرية لترسيخ الاستقرار الفكري والديني وبناء وعي مجتمعي متزن يواجه الفكر المتطرف، مشيرةً إلى أن الوعي هو حجر الأساس لبناء عقول ناضجة قادرة على قيادة الوطن نحو مستقبل أفضل وتحقيق التنمية الشاملة.

وأشار الشيخ سلامة عبد الرازق إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف لنشر الفكر الوسطي وتعزيز قيم التسامح عبر خطاب ديني مستنير، مؤكدًا أهمية تطوير برامج تأهيل الأئمة والدعاة علميًا وثقافيًا لمواجهة تحديات العصر، واصفًا الخطاب الديني بأنه لغة القلوب وأداة فعالة للتواصل بين الشعوب.

من جهته، شدد الشيخ محمود حسانين على ضرورة تحديث آليات الخطاب الديني وتوظيف التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى شرائح أوسع من الجمهور، مع التأكيد على تعزيز الشراكة بين المؤسسات الدينية في مواجهة الانحرافات الفكرية ونشر الوعي الحقيقي.

أما الدكتور سعيد قرني، فقد أوضح أن الوعي يعني سلامة الفهم والإدراك، مشيرًا إلى أن معركة اليوم ليست عسكرية بل فكرية تستهدف عقول الشباب، وهو ما يتطلب تجديد الخطاب الديني وفق ضوابط شرعية تراعي المتغيرات، مع التركيز على دور الأزهر كمؤسسة عريقة تمتلك مناهج علمية قائمة على الوسطية واعتدال الفكر.

وفي السياق ذاته، أكد الشيخ يحيى محمد على أهمية أن يكون الداعية نموذجًا وقدوة، يجمع بين العلم والانضباط الشرعي والأسلوب الحكيم في الدعوة، بعيدًا عن الغلو أو التساهل، وأن يتسم بالإخلاص والصبر في مواجهة العقبات.

وأضاف الدكتور خالد دياب أن الخطاب الإسلامي الأصيل يقوم على التيسير لا التعسير، ويهدف إلى التبشير لا التنفير، مشيرًا إلى ضرورة تنويع الخطاب حسب الفئة المستهدفة، دون تعميم أو انغلاق.

وفي ختام اللقاء، شددت الأستاذة مروة إيهاب أبو صميدة على أن قضية الوعي أصبحت من أهم قضايا المرحلة في ظل التحديات المعاصرة، مؤكدة أن الأئمة والدعاة يمثلون حلقة وصل مباشرة مع الجمهور، ما يعزز دورهم في تشكيل وعي مجتمعي سليم قائم على القيم والمبادئ الأصيلة.

واتفق الحاضرون على أهمية تطوير المناهج الدراسية لتواكب متغيرات الواقع، والدعوة إلى قيام العلماء بتصحيح المفاهيم المغلوطة والرد على القراءات المنحرفة للنصوص الدينية، مؤكدين أن معركة الوعي لا يمكن كسبها إلا بتضافر جهود جميع المؤسسات السياسية والدينية والتعليمية والإعلامية.

مقالات مشابهة

  • ماهر فرغلى: الإخوان في فرنسا يسيطرون على 240 مسجدا
  • أمير منطقة المدينة المنورة يزور ميقات ذي الحليفة ويتفقد أعمال المرحلة الأولى من مشروع التطوير والتأهيل التي يشهدها المسجد
  • بحضور قيادات الأزهر والأوقاف.. إعلام الفيوم يناقش الخطاب الديني ومعركة الوعي
  • فرنسا: تقرير رسمي يحذّر من تأثير جماعة الإخوان المسلمين على "التماسك الوطني" في البلاد
  • المنفي: يجب توحيد الصف الداخلي وتجنيب المدينة الصراع المُسلح 
  • تأجيل أولى جلسات محاكمة 11 متهما بتهريب عناصر الإخوان للخارج
  • تقرير حكومي فرنسي: جماعة الإخوان متغلغلة في مفاصل الدولة
  • محافظ الغربية ورئيس جامعة الأزهر يشهدان الندوة الدولية بكلية أصول الدين بطنطا
  • بحضور محافظ الغربية.. انطلاق فعاليات ندوة «تعزيز التواصل الأسري وتنظيم الأسرة برؤية إسلامية وسطية» بـ «أصول الدين»