رؤية "عُمان 2040" نموذجًا

د. إبراهيم بن عبدالله الرحبي **

[email protected]

رابعًا: مرتكز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

استعرضنا في المقالات الخمسة السابقة أهمية اقتصاد المعرفة والمرتكزات الثلاثة الداعمة لاقتصاد معرفي مستدام. وسوف نوضح في هذا المقال أهمية تكامل المرتكز الرابع والأخير مع المرتكزات الثلاثة السابقة ضمن ممكنات التحول إلى اقتصاد المعرفة والمتعلق بتكنلوجيا المعلومات والاتصالات.

ويعد وجود بنية أساسية حديثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، توفر خدمة الاتصال، ونشر المعلومات ومعالجتها على نحو فعال، أداة أساسية في وضع استراتيجية الاقتصاد القائم على المعرفة. وتشتمل البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات سهولة التوصل للمعلومة الموثوقة، وكفاءة أجهزة الحاسب الآلي، وشبكات الاتصالات، التي تربط إيجابا إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها لتكوين معرفة جديدة أو مبتكرة ذات قيمة اقتصادية.

وتؤكد الشواهد أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كونها المسؤولة عن الزيادة الكبيرة في الإنتاجية ونمو الإنتاج في الإقتصاديات الحديثة. فعلى سبيل المثال، ارتفاع مساهمة استثمارات منظمة التعاون والتنمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في زيادة النمو الاقتصادي لتبلغ 7 في المائة من متوسط ناتجها القومي الإجمالي. كما أن زيادة الاستثمار في القطاعات المنتجة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حقق تقدما جوهريا بهذه الدول، وحقق مكاسب كبيرة في عوامل الإنتاج الإجمالية لمعظم القطاعات الإقتصادية والتنموية على جميع المستويات. حيث أسهم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى التغلب على الحواجز الجغرافية لتبادل المعلومات، والحد من انعدام الثقة، وخفض تكاليف المعاملات، وزيادة القدرة التنافسية عبر الحدود، وقد أدى ذلك كله إلى إيجاد ميزة تنافسية كبيرة للصناعات في هذه الدول.

وتكشف المفوضية الأوروبية لمجتمع المعلومات أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تمثل دوافع قوية نحو تحقيق النمو وإيجاد فرص العمل، حيث ساهمت بواقع 25 في المائة من نمو الناتج القومي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي و40٪ من نمو القطاعات الإنتاجية المتصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتشير تقديرات منظمة التعاون والتنمية إلى أن أكثر من 60 في المائة من الإنتاج في هذه البلدان ينتجه العاملون في مجال المهارات المعرفية كالمهندسين والأطباء والتخصصيين، الذين يستخدمون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على نحو رئيس. وتشير التقديرات كذلك إلى أن 8 من كل 10 فرص عمل جديدة في بلدان منظمة التعاون والتنمية كان من نصيب عمال المهارات المعرفية. وبالتالي أصبح تكوين الثروة أكثر ارتباطا بقدرة البلدان على إيجاد القيمة المضافة عن طريق استخدام منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدماتها. وتدعم هذا الرأي أيضا دراسة أخرى أجريت بالولايات المتحدة تظهر أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات له أثر مضاعف في الاقتصاد الكلي بالمقارنة بالصناعات التحويلية. وتكشف هذه الدراسة تأثير منتج البرمجيات مايكروسوفت على الاقتصاد المحلي في ولاية واشنطن، إذ أن كل وظيفة إضافية في مايكروسوفت أوجدت ما متوسطه 6,7 وظيفة جديدة، في حين أن الوظيفة الواحدة في شركة بوينغ خلقت 3,8 وظيفة إضافية فقط.

ويقودنا الانتشار والتقدم المتسارع  في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى القول إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أضحت مرتكزا ضروريا من مرتكزات البناء الجوهري في التنمية الاقتصادية المستدامة، وتساهم إلى حد كبير في التحولات الأساسية في أي مجتمع حديث. حيث لم يعد العالم الذي نعرفه اليوم ذاته قبل سنوات عدة فهو يتغير باستمرار، الأمر الذي أدى بدوره إلى حدوث تغيرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وخلق بالتالي أنشطة اقتصادية جديدة في غاية الأهمية فيما صار يدعى بالاقتصاد الرقمي.

 ويُعرِّف البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي هذا الاقتصاد الجديد بأنَّه عبارة عن منظومة اقتصادية ممكنة بالاتصالات والتقنيات الحديثة لخفض التكاليف وتحسين العمليات ونمو الأعمال وتحسين جودة الخدمات والمنتجات وترتكز على الحكومة الذكية والمجتمع الرقمي وحوسبة الأعمال وهو أحد المكونات الرئيسة للاقتصاد المبني على المعرفة. وللدلالة على هذه الأهمية ما تظهره البيانات العالمية التي تقدر قيمة الاقتصاد الرقمي عالميًا بأكثر من 11 تريلون دولار ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 23 تريليون دولار بحلول عام 2025 ليشكل 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

لقد واكبت سلطنة عُمان التحولات الجوهرية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ أكثر من عشرين عاما عندما اعتمدت إستراتيجية الاقتصاد الرقمي من خلال عُمان الرقمية في عام 2003، مرورا بالإستراتيجية الوطنية للنطاق العريض في عام 2014، وصولا إلى الإستراتيجية الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات في عام 2017، والتي تعتبر المكون الرئيس للاقتصاد الرقمي بالسلطنة. حيث تسعى سلطنة عُمان من خلال ذلك إلى تحقيق عدة أهداف من شأنها المساهمة في بناء وتطوير اقتصاد رقمي مزدهر عبر مستهدفات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد المتصلة برؤية "عُمان 2040"، كالخطة التنفيذية للتجارة الإلكترونية والبرنامج التنفيذي للتحول الرقمي الحكومي وحوسبة الأعمال التجارية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء أملا بخلق صناعة تقنية مستقلة.

واعتمادًا على البيانات عن عام 2016، يمكننا القول إن الاقتصاد الرقمي في سلطنة عُمان يعد واعدًا إذا ما تهيأت له وسائل التمكين اللازمة ضمن مرتكزات اقتصاد المعرفة؛ حيث يمثل حاليا 2% من الناتج المحلي، بينما تصل هذه النسبة في المتوسط العالمي بين 5 إلى 15% اعتمادا على تقدم الدولة في هذا المرتكز.

كما إن اعتماد البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي ضمن رؤية عُمان 2040 سوف يكون بلا شك نقطة تحول داعمة وإيجابية في هذا الصدد؛ حيث السعي من كون التقنية عامل ممكن للقطاعات الاقتصادية لتصبح صناعة مستقلة بحلول عام 2040، خاصة وأن مؤشرات تقنية المعلومات والاتصالات المتصلة بمستهدفات رؤية "عُمان 2040" من قبيل جاهزية الشبكات، وجاهزية محركات الإنتاج، وتطوير الحكومة الإلكترونية تعتبر من بين أفضل 40 دولة على مستوى العالم.

لكن يبقى الطموح للوصول إلى مستهدفات عام 2040 لتكون سلطنة عُمان من بين أفضل 10 على مستوى العالم في مجمل مؤشرات هذا المرتكز ورفع مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي إلى 10%، تحد ليس من السهل تحقيقه في ظل قلة الموارد المالية المستثمرة في هذا القطاع،  والطبيعة الجغرافية للسلطنة، وضعف استخدام الفرد للتقنية، وقلة الكفاءة والمهارات التخصصية، وثقافة العمل الحالية ومقاومة التغيير التي يستدعي تخطيها إصلاح هيكلي في مجال تنمية الموارد البشرية، وإعادة تنظيم هيكلة الإدارة، وإجراء إصلاحات تشريعية متطورة ومستجيبة لهذا التحول الرقمي. كما يستوجب ذلك إشراك ودعم كافة القطاعات الاقتصادية بشكل تكاملي وعادل ومتوازن أسوة بما يحظى به القطاع الحكومي من اهتمام ودعم لتحقيق المستهدفات المطلوبة.

** متخصص في اقتصاد المعرفة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: تکنولوجیا المعلومات والاتصالات الاقتصاد الرقمی اقتصاد المعرفة فی هذا

إقرأ أيضاً:

الثامن عالميا.. اقتصاد تكساس قوة ظاهرية تُخفي فقرًا وهشاشة

في مفارقة لافتة، كشفت مقالة رأي نُشرت في بلومبيرغ، أن اقتصاد ولاية تكساس، الذي يُصنّف كثامن أكبر اقتصاد في العالم ويتأهب لتجاوز فرنسا، يُعاني من فجوة داخلية كبيرة في أرقامه الكلية البراقة ومستوى معيشة سكانه.

فرغم تسجيل نمو في الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض نسبي في معدلات البطالة مقارنة بولايات أميركية أخرى، فإن تقرير الكاتبة والخبيرة الاقتصادية كاثرين آن إدواردز، أشار إلى أن تكساس تُعد الولاية "الأكثر معاناة ماليًا" بين الأميركيين، وفقًا لتصنيف صادر عن موقع "واليت هَب" المختص في الشؤون المالية الشخصية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2احتدام الخلاف بين الولاية وإدارة بايدن.. ماذا تعرف عن اقتصاد تكساس؟list 2 of 222 مليار دولار خسائر اقتصادية متوقعة للسيول في تكساسend of listأرقام النمو لا تُخفي الفقر الهيكلي

وبحسب بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، بلغ متوسط دخل الفرد في تكساس عام 2024 نحو 68 ألف دولار، أي أقل من المعدل الوطني، وأدنى من نظيراتها في "الست الكبرى"، وهي الولايات التي تتجاوز اقتصاداتها تريليون دولار، وتشمل كاليفورنيا، ونيويورك، وإلينوي، وبنسلفانيا، وفلوريدا.

وباستثناء فلوريدا، تبقى تكساس في ذيل الترتيب حتى بعد تعديل الأرقام وفق فروق كلفة المعيشة.

معدلات الفقر المرتفعة في المدن الكبرى تُناقض الصورة النمطية عن ازدهار اقتصاد تكساس (رويترز)

ورغم هذا الأداء الاقتصادي الظاهري القوي، تحل تكساس في المرتبة الأخيرة من حيث أمن الدخل والصحة المالية للأسر، إذ تسجل أعلى نسب عدم تأمين صحي على مستوى الأطفال (11.9%)، وكذلك أعلى نسب لدى البالغين وكبار السن، وفقًا لمجلس الاحتياطي الفدرالي في دالاس، الذي أشار إلى "هشاشة داخلية" تخترق بنية اقتصاد تكساس.

وتنعكس هذه الهشاشة في مؤشرات الفقر أيضًا، حيث تبلغ نسبة السكان تحت خط الفقر 13.7%، مقارنة بـ12.5% للمعدل الوطني.

ورغم أن الفارق يبدو طفيفًا، إلا أنه يعني فعليًا وجود 5 ملايين أميركي إضافي في دائرة الفقر لو عمّمت النسبة التكساسية على البلاد، حسب تحليل بلومبيرغ.

مدن كبرى فقيرة في ولاية غنية

ويبرز التفاوت بشكل صارخ في المناطق الحضرية؛ إذ تُسجّل مدينة هيوستن أعلى معدل للفقر بين المدن الأميركية، تليها ديترويت وسان أنطونيو، وكلتاهما تقعان في تكساس، رغم النمو السكاني والاقتصادي اللافت في الولاية.

إعلان

وتصف بلومبيرغ هذه الظاهرة بـ"المعجزة الاقتصادية المشوّهة"، إذ تتوسع المدن في البنية التحتية والطلب، بينما يتدهور الأمن المعيشي لسكانها.

وأوضحت الكاتبة إدواردز، المقيمة في تكساس، أن هذه المؤشرات "لم تكن مفاجِئة"، مؤكدة أن الأرقام الكلية تُخفي واقعًا يوميًا من الديون، ونقص التأمين الصحي، والأجور غير الكافية، التي لا تُواكب متطلبات المعيشة الحضرية.

دعم حكومي متدنٍ وخسارة في الأموال الفدرالية

وتحتل تكساس المرتبة 46 في نسبة الاستفادة من برنامج المساعدات الغذائية، حيث لا يتلقى سوى 74% من المستحقين هذه المساعدات، مقابل متوسط وطني يبلغ 88%، وتقترب فيه ولايات مثل بنسلفانيا وإلينوي من نسبة 100%.

توسع اقتصاد تكساس لم يُترجم إلى دخل كافٍ أو أمان مالي لغالبية السكان (رويترز)

وترى بلومبيرغ أن هذا القصور يُعد "خسارة مزدوجة"، لأنه يُبقي فئات واسعة في حالة هشاشة، ويُفقد اقتصاد تكساس مئات الملايين من الدولارات الفدرالية القابلة للضخ محليًا.

اقتصاد متنوع.. لكنه ليس للجميع

منذ الثمانينيات، خضعت تكساس لتحوّل جذري من اقتصاد يعتمد على النفط والغاز إلى منظومة متنوعة تشمل الصناعة، والخدمات، والصادرات التكنولوجية. وقد اجتذبت الولاية شركات كبرى، واستفادت من موجة الهجرة الداخلية خلال جائحة كورونا، لتُسجل ثاني أعلى معدلات استقطاب سكاني بعد فلوريدا.

لكن، كما تُشير بلومبيرغ، فإن "النجاح الظاهري يمنع أحيانًا التقييم الذاتي الصادق". فالقادة السياسيون في الولاية -بحسب المقال- منشغلون بتصدير صورة "تكساس الأقوى اقتصاديًا"، من دون معالجة التحديات البنيوية مثل الفقر، ضعف التأمين الصحي، وتفاوت الدخل.

وترى الكاتبة أن "النمو لا يكفي"، وأن تحقيق لقب "أقوى اقتصاد ولاية في أميركا" يتطلب مقاربة أكثر شمولية، تُعيد توزيع ثمار النمو بعدالة، وتحمي السكان من الدورات الاقتصادية المتقلبة كما حدث في انهيار أسعار النفط سابقًا.

 

 أرقام أخرى عن اقتصاد تكساس يبلغ حجم اقتصاد ولاية تكساس 2.4 تريليون دولار لتحتل المرتبة الثامنة عالميا وتتفوق على روسيا وكندا وإيطاليا تستأثر وحدها بـ9% من الناتج المحلي الأميركي تحظى بنسبة 22% من الصادرات الأميركية أكثر الولايات الأميركية تصديرا لمدة 21 سنة استأثرت تكساس بحصة 42.6% من النفط الأميركي خلال السنة الماضية وهو النصيب الأعلى بين الولايات، بحسب مجلة فوربس الأميركية بلغ إنتاج الولاية اليومي 5.41 ملايين برميل خلال السنة الماضية 99.8% من الشركات في تكساس صغيرة، وتوظف 3.1 ملايين شركة ما يقرب من نصف جميع العاملين في تكساس تتصدر الولايات الأميركية في وظائف الخدمات المالية والهندسة الكيميائية تنتج تكساس 9% من جميع السلع المصنعة في الولايات المتحدة للولاية 26 مطارا تجاريا، و19 ميناء بحريًا.367 ميلًا طول سواحل الولاية

مقالات مشابهة

  • الثامن عالميا.. اقتصاد تكساس قوة ظاهرية تُخفي فقرًا وهشاشة
  • هواوي كلاود تقود التحول الرقمي في شمال افريقيا عبر حلول الذكاء الاصطناعي الشامل
  • رئيس جامعة الأزهر: التعليم الجيد ينتج المعرفة ويوفر الغذاء والدواء
  • الصليب الأحمر يصل إلى السويداء ويدعو إلى استجابة إنسانية مستدامة
  • لجنة بالصليب الأحمر تصل السويداء وتدعو إلى استجابة إنسانية مستدامة
  • نائب رئيس الوزراء وزير النقل والاتصالات في الكونغو الديمقراطية يجتمع مع القائم بالأعمال القطري
  • كلية TETR تدفع نحو اقتصاد المعرفة
  • أورنج الأردن وGIZ تقدمان برنامجاً متخصصاً لتعزيز المعرفة المالية لدى الشركات الناشئة
  • جهاز تنمية المشروعات: التحول الرقمي يسهل التمويل ويعزز الشمول المالي
  • «مسار».. تكنولوجيا بأيادٍ إماراتية