العقيدة الأمنية الروسية تتغير... ماذا عن النووي؟

أكد بوتين أن روسيا ليس لديها خطط لتغيير عقيدتها النووية وهي السياسة التي تحدد الظروف التي قد تستخدم فيها قواتها الأسلحة النووية.

شدد بوتين على أن وجود الدولة الروسية ليس مهدَّداً حالياً، ولن يفكر "أي شخص سليم العقل ولديه ذاكرة واضحة" في توجيه ضربة نووية ضدها.

أدّت الظروف المحيطة بروسيا إلى فهم جديد للتهديدات لأمنها، وخصوصاً ما حدث في أوكرانيا، من تحولات سياسية وضمّ القرم ونشوب معارك الشرق الأوكراني.

انعكس الفشل في التوصل لتوافق حول المفهوم الأمني، على القدرة على صياغة العقيدة العسكرية، ومبادئ السياسة الخارجية، والتي من المنطقي أن تكون مبنية على التصور الأمني.

* * *

رغم كل التغييرات الجذرية، التي طرأت على استراتيجية الأمن القومي الروسية، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ولغاية انخراط روسيا في حرب أوكرانيا، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقائه الأخير في نادي فالداي في سوتشي، أن روسيا ليس لديها خطط لتغيير عقيدتها النووية.

وهي السياسة التي تحدد الظروف التي قد تستخدم فيها قواتها الأسلحة النووية، مؤكداً أن وجود الدولة الروسية ليس مهدَّداً حالياً، ولن يفكر "أي شخص سليم العقل ولديه ذاكرة واضحة" في توجيه ضربة نووية ضدها.

ورغم أن الروس لا يملكون في عقيدتهم الاستراتيجية مبدأ "الضربة الوقائية"، التي نجدها لدى الأميركيين، حتى في الاستخدامات النووية، فإن بوتين هدّد مراراً بالتخلي عن مبدأ "الضربة الانتقامية" الواردة في تلك العقيدة، والتي تتيح استخدام السلاح النووي فقط رداً على تهديد نووي، أو إطلاق صواريخ نووية في اتجاه روسيا، لكنها لا تستبعد الاستخدام الأول رداً على هجوم تقليدي يهدد وجود الدولة الروسية.

بدأت صياغة استراتيجية الأمن القومي الروسية (العلنية على الأقل) في أواخر الحقبة السوفياتية، لكنها لم تكتمل بسبب التغيرات السريعة في البيئة الدولية والتباين بين مجموعات الحكم بشأن مفهوم التهديدات والفرص وسواها ضمن المشهد العالمي المستجد.

وانعكس هذا الفشل في التوصل إلى توافق في الآراء، بشأن المفهوم الأمني، على القدرة على صياغة العقيدة العسكرية، ومبادئ السياسة الخارجية، والتي من المنطقي أن تكون مبنية على التصور الأمني.

بعد الاتحاد السوفياتي، حاولت روسيا الاتحادية أن تقدم استراتيجية واضحة للأمن القومي، فكانت الفترة التأسيسية الأولى (1991- 1993)، بحيث تمّ اعتماد أولى تلك الوثائق.

وتميّزت الفترة الثانية (1994-1999) بمحاولات لتحديد مفاهيم الأمن القومي بصورة أكثر دقة (من ناحية)، ووضع استراتيجية أمنية وطنية أكثر تماسكاً وتكاملاً (من ناحية أخرى)، انعكست في وثيقة الأمن القومي الاولى عام 1997.

وفي بداية عام 2000، تمّ التوقيع على مرسوم التعديلات على وثيقة عام 1997، من جانب فلاديمير بوتين، الذي كان في ذلك الوقت قائماً بأعمال رئيس الاتحاد الروسي.

وفي الفترة الثالثة (2001-2006)، أعادت روسيا تقويم استراتيجيتها للأمن القومي بعد أن تبدّلت النظرة الى التهديدات، وخصوصاً بعد حرب الشيشان الثانية، وتدخل الناتو عسكرياً في كوسوفو، وتوسيع الناتو شرقاً، والثورات الملونة في حديقتها الخلفية، والحروب في أفغانستان والعراق... إلخ.

ونتيجة لتلك التقويمات، أظهرت وثائق الفترة الرابعة (2007-2015) التشدد الروسي في الخارج "القريب" والخارج "البعيد"، وتنامى شعور القلق والعداء للناتو والولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من حصول بعض التقارب بين موسكو وواشنطن خلال فترة ميدفيديف وإعلان أوباما سياسة مغايرة بشأن روسيا، عنوانها "إعادة التشغيل" (reset).

وفي اجتماع لمجلس الدولة الروسي في أيلول/سبتمبر 2008، أعلن الرئيس الروسي آنذاك، ديمتري ميدفيديف، الحاجة إلى تطوير استراتيجية جديدة، في معرض مناقشة "الصراع في أوسيتيا الجنوبية". ونتيجة لذلك، تمت الموافقة، في أيار/مايو 2009، على استراتيجية الأمن القومي للاتحاد الروسي، والتي كان من المفترض أن تكون صالحة لغاية عام 2020.

أدّت الظروف المحيطة بروسيا إلى فهم جديد للتهديدات لأمنها، وخصوصاً ما حدث في أوكرانيا من تحولات سياسية وضمّ القرم ونشوب معارك الشرق الأوكراني، وانخراط الروس مباشرة في أوكرانيا. خلقت هذه الأحداث واقعاً جديداً تماماً، أدى أيضاً إلى توتر العلاقات بين روسيا والغرب، وهو ما انعكس في النهاية على اللهجة الصارمة تجاه الغرب في استراتيجية الأمن القومي، عام 2015.

في الفترة الخامسة (2014-2021)، تأثرت وثائق السياسة الروسية بالتطورات في أوكرانيا، والحرب في سوريا، والتصعيد الأوروبي والأميركي، وسباق التسلح وغيرها، الأمر الذي فرض مراجعة جدية وإعادة نظر في تصورات التهديدات والأولويات الإقليمية لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة.

وفي 2 حزيران/يونيو 2021، تمت الموافقة على استراتيجية الأمن القومي الجديدة للاتحاد الروسي. وعلى الرغم من أن أغلبية أدبيات الوثيقة هذه تطابقت مع وثيقة عام 2015، وخصوصاً بشأن العمل على تشكيل نظام متعدد الاقطاب، فإن وثيقة عام 2021 أتت خالية من أي ذكر للتعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وبمقارنة بين استراتيجية عام 2015 واستراتيجية عام 2021، نجد أن روسيا دعمت التعاون والمنفعة المتبادلة وبناء الشراكات مع الاوروبيين والولايات المتحدة الأميركية في الأولى، لكن هذه البنود اختفت كلياً من الوثيقة الثانية، بصورة أوحت في أن روسيا ليست مستعدة لتقديم أي تنازلات من أجل علاقات جيدة بالغرب.

وفي تلك الاستراتيجية الأخيرة (2021)، تمّ ذكر الشركات عبر الوطنية في سياق سلبي جداً في عدد من المجالات. فعلى سبيل المثال، هي متَّهَمة بتقييد دور الدولة (ص 3)، واحتكار الإنترنت (ص 19)، ومهاجمة القيم الروحية والأخلاقية والثقافية والتاريخية الروسية (ص37).

بناءً عليه، وبالعودة الى العقيدة النووية، وعلى الرغم من تأكيد بوتين أن ليس هناك أي خطط لتغيير العقيدة النووية في الوقت الحالي، فإن الانتشار النووي، الذي بدأته روسيا هذا العام بعد أن نشرت أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وهي المرة الأولى التي تنشر فيها روسيا أسلحة نووية خارج البلاد، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعد أن أعلن بوتين مراراً أن الروس قد يعمدون الى "تقليد" الولايات المتحدة في العقيدة النووية، يقف العالم على مفترق طرق، فإما تشهد البشرية صراعاً نووياً تُستخدم فيه الأسلحة النووية التكتيكية، وإمّا يكون كلام بوتين حافزاً على عودة العالم الى سياسة الردع النووي، وهي السياسة التي منعت حرباً مباشرة بين القطبين خلال الحرب الباردة، وهو السيناريو الأرجح حالياً.

*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المصدر | الميادين

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: روسيا بوتين أوكرانيا النووي الروسي حرب أوكرانيا الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي الدولة الروسی فی أوکرانیا أن روسیا

إقرأ أيضاً:

بوتين وترامب في محادثة تاريخية.. أمريكا توقف فرض عقوبات جديدة على روسيا

ذكرت الخدمة الصحفية للكرملين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتصل بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مركز “سيريوس” التعليمي في موسكو، وأجريا محادثة هاتفية استمرت أكثر من ساعتين تناولت عدة ملفات مهمة تتعلق بالصراع في أوكرانيا.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، أن المحادثة الهاتفية استمرت أكثر من ساعتين مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، ووصفها بأنها كانت ذات معنى وصريحة ومفيدة للغاية.

وأعرب بوتين عن امتنانه لترامب لمشاركة الولايات المتحدة في استئناف المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.

وأكد بوتين أن روسيا تؤيد وقف الأعمال القتالية، مشددًا على ضرورة تطوير أكثر المسارات فعالية نحو السلام.

وأضاف أن وقف إطلاق النار في أوكرانيا لفترة زمنية معينة ممكن إذا تم التوصل إلى الاتفاقات ذات الصلة، مشيرًا إلى ضرورة إيجاد حلول وسط تناسب جميع الأطراف.

وقال بوتين: “اتفقنا مع الرئيس الأمريكي على أن روسيا ستقترح وهي مستعدة للعمل مع الجانب الأوكراني بشأن مذكرة حول معاهدة سلام مستقبلية، تشمل مبادئ التسوية وتوقيت اتفاق السلام المحتمل، وكذلك وقف إطلاق النار المحتمل لفترة معينة إذا تم التوصل إلى الاتفاقات ذات الصلة”.

وأشار بوتين إلى أن الاتصالات بين المشاركين في الاجتماع والمفاوضات في إسطنبول قد استؤنفت، مما يعطي سببا للاعتقاد بأن الأمور تسير في الطريق الصحيح، مؤكدًا أن موقف روسيا واضح ويركز على القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة في أوكرانيا.

من جهته، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن محادثته مع بوتين سارت بشكل جيد للغاية، وقال في تغريدة على منصة “تروث سوشيال”: “انتهيت للتو من محادثة استمرت ساعتين مع الرئيس الروسي بوتين، وأعتقد أنها سارت بشكل جيد للغاية”.

وأكد ترامب أن موسكو وكييف ستبدآن على الفور مفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع في أوكرانيا.

وأضاف ترامب: “ستبدأ روسيا وأوكرانيا على الفور مفاوضات لإنهاء إطلاق النار، والأهم من ذلك، إنهاء الحرب”.

وأوضح أن شروط تثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع سيتم الاتفاق عليها بشكل مباشر بين الطرفين، لأن هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة.

وفي تصريح هام، أكد ترامب أنه لن يفرض عقوبات جديدة على روسيا، معتبراً أن هناك فرصة حقيقية لتسوية الصراع في أوكرانيا، وقال في حديثه للصحفيين في البيت الأبيض: “لأنني أعتقد أن هناك فرصة لتحقيق شيء ما”. كما أعرب عن ثقته بحدوث تغيرات بشأن التسوية، مضيفًا: “أعتقد أن شيئًا ما سيحدث، وإذا لم يحدث.. سأنسحب”.

وعن الجهود الأوكرانية لوقف إطلاق النار، قال ترامب: “أفضل أن أجيب على هذا السؤال خلال أسبوعين.. لا أستطيع أن أقول نعم أو لا”.

وردًا على سؤال حول ما إذا كانت روسيا مترددة في حل الصراع، قال: “أعتقد أن الرئيس بوتين قد سئم، فهذا الوضع مستمر منذ ثلاث سنوات”.

ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ”الرجل اللطيف” بعد محادثة هاتفية تناولت حل الصراع في أوكرانيا.

وقال ترامب خلال حفل عشاء لمجلس أمناء مركز جون كينيدي للفنون المسرحية إن المحادثة كانت قصيرة وجيدة، وأحرزوا تقدمًا في النقاش.

من جانبه، صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، اليوم الثلاثاء، أن بوتين وترامب ناقشا خلال المكالمة الهاتفية موضوع استمرار الاتصالات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك على أعلى المستويات.

وأضاف بيسكوف: “لم يتم اتخاذ قرارات محددة بشأن مكان استمرار الاتصالات حتى الآن”، مشيرًا إلى أنه “لا يوجد موعد نهائي لإعداد مذكرة تفاهم بين روسيا وأوكرانيا ولا يمكن أن يكون هناك موعد نهائي في هذه المسألة”.

وأكد بيسكوف أن “القضاء على الأسباب الجذرية للصراع الأوكراني هو النقطة الأساسية التي ستصيغها روسيا في جميع مشاريعها”، مشيرًا إلى أن “جهود الوساطة الأمريكية لتسوية الصراع الأوكراني فعالة”.

كما أشار إلى أن “مبادرة الفاتيكان للمشاركة في التسوية الأوكرانية معروفة، لكنها لم تُناقش بالتفصيل خلال المحادثة بين بوتين وترامب”.

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن تسوية الأزمة الأوكرانية عملية معقدة تتطلب عملاً مضنيًا ووقتًا طويلًا لدراسة ومناقشة عدد كبير من التفاصيل الدقيقة.

وأكد بيسكوف في تصريحات للصحفيين، الثلاثاء، أن موسكو مستعدة للعمل على هذه التفاصيل من أجل التوصل إلى اتفاق.

وأشار بيسكوف إلى أن صياغة مذكرة تفاهم بين موسكو وكييف بشأن وقف إطلاق النار وعملية السلام لن تكون سهلة، مشددًا على عدم وجود مواعيد نهائية محددة للتوصل إلى اتفاق نهائي.

وقال: “لا توجد مواعيد نهائية ولا يمكن أن يكون هناك أي مواعيد نهائية… الشيطان يكمن في التفاصيل”.

وأوضح أن الجانبين الروسي والأوكراني سيعملان على صياغة مسودات الوثائق المتبادلة، تليها سلسلة من الاتصالات المعقدة بهدف التوصل إلى نص موحد يعكس توافقًا بين الطرفين.

يذكر أنه في 12 فبراير الفائت، أجرى الرئيس الروسي ونظيره الأمريكي اتصالاً هاتفياً بحثا خلاله القضية الأوكرانية والمشاكل المتراكمة في العلاقات بين البلدين، واتفقا على مواصلة الاتصالات، بما في ذلك تنظيم لقاءات شخصية.

كما جرى اتصال هاتفي آخر في 18 مارس الفائت، حيث ناقشا قضايا التسوية في أوكرانيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية.

مقالات مشابهة

  • الدفاع الروسية: أسطول المحيط الهادئ يحمي مصالح روسيا في نصف المياه العالمية
  • لقاء موسع بالمجلس القومي حول استراتيجية تمكين المرأة 2030
  • خامنئي يقيم المفاوضات النووية مع أمريكا.. ماذا قال عن وقف تخصيب اليورانيوم؟
  • البرهان بتلقي دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في القمة الروسية العربية
  • بوتين وترامب في محادثة تاريخية.. أمريكا توقف فرض عقوبات جديدة على روسيا
  • ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
  • ترامب يوضح ما تريده روسيا بعد مكالمته مع بوتين حول حرب أوكرانيا
  • بوتين: ترامب أشار أن روسيا تؤيد الحل السلمي للأزمة في أوكرانيا
  • بوتين: المكالمة مع ترامب كانت صريحة
  • ضمن شراكة استراتيجية بين أورنج الأردن والمؤسسة الاستهلاكية العسكرية إطلاق بطاقة فيزا “رفاق السلاح” لمنتسبي الأجهزة الأمنية من مستخدمي Orange Money