جامع آيا صوفيا.. بدأ كنيسة وانتهى مسجدا
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
"جامع آيا صوفيا" أحد أهم المعالم الأثرية في مدينة إسطنبول التركية، يجمع بين العمارة البيزنطية والعثمانية والزخارف المسيحية والإسلامية، ويعد أول كنيسة بُنيت بقباب في تاريخ المسيحية. إبان "فتح القسطنطينية" عام 1453 حُوّلت الكنيسة إلى مسجد، وبعد الانتقال إلى النظام الجمهوري في تركيا، صار المسجد متحفا وبقي كذلك 85 عاما، إلى أن عاد مسجدا عام 2020.
تعرض المبنى لتخريبات متكررة، ورُمّم -حسب ما وُثّق- 42 مرة بين القرنين السادس والحادي والعشرين.
أدرجته منظمة اليونيسكو عام 1985 ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمية، ووُصف بالأعجوبة الثامنة في العالم بقبته المميزة التي بلغ قطرها 31 مترا.
ويعد مسجد بايزيد الثاني، أول أثر عثماني يمكن رصد تأثير كنيسة آيا صوفيا في تصميمه، على الرغم من أن قبته أصغر بكثير من قبة آيا صوفيا، إذ لا يتعدى قطرها 18 مترا. ويوجد جامع آخر اسمه "آيا صوفيا الصغير" تحول أيضا إلى مسجد في زمن الفاتح.
يقع جامع آيا صوفيا في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول، في منطقة السلطان أحمد، على مقربة من سوق بيازيد المعروف أيضا باسم "غراند بازار" وحديقة غولهانة الشهيرة ومنطقة "إمينونو" السياحية.
ويطل على ميناء القرن الذهبي ومدخل البوسفور، وإلى جانبه يقع قصر "طوبقاي سراي"، وإلى الجنوب منه يوجد مسجد السلطان أحمد، المعروف بـ"الجامع الأزرق"، وبالقرب منه مسجد سليمانية ومسجد شاه زاده محمد والأسوار التاريخية.
ويقع مبنى آيا صوفيا على التل الأول من التلال السبعة التي بنيت عليها القسطنطينية (إسطنبول) وتقع كلها ضمن السور القديم للمدينة التي كانت تسمى "التيجان السبعة"، ويرفع كل من هذه التلال معلما مشهورا.
الاسمفي بداية إنشائه كان آيا صوفيا كنيسة تسمى "ميغالي إغليسيا"، وتعني "الكنيسة الكبيرة"، وذلك لكبر حجمها مقارنة بالكنائس المعاصرة لها في المدينة، وذُكر أيضا أنه كان يطلق عليها "صوفا" حوالي عام 400 م.
منذ القرن الخامس الميلادي سُمّيت "هاغيا صوفيا"، وهو اسم يونانية يعني "الحكمة المقدسة" أو "كاتدرائية حكمة الله" أو "الكنيسة العظمى".
منذ منتصف القرن الـ14م، سُمّيت باسمها الذي تشتهر به "جامع آيا صوفيا" بعد أن حُوّلت إلى مسجد سماه العثمانيون "آيا صوفيا كبير جامع شريف"، أي الجامع الكبير الشريف لآيا صوفيا.
بني المسجد من الحجر مع تطعيمات مفصلية من الطوب والبلاط المكون من خليط من الرمل والخزف، وجاء تصميم الجدران بألواح من الرخام بأنواع وألوان متعددة، وزُيّنت السقوف بمناظر من الفسيفساء.
طول المبنى الرئيسي 269 قدما، وعرضه 243 قدما، وتنتصب في وسطه قبة يبلغ محيطها نحو 31 مترا، وترتفع عن الأرض قرابة 56 مترا، وتحيط بها أربعون نافذة، وحولها سبع قباب صغيرة، وهي نصف قبة منحنية الشكل، تستند بدورها على عقود ودعامات سفلية، ومغطاة من الداخل بطبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية.
وقد ظهرت بالجامع نقاط ضعف هندسية وبنائية ومعمارية لا تتفق مع موقعه الجغرافي عند شبه جزيرة وجهتها نحو الشرق، إذ شكل وضع القبة في العصر البيزنطي على الجدران مباشرة، ضغطا كبيرا على بقية المبنى.
في سبيل تجاوز ذلك، شيّد سنان آغا -أشهر مهندس عثماني- الذي عاصر أربعة سلاطين، ست دعامات حجرية للقبة من الخارج ومآذن صلبة في الجناح الغربي لتخفيف ذلك الضغط وتقوية المبنى.
ووفقا لكثير من الخبراء، فإن ترميمات سنان في القرن الـ16، هي التي ساعدت على صمود القبة حتى الآن، وقيل إنه عندما علق آية النور فيها قال عبارته المشهورة "علقت آية النور في القبة، لتظل مرفوعة ما دامت الآية في قلبها إلى يوم القيامة".
أما المحراب فهو مستطيل الشكل، وينتهي بزخارف تشبه التاج بلونها العاجي والأخضر، الذي يتوافق مع جدرانه الخلفية، وتستند إلى جانبيه أعمدة رخامية، وقد رُفع فوق المنبر سنجق السلطان محمد الفاتح.
أبواب الجامع من نحاس أصفر منقوش، وفي داخله 170 عمودا من الحجر السماقي والرخام، وبابه الكبير يقع في جهة الغرب، ولا يؤدي مباشرة إلى صحن الجامع الداخلي، بل من خلال ساحة مستطيلة تؤدي إلى سلم حلزوني يرتفع بطريقة تدريجية. وقد اتبع العثمانيون هذا النمط من البناء في معظم الجوامع التي أنشئت بعد فتح إسطنبول.
شُيّدت كنيسة آيا صوفيا ثلاث مرات خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها الدولة البيزنطية:
كانت المرة الأولى في عهد الإمبراطور قسطنطنيوس عام 360م، وكانت حينئذ بناء بسيطا مغطى بسقف خشبي، وقد احترق هذا البناء خلال ثورة اندلعت عام 404 م.
ثم في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، أعيد البناء من جديد عام 415 م، واحتوى على خمسة بلاطات ومدخل ضخم، وشُيّدت جدرانه من الحجر وسقفه من الخشب، لكنه احترق أيضا وخُرّب عقب "ثورات نيفا".
هيّأ تدمير الكنيستين للإمبراطور "جوستنيان" الأول، المعروف بميوله المعمارية، الفرصة لتصميم كنيسة بديلة بأبعاد ضخمة بين عامي 532م و537م، وهو الشكل الذي بقيت عليه.
وقدم المعماريون في هذا البناء الثالث منظورا جديدا مختلفا عن البناءين السابقين، وذلك من خلال سقف مقاوم للحريق، بقبة شاهقة من الآجر الخفيف، تستند على أربع دعائم بينها عقود، ويحيط بأسفلها أربعون نافذة يتخللها النور، كما أبدعوا في تنميقها وتزيينها ورصعوا جدرانها بالرخام، وسقوفها بالفسيفساء والذهب.
وفي زلزال عام 558م سقط جانب من القبة، فجُدد بناؤها عام 563م، ورُفع بنحو 20 قدما.
وكانت أكثر ترميمات آيا صوفيا في العهد البيزنطي في القرن 14م، إذ بنيت حولها جدران وأجنحة جديدة لتوطيد الكنيسة وملحقاتها التي كانت تغطي مساحة 7500 متر مربع.
خلال الحملة الصليبية الرابعة عام 1204م، بقيادة الدوق إنريكوس دندالو (المدفون في الطابق الثاني من آيا صوفيا)، حُوّلت إلى كاتدرائية ملحقة بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية فترة وجيزة.
لكنها عادت إلى كاتدرائية أرثوذكسية شرقية عند استرداد الإمبراطورية البيزنطية لأراضيها عام 1261م، وظلت تمثل الكنسية الرسمية للدولة، وأهم مكان يتوج فيه ملوكها على مدى 900 عام.
فتحت القسطنطينية يوم 29 مايو/أيار 1453م على يد السلطان السابع محمد الثاني "الفاتح"، ووقع الاختيار على آيا صوفيا لتكون جامع العاصمة الرئيسي، وعلامة الفتح الذي رسم تاريخا جديدا لها.
أُذّن أول أذان بعد الفتح فيها، وأقام الفاتح أول صلاة جمعة داخلها يوم 1 يونيو/حزيران من العام نفسه، وتلا الخطبة وأمّ الصلاة حينها آق شمس الدين، شيخ الفاتح.
قيل إن السلطان الفاتح اشترى كنيسة آيا صوفيا من الروم بماله الخاص، وجعلها وقفا للمسلمين. وقيل إن الجيش العثماني وجدها مهجورة، وعندما لم يجد مكانا يؤدي فيه جنوده الكثيرون الصلاة، استفتى العلماء في إمكانية الصلاة فيها فأفتوا بجواز تنظيف المبنى وتجهيزه وتحويله إلى مسجد.
وفور تحويلها، نُقشت بها نقوش جديدة، واستُبدل بالصليب هلال على ذروة القبة، وبُنيت دعائم لتقوية الحائط الجنوبي الشرقي من المسجد. وبنيت مئذنة خشبية صغيرة فوق القبة الغربية، ووُضع منبر خشبي للصلاة بصحن المبنى.
مع مرور الوقت، شيد السلطان الفاتح المئذنة المرمرية الأولى الواقعة على يمين المبنى، وفي شماله بنى مدرسة على شكل الحرف "يو" اللاتيني بها 46 غرفة، وقد خرجت هذه المدرسة من الخدمة، بعد بناء كلية السلطان محمد الفاتح في المنطقة المسماة اليوم "فاتح".
منذ ذلك الوقت أصبح آيا صوفيا جامعا، وبقي كذلك مدة 481 عاما، وكان له أثر كبير في تصميم المساجد العثمانية.
رمزية الجامع عند السلاطين العثمانيينكان آيا صوفيا الجامع الأعلى مقاما في إسطنبول، إذ تمتع بأكبر وقف من عائدات جمارك المدينة وسوقها الرئيس والبيوت المبنية خارج أسوارها، وكان لا يسمح باقتراب أي بناء من هذا الجامع من جميع جهاته بمسافة تقل عن 35 ذراعا.
وقد سعى كل سلطان عثماني إلى الاهتمام بهذا المبنى الأثري، من خلال إضافات وتعديلات، جعلته مع مرور الزمن مسجد المدينة الكبير، وأحد العناصر المعمارية المشكلة لمجمع متعدد الوظائف عبر العصور.
بنى السلطان بايزيد الثاني المئذنة الحجرية المنفردة على يسار المبنى، وأضاف طابقا ثانيا إلى المدرسة التي أنشأها والده السلطان "الفاتح".
في عهد السلطان سليم الثاني، بنى معمار سنان -كبير معماريي الدولة العثمانية- المئذنتين الأخيرتين، وجعلهما ضمن دعائم القبة الرئيسية التي أقامها وهدم المئذنة الخشبية، ثم أضاف فناء خارجيا، وشيّد المحراب والمنبر والدكة والشرفة المغطاة بالقفص الذهبي الواقعة على يسار المحراب، وتسمى "هنكار محفلي"، أي المكان الذي يصلي فيه السلطان يوم الجمعة، ولها مدخل من وراء الجامع.
كان للسلطان مراد الثالث في آيا صوفيا آثار كثيرة، فهو الذي جلب جرار الماء الكبيرة الموجودة على يمين ويسار البوابة من مدينة برغامون، وقد صنعت كل واحدة منها من قطعة رخام واحدة شكلت ثم حفرت على شكل حوضين يسع كل منهما 1150 لترا من الماء لأجل الوضوء.
وجعل في داخل الجامع مصطبتين عاليتين، يتلى فوق إحداهما القرآن طول النهار، ويؤذن بالصلاة فوق الأخرى. كما وضع محل الصليب بأعلى القبة هلالا قطره 50 شبرا، كان يرى من مسافات بعيدة.
وفي النصف الثاني من القرن الـ16م، حوّل الفناء الجنوبي إلى مقبرة لدفن السلاطين العثمانيين، أقدم أضرحتها ضريح السلطان سليم الثاني، وبجانبه ابنه مراد الثالث، وحفيده محمد الثالث، وهناك أيضا مصطفى الأول ثم ابن أخيه السلطان إبراهيم.
اعتنى بآيا صوفيا أيضا السلطان مراد الرابع، فأنشأ دعائم كثيرة للجدران، وفي أيامه كُتبت على الجدران الداخلية آيات قرآنية بحروف كبيرة جدا بخط زاده مصطفى شلبي، ومن هذه الحروف مثلا "حرف الألف" بطول عشرة أذرع. كما كان من آثاره أيضا المنبر الرابع الرخامي المنقوش، ومحفل المؤذن وكرسي الواعظ.
أما القناديل المعلقة على جانبي المحراب، فقد جلبهما السلطان سليمان القانوني من بودين.
شيد السلطان أحمد الثالث مقصورة لصلاته في الجانب الشمالي من المحراب الرئيس، وأضاف مدرسة أصبحت لاحقا مكتبة المتحف، ثم علّقت في الأركان الأربعة ست لوحات مستديرة كتب عليها اسم الجلالة وأسماء الخلفاء الراشدين، وهي من عمل الخطاط تكنجي زاده إبراهيم أفندي.
وقد جعل السلطان محمود الأول بجانب المسجد سبيلا للماء، ومدرسة تقع جنوبه، شارك في احتفال افتتاحها. وجعل أيضا خزانة داخلية للكتب في الرواق الشرقي للجامع، كما أضاف شرفة السلطان الكبيرة المكشوفة بالطابق الأول، وأقام نافورة وكتّابا للفتيان في الفناء الجنوبي، وقاعة كبيرة للطعام في الجانب الشمالي.
وكانت أهم عمليات الترميم في مبنى آيا صوفيا في العهد العثماني تحاشيا لانهيار بعض أجزائه المهددة بالسقوط، هي التي تمت بأمر من السلطان عبد المجيد الأول بين عامي 1847 و1849، وقد عهد بها إلى الأخوين فوساتي وهما معماريان سويسريان.
في هذه الفترة، رُمّمت القبة والمحراب والمنبر، وأُصلحت المآذن الثلاث وزِيد علوّ مئذنة السلطان الفاتح، كما نُظّفت الفسيفساء وطُمست بعض صورها بالطين والجبس، واستُخدمت الألواح الزجاجية الملونة لإغلاق نوافذ المحراب، والطلاء المخطط بالأحمر والأصفر على الحائط الخارجي.
ثم وُضعت ست لوحات خطية وزخرفية خطها قاضي العسكر مصطفى عزت أفندي، وقد حلت محل لوحات "تكنجي زاده إبراهيم أفندي"، وعُلّقت على الأعمدة الأربعة الموجودة اليوم في سقف المسجد.
كما جرى رفع المنارات الأربع، وبنيت دار التوقيت الواسعة في الساحة الأمامية، وكان السلطان قد أنجز بهذه المناسبة ميدالية تذكارية تحمل صورة آيا صوفيا.
كان الأمراء ورجال الدولة العثمانيون يجتمعون في المسجد لصلاة العصر خلال شهر رمضان، وكانت القبة تضاء بمصابيح منتظمة في دائرة.
وكثيرا ما كان السلاطين الأولون، يشاركون في الاحتفال بليلة 27 من رمضان، وكان السلطان عبد الحميد الثاني يأتي إلى آيا صوفيا منتصف رمضان، بعد الاحتفال المعروف بـ"زيارة البردة الشريفة" في "سراي طوب قابي".
بعد قيام الجمهورية التركية، أٌغلق جامع آيا صوفيا أمام المصلين أربع سنوات، ونشرت جريدة الفتح المصرية آنذاك، أن جمهورا كبيرا من المصلين أقبلوا يوم أول رمضان عام 1931م على آيا صوفيا لأداء الصلاة فيه، فوجدوا على بابه يافطة كبيرة، كتب عليها "مغلق للتصليح".
كان ذلك، إثر قرار صدر من الحكومة، يقضي بوقف الصلاة بآيا صوفيا، ونزع منبره وسجاجيده، ولوحاته الست المخطوطة بالعربية.
كما تم هدم مدرسة آيا صوفيا، وهي المدرسة التي بناها السلطان محمد الفاتح بجانب المسجد، وكانت تعد أول جامعة عثمانية، وتم تدمير المئذنة الصغيرة التي بنيت في عهد السلطان بايزيد الثاني، حينها نشر المؤرخ إبراهيم حقي قونيالي، تقريرا ذكر فيه أن هذه المآذن تعد الداعم لقبة المسجد، وإذا تم تدميرها فإن آيا صوفيا سينهار أيضا، وعندها توقف التدمير.
ثم حول الجامع في فبراير/شباط 1935 إلى متحف سياحي، واعتبر بعض الباحثين أن الغرض من القرار كان هو جعل المكان مجرد "ذاكرة تاريخية"، أي لا مسجدا ولا كنيسة.
وتذهب بعض الروايات إلى أن توقيع كمال أتاتورك تعرّض للتزوير لاحقا، لمنح الشرعية لقرار تحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف.
وتذكر الكاتبة غراس إليسون، في كتابها "امرأة إنجليزية في أنقرة" المنشور عام 1923، أن مؤسس الجمهورية التركية، أفصح لها خلال إحدى لقاءاتهما عام 1922، عن إمكانية تحويل آيا صوفيا إلى متحف أو إغلاقه تماما إذا كان بقاؤه مسجدا سيزعج العالم المسيحي "الكاثوليكي".
انتصار مئذنة الجامعفي 24 يونيو/حزيران 2005، رفعت "جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة"، أول قضية إلى المحكمة الإدارية العليا، مطالبة بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934م، والقاضي بتحويل "آيا صوفيا" من مسجد إلى متحف.
وفي عام 2013، نشرت مجلة أكاديمية تركية بحثا للمؤرخ التركي يوسف هالاجوغلو وباحثين آخرين، قالوا فيه إن تحويل آيا صوفيا إلى متحف تم بطريقة "غير شرعية"، عبر تزوير توقيع أتاتورك على القرار المتعلق بالموضوع.
في مايو/أيار 2014، نظمت جمعية تسمى "شباب الأناضول" فعالية لصلاة الفجر في ساحة المسجد، وجمعت 25 مليون توقيع، وذلك في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد كما كان.
ومع توالي المطالب بإعادة آيا صوفيا مسجدا؛ سمحت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، بفتح الجزء الخلفي من المبنى للصلاة، ورفع الأذان من مبنى في ساحته.
في يونيو/حزيران 2016، أصدرت رئاسة الشؤون الدينية التركية، قرارا بتلاوة القرآن يوميا في آيا صوفيا خلال شهر رمضان، وأطلقت من داخله برنامجا دينيا خاصا بليلة القدر، ورفع المؤذن التركي "فاتح قوجا" الأذان من نفس الموقع الذي رفع منه آخر آذان قبل تحويله إلى متحف.
ولجأت منظمات إلى القضاء مرات عديدة للمطالبة بإعادة المسجد، حتى صدر قرار في 10 يوليو/تموز 2020 وافقت بموجبه المحكمة الإدارية العليا التركية على عودة آيا صوفيا إلى وظيفته الدينية المعلقة منذ 86 عاما.
وكان ذلك بالاستناد إلى ما جاء في سند الوقف (الوقفية)، الذي حول آيا صوفيا إلى مسجد، وتم تسجيله باسم السلطان محمد الفاتح، والوقف الذي أسسه عام 1453.
وعقب رفع وضعية المتحف عن آيا صوفيا، وقع أردوغان قرارا بنقل تبعيته من وزارة الثقافة والسياحة إلى رئاسة الشؤون الدينية وتحويله إلى مكان للعبادة، وأقيمت أول صلاة جمعة به في 24 يوليو/تموز 2020.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السلطان أحمد إلى متحف إلى مسجد فی عهد
إقرأ أيضاً:
انطباعات أكاديمية أوزبكية بمعهد السلطان قابوس لتعليم اللغة
يرتبط تاريخ وثقافة أوزبكستان ارتباطًا وثيقًا بالثقافة الإسلامية منذ العصور القديمة، لقد أنتج العديد من أسلافنا العظماء أعمالًا في العلوم والأدب، منسجمة مع الثقافة العربية الإسلامية.
ولم يكن المثقفون الأوزبكيون، حتى في العصور الوسطى، بل حتى في بداية القرن الماضي، يتمتعون بمعرفة عميقة باللغة العربية، وكانوا يكتبون أعمالهم باللغة العربية وبالخط العربي.
ولعل الاهتمام الكبير باللغة العربية في الأراضي الأوزبكية، والالتزام بالثقافة الإسلامية في الأسر الأوزبكية، هو ما تأثرت به منذ صغري، عندما كنت في العاشرة من عمري، تعلمت الخط العربي بمفردي، دون مساعدة أحد، من كتاب مدرسي سُمي «الخط الأوزبكي القديم» في منزلنا، ومنذ تلك اللحظة بدأ اهتمامي باللغة والثقافة العربية.
لقد فزتُ عدة مرات بالمرحلة الجمهورية من أولمبياد العلوم في اللغة والأدب، الذي يتم تنظيمه بين تلاميذ المدارس في أوزبكستان، ولكن بعد تخرجي من المدرسة، تغلب اهتمامي باللغة العربية، وقررت الدراسة في معهد طشقند الحكومي للدراسات الشرقية، بفضل الله، في العام الذي تخرجت فيه من المدرسة الثانوية، أصبحت طالبة في المعهد الذي حلمت به.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تشكيل مدرسة علمية قوية جدًا للدراسات الشرقية، وخاصة مدرسة قوية للدراسات العربية، في أوزبكستان، وبدأت كطالبة أتعرف على أسرار اللغة العربية وأدبها القديم والراقي، وازداد اهتمامي بالعالم العربي أكثر فأكثر، لقد تلقيت تعليمًا ممتازًا من معلمين مؤهلين تأهيلاً عاليًا في معهد الدراسات الشرقية، وبعد تخرجي من المعهد تزوجت وأنجبت طفلًا.
وبعد انقطاع طويل لسنوات، اهتممت بقضايا الأدب العربي، وخاصة شعرية الخطابات العربية القديمة، ودافعت بنجاح عن أطروحتي للدكتوراه حول هذا الموضوع، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت لدي فكرة في عقلي أنني في يوم من الأيام سأسافر بالتأكيد إلى الأراضي العربية.
بالطبع، مثل كل النساء، كنت دائمًا أعطي الأولوية للعائلة وتربية الأطفال على مهنتي، لذلك لم أتمكن لسنوات عديدة من تحقيق هذا الحلم...
ونتيجة للإصلاحات الفعالة في قطاع التعليم العالي في أوزبكستان في السنوات الأخيرة، بدأت مؤسسات التعليم العالي الخاصة تفتح أبوابها أيضًا، وعلى الرغم من أن جامعة «أوريينتال» (Oriental University) افتُتحت منذ 4 سنوات فقط، إلا أنها تمكنت من احتلال أحد المراكز الرائدة في سوق التعليم في أوزبكستان، وعلى وجه الخصوص، حققت جامعة «أوريينتال» نتائج إيجابية في المدى القريب في مجال فقه اللغة العربية، وقد توصلت الجامعة حتى الآن إلى اتفاقيات ومذكرات تعاون مع العديد من الجامعات الأجنبية الحكومية وغير الحكومية.
أنا أعمل حاليًا كدكتورة في جامعة «أوريينتال»، ولذلك، عندما دعتني رئيسة قسم اللغات الشرقية لحضور دورة تدريبية لمدة شهر في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها في معهد السلطان قابوس في سلطنة عمان، كنت مترددة في البداية، ولكن زملائي الذين شاركوا سابقًا في الدورة نفسها في معهد السلطان قابوس أبدوا آراء إيجابية جدًا حول الدورة، ودعوني للمشاركة في الدورات التي نُظمت في شهري مايو ويناير من العام الماضي، لكن كما قيل: «كل شيء في أوانه»، لم أستطع أن أقرر السفر.
ولكن هذه المرة شيء ما دعاني للذهاب، وأنا أشارك في هذه الدورة والحمد لله؛فعُمان ومعهد السلطان قابوس... بصراحة، ربما الكلمات لا تكفي للتعبير عن مشاعري منذ اليوم الذي وصلت فيه إلى هنا.
بالطبع، كنت قد سافرت إلى عدة دول أجنبية من قبل، وخاصة أوروبا وتركيا ودول آسيا الوسطى المجاورة، ولكن مباشرة في مطار عُمان، بدأت أشعر بالأمان والراحة لدرجة أنني لم أشعر بهذه الطريقة من قبل في أي من رحلاتي السابقة، وخاصة في بداية الرحلة، إن الصدق والمستوى الرفيع من الضيافة الذي أظهره ممثلو معهد السلطان قابوس الذين رحبوا بنا، والأستاذ سالم الذي راسلناه، يدل على فضائل الضيافة العالية.
إن قيادة معهد السلطان قابوس والمباني التعليمية والمساكن المعدة للمشاركين في الدورة، والظروف الرفيعة فيها، تدل على الأخلاق العالية والروحانية الكاملة لهذا الشعب العماني الكريم المضياف.
وأود أن أعرب عن امتناني لفريق عمل معهد السلطان قابوس بأكمله: فريق الإدارة، وهيئة التدريس، وكل موظف يخدمنا بدون كلل وملل، والموظفين، والسائقين، وموظفي المطبخ.
وأتمنى أن يشارك المزيد من المعلمين والطلبة في مثل هذه الدورات التي ينظمها معهد السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وجامعة السلطان قابوس، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في سلطنة عمان.
أتمنى كذلك أن المتدربين، بعد الرجوع، سوف يُسهمون في تنمية أوطانهم بالمعرفة التي يتعلمونها هنا.