بغداد اليوم - متابعة

وسط تحذيرات موجهة لشركات مواقع التواصل الاجتماعي بشأن أي "محتوى غير قانوني"، يشتكي مستخدمون من حذف منشورات تحدثوا بها عن حرب إسرائيل وغزة، في وقت تنتشر فيه معلومات مضللة، فكيف تتم إدارة ومراقبة المحتوى خلال الصراع الحالي؟

وقامت شركات عدة مثل ميتا المالكة لفيسبوك وإنستغرام وشركة أكس (تويتر سابقا)، بإزالة ملايين المنشورات بعد هجوم حماس والرد الإسرائيلي بقصف غزة، بناء على قوانين تتعلق بالمحتوى، والتي تتضمن عادة تحذيرا من نشر مواد عنيفة أو تحرض على العنف والكراهية.

كيف تعمل الخوارزميات؟

ويؤكد الخبير التكنولوجي، سلوم الدحداح، أن "هذه الشركات تعمل وفق آلية محددة تخضع لاتفاقية الأحكام والشروط التي يوافق عليها المستخدم قبل إنشاء الحساب عادة".

وأوضح الدحداح، أن "هذه الاتفاقية تتضمن عادة بنودا تسمح للشركات بحذف المنشورات تلقائيا في حال المخالفة"، مشيرا إلى أن "أغلب المستخدمين لا يدققون بتفاصيل بنود الشروط والأحكام الموافق عليها من قبلهم".وأكد أن "الشركات يمكن أن تحذف أي منشور بشكل تلقائي دون الرجوع إلى المستخدم، واليوم هناك العديد من القوانين الدولية المنظمة للمنشورات تجرم شركات وسائل التواصل الاجتماعي في حال وجود محتوى غير مقبول".

وعن آلية عمل الخوارزميات، فهي تستخدم مجموعة متنوعة من العوامل لتحديد المحتوى الذي سيتم عرضه للمستخدمين، والمحتوى الذي يجب حذفه.

ويوضح الدحداح أن الخوارزميات "تعمل تلقائيا لإظهار المواضيع التي يهتم المستخدم بها عادة"، مضيفا أن "هناك إمكانية لدى الشركات للتحكم بها، لإظهار ما يريدون إظهاره للمستخدمين بحسب اهتماماتهم وتوجهاتهم".

ويقول الخبير التكنولوجي، عمرو سامي، إن هناك عاملان أساسيان يتحكمان في آلية مراقبة المحتوى وعمل الخوارزميات.

ويوضح، أن "معظم وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على المحتوى غير المناسب، وهذا هو العامل الأول".

أما العامل الثاني بحسب سامي "موقف عشرات آلاف الموظفين الذين تم توظيفهم خصيصا لمراقبة المحتوى، سواء كان يتضمن خطاب كراهية أو تعرض للأطفال أو أي مواد مخالفة".

وعن السبب الذي يؤدي لحذف المنشور الذي يعتبر صاحبه أنه غير مخالف للقوانين، أوضح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) أن "الخوارزميات الحالية غير كاملة فهي تفتقر إلى الفهم الإنساني للسياقات الثقافية والفروق الدقيقة والمعاني الكامنة وراء أنماط الكلمات أو ارتباطاتها".

وأضاف المركز أن "معدل الدقة ينخفض بشكل أكبر عند مواجهة الخوارزميات للصور أو مقاطع الفيديو والبث المباشر في الوقت الفعلي، واللغات غير الإنكليزية".

من جهتها، ذكرت الشركات المالكة لفيسبوك ويوتيوب، في 10 أكتوبر الجاري، أنها تعتمد على مراجعي محتوى بالعبرية والعربية وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة "حماس".

واعتبر المركز أن "منصات التواصل الاجتماعي لم تكن مستعدة للتعامل مع طوفان المحتوى الكاذب والضار، ولتجنب ذلك، تحتاج شركات التكنولوجيا إلى ترقية خوارزميات الإشراف على المحتوى بشكل كبير، وتوسيع نطاق أنظمة الإبلاغ عن المستخدم، وتوسيع الكفاءة الثقافية واللغوية، وزيادة مستويات التوظيف الإجمالية".

شروط الحذف

ولدى سؤاله عن المعايير والشروط المتبعة لحذف المنشورات، يقول سامي إن "هناك مشكلة ومعضلة حقيقية بهذا الشأن".

وأوضح أن "هذه المشكلة لم يجدوا (الشركات) لها حلا، وتساءل ما الذي يحكم على المحتوى إن كان يدعو للكراهية مثلا أو كان خطابا سياسيا؟، هل هذه حرية رأي أم تطرف؟".

من جهتها، أوضحت شركة ميتا، الجمعة، إنها تتخذ خطوات لإزالة بعض المنشورات بعدما وبخ الاتحاد الأوروبي شركات التواصل الاجتماعي على عدم فعل ما يكفي لمعالجة ما يعتبره "معلومات مضللة".

وقالت ميتا: "منذ الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس على إسرائيل السبت، ورد فعل إسرائيل في غزة، تعمل فرق الخبراء من جميع أنحاء شركتنا على مدار الساعة لمراقبة منصاتنا، مع حماية قدرة الأشخاص على استخدام تطبيقاتنا لتسليط الضوء على التطورات المهمة".

وأكدت ميتا أنه "في الأيام الثلاثة التالية للهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، أزالت أو أضافت علامة تميز المحتوى المقلق على أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية".

وأشارت الشركة إلى أنها وسعت بـ"شكل مؤقت تطبيقها لسياسة إزالة المحتوى الذي يحرض على العنف وخطاب الكراهية والمحتوى الذي يحدد بوضوح هوية محتجزين لدى حماس حتى إن كان منشورا للتنديد أو للتوعية بالموقف".

وأضافت أن "المحتوى الذي يضم صورا بتشويش على أوجه وإصابات الضحايا لا يزال مسموحا لكن منصاتها ستعطي الأولوية لسلامة وخصوصية المختطفين إذا لم تتمكن من إجراء تقييم واضح للمحتوى".

ولفتت إلى أنها "على دراية بتهديدات حماس بنشر لقطات للرهائن وستزيل بسرعة أي محتوى من هذا النوع وتمنع إعادة النشر والمشاركة".


معلومات مضللة

ومن حسابات زائفة تنتحل شخصية صحفيين إلى مشاهد من ألعاب فيديو حربية تنشر على أنها حقيقية، تواجه منصات التواصل الاجتماعي صعوبات لاحتواء موجة من المعلومات المضللة حول الحرب بين إسرائيل وغزة، وفقا لفرانس برس.

ورغم أن الأحداث العالمية الكبرى عادة ما تثير طوفانا من المعلومات المضللة، يقول خبراء، للوكالة الفرنسية، إن "حجم وسرعة انتشارها عبر الإنترنت في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، في 7 أكتوبر، لم يسبق له مثيل".

ويوضح خبراء إن "هذا النزاع يلقي الضوء على تضاؤل قدرة المنصات البارزة مثل فيسبوك وأكس على مكافحة المعلومات الكاذبة في مناخ يهيمن عليه تسريح الموظفين وخفض التكاليف".

ويقول المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، أليساندرو أكورسي، إن "الكم الهائل من مقاطع الفيديو والصور القديمة المزورة والمزيفة لهجمات يجعل من الصعب فهم ما يجري" في إسرائيل وغزة.

ويعرب أكورسي عن "قلقه البالغ" من أن المعلومات المضللة، وخصوصا الصور المزيفة للمختطفين بما في ذلك الأطفال، يمكن أن تؤجج أعمال العنف.

ويقول الرئيس التنفيذي لمركز مكافحة الكراهية الرقمية، عمران أحمد، لوكالة فرانس برس "في الأزمات مثل الفظائع الإرهابية والحروب والكوارث الطبيعية، يميل الناس إلى اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات يمكن الوصول إليها بسرعة".

ويضيف "(لكن) سيل المخادعين الذين ينشرون الأكاذيب والكراهية بحثا عن التفاعل والمتابعين، إضافة إلى الخوارزميات التي تنشر هذا المحتوى المتطرف والمثير للقلق، هي السبب في أن وسائل التواصل الاجتماعي هي في الواقع مكان سيء للحصول على معلومات موثوقة".

وكذلك، أعلنت منصة أكس الاجتماعية التي يملكها، إيلون ماسك، أنها أزالت أو صنفت "عشرات الآلاف" من المنشورات في الأيام التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل.

وكتبت الرئيسة التنفيذية للشركة، ليندا ياكارينو، في رسالة مؤرخة، الأربعاء، ردا على انتقادات الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن "منذ الهجوم الإرهابي على إسرائيل، اتخذنا إجراءات لإزالة أو تصنيف عشرات الآلاف من المنشورات".

وكانت الرسالة موجهة إلى المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، الذي انتقد ماسك على وسائل التواصل الاجتماعي، الثلاثاء.


قانون الخدمات الرقمية الأوروبي

وأشار سامي إلى أن "الضبابية بشأن المعايير بدأت تتلاشى بعدما تم إصدار قانون الخدمات الرقمية الأوروبي قبل نحو شهرين".

وقال إن "الاتحاد الأوروبي وفق هذا القانون هو من يحدد المعايير المتعلقة بحذف المحتوى من عدمه، وفي حال لم يكن المحتوى مناسبا، فإن الاتحاد الأوروبي يطالب شركات مواقع التواصل بإزالته خلال 24 ساعة، وفي حال عدم الالتزام تطبق عقوبات وغرامات".

وطالب بريتون في رسائل أرسلها، الثلاثاء، إلى ماسك، ومارك زوكربرغ، الذي تضم مجموعته ميتا فيسبوك وإنستغرام بتقديم تفاصيل في غضون 24 ساعة حول طريقة إزالة "المحتوى غير القانوني والمعلومات الكاذبة" من منصاتهما بما يتماشى مع قانون الخدمات الرقمية الجديد للاتحاد الأوروبي.

ويحظر هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس الماضي، المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت تحت طائلة دفع غرامات تصل إلى ستة في المئة من مبيعات الشركة العالمية الإجمالية.

وتطرقت رسالة بريتون إلى ماسك خصوصا إلى "المحتوى العنيف والإرهابي الذي يبدو أنه يتم تداوله" عقب عملية حماس في نهاية الأسبوع الماضي على إسرائيل.

وجاء في رسالة ياكارينو أن الشركة حذفت مئات الحسابات المرتبطة بحركة حماس منذ اندلاع أعمال العنف، في 7 أكتوبر.

كما أزالت منشورات تتضمن "خطابا عنيفا ومواد إعلامية تم التلاعب بها".


هل يمكن الاعتراض على الحذف؟

في هذا الإطار، يجيب الدحداح قائلا إن "القوانين تجبر الشركات على الالتزام بكل ما يتعلق بالمحتوى، وتدفعهم نحو اتخاذ خطوات عملية (مثل حذف المنشورات)".

ويضيف أن "بعض المنصات تقول للمستخدمين إن أي منشورات تصبح ملكهم، ولهم حق التصرف بها بالطريقة المناسبة، وهو ما يشبه التنازل عن المحتوى لهم (الشركات)".

وأشار إلى أن "المستخدمين لا يمكنهم الاعتراض على حذف المنشورات (في حال المخالفة)"، مشيرا إلى أن أقصى ما يمكن أن يفعلوه هو "التوقف عن استخدام (مقاطعة) المنصة".

وأكد أن "المستخدم في النهاية هو ليس مالك الشركة أو المنصة، والعميل غير الفرِح يمكنه الرحيل".

وحض بريتون، الجمعة، شركة ألفابيت المالكة لغوغل على توخي الحذر بشأن أي "محتوى غير قانوني ومعلومات مضللة" محتملة على منصة يوتيوب التابعة لها.

وتوجه بريتون برسالة إلى الرئيس التنفيذي للشركة، سوندار بيتشاي، مؤكدا على ضرورة امتثال يوتيوب لقانون الخدمات الرقمية الجديد في الاتحاد الأوروبي أيضا على منصة بلوسكاي المنافسة لأكس.

ويعكس هذا التحذير الرسائل السابقة التي تم توجيهها في وقت سابق هذا الأسبوع إلى ماسك وزوكربرغ ورئيس تيك توك، شو زي تشو، وفقا لفرانس برس.

وأشار بريتون إلى أن يوتيوب الذي يستخدمه خصوصا العديد من الأطفال والمراهقين يتحمل مسؤولية حماية مستخدميه من الدعاية الزائفة والفيديوهات العنيفة أو الضارة.


ما إمكانية "تضليل الخوارزميات"؟

ولدى سؤاله عن إمكانية تضليل الخوارزميات بشأن حذف المحتوى أو المساهمة في نشره، يجيب سامي "نعم بالتأكيد"، وهو أمر يخالف مبادىء وسياسة الشروط والأحكام.

ويقوم مستخدمون أحيانا بنشر صور أو مقاطع لا علاقة لها بالحرب من أجل تعزيز فرصة انتشار المحتوى الخاص بهم أو التلاعب بالأحرف بهدف التضليل، لكن هذه الطريقة قد لا تأتي بنتائج مضمونة، بحسب الخبراء. 

وأضاف "بالنسبة لدور العنصر البشري في الخوارزميات، فإنعهم معرضون للوقوع في الخطأ، خاصة أن المعايير ليست محددة بشكل قاطع (خارج الاتحاد الأوروبي)، وقد يختلف الحكم بين مراقب وآخر، وهناك تجاوزات كثيرة تحصل بظل غياب الدقة".


المصدر: الحرة



المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی الاتحاد الأوروبی الخدمات الرقمیة إسرائیل وغزة المحتوى الذی على إسرائیل محتوى غیر فی حال إلى أن

إقرأ أيضاً:

فوبيا الهاتف.. لماذا يتجنب أبناء الجيل زد الرد على المكالمات؟

قد يبدو المشهد مألوفا في كثير من البيوت: مراهق أو مراهقة يحمل الهاتف في يده طوال الوقت، يتفاعل عبر التطبيقات، يضحك على المقاطع القصيرة، ويُجيب على عشرات الرسائل لكنه لا يرد حين يرن الهاتف.

مشهد يثير استغراب الأهل وربما قلقهم: كيف يمكن لشخص يعيش متصلا أن يرفض أبسط أشكال التواصل؟

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وهم "الإجماع الزائف".. لماذا نعتقد أن الجميع يفكر مثلنا؟list 2 of 2زمن الأزمات والحروب.. كيف تحمي نفسك من الأمراض النفسية؟end of list

لكن خلف هذا السلوك، تختبئ تحولات عميقة في الطريقة التي يفكر ويتواصل بها هذا الجيل مع العالم.

لغة جديدة للتواصل

جيل "زد" (مواليد منتصف التسعينيات حتى مطلع الألفية الجديدة) لا يستخدم الهاتف كما يفعل الكبار. صحيح أن الأجهزة لا تفارق أيديهم، لكن المكالمة الصوتية لم تعد وسيلة التواصل الأساسية، بل استثناء يُستخدم فقط في الحالات الطارئة أو الضرورية.

أما التواصل اليومي، فمكانه الطبيعي الرسائل النصية، أو تسجيلات الصوت القصيرة، أو محادثات "سناب شات" و"واتساب" و"إنستغرام".

السبب لا يتعلق بالكسل أو اللامبالاة كما يظن البعض، بل بـ"الرغبة في التحكم". فالمكالمة تتطلب حضورا فوريا، واستجابة لحظية، وحديثا عفويا لا يمكن التراجع عنه. وفي عالم يعيش فيه المراهقون تحت ضغط الصورة والمقارنة والخوف من الحكم عليهم، يصبح الكلام المباشر عبئا نفسيا:

ماذا لو تلعثمت؟ ماذا لو قلت شيئا في غير موضعه؟

أما الرسائل النصية فتوفر لهم مساحة آمنة، يمكن كتابة الكلمات وتعديلها أو حذفها أو تأجيل الرد حتى يكونوا مستعدين. إنها وسيلة تمنحهم إحساسا بالسيطرة والطمأنينة في عالم سريع ومتطلب.

فوبيا الهاتف لدى الجيل "زد"

تقول الدكتورة سحر طلعت، أول معالج بيوديناميكي عربي مسجّل في مجلس المملكة المتحدة للعلاج النفسي والمتخصصة في علاج الصدمات النفسية، إن "ظاهرة الخوف من المكالمات الصوتية، أو ما يُعرف بفوبيا الرد على الهاتف، هي في جوهرها أحد أشكال الرهاب الاجتماعي، إذ يشعر المصاب بأن وجوده في موقف تواصلي مباشر يعرضه للحكم أو النقد من الآخرين، فيميل إلى العزلة وتقليص تواصله إلى الحد الأدنى".

إعلان

وتضيف: "مع الثورة الرقمية التي غيّرت شكل حياتنا، وجدت هذه الفوبيا بيئة مثالية للنمو. فقد منحت وسائل التواصل الناس فرصة التواصل الآمن دون حضور جسدي أو صوتي، من خلال نصوص يمكن مراجعتها وتحريرها قبل إرسالها، على عكس الكلمة المنطوقة التي لا يمكن التراجع عنها. لذلك يفضّل المصابون بالرهاب الاجتماعي الكتابة على الكلام خوفا من الخطأ أو الظهور في صورة غير ملائمة".

بين السيطرة والخوف من العفوية

وترى الدكتورة سحر أن جيل "زد" نشأ في بيئة رقمية جعلته أكثر حساسية تجاه صورته أمام الآخرين. فوسائل التواصل الاجتماعي خلقت واقعا دائم المقارنة، في المظهر، واللباس، وطريقة الكلام، والمستوى الاجتماعي؛ ما ولّد شعورا بالنقص والقلق المستمر، ودفع كثيرين إلى الاحتماء خلف الشاشات.

وتضيف أن الاتصال الهاتفي يتطلب تفاعلا لحظيا بين طرفين، بينما تمنح الرسائل النصية شعورا بالتحكم، إذ يمكن اختيار الوقت المناسب للرد وصياغة العبارات بدقة. هذا الإحساس بالسيطرة يمنح المراهقين شعورا بالأمان في عالم يرونه مليئا بالمخاطر والضغوط النفسية.

وتكشف الطبيبة عن حالات في عيادتها تصاب بالذعر لمجرد سماع رنين الهاتف، لأن المتصل قد يفاجئهم بشيء غير متوقع، فيختار الشخص تجاهل المكالمة والرد لاحقا برسالة.

لكنها تحذر من أن هذا السلوك، رغم أنه يمنح راحة مؤقتة، يعزز العزلة ويُضعف الروابط الإنسانية، ويجعل تصوراتنا عن الآخرين مشوّهة وغير واقعية.

كما ترى أن الاعتماد المفرط على الرسائل النصية في مواقف إنسانية مثل العزاء أو التهاني يحرمنا من دفء الصوت الإنساني والتفاعل الحقيقي الذي لا يمكن للرموز التعبيرية أن تعوّضه.

نحو تواصل أهدأ وأكثر وعيا

وتضيف الدكتورة سحر أن الرسائل النصية، رغم سهولتها، تحمل مساحة واسعة لسوء الفهم، لأننا نكتبها وفق مشاعرنا الخاصة لا وفق إحساس المتلقي.

أما المكالمة الصوتية، فهي تتيح وضوح النبرة وتبادل المشاعر والتصحيح الفوري.

وتوجّه نصيحة إلى الأهالي قائلة: "إذا كان أبناؤكم يتجنبون المكالمات، فلا داعي للضغط أو القلق. فالأمر انعكاس طبيعي لعصر سريع التغيّر، وليس ضعفا في الشخصية. المهم هو مساعدتهم على إيجاد التوازن وإعادة إحياء التواصل الإنساني تدريجيا".

وتنصح من يعاني من الخوف من المكالمات بالبدء بخطوات بسيطة: مكالمة قصيرة مع شخص مريح، مع ممارسة تمارين التنفس والهدوء والانتباه للجسد قبل الرد، لأن الإحساس بالجسد يمنح ثباتا نفسيا في لحظات التوتر.

وتختم "في زمن السرعة والتشتيت، علينا أن نتذكّر أن الصوت البشري يذكّرنا بأننا بشر قبل أن نكون مستخدمين لتطبيقات. فالحضور الإنساني لا يمكن أن يُستبدل بإشعار أو رسالة".

"حقّ الصمت" في زمن التواصل

في عالمٍ بات فيه الجميع "متاحين دائما"، أصبح الصمت نوعا من المقاومة. كثير من المراهقين يعتبرون عدم الرد على المكالمات خيارا مقصودا وحقا في الحفاظ على الخصوصية.

تقول زهرة شلبي، فتاة في الـ16 من عمرها: "أحيانا أترك الهاتف على الوضع الصامت فقط لأحصل على بعض السلام".

لم يعد تجاهل المكالمة يعتبر قلة ذوق كما في الماضي، بل صار وسيلة لوضع حدود شخصية في زمنٍ تتداخل فيه الحدود بين الراحة والانشغال.

إعلان

فالهاتف، الذي وُجد أساسا للتواصل، تحوّل إلى أداة لإدارة المسافة بين الذات والآخرين.

قواعد و"آداب" رقمية جديدة

ما يبدو للكبار جفاء أو قلة اهتمام، هو بالنسبة للمراهقين قواعد لياقة رقمية جديدة. الاتصال المفاجئ بات يُعتبر اقتحاما للخصوصية، بينما إرسال رسالة قبل الاتصال صار علامة احترام.

هذه القواعد غير مكتوبة، لكنها مفهومة بينهم بوضوح:

قبل الاتصال، يرسل أحدهم "هل عندك وقت للمكالمة؟"، وإن لم يتلقّ ردا، يؤجّل الاتصال ببساطة. لقد تغيّر معنى الأدب والاهتمام: فبدل الإلحاح، أصبح الصبر واحترام المساحة شكلا جديدا من اللطف والوعي. ما يطلبه هذا الجيل ليس أن يتحدث أقل، بل أن يتواصل بشكل أصدق وأكثر هدوءا.

في عالمٍ يفيض بالإشعارات والتنبيهات والمكالمات غير المنتهية، ربما تكون المسافة والصمت والاختيار الواعي هي لغتهم الجديدة للحفاظ على إنسانيتهم.

مقالات مشابهة

  • دراسة تحذر: مواقع التواصل الاجتماعي تقلص قدرات الأطفال العقلية وتضعف تحصيلهم الدراسي
  • الشرع في موسكو.. وناشطون: ماذا عن الفيل الذي في الغرفة؟
  • فوبيا الهاتف.. لماذا يتجنب أبناء الجيل زد الرد على المكالمات؟
  • نوّه بالدور الاجتماعي والثقافي الذي يؤديه.. أمير الحدود الشمالية يطّلع على التقرير السنوي لنادي وزارة الداخلية
  • "سيد المسكين" الترند المجني عليه على صفحات التواصل الاجتماعي
  • نهى نبيل تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان حملها الخامس
  • الموت يغيب الفنان السوداني علي كايرو بعد يومين من إعلان توبته والحزن يخيم على مواقع التواصل الاجتماعي
  • لماذا تصر إسرائيل على تدمير أنفاق حماس؟
  • فيروسات الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي
  • تجديد حبس متهمة بإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي 15 يومًا