يعرف الخبراء العسكريون أن ما يجري في الجنوب منذ السابع من الشهر الجاري ليس مجرد تبادل للعمليات العسكرية بين "حزب الله" وقوات العدو، وإن بدا أن طرفي الصراع لا يزالان يدوران في فلك "قواعد الاشتباك"، التي نتجت عمّا تم التوافق عليه بعد حرب تموز في العام 2006. إلاّ أن تصاعد وتيرة المناوشات تشي بأن الأمور متجّهة نحو التصعيد الممنهج، أقّله بالنسبة إلى "حزب الله"، الذي بدأ ردّه على الاعتداءات الإسرائيلية يأخذ منحىً مغايرًا عمّا كان عليه الردّ المحدود في المكان والزمان المناسبين مع بداية "الطوفان"، خصوصًا أنه يبلغ جميع الذين يتمنون عليه ضبط النفس وعدم الانسياق إلى جرّ لبنان إلى حرب غير متكافئة، من حيث قدرة اللبنانيين على الاحتمال، أن للصبر حدودًا، وأنه لا يستطيع أن يبقى متفرجًا على ما يرتكبه العدو من مجازر في حق الأبرياء في غزة.
وما تشهده الساحات العربية من تظاهرات مؤيدة للحقّ الفلسطيني من شأنه أن يعطي "حزب الله" مشروعية أي عمل قد يقدم عليه، بغض النظر عن الخلاف الداخلي في لبنان بالنسبة إلى قرار الحرب والسلم. إلاّ أن ما هو أكيد أن الحزب لن يبادر إلى فتح أي معركة، وهو لا يزال حتى هذه الساعة قادرًا على ضبط شارعه، الذي يغلي، وهو قادر أيضًا على ضبط قواعد "اللعبة"، وإن كانت نوعية عملياته العسكرية الدفاعية بدأت تتماهى مع نبض الشارع العربي الغاضب. وهذا ما يقلق إسرائيل، التي أقدمت في الساعات الأخيرة على إخلاء المدنيين من المستوطنات المنتشرة على حدودها الشمالية، مع حشد ما يقارب مئة وخمسين ألف مجند على طول هذه الحدود، وذلك استعدادًا لما يمكن أن يفاجئها به "حزب الله" مما قد لا يخطر على بالها من مفاجآت. المراقبون السياسيون يتمنون ألاّ تتطور الأمور على الأرض نحو الأسوأ، لكن ما بين التمنيات والواقع فرقًا شاسعًا، وهذا ما يحاول "حزب الله" الإيحاء به من خلال تدرّج عملياته العسكرية النوعية، التي ستقود الجميع إلى القدر المحتوم، خصوصًا أن إسرائيل تدير بوجهها عن نداءات الإغاثة، وتضرب بعرض الحائط كل المساعي الدولية لوقف مؤقت لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية على عكس ما فعلته حركة "حماس" عندما أطلقت رهينتين أميركيتين. الذين يتواصلون مع القيادة العليا في "حارة حريك" يتوافقون من دون سابق تخطيط على أن ما لدى "حزب الله" من معلومات عمّا يخطَّط للمنطقة عبر ضرب فلسطينيي غزة، وربما في وقت لاحق فلسطيني الضفة الغربية، قد لا تكون متوافرة لغيره، خصوصًا أنه على تماس مباشر مع طهران، التي هي في صورة كل ما يجري على أرض الواقع. وهذا ما كان كشفه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لصحيفة "الواشنطن بوست" في العام 2016، الذي أشار إلى "أن لا خلاف بين إيران وإسرائيل سوى السلاح النووي"، وقال"أما في بقية الأمور فنحن وإيران وإسرائيل نتفق على كل شيء". إلاّ أن هذا الكلام لا يعني بالضرورة انعكاسًا لحقيقة الوضع الحالي، ولكنه كلام يتداوله البعض في عدد من المجالس المغلقة. وبالعودة إلى الاستعدادات اللبنانية لمواجهة ما يمكن أن يكون عليه الوضع الميداني في الساعات أو الأيام المقبلة على وقع ما تنقله الصحافة الأجنبية العالمية، التي تشير إلى أن حجم الرد الإسرائيلي في غزة هو الذي سيحدّد مستقبل لبنان، الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية جعلت نحو ثمانين في المئة من اللبنانيين يقفون تحت خط الفقر. وفي رأي الاعلام الغربي فإن لبنان، وفي حال دخوله الحرب قد يعرّض هيكل البنية التحتية الأساسية للحياة اليومية للقصف والهدم، مما قد يجبر جيلاً آخر من اللبنانيين على هجرة البلاد. من يراقب جيدًّا ما يجري في الجنوب يتيقّن أن "حزب الله" بدأ بـ "تزييت" آلياته استعدادًا لـ "المنازلة الكبرى" اذا حصلت.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
حزب الله بين التكيف والانتظار
يتجه حزب الله إلى مقاربة جديدة تمهيدا للمرحلة المقبلة، تقوم على التكيّف مع موازين القوى الإقليمية والدولية التي تشهد تبدلات عميقة. فعلى المستوى اللبناني، لا تزال الخروقات الإسرائيلية قائمة، والتوتر عند الحدود الجنوبية مستمر بشكل متقطّع، وإن كان مضبوطًا ضمن سقف محدد. في المقابل، تتجه البلاد نحو محطة مفصلية تتمثل بالانتخابات النيابية المرتقبة، والتي يسعى الحزب من خلالها إلى تثبيت مواقعه السياسية والشعبية بعد مرحلة من الضغط والتحديات الداخلية والخارجية.على خطٍ موازٍ، لا يمكن تجاهل المؤشرات الآتية من سوريا، حيث بدأت تبرز إشارات إلى انفتاح أو تواصل غير مباشر بين النظام السوري وإسرائيل، ولو تحت مظلة تفاهمات أمنية أو ميدانية محدودة. هذا التطور لا يُقرأ في "حزب الله" على أنه قطيعة بالضرورة، لكنه بلا شك يعكس مسارًا متبدّلًا في مقاربة دمشق للصراع الإقليمي، وهو ما يعمّق، بحسب بعض المصادر، الهوّة بين الحزب والنظام، في ظل وجود خصومة سياسية تاريخية معه.
في السياق الإقليمي، تعود المفاوضات الاميركية - الإيرانية لتتصدر الواجهة، مدفوعة بحاجة الطرفين إلى تهدئة شاملة. وإذا ما كُتب لهذه المفاوضات أن تتقدّم، فإن الحزب سيكون أحد أبرز المستفيدين من مناخ الاستقرار الناتج عنها، خصوصًا أنه بات يدرك أن أي مواجهة واسعة ليست في مصلحته في الوقت الراهن. ووفق مصادر مطلعة، فإن الحزب يُظهر استعدادًا واضحًا للتعايش مع المرحلة، بل ينظر إليها كفرصة لترتيب أوراقه الداخلية، السياسية والتنظيمية والمالية.
هذا المناخ الهادئ نسبيًا، والذي قد يفرضه التفاهم الإيراني - الاميركي، لا يبدو أن الحزب سيعارضه، بل على العكس، قد يراه مناسبًا لإعادة التموضع داخل الساحة اللبنانية، لا سيما إذا ترافقت التهدئة مع انشغال إسرائيل بتحدياتها الداخلية، سواء السياسية أو الأمنية. أما في ما يخص العلاقة مع سوريا، فسيبقي الحزب تعاطيه في حدود الضرورة، باعتبارها دولة شقيقة، وإن تباعدت الخيارات في الملف الفلسطيني.
خلاصة المشهد تفيد بأن حزب الله يدخل في مرحلة من التهدئة المدروسة، ستتيح له استعادة التوازن داخليًا، والبقاء على تماس مع الملفات الإقليمية من دون التورط فيها. مرحلة السلم المقبلة ليست مرحلة انسحاب، بل هي، بالنسبة إليه، فرصة لإعادة الانتشار السياسي تمهيدًا لجولة جديدة في المشهد اللبناني المعقّد.
المصدر: لبنان24 مواضيع ذات صلة لقاء نقابي في الهرمل بين "حزب الله" وحركة "أمل" Lebanon 24 لقاء نقابي في الهرمل بين "حزب الله" وحركة "أمل"