لماء الفراغ الذي خلَّفه فقدان الغاز الطبيعي الروسي، يتدافع القادة الأوروبيون جميعا إلى دولة وحدة، هي قطر، لطلب المساعدة، بحسب تقرير لميليسا لوفورد في صحيفة "ذا تلجراف" (The Telegraph) البريطانية ترجمه "الخليج الجديد".

وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على صادرات الطاقة الروسية؛ على خلفية حرب تشنها روسيا على أوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022، وتبررها بأن خطط جارتها للانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) تهدد الأمن القومي الروسي.

لوفورد قالت إن شركة قطر للطاقة، المملوكة للدولة، وقَّعت ثلاثة عقود ضخمة، لتزويد فرنسا وإيطاليا وهولندا بالغاز الطبيعي المسال لعقود قادمة، فيما ترتبط الدولة الخليجية وألمانيا باتفاق بالفعل.

فخلال أسبوعين فقط، أعلنت الشركة القطرية عن صفقات مع "توتال إنيرجي" و"شل" و"إيني" لتزويد فرنسا وهولندا وإيطاليا بملايين الأطنان من الغاز الطبيعي المسال، بداية من عام 2026.

وبموجب هذه الصفقات الضخمة، يستمر الاتفاقان مع فرنسا وهولندا 27 عاما، بينما يستمر الاتفاق مع إيطاليا 26 عاما، كما أردفت لوفورد.

وسنويا، ستشحن قطر 3.5 مليون طن من الغاز السائل إلى فرنسا، أي حوالي 14% من إجمالي واردات الدولة الأوروبية من الوقود في 2022.

اقرأ أيضاً

الثالثة خلال شهر.. قطر للطاقة توقع اتفاقية لتصدير الغاز لدولة أوروبية جديدة

أحد أكبر الاحتياطيات

وبحسب كارول نخلة، الرئيس التنفيذي لشركة "كريستول إنرجي"، فإن "فقدان الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية ترك فجوة كبيرة في السوق".

وأولا، توجهت أوروبا نحو الولايات المتحدة لتعزيز إمداداتها، لكن قطر أصبحت أقرب وأكثر استعدادا لإبرام صفقات طويلة الأجل؛ إذ تمتلك أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، ويعتمد اقتصادها على الوقود الأحفوري، كما أضافت لوفورد.

واعتبر بيل ويذربورن، محلل السلع الأساسية في شركة "كابيتال إيكونوميكس"، أن هذه "العقود الجديدة تمثل علامات مبكرة على أن أوروبا تبتعد عن الولايات المتحدة باعتبارها المورد الرئيسي لها".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قدمت قطر والولايات المتحدة 19.9% و21.7% من صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية على التوالي.

اقرأ أيضاً

أمير قطر يضع حجر الأساس لتوسعة حقل الشمال للغاز

إمدادات طويلة الأجل

وفي 2022، ارتفعت شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بنسبة 66%، لتحل محل الإمدادات الروسية، وفقا للاتحاد الدولي للغاز.

وجاء الجزء الأكبر من هذه الزيادة من الولايات المتحدة، لكن الإمدادات من الشرق الأوسط ارتفعت أيضا، وتشير العقود الجديدة مع قطر إلى أن أوروبا تتجه شرقا للحصول على إمداداتها طويلة الأجل.

ورأت لوفورد أن الارتفاع الكبير في الطلب من أوروبا يأتي في توقيت جيد بالنسبة لقطر؛ إذ استثمرت مليارات الدولارات لزيادة إنتاجها بما يقرب من الثلثين بحلول 2027.

وتستهدف الدوحة هذه الزيادة من مشاريع توسعة حقلي الشمال الشرقي والشمال الجنوبي، وسيعملان معا على إنتاج 48 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.

اقرأ أيضاً

أمير قطر يضع حجر الأساس لتوسعة حقل الشمال للغاز

جسر بري للغاز

وليست أوروبا وحدها التي تعمل على تعميق العلاقات مع قطر، فحتى العام الماضي كانت الدولة الخليجية أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى المملكة المتحدة، بحسب لوفورد.

لكن الولايات المتحدة تحتل حاليا المركز الأول، إذ زودت المملكة المتحدة بنصف الغاز الطبيعي المسال، وفقا للبيانات الحكومية. ومع ذلك، ظلت قطر توفر 30% من الاحتياجات البريطانية.

وتلعب المملكة المتحدة دورا رئيسيا في صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا؛ إذ تمتلك ثاني أكبر بنية تحتية لإعادة تحويل الغاز في جميع أنحاء القارة، وهي بمثابة جسر بري للواردات من الولايات المتحدة وقطر إلى أوروبا.

وهذه الشراكات مع قطر ساعدت قادة باريس وروما وأمستردام وبرلين على إبعاد بلدانهم عن غاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ مما أدى إلى التخلص من نفوذ الكرملين على هذه العواصم، كما ختمت لوفورد.

اقرأ أيضاً

موقع روسي: هل تدفع أوروبا قطر للانضمام إلى حرب الغاز؟

المصدر | ميليسا لوفورد/ ذا تلجراف- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أوروبا قطر غاز مسال صفقات روسيا الغاز الطبیعی المسال الولایات المتحدة اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

طمعا بالنفوذ.. أوروبا تمنح ترامب الوصاية على اقتصادها

يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض قيود تدريجية جديدة على الغاز الروسي بجميع أنواعه. هكذا تظهر أحدث التقارير الاقتصادية التي تشير إلى أن القيود سوف تشمل كذلك المعاملات الفورية التي تشكّل نحو ثلث الحجم التعاملات الحالية بين أطراف من القارة العجوز (أوروبا) وموسكو. من خلال تلك القيود، تطمح بروكسل إلى التخلص من الغاز الروسي بشكل تام في غضون 3 سنوات، وهو رقم مهم جدا وله دلالات سياسية إلا أنّه صعب التحقق إن لم نقل شبه مستحيل.

تراهن المفوضية الأوروبية على جملة من المعطيات، وتبني الأمر على توقعات ضمن دراسات وإحصاءات تشير إلى ظهور كميات جديدة من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي والقطري بحلول أواخر عام 2027.

في هذا التاريخ يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اقترب من دخول السنة الرابعة والأخيرة من ولايته، في حينه قد تسود حالة واسعة من عدم اليقين، وربّما تخفّف من صرامة نهج الإدارة الأمريكية الحالية، وتدفع كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى البحث عن موارد جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية لتعزيز برنامج كل منهما الانتخابي.

هذا التوجه الأوروبي المستجد، والذي يتجاوز الإجراءات السابقة للحد من استخدام الغاز الروسي ليشمل دولا أوروبية بقيت تستفيد من ذاك الغاز عبر أنابيب السيل البلقاني والعقود الفورية وحتى قنوات ملتوية، يحمل الكثير من المخاطر الجدية على الاقتصاد الأوروبي
وبالتالي، فإن بروكسل تسعى من خلال هذه السياسة إلى احتواء النهج الاندفاعي لترامب، والحدّ من الضربات المتوالية التي يسددها إلى النفوذ السياسي لأركان أوروبا (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا..)، حيث تحاول مخاطبته باللغة التي يفضلها، وهي لغة "الصفقة" التي تدرّ المنافع السياسية والاقتصادية المستدامة، وفي الوقت نفسه تمنح الاتحاد فرصة لشراء الوقت، وكذلك من أجل تلافي أيّ مواجهة سياسية مباشرة مع واشنطن في ظل اللامبالاة الهائلة التي تظهرها الأخيرة إزاء هواجس حلفائها في القارة العجوز.

تنتهج إدارة ترامب منذ دخولها البيت الأبيض نهجا غير تقليدي، يرتكز على إعادة صياغة وتشكيل شبكة تحالفتها حسبما تقتضيه المصالح الاقتصادية والتجارية على قاعدة الشعار الذي رفعه الرئيس ترامب إبان حملته الانتخابية "أمريكا أولا".. وهذا ما دفعها إلى استخدام أدوات الضغط الأقصى على أوكرانيا لحملها على القبول بتسوية الصراع حسب المعايير الروسية، مع إغفال أيّ دور لبروكسل على طاولة الوساطة والمفاوضات.

نجحت السياسة الأمريكية في جلب اتفاق مع كييف بشأن استثمار المعادن في باطن الأرض، وحسب الشروط الأمريكية بما يعود عليها بمنافع مالية واقتصادية هائلة على المدى البعيد، في موازاة إطلاق حوار مع روسيا للتفاهم معها، ليس حول الصراع في أوكرانيا فحسب، بل كذلك بما يؤسّس لتعاون مستدام يفيد كلا الطرفين من خلال استغلال الفرص الاستثمارية والقدرات الجيوسياسية المشتركة.

بيد أنّ هذا التوجه الأوروبي المستجد، والذي يتجاوز الإجراءات السابقة للحد من استخدام الغاز الروسي ليشمل دولا أوروبية بقيت تستفيد من ذاك الغاز عبر أنابيب السيل البلقاني والعقود الفورية وحتى قنوات ملتوية، يحمل الكثير من المخاطر الجدية على الاقتصاد الأوروبي المترنح أساسا.

تمتلك روسيا وكذلك الحال بالنسبة إلى الصين؛ الكثير من أوراق القوة، وهذا ما جعل الأولى قادرة على مواجهة أمريكا خلال عهد الرئيس الأسبق جو بايدن، ومنح الثانية القدرة على إحداث التوازن الكابح لجموح ترامب في قراراته وإجراءاته ضدها، فيما تبدو أوروبا الطرف الأضعف بالمقارنة مع الأطراف الثلاثة
ذلك أنّ بروكسل تحاول إعادة تشكيل وصياغة تحالفها غير المتوازن مع أمريكا عبر سلاح الغاز، وتروم وضع ناصية اقتصادها في يد ترامب من خلال إغرائه بتحويل السوق الأوروبية كلها إلى مستورد للغاز الأمريكي، رغم الفجوة الهائلة في تكاليفه بالمقارنة مع نظيره الروسي، وما لذلك من تأثير سلبي يعزز من حجم التضخم وارتفاع الأسعار، المهم أن لا تتخلى واشنطن عن أوروبا.

وحسب التقارير، فإن النظرة التي تحكم القيادات الأوروبية إزاء هذا الخيار هي "مخاطر سياسية" أسوأ بكثير من تلك التي تحيط باستخدام الغاز الأمريكي، حيث تعتبر أنّ الأثمان الاقتصادية الباهظة تبقى أخف وطأة من انفراط عقد التحالف الأوروبي- الأمريكي، فتصبح القارة العجوز وقت ذاك عارية وبعيدة عن أيّ تحالف سياسي.. وتفقد الكثير من بريقها وأوراق قوتها.

ومع ذلك، يبقى هذا الخيار شديد الخطورة على بروكسل بالنظر إلى ما تعانيه الاقتصادات الأوروبية، في طليعتها ألمانيا التي تعد قاطرة أوروبا الاقتصادية، والتي تكابد ركودا اقتصاديا لم تشهد مثيلا له منذ عقود. وهذا الركود كان محفزا لانهيار الائتلاف السياسي الحاكم وظهور بوادر عدم استقرار سياسي وتصاعد مناخ الاستقطاب على وقع ارتفاع شعبية أحزاب وقوى اليمين المتطرف.

والحال في بقية الدول الأوروبية ليس أفضل، حيث تتعرض الكثير منها إلى أزمات اقتصادية تنعكس اختلالا في المناخ السياسي. وعليه، فإنّ توجه بروكسل طواعية إلى منح واشنطن وصاية اقتصادية عليها قد يفضي إلى انفجار الأزمات الاقتصادية خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع ما لذلك من آثار سلبية على الاستقرار ربما تطيح بالهيكل السياسي التقليدي الحاكم، ولا سيما أنّ التطورات السياسية كشفت ضعف مناعته.

في المقابل تمتلك روسيا وكذلك الحال بالنسبة إلى الصين؛ الكثير من أوراق القوة، وهذا ما جعل الأولى قادرة على مواجهة أمريكا خلال عهد الرئيس الأسبق جو بايدن، ومنح الثانية القدرة على إحداث التوازن الكابح لجموح ترامب في قراراته وإجراءاته ضدها، فيما تبدو أوروبا الطرف الأضعف بالمقارنة مع الأطراف الثلاثة المذكورة. ولذلك يمضي قادتها في خيار شديد الخطورة وأقرب إلى طابع شبه انتحاري، في موازاة اجتماعات مكثفة ودراسات غير تقليدية تروم البحث عن فرص جيوسياسية جديدة وغير تقليدية.

مقالات مشابهة

  • موريتانيا والسنغال تدشنان تصدير الغاز الطبيعي من حقل مشترك
  • دولة عربية تترقب وصول سفينتي تغييز غاز مسال خلال 3 أسابيع
  • طمعا بالنفوذ.. أوروبا تمنح ترامب الوصاية على اقتصادها
  • فائقة النشاط.. اكتشاف مجرة ضخمة ومنظمة تبلغ 10 أضعاف درب التبانة
  • اكتشاف مجرة ضخمة تعود لبدايات تشكل الكون
  • مصر ترفع وارداتها من الغاز المسال إلى 7 شحنات في يونيو المقبل
  • عوامل السوق:
  • المهندس الكعبي: حقل الشمال يرفع الإنتاج إلى 142 مليون طن سنوياً وهذا سعر النفط الضامن لاستدامة الاستثمار
  • تمهيدا للتشغيل التجريبي.. بدء أعمال توصيل خط الغاز الطبيعي لمدينة الحمام
  • كهرباء الشارقة تنجز 53% من شبكة الغاز الطبيعي في منطقة القطينة 1