كما أسلفنا في موضوع سابق كانت غزة بوابة القدس، ثم تحّولت إلى المدينة الاقتصادية في الزمن اللاحق وعُرفت بغزة هاشم، لأن جد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هاشم بن عبد مناف كان يحضر إلى غزة بأكبر قافلة وكان مشهوراً بالكرم والجود فأطلقوا اسمه على المدينة، من ذلك التاريخ تحولت فعلاً إلى سوق تجارية للمنطقة وبالتالي لا يليق بنا كمسلمين وعرب أن نترك هذه المدينة تواجه وحدها مصيرها المحتوم بالتهويد والضياع، في ظل هذا التعنّت الصهيوني مقابل التردي الذي تعيشه خير أمة أخرجت للناس.
أبناء غزة أدوا واجبهم كاملاً وقدموا تضحيات جسيمة، والقيادات العربية والإسلامية أدت واجبها بشكل عكسي، استنكرت، وأدانت وحذّرت مما يقوم به الصهاينة، لكن هؤلاء الصهاينة يعلمون أن هذه التهديدات والشجب ليست إلا لرفع العتب وإسقاط الواجب، بينما أهل غزة يُعلنون الاستعداد لنيل الشهادة وتحمل رعب الطائرات، وخطباء المساجد يتحدثون عن عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي وأمجاد فتح القدس واستردادها ويدعوا الله أن ينصر أهل غزة على القوم الكافرين، والجماهير تردد ورائهم كالعادة آمين.. آمين، والمثقفين مشغولين بمن يهرول نحو التهويد وتدنيس القدس والقادة أنفسهم كلاً منهم ينتظر دوره للتطبيع والهرولة نحو الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني ونحن في الحقيقة، أعني بذلك الجماهير، على يقين أن المهرولين والمُطبعين يمثلون الدم الفاسد في جسد الأمة، فنقول لهم يكفي خطابات ومسيرات فالتطبيع يتم الآن تحت الطاولة بعد أن تم فوق الطاولة، وغزة والقدس كلاهما بحاجة إلى معركة فاصلة وعناء ومكابدة وإلا فسيأتي الوقت الذي يظهر فيه الحُكام عرايا أمام مجتمعاتهم، كلما أمعنوا في المغالطة والتبرير الكاذب والهروب من الحقيقة.
نحن اليوم نخوض معركة دمار غزة، وغداً سنخوض معركة ضياع القدس – لا سمح الله – بالكلمات الرنانة والشعارات والآمال والأماني ، فربما رضي عنا بايدن وربما تراجع نتنياهو، وربما أصابت الكلمات الصهاينة جميعاً في مقتل بعدما أصبح واضحاً أنه لا فرق بين متشدد وغير متشدد، فكلهم صهاينة يعملون وفق مخطط واحد ومحدود وواضح منذ هرتزل وحتى نتنياهو، يتمثل في العنصرية والتطرف وكراهية العرب والمسلمين وكتبوا بالدم وثيقة فناء هؤلاء البشر بعداء تاريخي واضح، وسنظل نحن نراوح مكاننا نشحذ ألسنتنا ونسنّ أقلامنا لتنميق الكلمات واختيار العبارات التي نعتقد أنها ستحمي القدس وتجنب غزة الأهوال والكوارث، وعندما نصحو من النوم نكتشف أنها مجرد كلمات حلّقت في الهواء دون أن تحقق أي شيء، فإلى متى سيظل هذا الوضع ؟! وهل فعلاً هناك قرار تم اتخاذه في الخفاء يؤكد ضرورة أن يصبح الكيان الصهيوني السيد الأول في المنطقة، والعرب والمسلمون مجرد أتباع، هذا ما تفصح عنه الأحوال في الكثير من الدول العربية حتى التي لم تُطبع، فلقد انساقت وراء فكرة تطوير مناهج التعليم وعملت على تغيير العبارات التي كانت تتحدث عن العداء للصهاينة، بل وهناك دول عربية لم تتردد عن الإشارة إلى محرقة الهولوكست ومظلمة اليهود وهي على يقين بخطورة هذه التحولات خاصة على الأجيال.
لذلك نجد كثير من الغفول ونحن نُشاهد الجميع يحاصر ويحرك البلدزورات لهدم المنازل وإحكام الحصار على غزة والقدس، وطمس معالم الهوية العربية والإسلامية، نؤكد أن التاريخ لن يغفر لأحد هذه الفعلة الشنعاء عندما يتم إبادة أبناء غزة الأبطال وتضيع القدس، ماذا سنقول للأجيال؟! التاريخ سيُلعن الجميع.. الساكتون والمطبعون ومن استبد بهم الخجل، فهل نرحم أنفسنا ويعود كلاً منا إلى رشده ليدافع عن هذه الأرض المقدسة؟! أظن أنه قد آن الأوان لتحقيق هذه الغاية، وستكون القدس وفلسطين هما محور التمييز بين الحق والباطل وبين الرُشد والظلال، ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) صدق الله العظيم.. والله من وراء القصد..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أيها الصهاينة.. ارحلوا
سالم بن نجيم البادي
أيُّها الصهاينة، لقد حان الوقت لرحيلكم. ألم تسأموا من خوض كل هذه الحروب؟ ومنذ قدومكم إلى فلسطين وأنتم من حرب إلى أخرى، ومن مجزرة إلى مجزرة أخرى. لقد أوغلتم في سفك الدماء عبر مجازر مريعة، وسجونكم مكتظة بالسجناء العرب، وأخلَيتم قرى وبلدات من سكانها العرب بالتهجير والقتل وسلب الممتلكات وسرقة الأراضي، وأخرجتم أهل فلسطين إلى مخيمات الشتات داخل فلسطين وخارجها، وعمليات الاغتيال تلاحق الإنسان الفلسطيني في كل مكان، وقمتم ببناء المستوطنات، وجلبتم اليهود من كل أصقاع الأرض لزيادة عددكم بعد أن طردتم أصحاب الأرض. وتعتمدون على المساعدات الخارجية والتبرعات من بني جلدتكم ومن أصحاب المصالح المختلفة. والآن أنتم تمارسون حرب الإبادة والتجويع والتهجير في غزة، وتعلنون الحرب على إيران ولبنان وسوريا واليمن.
إلى متى سوف تستمرون في شن الحروب؟ إلى متى سيظل جيشكم ويده على الزناد، والأجهزة الأمنية وعناصر الشرطة عندكم في وضع الاستعداد دائمًا؟ ألم تسأموا من اقتحامات المدن الفلسطينية، ومن هدم البيوت والاعتقالات؟ إلى متى ورائحة الدم والبارود تزكم أنوفكم؟ إلى متى والخوف يلاحقكم في الحافلات والأسواق والبيوت وأماكن العمل؟ كيف تستطيعون العيش والوضع الأمني عندكم غير مستقر على الدوام؟
من أجل راحتكم: ارحلوا.
وتحيط بكم شعوب تكره أفعالكم، حتى أولئك الجيران الذين أبرموا معكم اتفاقيات سلام لا يحبونكم إطلاقًا.
أنتم تعيشون في وسط يعتقد أنكم غرباء، والغرباء يرحلون مهما طال الزمن، وجيرانكم العرب يعتقدون اعتقادًا راسخًا أن كل احتلال مصيره الزوال، وأن الحق سوف يعود يومًا ما إلى أصحابه، وأن عدالة السماء هي الغالبة.
أنتم لا تريدون السلام، ولم تلتزموا بكامب ديفيد، ولا بوادي عربة، ورفضتم مبادرة السلام العربية، وسلبتم السلطة من السلطة الفلسطينية، حتى صارت هذه السلطة بلا سلطة، ولا حول لها ولا قوة، واليد الطولى لكم في القدس والضفة الغربية، تفعلون ما تريدون.
لقد قمتم ببناء قوة عسكرية هائلة، ولديكم القنابل النووية، والأسلحة المحرمة، ولديكم تفوق عسكري وتقني وتكنولوجي واستخباراتي، وقمتم ببناء الحواجز الأمنية في كل مكان، والجدران الفاصلة تحيط بكم، لكن كل ذلك لم ينفعكم، ولم يجلب لكم الأمن، والخوف يسكن قلوبكم، والهاجس الأمني يقض مضاجعكم في كل الوقت، والعمليات الفدائية ضدكم لا تتوقف، وتسيل دماؤكم أحيانًا، وتكاد تنخلع قلوبكم من الرعب إذا رأيتم شبلًا فلسطينيًا يعتمر الكوفية الفلسطينية ويحمل حجرًا.
وتقتلون الرجال والنساء والأطفال لمجرد الاشتباه، فلماذا تعيشون في خوف وقلق؟ ارحلوا.
إن الشعب الفلسطيني متشبث بأرضه، برغم مرور الوقت الطويل على احتلالكم لأرضه، ومتمسك بهويته الفلسطينية، ويرفض الذوبان في مجتمعكم العنصري والهش، الذي يتكون من توليفة غريبة وغير منسجمة، ولا تجمعها روابط متينة، ولا عقيدة واحدة راسخة، ولا هوية مشتركة؛ فكيف لنا أن نتصور حدوث انسجام بين أشخاص قدموا من اليمن مثلًا أو العراق أو المغرب وتونس، مع من قدموا من روسيا وأفريقيا ودول أوروبا؟
وإن الاعتقاد بأن تمسك كل أطياف المجتمع الإسرائيلي بالدين اليهودي هو اعتقاد غير صحيح.
لقد سرقتم الأرض، وزورتم التاريخ، وحتى التراث الفلسطيني سرقتموه، وقمتم بمحاولة طمس كل ما يثبت أن أرض فلسطين ليست لكم، وأن كل تاريخكم قائم على الكذب والتزوير والسرقة.
أيها الصهاينة، عودوا إلى أوطانكم من أجل أن تعيشوا في سلام وأمن واستقرار، بعيدًا عن الخوف والحروب والقتل والدم والعداء والكراهية.
واعلموا، أيها الصهاينة، أن الفلسطيني باقٍ في أرضه إلى يوم القيامة، وأن مقاومة احتلالكم سوف تستمر، تتوارثها الأجيال المتعاقبة في فلسطين. ونريد لكم وللشعب الفلسطيني الخير والمحبة والسلام، ومن أجل ذلك: ارحلوا.
رابط مختصر