السعودية الغائب الأكبر في أعنف عدوان همجي على غزة
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
كشف حملة تحريض سعودية هي الأخطر على المقاومة الفلسطينية
الثورة / هاشم الأهنومي
وسط حضور عالمي وعربي كبير شهد حرب الإبادة والعدوان الصهيو امريكي على قطاع غزة المستمرة للأسبوع الرابع على التولي، ظهرت السعودية الغائب الأكبر بشكل غير مسبوق لأي شكل من أشكال الدعم .
وأبرز مراقبون أن السلطات السعودية لم تتخذ أي مواقف حقيقية يمكنها التأثير لوقف الحرب رغم أنها تملك أدوات كثيرة للضغط والتأثير، ولا المجتمع خرج للشوارع تضامنا وتعبيرا عن الغضب كما فعلت غالبية دول الخليج
بموازاة ذلك منع الديوان الملكي الخطباء من الحديث علانية عن جرائم الحرب الحاصلة بحق الفلسطينيين ولم يتم السماح بفتح حملات الإغاثة الحكومية التي أصبحت المنصة الوحيدة التي يمكن للناس التبرع من خلالها للعمل الإنساني
وفي العالم العربي، حيث يسود الاستبداد والقمع للأسف، وتُقهر الإرادة الشعبية، كانت المواقف العربية الرسمية عاراً لا يماثله عار وصفحة مخجلة في التاريخ العربي.
ومن الصعب حقيقة تخيل كيف يمكن للأجيال القادمة أن تصدق، أن من يسمون أنفسهم زعماء وقادة عرب اتخذوا مواقف مثل هذه في هذه الأيام، وأنهم خذلوا أشقاءهم، في أقل الأحوال إذا لم يكونوا شركاء في دمائهم.
فهذه الأنظمة التي تحرك جيوشها لقمع شعوبها حين تطالب بحقوقها، لم تكتف هذه المرة بالصمت على ما يجري على بعد مسافات بسيطة من قواعدها، لا بل تحركت عند الحدود، لتحميها من احتجاجات شعبية عندها.
وفي السعودية الكل يتساءل ويستغرب غياباً ملحوظاً وغير مسبوق لأي شكل من أشكال الدعم، غياب أو تغييب، يطول الشرح والتفصيل.
فلا السلطة اتخذت مواقف حقيقية يمكنها التأثير وهي تملك أدوات كثيرة للضغط والتأثير، ولا المجتمع خرج للشوارع تضامنا وتعبيرا عن الغضب كما فعل البحرينيون والقطريون والكويتيون والعمانيون.
ولا الخطباء تحدثوا، ولا حتى فُتحت حملات الإغاثة الحكومية التي أصبحت المنصة الوحيدة التي يمكن للناس التبرع من خلالها للعمل الإنساني، بالرغم من أن حملات مساعدات واسعة بدأت في الجوار الخليجي.
وفي السعودية نفسها، التي يتفاخر ذبابها بعظمتها المزعومة، تم استدعاء أصحاب حسابات رياضية تحدثوا عما يجري في غزة وجميعهم غردوا بعبارة موحدة، “اعتذر على ما بدر مني من نشر تغريدات لها علاقة بالأمور السياسية في رياضتنا الحبيبة”.
وذلك في مشهد عبثي يدل إلى أيّ درجة وصل القمع، ومن يعبر عن تعاطفه، يكتب بحذر وخجل شديد، وأي خروج عن النص يقابل بالقمع والإذلال.
وبذلك، كان البلد الذي يحتضن أهم المقدسات الإسلامية، هو البلد العربي الأقل تضامنا ودعماً وحضوراً في هذه الأحداث، رغم مواقفه السابقة على الأقل العلنية والمجال المحدود الذي كان متاحاً لشعبه للتعبير والتضامن، والذي أغلق تماماً مع وصول النظام الحالي للسلطات وحتى حملات التبرع والإغاثة، والتي لم تتح حتى هذه اللحظة.
فالمجال العام في السعودية مغلق، والسلطات لم تستخدم حتى الحد الأدنى من الإمكانيات والأدوات الكثيرة التي يمكنها لو أرادت وكانت جادة أن تستخدمها للضغط والتأثير لوقف مخطط الإبادة الجماعية والتهجير في غزة.
لكن الثابت أن ولي العهد محمد بن سلمان اختار تقزيم السعودية إلى صورة غير مسبوقة، فمن بداية الأحداث هناك غياب شبه تام للسعودية وحتى في محادثات التهدئة كان حضور مصر وقطر هو الأبرز.
تحريضات سعودية تدعم الكيان الصهيوني
كشفت أوساط المعارضة السعودية عن حملة تحريض سعودية هي الأخطر على المقاومة الفلسطينية في ظل حرب إسرائيل الوحشية على قطاع غزة.
وقالت أوساط المعارضة إنه بتنسيق مع (إسرائيل) كُلّف عدد من الذباب التابع لما يسمى “مركز اعتدال” الحكومي بإنشاء حسابات في وسائل التواصل يتقمصون فيها شخصيات من غزة.
وأوضحت أن الهدف من الحملة مهاجمة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية القصف والدمار والقتل الذي ترتكبه إسرائيل، إضافة لقائمة طويلة من التهم الموجهة لحركات المقاومة أو لأشخاصها.
وقبل ذلك فضح تحقيق تحريض حسابات سعودية ضد المقاومة الفلسطينية وتنتقد العملية العسكرية التي قامت بها كتائب القسام ضد إسرائيل في إطار عملية “طوفان الأقصى”.
وأفادت منصة “إيكاد” الاستخباراتية، بأنه تزامنًا مع بداية عملية “طوفان الأقصى”، ظهرت حسابات سعودية تهاجم المقاومة الفلسطينية.
وبحسب التحقيق ظهرت هذه الحسابات بروايات وسردية متطابقة تمامًا، مُرددة الجمل والعبارات ذاتها بكثافة بعد ساعات فقط من بدء عملية “طوفان الأقصى”.
وقد ركزت الحسابات على ترويج مزاعم حول استهداف المقاومة للمدنيين الإسرائيليين ومعاملتهم بوحشية وأسرهم، مُرفقين تغريداتهم بصور لنساء وروايات مضللة حولهن.
الحسابات ذاتها زعمت أن ما يحصل مجرد مسرحية بين المقاومة وإسرائيل، وأن هدفها الرئيسي جمع المال والدعم لا أكثر، مُرددة كذلك أن الشرع يحرم الحرب التي تقوم بها المقاومة لأنها تسبب مفسدة للبلاد والعباد.
والحسابات السعودية روّجت لوجود دور إيراني في عملية المقاومة لمنع إتمام صفقة السلام، وأن إيران نفَّذت الحرب لمنع إتمام اتفاقية دفاعية مع أمريكا، التي كانت ستُبرم حال نجاح مساعي التطبيع بين السعودية وإيران.
ومن خلال تحليل الحسابات التي رددت العبارات ذاتها وروّجت لسردية معادية للمقاومة، لاحظنا أنها لجان إلكترونية ممنهجة ومترابطة ومتفاعلة مع بعضها بشكل واضح، تتفاعل وتغرد مع الحسابات المركزية السعودية وتردد العبارات نفسها.
وهذه الحسابات تبيّن أنها لجنة واحدة بسبب تاريخ إنشاء حسابات عديدة منها (أُنشئ معظمها في أكتوبر وسبتمبر وأغسطس الماضي)، وأنها تتفاعل مع الحسابات ذاتها، وتروّج كذلك للسرديات نفسها.
هذه اللجان تضخم التفاعل على محتوى حسابات إسرائيلية معروفة، مثل حساب إسرائيل الرسمي، أو حساب “نيلي كوهين” الذي يعمل ضمن لجان إسرائيل في المغرب.
اللجان نفسها تروّج لمعاداة الإسلام وتصوره بأنه دين عنف، رابطين ذلك بدوافع المقاومة، والغريب أنها تتفاعل مع المحتوى الإباحي بكثرة على تويتر.
تحليل هذه الحسابات بيّن أنها تتفاعل مع عدة حسابات مركزية، كحساب “سام يوسف” و”كريم جاهين” (اللذَين كشفنا ارتباطهما بلجان إسرائيلية في تحقيق سابق)، أو حسابات مركزية أخرى مريبة، كسحاب “الكعام” و”توماس”:
حساب “الكعام” حساب وهمي، يروّج للعنصرية العرقية ومهاجمة جميع الدول العربية الأخرى، ويصف شعوبها بأنها ليست عربية، وهو أحد أهم الحسابات المركزية هنا.
تحليل “الكعام” أوصلنا لحسابه على تيك توك الذي يحمل هوية فتاة، تُعيد نشر ردود تُكتب باللغة العبرية، التي تنشرها حسابات تدعي أنها سعودية، لكن هذا ليس الأكثر غرابة في الحساب.
الغريب أن التحليل بيّن ارتباطه بعدة حسابات وهمية، كل واحدة منها مختلفة تمامًا عن الأخرى، فحساب “الكعام” مرتبط بحساب آخر على تيك توك يحمل هوية يمنية، ولكنه الآن يحمل الهوية السعودية.
كما ارتبط بحساب آخر على اليوتيوب يحمل هوية مغربية ويهاجم العرب ويدّعي أنه أمازيغي، رواية الحساب على يوتيوب تحمل النمط نفسه المُتبع من “الكعام” على تويتر.
هذه النتائج تؤكد أن “الكعام”، وهو أحد الحسابات المركزية في هذه اللجنة السعودية الصهيونية، حساب وهمي، يروّج للعنصرية ويدعم الرواية الصهيونية. أما الحساب المركزي الآخر الذي لا يقل غرابة عن “الكعام” هو حساب “توماس”.
وخلص التحقيق إلى أن هذه الحسابات التي تهاجم المقاومة الفلسطينية وتروّج لروايات معادية للعملية العسكرية، هي في الحقيقة لجان سعودية إسرائيلية ممنهجة، تضخم التفاعل على عدة تغريدات.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
"حزب الله".. بين ثبات القدرات وتغيّر الحسابات
خالد بن سالم الغساني
يشكل استشهاد رئيس أركان حزب الله، القائد هيثم علي الطبطبائي، الذي يُعد الرجل الثاني في الهرم العسكري للحزب، محطة شديدة الحساسية في مسار المُواجهة المفتوحة بين الحزب وإسرائيل.
ولا تكمن خطورة الحدث في فقدان شخصية مركزية فحسب؛ بل في غياب أحد أبرز العقول التي راكمت خبرة الحزب في إدارة الحروب والملفات الأمنية المعقدة. إنَّ رحيل هذا القائد الكبير يضع الحزب أمام مرحلة أكثر دقة في الحسابات، وسط اندفاع إسرائيلي أهوج، وثقة عمياء تغذيها مظلة الدعم الأمريكي التي تمنح سلطات الاحتلال شعورًا بأنَّ اللحظة سانحة لكسر التوازن أو إعادة صياغة قواعد الاشتباك.
ومع ذلك تكشف القراءة العقلانية أن ميزان القوى لم يتبدل كما يتخيله الكيان المحتل، ولا كما يحاول إيهام واشنطن ودوائر القرار في البيت الأبيض؛ فالحزب رغم الخسارات المتلاحقة واستهداف نخبة من قادته، ما يزال يمتلك من القدرات والخبرات والكوادر ما يجعل الرهان على ضعفه وهمًا لا يستند إلى واقع.
لقد أثبتت التجارب أن بنية حزب الله لا تقوم على فرد مهما بلغت مكانته؛ فالقائد هيثم علي الطبطبائي كان ركنًا أساسيًا، كما كان قبله عماد مُغنية ورفاقه من القادة الشهداء، وكما هو أمينه العام السيد حسن نصر الله. ومع ذلك فإن منظومة الحزب مبنية على تراكم الخبرات وتوزيع الأدوار، وعلى بنية تنظيمية قادرة على احتواء الضربات وتوليد البدائل، والمضي بخطط بعيدة المدى. وعليه فإن الضربة الإسرائيلية، على قسوتها، لم تُحدث خللًا جوهريًا في قدرة الحزب على الاستمرار. فالحزب ليس جسدًا هشًّا، إنه كما تحدثنا الوقائع على الأرض، مؤسسة عسكرية وسياسية متمرسة تدرك عمق الصراع وتدير خياراتها بوعي وحنكة.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الداخلية على الحزب؛ سواء من الحكومة اللبنانية أو من القوى السياسية التي تخشى انزلاق البلاد إلى مواجهة واسعة، يبقى الحزب محكومًا بضرورة الرد، ولو بحدّه الأدنى المحسوب. فمن غير الممكن أن يمر استشهاد قائد بمستوى الطبطبائي بلا إشارة واضحة تؤكد أن قواعد اللعبة لم تتغير. لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع أن يمنح خصومه ما يطمحون إليه من خلال ردّ مُتسرِّع قد يجُر لبنان إلى حرب لا قدرة للدولة على تحمل تبعاتها، خصوصًا في ظل أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، وجيش غير مجهز لخوض مواجهة مع إسرائيل. ولهذا، يسير الحزب على خط بالغ الدقة، يحافظ فيه على الردع دون المساس باستقرار الداخل.
وتبرز هنا قدرة الحزب على المزج بين الاستراتيجية والمرونة؛ إذ قد يلجأ إلى رد غير مباشر، أو غير مُعلن، أو يأتي في توقيت غير متوقع، وقد يعتمد وسائل تستهدف صورة العدو السياسية أكثر من الميدان العسكري المباشر. كما قد يختار ساحات أخرى لتنفيذ ردّه، بما يحقق الهدف دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. وهذا الأسلوب ليس جديدًا؛ بل يمثل جزءًا أصيلًا من منهجية الحزب في إدارة الصراع خلال العقود الماضية.
في المقابل، تبدو إسرائيل مقتنعة بأن الضغط المستمر سيُنهك الحزب، مستندة إلى دعم "العم سام" الذي يمنحها مجالًا أوسع للمناورة. إلّا أن هذا المنطق يحمل مخاطر كبيرة، فقد أساء الكيان المحتل مرارًا تقدير خصمه، وظن أن الضربة القاسية كفيلة بتغيير المعادلات، قبل أن يفاجأ بردّ أكثر عمقًا وتأثيرًا. ورغم أن قيادة الاحتلال تعتبر استهداف الطبطبائي إنجازًا نوعيًا، إلا أنها تدرك أن الحزب قادر على تحويل الخسارة إلى فرصة لإعادة البناء وتطوير الأدوات، كما فعل في محطات مفصلية عديدة.
إنَّ استشهاد القائد هيثم علي الطبطبائي «السيد أبو علي» يمثل خسارة موجعة للحزب، لكنه لا يفتح باب الضعف؛ بل يفتح أبواب القوة والتجدد. فالحزب يمتلك من القدرات والجهوزية ما يؤهله للبقاء لاعبًا أساسيًا. والرد سيأتي، بالشكل والتوقيت اللذين ينسجمان مع معادلته الثابتة المتمثلة في حماية الردع، وتجنب الحرب الشاملة، والحفاظ على توازن الساحة اللبنانية. وفي هذا تتجلى قوته الحقيقية وقدرته على تحويل الألم إلى قوة، والخسارة إلى دافع لمزيد من الثبات.
فمتى يدرك الكيان المحتل أن سقوط شهيد يولِّد مئات المقاتلين، وأن غياب قائد في ساحة الشرف والكرامة يعني ولادة قادة جُدد يحملون الراية ويواصلون الطريق بعنفوانٍ أكبر؟
رابط مختصر