سكان غزة: لن نغادر كما حدث عام 1948
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
غزة"رويترز":
واصل سكان غزة البحث عن أحبائهم مع سماعهم أنباء عن مقتل أفراد من عائلاتهم، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه الاتصالات تعود تدريجيا إلى القطاع اليوم بعد انقطاع كامل في ظل توغل القوات والمدرعات الإسرائيلية داخل الجيب الذي تحكمه حماس.
وقالت الأمم المتحدة إن الفلسطينيين بحاجة ماسة إلى المؤن الغذائية وإن النظام العام آخذ في الانهيار بعد ثلاثة أسابيع من الحرب والدماروفرض حصار على القطاع الساحلي المكتظ بالسكان.
وتصاعدت حدة القتال ليل الجمعة عندما شنت القوات الإسرائيلية عمليات برية في غزة فيما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمرحلة الثانية من الحرب التي تهدف إلى القضاء على حركة حماس.
وقرر شعبان أحمد، وهو موظف حكومي يعمل مهندسا وأب لخمسة أطفال، البقاء في مدينة غزة رغم التحذيرات الإسرائيلية بإخلاء المناطق الشمالية والتوجه إلى الجنوب.
وقال إنه اكتشفت صباح اليوم مقتل أحد أقاربه في غارة جوية على منزله يوم الجمعة.
وأضاف "لم نعرف إلا اليوم. إسرائيل قطعتنا عن العالم لتقضي علينا لكننا نسمع أصوات الانفجارات ونفتخر أن رجال المقاومة أوقفوا القوات الإسرائيلية".
وقال أحمد إن الضربات التي شنتها إسرائيل جوا وبحرا وبرا يوم الجمعة استمرت لساعات دون توقف.
وقالت حماس اليوم إنها مستمرة في مواجهة القوات الإسرائيلية التي تواصل عملياتها البرية.
وقالت وزارة الصحة في غزة اليوم إن 8005 فلسطينيين قُتلوا في القطاع منذ السابع من أكتوبر .
* النظام العام
ويواجه الفلسطينيون صعوبة في العثور على أحبائهم في ظل الفوضى الدموية مع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. وصرخت امرأة بينما كانت تبحث عن أحد أبنائها فوق الأنقاض في مدينة غزة "لا أعرف أين هو".
وواصل السكان البحث عن ناجين في حي النصر بغزة بعد الغارات الجوية الإسرائيلية عليه. وانتشل السكان جثة من تحت الأنقاض بينما كانت أعمدة الدخان تتصاعد. وكانت امرأة تصرخ بينما يحمل آخرون الجرحى.
ويجلس العديد من سكان غزة قرب أجهزة الراديو للاستماع للأخبار، وهي الوسيلة الوحيدة التي أصبحت متاحة للحصول على معلومات حول أعنف الضربات الجوية الإسرائيلية على الإطلاق على القطاع مع انقطاع خدمات الإنترنت والهواتف. ويعد قطاع غزة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم.
وتئن الخدمات الطبية في ظل هذا الوضع لدرجة أن سيارات الإسعاف لم تعد تتلقى مكالمات. ويعتمد الأشخاص الذين يتعرضون للقصف على متطوعين لنقلهم لتلقي العلاج.
وتركز إسرائيل غاراتها الجوية على المناطق الواقعة في شمال غزة، ومنها مدينة غزة، حيث تجري عمليات توغل برية.
وسمع السكان في جنوب قطاع غزة أصوات انفجارات وشاهدوا السماء وهي مضيئة بسبب الغارات الجوية ولكن لم تكن لديهم أي وسيلة للاطمئنان على عائلاتهم وأصدقائهم في المناطق المستهدفة.
وقالت أم يحيى، من سكان غزة، التي توجهت جنوبا بعد التحذيرات الإسرائيلية وهي الآن تحتمي داخل مستشفى ناصر في خان يونس "غزة معزولة عن بقية العالم. تقع الضربات بالقرب منا ومن حولنا ولا يستطيع أحد الوصول إلينا أو تحديد موقع الضربة".
وتدمر محل الحلاقة الذي كان يمتلكه بلال أبو مصطفى قبل أسبوعين. ومثل غيره من سكان غزة، لجأ أبو مصطفى إلى مستشفى للاحتماء فيه حيث يواجه الأطباء صعوبة في مداواة القتلى والمصابين.وحوّل أبو مصطفى سيارة إسعاف مدمرة إلى محل حلاقة مؤقت.
ويصعد أبو مصطفى ليلا إلى غرفة بالمستشفى ليقص شعر "الأشخاص الذين يعانون من حروق شديدة أو الذين تعرضوا لكسور ولا يمكنهم النزول إلى الطابق السفلي".
* "سنبقى صامدين"
وتوقفت إمدادات المساعدات الموجهة إلى غزة منذ أن بدأت إسرائيل قصف القطاع الفلسطيني ردا على هجمات حماس. كما تأثرت منظمات الإغاثة بانقطاع الاتصالات مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والوقود والدواء.
وقال الهلال الأحمر الفلسطيني اليوم إنه استقبل عبر معبر رفح عشر شاحنات تحتوي على مواد غذائية ومستلزمات طبية من الهلال الأحمر المصري، ليصل إجمالي الشاحنات إلى 94.
وتعيش خلود قديح و20 من أفراد عائلتها الآن في قبو أحد المباني في خان يونس بجنوب القطاع. وكانت تعيش مع آخرين من أقاربها بالقرب من الحدود مع إسرائيل قبل الانتقال إلى داخل المدينة.
ولا تزال خلود صامدة رغم فقدانها ابنا لها في حرب سابقة في غزة.
وقالت "سنبقى في أرضنا صامدين حتى لو دخلوا بالدبابات. سنبقى صامدين مهما حصل.. لن نرتكب خطأ أجدادنا عندما غادروا عام 1948. سنبقى دائما في وطننا".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أبو مصطفى سکان غزة
إقرأ أيضاً:
"عربات جدعون": هل يمكن لخطة إسرائيل لاحتلال قطاع غزة أن تقضي على حركة حماس؟
قراءة تحليلية لدراسة نُشرت في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. اعلان
مع تصاعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، تبلورت "خطة عربات جدعون" بوصفها محور الاستراتيجية الإسرائيلية للمرحلة المقبلة. وقدّمت تل أبيب هذه الخطة باعتبارها مشروعاً حاسماً لتفكيك البنية العسكرية والإدارية لحركة "حماس"، وفرض معادلة أمنية وسياسية جديدة في القطاع. غير أنّ الخطة، رغم ما تنطوي عليه من أدوات ضغط وتفوّق ناري، تُثير جدلاً واسعاً حول أهدافها الحقيقية، واحتمالات فشلها، بل وإمكانية أن تتحوّل إلى مدخل لتعزيز مكانة "حماس" بدلاً من إزاحتها.
في هذا السياق، تطرح نعومي نيومان، الزميلة الزائرة في معهد واشنطن والمختصة في الشؤون الفلسطينية، تحليلاً معمقاً يشكك في نجاعة الخطة ويعرض حدودها النظرية والتطبيقية، مستندة إلى خبرتها في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) ووزارة الخارجية، فضلاً عن دراستها الأكاديمية الجارية في جامعة تل أبيب.
في 6 أيار/مايو، صادق مجلس الأمن القومي الإسرائيلي على خطة "عربات جدعون"، محدداً ثلاثة أهداف محورية: القضاء على "حماس"، تحرير الرهائن، وترسيخ وجود عسكري دائم في غزة. هذه الأهداف، وإن ظهرت متكاملة، تعكس في واقع الأمر إشكالية بنيوية في الرؤية الإسرائيلية لمستقبل القطاع، لا سيما في ظل غياب أي تصور متماسك لما بعد الحرب، سواء على الصعيد المحلي أو بالشراكة مع الولايات المتحدة.
Relatedشاهد لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى في جباليا شمال غزةأطفال غزة يدفعون ثمن الحرب الأكثر دموية في العصر الحديثعلى وقع الحرب في غزة.. احتجاجات في بازل تدعو لطرد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبيةتتضمن الخطة ثلاث مراحل تنفيذية متسلسلة:
- مرحلة التمهيد والتفكيك الممنهج: استهداف البنى العسكرية والمؤسساتية التابعة لـ"حماس".
- مرحلةإعادة التمركز السكاني: نقل المدنيين إلى مناطق "منزوعة السلاح"جنوب القطاع، وعزل مقاتلي الحركة.
- مرحلة الاجتياح البري: دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطق مصنّفة "مطهّرة" للسيطرة عليها وتعزيز احتلالها لتلك المناطق.
لكن هذه المراحل، كما تُبيّن نيومان، مصممة بمرونة تكتيكية تسمح لإسرائيل بتعديل المسار أو إيقاف العملية إذا لاحت في الأفق فرص تفاوضية جزئية مع "حماس"، وخصوصاً حول ملف الرهائن.
التوازن الأميركي: بين دعم إسرائيل ومخاوف من التصعيدزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة أضافت بُعداً معقداً للمعادلة. فعلى الرغم من التماهي الظاهري بين تل أبيب وواشنطن، فإن الولايات المتحدة تتحرك على مسار موازٍ من خلال قنوات خلفية مع "حماس"، ساعيةً للإفراج عن الرهائن وبلورة تسوية تؤدي إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد.
يطرح هذا التباين تساؤلات حساسة: إلى أي مدى تستطيع إسرائيل الاستمرار في تنفيذ الخطة من دون غطاء سياسي من واشنطن؟ وهل الإدارة الأمريكية مستعدة لتقبّل إقصاء "حماس" كلياً من أي ترتيبات مستقبلية في غزة؟
آليات الضغط الإسرائيليتستند الخطة إلى خمس أدوات ضغط رئيسية:
- فرض الوجود العسكري في مناطق حساسة مثل الممرات المركزية.
- فصل المدنيين عن البنى التابعة لـ"حماس".
- التحكم بالمساعدات الإنسانية لحرمان الحركة من استخدامها كورقة نفوذ.
- تفكيك القيادة الميدانية من خلال عمليات استهداف دقيقة.
- الحرب النفسية لترسيخ شعور الانهيار لدى السكان والمقاتلين.
لكن هذه الأدوات، كما توضح الدراسة، قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ فبدل من تقويض "حماس"، فإنها قد تُسهم في تعزيز موقعها الرمزي والسياسي كحركة مقاومة، في ظل "استمرار الاحتلال "وغياب البدائل الوطنية الفاعلة.
رغم الضربات الإسرائيلية المكثفة، لا تزال "حماس" تُظهر قدرة لافتة على التكيف. فقد تمكنت، وفق الاستخبارات الأمريكية، من تجنيد نحو 15 ألف عنصر جديد منذ بداية الحرب، واستمرت في إدارة الخدمات المدنية، بالتنسيق مع مؤسسات الإغاثة. كما أن تراجع قدراتها التقليدية لم يُنهِ قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية، بما في ذلك زرع العبوات الناسفة، واستهداف الآليات، وشن هجمات قنص.
ويبدو أن "استمرار الاحتلال"، بما يحمله من معاناة وتدمير، يعيد إنتاج سردية "المقاومة" في وجدان الشارع الفلسطيني، ما يمنح "حماس" زخماً شعبياً قد يُصعّب إزاحتها على المدى الطويل.
هل هناك أفق لاتفاق؟تطمح إسرائيل إلى "شطب حماس" كطرف سياسي وعسكري، غير أن ذلك يبدو أقرب إلى الأمنيات الاستراتيجية منه إلى الوقائع. فـ"حماس" تُدرك أنها ليست في موقع يسمح لها بالاستسلام، كما أن منطقها الأيديولوجي يستند إلى رفض الاعتراف بـ"العدو الصهيوني" أو الدخول في تسويات مفرّغة.
ومع ذلك، قد تبدي الحركة مرونة تكتيكية، تقبل بموجبها بوقف إطلاق نار مقابل ترتيبات إنسانية أو تبادل أسرى، شرط وجود ضمانات دولية بانسحاب تدريجي لإسرائيل، وتشكيل سلطة مدنية تتقاسم فيها "حماس" النفوذ، وإن من خلف الستار.
معارضة دولية وتحديات لوجستيةمنظمة الأمم المتحدة رفضت المشاركة في تنفيذ الخطة، واعتبرتها خرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. كما أن دولاً عربية كالإمارات نأت بنفسها عن المشروع، ورفضت المشاركة في توزيع المساعدات، ما يُضعف من شرعية الجهد الإنساني الموازي، ويمنح "حماس" فرصة لمهاجمة الخطة باعتبارها "غطاء للاحتلال".
من الناحية العملية، تواجه الخطة تحديات لوجستية حقيقية:
كيف سيتم توزيع المساعدات في ظل العمليات العسكرية المستمرة؟
هل تستطيع القوات الإسرائيلية، رغم التحفظات الداخلية، تولي هذه المهمة؟
وهل المراكز اللوجستية التي تقترحها الخطة -أربعة في رفح ونتساريم- قادرة فعلاً علىتلبية حاجات السكان؟
الاحتمالات المقبلة: نهاية "حماس" أم إعادة صياغتها؟إذا تم تنفيذ الخطة بالكامل، فقد تتمكن إسرائيل من تقليص القدرات العسكرية لـ"حماس"، وزعزعة سلطتها الإدارية. إلا أن هذا لا يضمن نهاية الحركة، بل ربما يُدفع بها إلى تبنّي تكتيكات أكثر عنفاً، وتحويل القطاع إلى ساحة استنزاف طويلة الأمد.
وفي المقابل، إذا رضخت إسرائيل للضغوط الدولية وخفّضت سقف أهدافها، فقد تجد نفسها أمام "حماس" ضعيفة تنظيمياً لكنها أعمق رسوخاً سياسياً، وربما جزءاً من هندسة ما بعد الحرب.
تكشف خطة "عربات جدعون" عن ذهنية صلبة تؤمن بإمكانية الحسم العسكري، لكنها تتجاهل حقيقة أن التوازنات السياسية والاجتماعية في غزة لا يُعاد تشكيلها بالقوة وحدها. ففي الوقت الذي تُسقط فيه إسرائيل المباني، تُبقي على فراغ سياسي يُهيئ لعودة "حماس" بشكل أكثر تعقيداً.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة