جريدة الوطن:
2025-05-09@00:03:30 GMT

الانتقام لا يصنع سلاما

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

بعد أكثر من شهر من القصف والتدمير والمجازر بحقِّ الفلسطينيِّين، الَّتي أوْدَت بحياة الآلاف أغلبهم من الأطفال والنِّساء، وأصابت أضعاف ذلك العدد وشرَّدت مئات الآلاف، لَمْ يشفِ الاحتلال في فلسطين بانتقامه الوحشي من المَدنيِّين غليل الإذلال العسكري يوم 7 أكتوبر على يَدِ نفَرٍ قليل من مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينيَّة على حدود قِطاع غزَّة.

صحيح أنَّ جيش الاحتلال لَمْ يتوقفْ عن قتل الفلسطينيِّين في غزَّة والضفَّة وسائر الأماكن في فلسطين، ولا توقَّف المستوطنون المُسلَّحون عن قتل الفلسطينيِّين بحماية الجيش، ولا توقَّف هدْمُ المنازل وطَرْدُ الفلسطينيِّين من بيوتهم وأراضيهم ومصادراتها وحرق زرعهم من قَبل 7 أكتوبر، لكن ما يجري في الشهر الأخير من مجازر وتدمير في غزَّة غير مسبوق. ولا يُتوقع أن ينتهيَ الانتقام الغاشم في وقتٍ قريب، رغم كُلِّ الحديث عن هدنة أو ممرَّات إنسانيَّة أو غير ذلك. هذا الانتقام البربري من المَدنيِّين الفلسطينيِّين ما هو إلَّا تعبير أوضح عن عنصريَّة الاحتلال وداعميه.
المثير حقًّا أن نسمعَ في التصريحات العلنيَّة لبعض السِّياسيِّين، من أميركا والغرب، إشارات إلى العمل على «تسوية» ما بعد الحرب أو وضع قِطاع غزَّة بعد تدميره. ذلك في الوقت الَّذي لا يناقش فيه الأميركيون مع مَنْ يتحدَّثون إلَيْهم من العرب سوى اقتراحات نقْلِ الفلسطينيِّين إلى دوَلهم لإخلاء غزَّة، وتخفيف حدَّة الانتقام واستعادة بعض ماء الوَجْه للاحتلال، فضلًا عن أنَّ الفلسطينيِّين الَّذين لَمْ يتركوا أرضهم منذ عقود لَنْ يتركوها أحياء، فإنَّ أحدًا من دوَل الجوار ولا حتَّى الدوَل العربيَّة الأخرى على استعداد لنقْلِ فلسطينيِّين إليه. فهذا التهجير القسري، وعمليَّة التطهير العِرقي المتكاملة ستظلُّ سبَّة في جبَيْنَ البَشَريَّة لا أظنُّ أنَّ أحدًا من العرب يريد أن يلتصقَ اسمُه بها. أمَّا الولايات المُتَّحدة، الَّتي تقوم بِدَوْر «عسكري المراسلة» للاحتلال، فهي في الواقع شريك أساسي في عمليَّة الانتقام الحاليَّة. ليس فقط بالضغط للتهجير القسري والتطهير العِرقي وإنَّما بتعويضها المستمر لجيش الاحتلال عن الأسلحة والذَّخائر الَّتي يستهلكها في قتلِ النِّساء والأطفال والعجَزَة الفلسطينيِّين.
قَدْيمًا كُنَّا نقول إنَّ الدَّعم الأميركي غير المحدود للاحتلال لا يجعلها «وسيطًا» أمينًا في أيِّ مفاوضات سلام بَيْنَ العرب و»إسرائيل». الآن، أميركا شريك مباشر وأصيل في القتل والتدمير وتشجيع الانتقام البربري تحت دعوى «الدِّفاع عن النَّفْس». إنَّها تلك الدَّعوى المزيَّفة الَّتي اتَّخذتها أميركا وبريطانيا ذريعة لتدمير العراق وغزوه واحتلاله وتحويله «إلى ما قَبل العصر الحجري» كما قالوا وفعلوا. وهي الدَّعوى الَّتي تستخدمها أميركا في كُلِّ اعتداءاتها في أيِّ مكان في العالَم، وأكثرها في منطقتنا. لَمْ يَعُدِ الأمْرُ مسألة وسيط غير محايد، بل شريك في الانتقام يتحدث عن تسوية وسلام! أيُّ سلام يُنتظر مع مَنْ تدفَعُه شهوة الانتقام لِيخرجَ كُلَّ ما فيه من عنصريَّة وبربريَّة هي مُكوِّن أساسي فيه. هل هناك من يُمكِن أن يأمنَ أيَّ ضمان أميركي حتَّى مع التَّغاضي عن أنَّ الاحتلال وقادَتَه لا يوثَقُ بهم أصلًا؟ كيف يُمكِن أن يصدقَ أحَد أنَّ أميركا تريد وقف قتلِ الفلسطينيِّين وهي الَّتي قرَّرت مليارات الدوَلارات بشكلٍ عاجل دعمًا للاحتلال، وفتحت مخازن السِّلاح والذَّخيرة من أجل استمرار قتلِ الأطفال والنِّساء في غزَّة. أمَّا دعوى مساعدة الاحتلال في القضاء على حماس، والَّتي تستهوي ـ للأسف ـ بعض العرب، فما هي إلَّا زَيْف آخر مِثل ادِّعاء «الدِّفاع عن النَّفْس» المستخدم ذريعة للعدوان والغزو والاحتلال والقتل والتدمير.
لا فائدة تكرار ما يُقال منذ عقود، وما يبدو كأنَّنا نتحدث إلى أنْفُسنا به بلا جدوى، فليس متوقعًا من الاحتلال وداعميه، وفي مقَدِّمتهم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها ـ سوى ذلك الانتقام الوحشي تعبيرًا عن القوَّة وفرض الإرادة. المُهمُّ هو ماذا نحن فاعلون في مواجهة ذلك.. بالنسبة للفلسطينيِّين في بلادهم وأرضهم فالأمْرُ محسوم: ليس أمامهم سوى التصدِّي للعدوان بما يملكون من أدوات بسيطة ومبتكرة. وما عادوا يأملون في الكثير من عالَم منافق يشجِّع العنصريَّة والإرهاب. ولَمْ ولَنْ يفوضوا أحَدًا للحديث باسمهم، ولا المتاجرة بدمائهم وأرواحهم. أمَّا دوَل الجوار لفلسطين فهي في وضع غاية في الحرج وبالتَّعبير الشَّعبي البلدي «مزنوقة». فلا هي قادرة على وقف الانتقام البربري الإسرائيلي/الأميركي ولا هي مستعدَّة لقَبول الضَّغط الأميركي كَيْ تساندَ العدوان الإسرائيلي بقَبول تهجير الفلسطينيِّين إلَيْها ولا هي قادرة على تحدِّي القوَّة الغاشمة وتقديم يَدِ العون للمَدنيِّين الأبرياء الَّذي يموتون بجراحهم وجوعهم إذا لَمْ تنسفهم النيران الأميركيَّة الَّتي يطلقها الاحتلال.
بقيَّة دوَل المنطقة، غير دوَل الطَّوق كما يُقال، ربَّما ترَى أنَّ ما يَسعى إليه الاحتلال العنصري وداعمُه الأوُّل في واشنطن من «حلٍّ نهائي» قَدْ يوفِّر سلامًا دائمًا بعد ذلك. وتقَدْيري أنَّ هذا تصوُّر واهِمٌ ِمثل كثير من الاختيارات الخاطئة الَّتي كلَّفتنا جميعًا الكثير من تمويل تشكيل تنظيم القاعدة في الثمانينيَّات إلى بروز تنظيم «داعش» الأشدِّ إرهابا. فلا يُنتظر سلام من انتقام، ولا من دَولة دينيَّة بالقانون (أصبحت إسرائيل كذلك منذ عام 2018). بل إنَّ المهادنة مع ما يجري الآن كفيل ببروز جيل من الفدائيِّين الفلسطينيِّين سيكونون أشدَّ شراسة ممَّا شهدناه في السبعينيَّات والثمانينيَّات. ولَنْ يستطيعَ أن يلومهم أحَد والعالَم كُلُّه يتفرَّج على المَحرقة الَّتي تُودِي بذويهم الآن.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

عقب إطلاق مُسيّرة.. الحوثيون: اتفاق وقف النار مع أميركا لا يشمل إسرائيل

قال محمد عبد السلام، كبير المفاوضين في جماعة أنصار الله في اليمن (الحوثيون)، اليوم الأربعاء، إن اتفاق وقف إطلاق النار بين الجماعة والولايات المتحدة لا يشمل العمليات ضد إسرائيل.

وقال في تصريحات لوكالة "رويترز": "الاتفاق لا يتضمن إسرائيل بأي شكل من الأشكال.. والذي حصل هو مع الأميركي بوساطة عُمانية والتوقف سيكون عن استهداف السفن الأميركية... طالما أعلنوا التوقف والتزموا فعلًا فموقفنا دفاعي وسيتوقف الرد".

وفي ذات السياق، قال الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، إنه اعترض مسيرة أطلقت من جهة الشرق بعد تفعيل الإنذارات.

وأضاف الجيش في بيان: "اعترض سلاح الجو طائرة مسيرة أطلقت من جهة الشرق حيث تم تفعيل إنذارات وفق السياسية المتبعة".

ولم يحدد الجيش المنطقة التي انطلقت منها المسيرة، ولكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت إنها أطلقت من اليمن.

المصدر : التلفزيون العربي - الأناضول اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار العربية والدولية شهيد في قصف إسرائيلي استهدف مركبة بصيدا جنوب لبنان قتلى وجرحى في تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بيان مصري قطري مشترك بشأن مواصلة جهود التوصل إلى اتفاق في غزة الأكثر قراءة أحدث حصيلة لعدد شهداء غزة مؤسسات الأسرى: تفشٍ واسع النطاق للأمراض بين صفوف الأسرى تفاصيل عملية عسكرية إسرائيلية في دمشق بإدعاء حماية الدروز شاهد: سبب وفاة سمر عبد العزيز الفنانة السورية – ويكيبيديا سمر عبد العزيز عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • سردية أسطورة الصمود الفلسطيني
  • البرلمان الأوكراني يصدق على اتفاقية المعادن مع أميركا
  • اتفاق تجاري متوقع بين أميركا وبريطانيا والإسترليني يستفيد
  • أستاذ علوم سياسية: حكومة الاحتلال ترفض وجود الشعب الفلسطيني
  • أميركا توجه دعوة إلى روسيا وأوكرانيا بشأن المحادثات
  • عقب إطلاق مُسيّرة.. الحوثيون: اتفاق وقف النار مع أميركا لا يشمل إسرائيل
  • المجلس الوطني الفلسطيني: شعبنا يتعرض لعدوان يستهدف وجوده ونطالب بمحاسبة الاحتلال
  • كاري.. مبدع عراقي يصنع السفن والطائرات بيديه وهدفه الف قطعة (صور)
  • الرئيس الفنزويلي: العدوان على قطاع غزة هو إبادة تُشن ضد الشعب الفلسطيني
  • الاتحاد الأوروبي: توسيع الحرب على غزة يزيد معاناة الشعب الفلسطيني