من النهر إلى البحر.. لماذا تشعل هذه العبارة الجدل؟
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
حينما نشرت النائبة الأميركية، رشيدة طليب، مقطع فيديو يحتوي عبارة "من النهر إلى البحر"، واجهت انتقادات قوية من البيت الأبيض والكونغرس، وهو شبيه لما تعرض له النائب بحزب العمال البريطاني، آندي ماكدونالد، الذي تم تعليق عضويته بالحزب بسبب اقتباس العبارة، ضمن مطالبته بتحقيق العدالة للفلسطينيين والإسرائيليين.
هذه العبارة سبق أن استخدمها حزب الليكود الإسرائيلي الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، خلال السنوات الأولى من تأسيسه، حيث جاء على موقعه الرسمي أنه "ما بين البحر والأردن ستكون هناك سيادة إسرائيلية فقط"، في إشارة إلى نفس المساحة ما بين البحر المتوسط غربا ونهر الأردن شرقًا.
وصوّت مجلس النواب الأميركي، الأربعاء، لصالح توجيه اللوم للنائبة الوحيدة من أصل فلسطيني في الكونغرس، بسبب تعليقاتها بشأن الحرب على حركة حماس في غزة، ونشرها مقطع فيديو يضم عبارة "من النهر إلى البحر"، التي تعتبر في أغلب الأوساط داعمة للفلسطينيين.
كما ندد البيت الأبيض، الأربعاء، باستخدام طليب للعبارة التي يعتبرها الكثير من اليهود "معادية للسامية، وتدعو للقضاء على إسرائيل".
وفي حوار مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، الجمعة، قال نتانياهو عن تصريحات طليب، إن "عبارة من النهر إلى البحر تعني أنه لا وجود لإسرائيل.. لذلك ما تدعو إليه عضوة الكونغرس هو إبادة جماعية وتدمير للدولة اليهودية، الدولة الوحيدة للشعب اليهودي".
وفي بريطانيا، تم تعليق عضوية، ماكدونالد، من حزب العمال بعد تصريحاته خلال مظاهرة داعمة للفلسطينيين، قال فيها: "لن نستريح حتى تحقيق العدالة، وحتى يتمكن كل الناس الإسرائيليين والفلسطينيين، بين النهر والبحر، من الحياة في حرية وسلام"، بحسب صحيفة "غارديان" البريطانية.
كما انتقدت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، العبارة، واعتبرت أن عشرات الآلاف الذين تظاهروا في شوارع لندن كانوا في "مسيرات كراهية".
وكتبت عبر حسابها على تويتر، أن الاحتجاجات الأخيرة في بريطانيا، شهدت هتاف الآلاف "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر"، والذي يُعرف على نطاق واسع بأنه "دعوة لتدمير إسرائيل"، مضيفة: "محاولات التظاهر بغير ذلك هي مجرد خداع".
وأعلن نادي ماينز الألماني لكرة القدم، فسخ تعاقده مع اللاعب الهولندي من أصل مغربي، أنور الغازي، في أعقاب منشورات داعمة للفلسطينيين، ومن بينها منشور به شعار "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر"، على الرغم من حذف اللاعب له، فيما استمر في النشر عن دعمه للفلسطينيين.
"حقوق متساوية"وقالت النائبة طليب في دفاعها عن استخدام العبارة، إنها "دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت والتدمير أو الكراهية".
وانتشرت العبارة في جامعات أميركية خلال المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وفي المظاهرات في لندن، واستخدمها لاعبون وجماهير كرة قدم حول العالم.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن العبارة "تعود لعقود مضت، وتم تفسيرها بشكل متطرف من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبواسطة الداعمين لهما".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا، دوف واكسمان: "السبب في وجود نزاع حول العبارة هو أنها تستخدم بمعان مختلفة من أشخاص مختلفين".
ويعود تاريخ ظهور العبارة إلى الستينيات، قبل ظهور حركة حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى)، حيث انتشر استخدامها بواسطة منظمة التحرير الفلسطينية، كدعوة للعودة إلى "حدود وقت الاستعمار البريطاني لفلسطين، حينما عاش اليهود والعرب سويا قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1984"، بحسب نيويورك تايمز.
واستمرت شعبية وانتشار العبارة حتى مع انخراط منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات السلام في التسعينيات، واعترافها بحق إسرائيل في الوجود، وتحولت المنظمة إلى المطالبة بحدود مختلفة لدولة الفلسطينيين المستقبلية.
ويرى بعض الفلسطينيين أن العبارة "تمثل حق عودة اللاجئين إلى بلداتهم وقراهم التي تم طردهم منها عام 1948، أو أنها تمثل الرغبة في تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تشمل الضفة الغربية، التي يحدها نهر الأردن، وقطاع غزة المطل على ساحل البحر المتوسط".
"معاداة السامية"ومن جانب آخر، اعتادت حركة حماس استخدام عبارة "من النهر إلى البحر"، والمقصود بها لديها "القضاء على وجود إسرائيل".
ودخلت الحرب في غزة شهرها الثاني، في أعقاب هجوم حماس داخل إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل 1400 شخص أغلبهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، واختطاف نحو 241 رهينة.
وردت إسرائيل بضربات على قطاع غزة تسببت في مقتل أكثر من 10 آلاف فلسطيني، أغلبهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات الصحية في القطاع.
من جانبها، تعتقد منظمة "مكافحة التشهير"، وهي يهودية غير حكومية، أن العبارة "شعار معاد للسامية، ينكر حق اليهود في تقرير مصيرهم، ويشير إلى طرد اليهود من أرض أجدادهم".
وكتبت المنظمة عبر منشور بمنصة إكس: "من النهر إلى البحر هي دعوة حماس لإبادة إسرائيل.. الادعاء بأنها تهدف إلى التعايش السلمي هو غطاء للإرهاب".
استخدمها الليكودوأشار الباحث في جامعة أوكسفورد البريطانية، أحمد الخالدي، إلى أن "حزب الليكود الإسرائيلي الذي يقوده نتانياهو، تبنى شعارا مشابها في سنوات تأسيسه الأولى عام 1977، وجاء فيه: (سيكون هناك سيادة إسرائيلية فقط ما بين البحر والأردن)".
وتخلى الحزب عن الشعار فيما بعد، لكنه أيضًا يعارض حل الدولتين، الذي يشمل قيام دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، بحسب "نيويورك تايمز".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: من النهر إلى البحر
إقرأ أيضاً:
بعد نهاية المواجهات بين إسرائيل وإيران.. "حماس" إلى أين؟
د. أحمد يوسف **
مع تراجع التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، تعود الأنظار مجددًا إلى قطاع غزة، والسؤال الأبرز الآن: ما مصير حركة حماس؟ وإلى أين تتجه خياراتها في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية؟ فبعد سنوات من السيطرة على القطاع، وتصدّر مشهد المقاومة المسلحة، تقف الحركة أمام منعطف تاريخي قد يفرض عليها مراجعة كبرى لمسارها السياسي والعسكري.
أولًا: خيارات حماس بشأن حكم غزة
منذ عام 2007، تفرض حماس سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، لكن التحديات المتراكمة من حصار خانق، وحروب مدمرة، وضغوط داخلية وإقليمية، تجعل من استمرار هذا الوضع أمرًا مكلفًا.
فهل تختار الحركة الحفاظ على سيطرتها المنفردة، أم تتجه نحو شراكة وطنية تُعيد الاعتبار للمرجعية الفلسطينية الموحدة؟
ثانيًا: المقاومة والميل نحو السياسة
بعد سنوات من العمل العسكري، تظهر دعوات داخلية وخارجية تطالب حماس بتحول تدريجي نحو العمل السياسي، ضمن مشروع وطني جامع. خيار المقاومة لم يُلغَ، لكنه لم يعد وحده كافيًا في ظل متطلبات إدارة الحكم، وإعادة إعمار القطاع، والبحث عن اعتراف سياسي إقليمي ودولي. وقد يكون الوقت قد حان لأن تعيد الحركة صياغة خطابها لتوازن بين المقاومة والبراغماتية السياسية.
ثالثًا: الانسحاب الإسرائيلي.. جزئي أم شامل؟
في ضوء الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل، تظهر سيناريوهات تتحدث عن انسحاب جزئي أو كامل من غزة، ليس على طريقة "فك الارتباط" فقط، بل ضمن اتفاق سياسي يضمن التهدئة طويلة الأمد. وهنا يبرز دور حماس في رسم شكل المرحلة التالية: هل ستدخل في تفاهمات هدنة أم في ترتيبات حكم جديدة؟
رابعًا: إشراف عربي ودولي ومشاريع إعادة الإعمار
مع تصاعد الحديث عن مرحلة ما بعد الحرب، تطرح أطراف إقليمية ودولية فكرة إشراف عربي-دولي على القطاع، لإعادة الإعمار وتوفير ضمانات الاستقرار، وهو ما قد يفتح الباب أمام نموذج جديد في إدارة القطاع، شبيه بتجارب دول ما بعد النزاع. غير أن نجاح هذه الفكرة مرهون بوجود طرف فلسطيني مُوحّد يحظى بشرعية وطنية وشعبية.
خامسًا: حكومة تكنوقراط انتقالية ومرجعية وطنية موحّدة
من السيناريوهات المطروحة تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية، تتولى إدارة الشأن العام في غزة، بإجماع وطني، وبالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية شرعية ووطنية. هذه الخطوة قد تفتح الباب لمرحلة جديدة من التفاهم الداخلي، وتساهم في تخفيف الحصار وتسهيل جهود الإعمار.
سادسًا: نحو شراكة وطنية عادلة
تدرك كافة القوى الفلسطينية أن الانقسام أضعف المشروع الوطني وأضر بالقضية الفلسطينية. لذلك، فإن أفضل شكل للشراكة الوطنية يجب أن يُبنى على قواسم استراتيجية، وليس مجرد تفاهمات إجرائية. المطلوب هو مشروع وطني مشترك يعيد بناء منظمة التحرير، ويضمن تمثيل الجميع ضمن رؤية موحدة.
سابعًا: خطاب سياسي جديد تحت عباءة منظمة التحرير
لكي تكون لحماس ولغيرها من الفصائل دور فاعل في النظام السياسي الفلسطيني، لا بد من خطاب سياسي موحد، يتكئ على الشرعية التاريخية والدولية التي تمثلها منظمة التحرير. وهو خطاب يُراعي ثوابت القضية، لكنه في ذات الوقت مقبول عربيًا ويحظى بدعم دولي، ويُشكّل مظلة للعمل السياسي والمقاومة الشعبية والدبلوماسية.
ختامًا.. حماس أمام مفترق طرق، وأيًّا كانت الخيارات، فإن اللحظة الراهنة تفرض مراجعة شاملة، ما بعد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية ليس كما قبلها، والمنطقة تدخل مرحلة إعادة تشكيل قواعد اللعبة، وعلى حماس أن تختار: إما العزلة أو الشراكة، إما الاستمرار في إدارة أزمات القطاع، أو المساهمة في صناعة مستقبل وطني جامع.
والفرصة لا تزال قائمة، ولكنها لن تنتظر طويلًا!
** المستشار السابق لرئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية