«إنّ اليأس يشتمل على أقوى اللذات»، هكذا صرّح بطل رواية «في قبوي» لدوستويفسكي، عن إحدى أفكاره، ولربما اعتبرها واحدة من أهم المعتقدات التي عزّزت بل وثبّتت الجحيم البارد في قصة هذا الرجل، وكأنه وصل لمحطّةٍ استنفذ فيها كل أمل عاشه، بل وجاء ليفتح محفظته ورأى مبالغًا كبيرة من اللذّة الممزوجة بالألم، وما كان بوسعِهِ إلا أن يحتفظ بها بكل حرصٍ وجدارة وبأذكى مايمكن.
تناقضٌ عميق لا يهدأ في هذه الرواية، وقد يوصل القارئ لمرحلةٍ من الحيرة وتذبذب التفكير التحليلي، بل ربما يشتمل نوعًا من الإسقاط أيضًا. غريبٌ كيف أنّ دوستويفسكي استطاع أن يمحي معظم حواجز النفس البشرية ويضعها على طبق من مئةٍ واثنينٍ وتسعينِ صفحةٍ فقط! صراعات عميقة يعيشها هذا الرجل الذي خُلقت من أجله الرواية، وقد كان بينهُ وبينَ نفسه كإنسانٍ زُجاجي فاق المرآةَ في رؤيةِ ذاته. أبحر فيها وتعمّق بشكلٍ مخيف إلى أن ارتطم بقاعها؛ ارتطم فعلًا وتألّم، ولكن الغريب.. أنّه تلذّذ بذلك الألم وتعلّق به. أذلك من فرط استيعابه لحقيقته؟ أو من فرط استياءه منها وتسليمه للأمر كحقيقة لا مهرب منها؟ هنا وقفت محتارةً كثيرًا، أرنو إلى الحقيقة الصائبة، أتأرجح بين ثنايا الإسقاطِ والتحليل، أهو الوعي أم لعنته؟ أو ربما خبراته التي عاشها أثناء طفولته والتي دفعتهُ للشعوربالكره تجاه نفسِه والناسِ والثلج! والتي كان فيها بطل الرواية طفلًا يتيمًا فقد جميع أفراد أسرته، وبعدها انتقل للعيش مع أشخاصٍ يقربون إليه مما دفعهم للشعور السلبي ناحيته، وإحساسه تجاه وجوده معهم بأنّه عالة عليهم، وخصوصًا عندما قرروا أن يتخلون عنه ويُودِعونه في ملجئٍ للأيتام، هنا كانت صدمة أخرى عاصرها هذا الشخص وفقد فيها ثقته بنفسه وقيمته الذاتية أو شعوره الذي تبقّى تجاه نفسه، أيضًا وقد تعرض في نفس الفترة للتنمر من قبل الأطفالِ هناك، إذ أنّهم كانوا كثيرون الاستهزاء به، إلى أن وصل لمرحلة عدوانية كانت تنصب على الذات والآخرين. فقد أصبح هو أيضًا يستهزء بنفسه بل ويتلذذ بتعذيبها وتقبيحها في كل خطوةٍ وكلمةٍ وفكرة. ومن هناك تجذّرَت المشكلة كما هو واضح لي، فمن شدّة الحفر في قاعِ النفس ومن شدة وضوح العدسة المازوخية لذاته، صار يحيط نفسه بفكرة العدم «لم أستطع أن أصبح أي شيء، لم أستطع أن أصبح شريرًا. لا خبيثًا ولا طيبًا، لا دنيئًا ولا شريفًا، لا بطلًا ولا حشرة.» بل وأصبح يتمنى الموت لنفسه وتؤلمه فكرة الحياة من شدّة ذلك، «سأحيا حتى الستين من العمر! حتى السبعين! أصل إلى الثمانين! انتظروا! لأسترد أنفاسي!» وذلك يوضح شدّة الاكتئاب الذي وصل إليه بطل الرواية بسبب الأحداث السيئة التي عاصرها منذ طفولته المبكرة، والتي صنعت فلسفته المختلفة تجاه العقل والمنطق والإنسان والحياة والممات والندم والرغبة وإرادة الاستقلال وغيرها من عناوين كانت ذات عمق كبير جدًا في الطرح بين أسطر هذه الرواية. يأسٌ عميق ومُمَنطق بشكل عبقري، وفقدان أمل أعمق ومحبوك على الورق بهيئةِ أفكار وردات فعل غريبة! تتجلّى في تناقض رهيب بين الوعي واللاوعي، والحبِّ والكره الذي تحدث عنه البطل في مواقع مختلفة، كمرّة يعشق فيها ذاته ولايرى شبيهًا له، «أنا شخصٌ أتصف بكثير من حب النفس»، «لقد عددت نفسي دائماً أوفر ذكاءً ممن حولي»! ومرةً أخرى يستنكر ذاته بشكلٍ مريب وقاسي «أنا رجلٌ مريض، أنا إنسانٌ خبيث، لستُ أملك شيئًا مما يجذب أو يفتن». «هل في وسع إنسان يعرف نفسه، أن يعتبر نفسه ولو قليلًا؟». يعييش في مكانٍ قذر لايصلح للحياةِ الإنسانية وهندامه كعقابٍ يكتسيهِ بدونِ تحرّر! وطبعًا جميع تلك المشاعر السيئة تجاه ذاته قد برّرها بإفراطهِ بالوعي إذ أنه يرى أنه مصاب بمرض فرط الإدراك أو الوعي أو الشعور. ومن هذا المنطلق صار يحلل كل سلوك وفكرة وشعور يخطر عليه وعلى من حوله، ولكنه استغرق تحليل ذاته بشكل أكبر من أي شخصٍ آخر، إلى أن ارتطم بها ورأى كمية مابه من عيوب إنسانية غير قابلة للإصلاح، لدرجة أنّه استهان حتى من قضية الندم والتوبة وذكر أنها مجرد تمثيل منحط يقوم بهِ الإنسان لمواساة نفسه والتخلص من فكرة أنّه إنسان عاق وغبي ومجرّد من الاستقلالية أو الإرادة الحرة التي تضمن عقلانيته الإنسانية، وقال في ذلك: «لم يكن ذلك إلا تمثيلًا منحطًا، تلك الندامة والتوبة». وبعد ذلك ما الذي سيدفعهُ للاختلاط مع الآخرين؟ هل بقي هناك مايستحق الظهور للآخرين؟ فكما أسلفت، صار يرى نفسه كإنسانٍ زجاجي يتضح من خلاله كل شيءٍ سيّء، وكأنّ الإناء بكل مافيه قد نضَح! استاء من نفسهِ وعاشَ في خوفٍ من أن يراه الآخرون بالوضوح الذي يرى فيه نفسِه، فصارَ يخاف من نظرةِ السوء ممن حوله. مارس العزلة بشكلٍ مفرط! وتظاهرَ بالراحة في ذلك، ولكنه حقيقةً لايرنو إلى وحدته وقبوه، بل يرنو إلى الإنتماء! يقول بأنه عاشق لعزلته، ولكنه ليس إلّاهاربًا إليها، هي ملجأه الذي سيحميه من نظرات الآخرين واستيائهم بل ومن خوفه من أن يكون مضحكًا لهم. ينجذب لمن هو أقوى، لايحب أن يقترب منه أحد، ولا أبالغ إن قلتُ أنّ ذلك عز مايتمنى، ودليل على ذلك أنه ذكر أنّه لايرفض تودّد الآخرين لإرضاء غروره والغرض هنا هو أن يشعر بأنّه شخص مرغوب وذو وجود مهم وقيّم، وكي يمارس سلطته على أيّ شخص لمجرد أن يشعر بأنّه ذو قوة وجرأة، ما كلُّ هذا التناقض! نرجسيًا تفاقمَ بداخله حب الذات الوهمي، صار ينكر بل ويقمع مشاعره الحقيقية والواقعية، ويستخدم ميكانزم التبرير كوسيلة دفاعٍ عن ذاته، صار يوهم نفسه بتفرده وذكائه ووعيه المفرط، ويهدّئ نفسه بعادية الفشل الذي وصل إليه فيقول: «إنّ الرجل الذكي لايفلح قط أن يصبح شيئًا، وإنّ الغبي وحده يصل إلى ذلك»، و«الإنسان الفعّال، فهو في جوهره محدود لاقيمة له» ولكن هل هذا فعلًا مايستبطنه؟ كيف وهو الذي كان يكره نفسه بشدة وينتقص منها بشكل أشد في أثناءٍ مختلفة، بل ويكره أي شخصٍ ناجح وواثق من نفسه وكثيرًا مايستصغر الآخرين كي يكبّرُ من ذاته. ومن غرائبه أنّه يشعر أحيانا كثيرة بأن وجوده يعاقب الآخرين ويتركهم في استياءٍ تام، فقد كان يعتقد أنه شخص مستفز ومنفر وذو شكلٍ قبيح يشمئز منه الآخرون، وكان يتلذذ بشكل سايكوباثي بإثارة الشعور السلبي لدى الآخرين بطرق عديدة، ناهيك عن الكلام الجارح أو بعض السلوكيات المستفزة. وحتّى مرضه أصبح من ضمن أسلحته العدوانية والانتقامية التي يعذب بها الآخرين قبل نفسه! ولكنه في ذات الوقت إنسان جبانًا وسرعان ما يشعر بالخوفِ والذعر والذنب، فيوقف كل ذلك بشكل قسري، يأخذه بعدها إلى قبوه وملجئه. كالطفل الصغير الذي يقترف ذنبه، فيفرُّ هاربًا إلى حجرِ أمّه. لا يجرؤ على المواجهة! ولا يعتقد أنه لديهِ الحق في ذلك، حتى عند تعرضهِ للإهانة فإنّ أقصى مايفعله هو أن يستسلم ويبرّر أن ذلك ليس إلا ضربة من ضرباتِ القدر! وبغض النظر عن أنّه أحيانًا يفكر في السلوك الانتقامي، إلا أنه سرعان مايتفاداه خوفًا منه، ولكنّه كالعادة، يبرر موقفه لصالحه كشيء يفوق الوعي، إذ يرى أن الشخص السطحي والغبي هو من تستحوذ عليه فكرة الإنتقام، إلّا أن الشخص المفرط الوعي أيضًا يفكر ولكنه لاينفذ، ليس لشي سوى أنه يرى أن هذا الشيء غير عادلًا فلا يخرج من شخص مستبصر، وحتى لو سارع في الانتقام فإنّه سيعيشُ تحت أثر العذاب والضمير أكثر من الشخص الذي انتقم منه، ولكن من لا ينتقم أيضًا سيبقي نفسه في دوامة من اجترارِ الموقف وتحمّل ألمه ومعاناته لمدى بعيد.. بعيد جدًا! آهٍ ما أتعس حياته، كأنّه يعيش بين حيواتٍ مختلفة، يجرّب جميع المشاعر المحتملة من شخصٍ لآخر! بل ويمارس عليها القمع والكبت مما يجعله يمر بفتراتٍ من النوم المضطرب والانفجارات والنوبات العصبية العنيفة، ولم يكن الأمر مقتصرًا على ذلك فقط، بل يحدث تحويلًا لتلكَ المشاعر عن طريق جسده، حيثُ يعاني من أعراضًا سيكوسوماتية «نفسجسدية». كومةٌ مصنوعة من كل شيء، أرهقه التفكير والوعي المفرط وأكثر من ذلك هو اللاوعي! كان سوطُ أفكاره وأحاسيسه، يعيش بين الذنبِ وجلدِ الذات، يرى أنّه أضعف من أيّة إرادة، فهو غير قادر على الاختيار الحر، وعقلهُ ليسَ عقلًا عاقلًا ومنطقيًّا بل لا يتعدّى كونه وسيطًا للرغبات! لا يستطيع ترويض رغباته بل رغباته هي من تروضه! فيالهُ من عقلٍ عبثي! لذلك فهو ليس إلا شخصًا يحيا وفق قوانين الطبيعة الحتمية ولايستطيع تجاوزها، ليس مسؤولًا عن أيّ شيء، ومع ذلك فهو من يتحمل أذى الضمير وجلد الذات بل والشعور بالخزي والعار بعد سقوطه في ما يراه وحلًا أو فجور، وهذا مايبرّرغباء وعقوق كل إنسان من وجهة نظره! فكيف لا يكره نفسه بل ويميلُ لاقتلاعها من الحياة، فهل يرى أنه على استحقاق لنيل الحياة الإنسانية؟! إنّها ليست إلّا متاعًا للأغبياء!
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية:
فيروس كورونا
فيروس كورونا
فيروس كورونا
یرى أن
إقرأ أيضاً:
سر سورة يس.. لها 10 عجائب في قضاء الحاجة وفك أشد الكرب
لاشك أن سر سورة يس يعد أحد تلك الكنوز التي يبحث عنها كثيرون، ولا يفوتها لبيب، وحيث إن فضل سورة يس عظيم ، خاصة في قضاء الحوائج، ومن منا ليس له حاجة يتمنى أن يقضيها الله سبحانه وتعالى له وكذلك مغفرة الذنوب ، من هنا تنبع أهمية معرفة المزيد عن سر سورة يس ، بل إنه يمكن القول إن من لا يغتنم سر سورة يس فإنه خسران خسارة لا تعوض.

قراءة سورة يس بهذه الطريقة تحقق المستحيلات.. ولا يعرفها كثيرون

لماذا سميت سورة يس بهذا الاسم؟.. 5 معجزات لا يعرفها كثيرون

هل
قراءة سورة يس يوميا بدعة محرمة؟.. اغتنمها لـ5 أسباب

ماذا يحدث عند قراءة يس 7 مرات يوميا؟.. علي جمعة: اغتنموها لهذا السببسر سورة يس
قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو كبار هيئة العلماء، إن سورة يس تكون سببا في قضاء الحوائج هو موضوع مجرب لكن أن تقرأها بنية قضاء حاجة معينة وتتوسل بالقرآن الكريم إلى الله عز وجل.
واستشهد "جمعة" عن سر سورة يس ، بما ورد عن أبي قلابة، قال: "من قرأ يس غفر له، ومن قرأها وهو جائع شبع، ومن قرأها وهو ضال هدي، ومن قرأها وله ضالة وجدها، ومن قرأها عند طعام خاف قلته كفاه، ومن قرأها عند ميت هون عليه، ومن قرأها عند امرأة عسر عليها ولدها يسر عليها، ومن قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة، ولكل شيء قلب، وقلب القرآن يس".
وتعدّ سورة ياسين من سور القرآن الكريم المكية، وعدد آياتها 83 آية، وهي سورة عظيمة تركز على قضية البعث والنشور، وروى في فضل سورة ياسين العديد من الأحاديث المختلف في مدى صحتها، إلا أن جميعها يؤكد على فضل سورة ياسين في مغفرة الذنوب وتكفير السيئات وغير ذلك من الفضائل العظيمة.
ورد أنمن أراد أن يقضي الله حاجته فعليه ان يتوضأ ويحسن الوضوء ويصلى ركعتين صلاة الحاجة، إلا أن هناك أمر آخر وهو سورة يس، حيث علمنا أهل الله أن سورة يس فيها سر لما قرئت له، هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكننا لا نجرب مع الله، فنقرأ القرآن كله تقربًا للمولى عز وجل.
وورد فيها أن سورة يس فيها تفريجًا للهموم وقضاءً للحوائج وشفاءً للأمراض ورحمة للأموات وأسرار عظيمة، ولكن لها خصوصية عن باقي سور القرآن الكريم، فالزام يس بيقينك بالإخلاص يعطيك المولى عز وجل ما تحتاجه.
فضل سورة يس
ورد في الشرع عن فضل قراءة سورة يس وعِظَمِ ثواب قراءتها؛ في نحو ما أخرجه الدارمي والترمذي -واللفظ له- والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ القُرْآنِ يس، وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ»، وإنّ أقوى ما جاء في فضل سورة يس ما رواه ابن كثير في تفسيره، قال –صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورًا له»، كما وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَةِ يس كُلَّ لَيْلَةٍ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ شَهِيدًا».
ويتّفق أهل العلم على أنّ القرآن الكريم بكلّ سوره وآياته محضُ خير وبركة، وسورة يس من السور التي رُوي بشأنها روايات كثيرة، وجاء في بعض الروايات أنّ قراءة سورة يس سبب في مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، وما ذلك على الله بعزيز، فعن جندب -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مَن قرَأ يس في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ غُفِر له»، وجاء في رواية أخرى الوصية بقراءتها على من حان أجله من المسلمين؛ فعن معقل بن يسار -رضي قراءة سورة يس على المحتضر لله عنه- عن رسول الله -عليه السلام- أنّه قال: «اقرَؤوا على موتاكم يس».
كما رأى جمهور علماء الأمة ومنهم الشافعية والحنفية والحنابلة أنّ قراءة سورة يس على المحتضر سُنّة، واستدلوا على ذلك بحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اقرءوا يس على موتاكُم»، والسبب في استحباب العلماء لقراءة هذه السورة عند المحتضر أنّها تشتمل على التوحيد والمعاد، كما أنّ فيها بشارة للمؤمن الذي يموت على التوحيد بالجنة والعاقبة الحسنة في الآخرة، ومن ذلك قوله- تعالى-: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ*بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ»، فسماع هذه الآية فيه بشارة للمؤمن في حال احتضاره، والاستبشار فيه تسهيل لخروج الروح من الجسد.
وجاء في رواية أخرى الوصية بقراءتها على من حان أجله من المسلمين؛ فعن معقل بن يسار -رضي قراءة سورة يس على المحتضر لله عنه- عن رسول الله -عليه السلام- أنّه قال: «اقرَؤوا على موتاكم يس»، كما رأى جمهور علماء الأمة ومنهم الشافعية والحنفية والحنابلة أنّ قراءة سورة يس على المحتضر سُنّة، واستدلوا على ذلك بحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اقرءوا يس على موتاكُم»، والسبب في استحباب العلماء لقراءة هذه السورة عند المحتضر أنّها تشتمل على التوحيد والمعاد، كما أنّ فيها بشارة للمؤمن الذي يموت على التوحيد بالجنة والعاقبة الحسنة في الآخرة، ومن ذلك قوله- تعالى-: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ*بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ»، فسماع هذه الآية فيه بشارة للمؤمن في حال احتضاره، والاستبشار فيه تسهيل لخروج الروح من الجسد.
ورد فيه أن قراءة القرآن من أفضل العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه فقراءة القرآن على الإنسان بعد وفاته سواء كان ذلك في منزله أو في المسجد أو بعد صلاة الجنازة وقبلها أو عند القبر كل ذلك جائز شرعًا، وهي تهون على الميت في قبره كما أخبرنا بذلك رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، كما أن قراءة سورة يس للميت خاصة تهون عليه في قبره وتنيره، كما تتنزل بها الرحمات والتجليات الإلهية بالمغفرة والرضا من الله عز وجل عليه.
عجائب سورة يس
لعل من عجائب سورة يس تأتي أسمائها التي تدل على فضلها ، فقد ذكِر في تفسير الطنطاويّ -رحمه الله- أنّ سورة يس سُميّت بالمعمّة، أو المدافعة، أو القاضية، ووجه المعنى في ذلك أنّها تعمّ صاحبها بخيريّْ الدنيا والآخرة، كما أنها تُدافع عنه وتدفع عنه السوء، وتقضي له حوائجه بأمر الله وفضله، وقد سُمّيت كذلك بحبيب النجّار؛ وذلك لِما جاء في السورة من ذِكر قصة الرجل الذي جاء يسعى من أقصى القرية، وهو حبيب النجّار، وقد ورد ذلك عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-.
ورد في الأثر أن "سورة يس لما قرأت له"، أي أن الشخص الذي يتمنى أو يريد تحقيق شيء معين فليقرأ سورة يس بنية قضاء هذه الحاجة"، كما أن "جميع سور القرآن الكريم فيها بركة وهدى فإذا ما قرأنا أي سورة أو آية بنية تفريج الهم والكرب أو قضاء الحاجة فسوف يستجيب الله"، وقد قال أهل الله تعالى عن سورة يس إنها تقضي الحاجة، فعليكِ بها ولا مانع أن تقرأها في أي وقت ولا يشترط أن تكون ليلة الجمعة".
قد روى الناس حديثًا في فضل سورة يس أنّها لما قرئت له، وقصدوا في ذلك أنّ قراءة سورة يسفيها قضاء للحوائج وتسهيل لها، والحقيقة أنّه لا يجوز نسبة ذلك إلى السنة النبوية، وأقوال العلماء والتابعين لإنكارهم هذا الحديث، ومثال عليهم العلامة السخاوي الذي قال إنّه لا أصل للحديث بهذا اللفظ، وقال ابن كثير في تفسيره أنّ من خصائص فضل سورة يس أنها ما قرأت لشيء أو أمر عسير إلا يسره الله، وهذا القول لا يمكن نسبته إلى الله تعالى أو رسوله –صلى الله عليه وسلم- إنّما ينسب إلى قائله فيقع الصواب والخطأ عليه.

طباعة شارك سر سورة يس سورة يس فضل سورة يس فضل يس عجائب سورة يس