على وقع الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل.. ما رسائل واشنطن؟
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
ذكر موقع "الجزيرة" أن الاشتباكات تستمر، في وتيرة يومية وتصاعدية بعد عملية "طوفان الأقصى"، على طول حدود لبنان الجنوبية بين حزب الله وقوات العدو الإسرائيلي، وتبدو على هيئة حرب صغيرة أدت لتهجير آلاف الأسر من القرى الحدودية.
في هذا الوقت، يتسع الحراك الدبلوماسي والسياسي في المنطقة ولبنان، وتصل رسائل غربية وأميركية لبيروت بغية منع اتساع رقعة الحرب في قطاع غزة، إذ يأخذ بعضها طابعا تهديديا كما جاء على لسان مسؤولين أميركيين حذروا من انخراط حزب الله، ومن خلفه إيران وحلفاؤها بحرب شاملة، بينما يوحي بعضها الآخر بطابع تفاوضي، كون أن أطراف الصراع لا تريد حربا شاملة على أكثر من جبهة، رغم حشد الأساطيل الحربية الأميركية بالمتوسط، وتبني الرئيس الأميركي جو بايدن وجهة النظر الإسرائيلية بالحرب ضد غزة.
وبعد خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي قرأ فيه كثيرون معطيات بأن جبهة الجنوب لن تنفجر لتبلغ حربا شاملة، زار بيروت قبل أيام المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، ومستشار الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين للقاء المسؤولين، وأبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقائد الجيش جوزاف عون، ومدير الأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم.
حملت زيارة هوكشتاين رسائل متعددة لبنانيا وإقليميا، وكان واضحا بإعلان هدفه من الزيارة في منع تمدد الحرب إلى لبنان، وإعادة الاستقرار المعمول به جنوبا ضمن قواعد الاشتباك التقليدية المكرسة بالقرار 1701 بعد حرب تموز 2006، الذي عزز انتشار قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) جنوب لبنان. ويعدّ الخبير وأستاذ العلاقات الدولية اللبناني رئيف خوري أن عنصر المفاجأة لزيارة هوكشتاين اقتصر على الوسط الإعلامي والسياسي المحلي، "لأنه جاء بقرار أميركي مسبق ومحضر، كونه شارك باجتماعات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عمّان والقاهرة والدوحة ومسقط".
ويعتقد بأن العمل جار على أهداف الزيارة وأهمها إيصال رسالة دبلوماسية لحزب الله لضرورة امتناعه عن توسيع الحرب جنوبا، كما يجد بأن هوكشتاين انتقل من "حامل الرسائل النفطية لحامل الرسائل السياسية العسكرية"، بعد اختباره سلوك التفاوض غير المباشر مع حزب الله أثناء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، أو عبر الوسيط اللواء عباس إبراهيم. ويعتقد خوري بأن الرسائل الأميركية تتعدى حزب الله إلى حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، خاصة حول مصير الأسرى حاملي الجنسية المزدوجة أميركية- إسرائيلية. ويقول المتحدث بأن هوكشتاين صديق شخصي ومستشار لبايدن، ومطلع على أدق التفاصيل والخفايا، وقد يكون من أصحاب معادلة "لكي نمنع حزب الله من توسيع رقعة الحرب الدائرة بغزة، علينا محاورة إيران". ويرجح خوري عدم انزعاج حزب الله من مضمون زيارة هوكشتاين، ويتحدث عن مساعٍ أميركية في بيروت للبحث عن وسطاء تربطهم علاقة جيدة بالفصائل الفلسطينية للتفاوض حول مصير الرهائن، "لكن حماس قد تصر على حصر الدور التفاوضي بقيادتها، عبر كل من الدوحة والقاهرة، مع دور ثانوي لأنقرة". من جانبه، يربط الكاتب والمحلل السياسي داود رمال، حراك هوكشتاين بزيارة بلينكن لبغداد، توازيا مع زيارة رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني لطهران، ولقائه كبار القيادات من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى الرئيس إبراهيم رئيسي، وهو ما قد يشي برسالة مفادها أن لا نية لواشنطن بتوسيع الحرب، والمطلوب وقف العمليات العسكرية ضد القواعد الأميركية.
أما المطلوب من بيروت، برأي داود، فهو دعوة الدولة اللبنانية لتحمل مسؤولية الالتزام بالقرار 1701، ومسؤولية إطلاق الفصائل الفلسطينية للصواريخ من مناطق عمليات اليونيفيل أو خارجها، ويتحدث عن تبليغ هوكشتاين من مسؤولين لبنانيين عدم نية حزب الله بتوسيع رقعة الحرب مع إسرائيل.
ومع ترقب القمة العربية الطارئة وما سيصدر عنها، ثمة أسئلة تتقدم حسب داود "هل هناك خريطة طريق عربية لها علاقة بمستقبل التسوية السلمية؟ وهل سيعيد العرب تأكيد المبادرة العربية للسلام في 2002 التي أقرت في بيروت، كسقف لهذا المسار السياسي الذي من المفترض أن ينطلق بعد حرب غزة؟". وعليه، قد يكون لبنان برأيه جزءا من المسار السياسي "مع أولوية وقف إطلاق النار بالجنوب"، ويعتقد المحلل أن واشنطن وحلفاءها الغربيين، قد تجاوزوا مع حزب الله مرحلة التهديد، إلى الربط بين مصلحة لبنان وضرورة الالتزام بالقرار 1701.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إستراتيجية الأمن القومي الأميركي 2025.. بداية نظام عالمي جديد
أعلنت الولايات المتحدة يوم 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأميركي 2025، وهي ليست مجرد وثيقة أمنية، بل إعلان اقتصادي شامل عن نهاية مرحلة كاملة من النظام العالمي الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.
الوثيقة من أول صفحة حتى آخر سطر تعكس قناعة الإدارة الأميركية بأن العولمة بصيغتها القديمة لم تعد تخدم الاقتصاد الأميركي، وأن استمرار الالتزامات الأمنية الواسعة لم يعد ممكنا في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة.
من هنا، تأتي أهمية هذه الإستراتيجية الجديدة التي يمكن وصفها بأنها أول وثيقة أميركية منذ 40 عاما تعيد تعريف موقع الولايات المتحدة اقتصاديا في العالم، وتحدد معادلة مصالحها بصورة مباشرة وصريحة.
الاقتصاد أولا.. عودة الدولة الوطنية الأميركيةتعتمد الإستراتيجية على مبدأ أساسي مفاده أن "القوة الأميركية تبدأ من الداخل"، وهذه ليست عبارة سياسية، بل رؤية اقتصادية ترتكز على واقع جديد:
نمو الناتج المحلي الأميركي عاد إلى مستوى 2.3% رغم الركود العالمي. الاستثمارات الصناعية في الداخل ارتفعت إلى 78 مليار دولار في 2024 ضمن برامج إعادة التوطين. تم ضخ أكثر من 130 مليار دولار في القطاعات التكنولوجية العالية. الانكماش في العجز التجاري غير النفطي وصل إلى 11%.التزامات واشنطن التقليدية مثل حماية أمن إسرائيل أو ضمان أمن الممرات المائية لم تعد التزامات دائمة، بل "خطوط حمراء" تُدار بمرونة، وبأقل كلفة ممكنة
وهذه الأرقام ليست تفصيلا تقنيا، بل هي الأساس الذي بنيت عليه سياسة الأمن القومي الجديدة التي تتضمن اقتصادا محميا، وإنتاجا داخليا، وتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية.
من هذا المنطلق، تتبنى وثيقة 2025 ما يمكن تسميته "النسخة الحديثة من مبدأ مونرو"، لكن بصيغة اقتصادية صناعية واضحة تمنع أي قوة خارجية من اكتساب نفوذ في نصف الكرة الغربي أو السيطرة على أصول إستراتيجية قريبة من المجال الأميركي.
تحول عميق في نظرة واشنطن للشرق الأوسطعلى مدى 50 عاما كان الشرق الأوسط مركز السياسة الأميركية، بسبب النفط وصراع القوى الكبرى، لكن الوثيقة الجديدة تقول بوضوح إن هذه الديناميكيات لم تعد موجودة؛ فالولايات المتحدة تنتج اليوم 12.9 مليون برميل يوميا، وتقترب من الاكتفاء الذاتي، بينما يتجه الطلب العالمي على النفط إلى آسيا التي تستورد 70% من نفط الخليج.
إعلانبالتالي، لم يعد للولايات المتحدة دافع اقتصادي يمنح المنطقة مركزية كما في السابق، وتصف الوثيقة الشرق الأوسط بأنه: "منطقة شراكة لا منطقة التزام عسكري طويل الأمد"، وهذه الجملة تختصر طبيعة المرحلة المقبلة، فواشنطن لن تهتم بشكل الأنظمة، ولا بطبيعة الحكم، ولا بالمؤسسات الديمقراطية، والمعيار الوحيد هو: هل تقدم هذه الدولة قيمة اقتصادية أو إستراتيجية ملموسة للولايات المتحدة؟
لذلك، فإن التزامات واشنطن التقليدية مثل حماية أمن إسرائيل أو ضمان أمن الممرات المائية لم تعد التزامات دائمة، بل "خطوط حمراء" تُدار بمرونة، وبأقل كلفة ممكنة.
أوروبا الخاسر الأكبر اقتصادياأوروبا التي استفادت طوال عقود من المظلة الأميركية تجد نفسها اليوم خارج الحسابات الجديدة.
فالوثيقة تعترف بأن مرحلة "الدعم الأميركي المفتوح" انتهت، وأن على أوروبا:
رفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي. تغيير سياسات الهجرة التي كلفت اقتصاداتها أكثر من 340 مليار دولار منذ 2015. إعادة بناء صناعاتها بعد فقدان الغاز الروسي الرخيص.بهذه المقاربة، تنتقل أوروبا من "شريك يحمى" إلى "شريك يجب أن يتحمل التكلفة"، وهو تحول اقتصادي كبير سيغير بنية التحالف الأطلسي خلال السنوات القادمة.
أوروبا التي استفادت طوال عقود من المظلة الأميركية تجد نفسها اليوم خارج الحسابات الجديدة
آسيا مركز الثقل الاقتصادي العالمي الجديدتعتبر الوثيقة أن مستقبل الاقتصاد العالمي موجود في آسيا التي تسهم اليوم بأكثر من 55% من النمو العالمي، وتستحوذ على 70% من الاستثمارات التكنولوجية المتقدمة.
لذلك تضع واشنطن اليابان وكوريا الجنوبية في مقدمة الحلفاء الرابحين، لأنهما الأكثر قدرة على:
استيعاب الاستثمارات الأميركية. تطوير الصناعات التكنولوجية المشتركة. مواجهة التفوق التصنيعي الصيني.في المقابل، تعتبر الهند من الخاسرين، لأنها تعتمد على منظومة العولمة القديمة التي تتجه واشنطن للتخلي عنها تدريجيا.
الصين وروسيا.. منافسة اقتصادية لا مواجهة عسكرية
أحد أهم ما جاء في الوثيقة هو الاعتراف بأن الصراع مع الصين هو صراع تكنولوجي وصناعي أكثر من كونه صراعا جغرافيا.
يعكس هذا الواقع الاقتصادي:
الصين تملك 31% من الإنتاج الصناعي العالمي. تسيطر على 42% من سلاسل الإمداد المتقدمة. استثماراتها في الذكاء الاصطناعي تجاوزت 70 مليار دولار العام الماضي.أما روسيا فهي المستفيد الأكبر من تخلّي واشنطن عن الالتزام العميق بأوروبا، إذ تحصل على مساحة أكبر للمناورة الاقتصادية والجيوسياسية.
روسيا هي المستفيد الأكبر من تخلّي واشنطن عن الالتزام العميق بأوروبا، إذ تحصل على مساحة أكبر للمناورة الاقتصادية والجيوسياسية
خلاصة الوثيقة.. العالم يدخل عصر ما بعد العولمةإستراتيجية الأمن القومي الأميركي 2025 هي وثيقة اقتصادية بامتياز، لأنها تعلن بوضوح:
نهاية العولمة بصيغتها القديمة. أولوية الاقتصاد الوطني على المصالح الخارجية. تقليص الالتزامات العسكرية. صعود آسيا كمحور جديد للنمو والاستثمار. اعتماد تحالفات تقاس بالمنافع الاقتصادية لا بالقيم السياسية.أما الشرق الأوسط فهو أمام واقع جديد، فالولايات المتحدة لن تعود إلى نمط التدخل السابق، ومن ينجح في بناء قيمة اقتصادية حقيقية هو الذي سيحجز مكانه في النظام العالمي الناشئ.
وتعكس الوثيقة تحوّلا تاريخيا سيعيد رسم خرائط النفوذ الاقتصادي العالمي خلال العقد القادم، ويجبر كل دول المنطقة على إعادة بناء سياساتها الاقتصادية وفق منطق المصلحة الوطنية والقدرة على خلق شراكات إستراتيجية حقيقية.
إعلان