لجريدة عمان:
2025-12-12@19:02:34 GMT

لقاء بايدن وشي لن يمنع المنافسة

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

منذ قمة بايدن وشي في بالي بإندونسيا في نوفمبر الماضي، ازدادت العلاقات الأمريكية الصينية انزلاقا إلى مسار صراع بسبب مواجهات من قبيل إسقاط الولايات المتحدة منطاد تجسس صيني وزيادة كثافة العقوبات في صناعة أشباه الموصلات. وفي المقابل، كثفت الصين من تدريباتها العسكرية حول تايوان وقوت العلاقات العسكرية الفعلية مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية لمواجهة استراتيجية المنافسة الأمريكية.

ولنزع فتيل التوتر، بعث جو بايدن من وزرائه وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت ييلين ووزير التجارة جينا ريموندو ومبعوث المناخ جون كيري إلى بكين واحدا تلو الآخر في سياق جهود إدارته للوفاء بالتزامها بـ«منافسة دونما كارثة» من خلال «الدبلوماسية الكثيفة».

برغم بذل الولايات المتحدة جهودا مهمة للحفاظ على انفتاح قنوات الاتصال العسكري رفيعة المستوى، دأبت الصين على رفض الطلب الأمريكي بإعادة فتح هذه القنوات. وأكد مستشار الأمن الوطني الأمريكي جيك سوليفان أن الصين في ما يبدو ترى أن العلاقات الأمريكية الصينية ستكون أكثر أمنا إذا «تفككت» هذه القنوات ولم يبق من «واقيات للصدمات».

غير أن وزير الخارجية الصيني وانج واي زار واشنطن في أواخر أكتوبر، ووافقت الولايات المتحدة والصين من حيث المبدأ على خطة لقاء بين جو بايدن وشي جينبنج على هامش قمة أبيك APEC في سان فرانسيسكو في الفترة من 11 إلى 17 نوفمبر، برغم أن الصين لم تعلن رسميا عن الاجتماع. في ضوء الظروف الراهنة للصين والولايات المتحدة في السياق العالمي، فإن تبدل قرار الصين، الذي يبدو أنه يعارض موقفها السابق قرار منطقي.

دونما شك، لا بد أن يعمل كلا الجانبين بما يخدم سياساته الداخلية. في الجانب الأمريكي، قرابة 83% من الراشدين الأمريكيين لديهم رؤى سلبية تجاه الصين، وبات اتباع منهج أشد صرامة في السياسة الخارجية تجاه الصين موضع إجماع من الحزبين. وفي الواقع، تتردد الإدارة في المخاطرة بمواجهة الصين لأن الهدف المركزي لإدارة بايدن هو ضمان النصر في انتخابات السنة القادمة. وللموازنة بين أفضل مصالح الحكومة وإرادة أغلبية الشعب الأمريكي، يهدف بايدن إلى إقامة واقيات حماية أثناء التنافس مع الصين لاجتناب الصدام المباشر معها.

في الجانب الصيني، تواجه الصين في ظل حكم شي تحديات جسيمة، بسبب التضخم، وأزمة سوق الإسكان، وضعف الصادرات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وشيخوخة السكان، وتصاعد الديون الحكومية المحلية. كما يضعف الاستهلاك المحلي، والمستثمرون الأجانب يفقدون الثقة ويسحبون استثماراتهم من الصين. وجميع هذه العوامل قوضت أساس شرعية الحكومة.

مرت الصين بزلزال سياسي في دائرة شي الداخلية خلال الشهور الأخيرة. فقد تخلص شي من حليفين له، هما وزير الخارجية الصيني كين جانج ووزير الدفاع الصيني لي شانج فو.. كما استبدل شي جين بينج اثنين من كبار الجنرالات، تشانج شنج مين ووانج جيا شينج، في القوة الصاروخية لجيش التحرير الشعبي التي تلعب دورا حاسما في الردع والمهاجمة المحتملة لتايوان والجيش الأمريكي. وقد يكون لهذا أثر ضار على جودة معدات جيش التحرير الشعبي وعملية توحيد تايوان. ومنذ مجيء شي جينبنج إلى السلطة في عام 2012 استهدف أكثر من ستين جنرالا في الجيش.

لقد أظهر التاريخ أن الحزب الشيوعي الصيني كلما يصادف أزمة في السلطة، فإنه يلتفت إلى الولايات المتحدة طلبا للمساعدة. ففي سبعينيات القرن العشرين، حينما كان الاقتصاد الصيني على شفا الانهيار وواجهت الصين هجمة نووية سوفييتية محتملة، بدأ ماو تسيدونج العمل مع الولايات المتحدة لمقاومة روسيا. وبعد واقعة ميدان تيانانمن في عام 1989، حينما واجهت إدانة وعزلة دوليتين، بدأ دينج شياوبنج سلسلة مبادرات لاسترداد مكانة الصين الدولية وطلب مساعدة من الولايات المتحدة وبلاد غربية أخرى.

الآن، يكافح شي جينبنج أزمات كبيرة اقتصادية وتمويلية ودبلوماسية. فقد أثارت الوفاة المفاجئة لرئيس الوزراء الصيني السابق لي كه تشيانج تكهنات واسعة النطاق ألقت بظلالها على قدرة شي على الحكم داخليا وخارجيا. والظاهر أن الصين في ظل حكم شي غير مهيأة بعد لفتح ميدان معركة ثالث على مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي. وبدلا من ذلك، يسعى شي إلى صورة جليلة لدبلوماسية قوة عظمى لاسترداد بعض السمعة في مواجهة الجمهور الداخلي ولتخفيف الاستياء الداخلي في الوقت نفسه.

يمكن النظر إلى مشاركة شي في قمة أبيك بوصفها سبيلا إلا الإلهاء عن هذه القضايا الداخلية وإظهار صورة القوة والاستقرار على الساحة العالمية. وقد تعد أيضا محاولة لطمأنة المستثمرين الأجانب والشركاء التجاريين إلى أن الصين لم تزل مكانا آمنا وجذابا للقيام بالأعمال.

فضلا عن ذلك، فقد تكون -من وجهة نظر الصين- لحظة مواتية لتحقيق أكثر مما فقدته خلال لقاء بايدن وشي في الأفق السياسي العالمي. فأوكرانيا لم تحقق غير تقدم بطيء منذ أطلقت هجمة مضادة على القوات الروسية التي تحتل أراضيها في مطلع يونيو 2023. ولدى الصين أسباب للاعتقاد بأن الركود في الحرب الأوكرانية الروسية يعكس أن سياسة الاتحاد مع روسيا ومقاومة الولايات المتحدة سياسة متشددة، والولايات المتحدة والمجتمعات الغربية تشرع في فقدان الثقة في انتصار أوكرانيا.

تستهلك حرب حماس - إسرائيل المزيد من الموارد الأمريكية، مسفرة عن تحول التنافس بين الولايات المتحدة والصين ليصب في مصلحة الأخيرة. كما أن الحرب بدأت في إعادة صياغة الرأي العام الذي يؤثر على منافسة القوتين العظميين. فقد استدعت بعض الدول سفراءها من إسرائيل. وعزفت بعض البلاد الغربية ومن بينها الولايات المتحدة عن تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا مع تحول الانتباه منها إلى الشرق الأوسط. وفي حين تختبر الصين ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على خوض حربين في آن واحد، فإنها ترى هذه الفرصة ممتازة لدفع أجندتها الوطنية المتمثلة في تحدي الهيمنة الأمريكية العالمية والفوز بالعالمين العربي والإسلامي بوقوفها في صف فلسطين.

هذه الديناميكيات السياسية العالمية قد تقوي قدرة شي التفاوضية خلال اللقاء. قد يتوصل الزعيمان إلى اتفاقات في بعض القضايا، من قبيل تغير المناخ والتبادل التجاري والسيطرة على الفنتانيل -fentanyl- ولكن يبقى حل بعض القضايا أمرا شبه مستحيل، وهذه القضايا هي حجر الزاوية في العلاقات الأمريكية الصينية، ومن الخلافات الكثيرة المواقف من أوكرانيا، وحماس، وحقوق الإنسان، والتنافس التكنولوجي، والأمن الإقليمي في بحر الصين الجنوبي، كما تشكل تايوان المعضلة الأشد صعوبة في العلاقات الثنائية.

الصين اليوم يحكمها شي جينبنج. ويعتقد شي أن الزمن الحالي يشهد تغيرات غير مسبوقة ويواجه تحديات لا تحصى. وقد أكد شي اعتقاده هذا حينما قابل بوتين في مارس 2023 بقوله إن «في الوقت الحالي تغيرات لم نر لها مثيلا منذ مائة سنة، ونحن الذين ندفع هذه التغيرات معا». ويعمل شي وبوتين معا على دفع التغيرات العالمية الراهنة بهدف الانتقام من «قرن المذلة» بـ«قرن التغيير».

تمثل مهمة إعادة توحيد تايوان جزءًا لا يتجزأ من قرن التغيير، لأن شرعية ولاية شي الرئاسية الثالثة تعتمد بشدة على وعده بإعادة توحيد تايوان. وفي حال إكمال شي مهمة الرئيس ماو غير المكتملة، يمكنه أن يتجاوز تركة ماو ويرسخ مكانته في التاريخ الصيني.

منذ المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، دعا شي مرارا جيش التحرير الشعبي إلى الاستعداد لخوض حرب والانتصار فيها على الساحة العالمية. وأدلى نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية بالحزب الشيوعي الصيني تشانج يوشيا ببيان قوي في قضية تايوان في منتدى شيانجشان في 30 أكتوبر، قائلا إن تايوان هي «جوهر المصالح الأساسية للصين». وإن جيش التحرير الشعبي «لن يظهر رحمة» في مواجهة أي تحركات من أجل استقلال تايوان. غير أنه لا يملك أي من الجانبين ترف الخسارة في مسألة تايوان.

وفي حين أن لنا أن نتوقع من اللقاء أن يكون حوارا صريحا في قضايا عديدة ذات اهتمام مشترك، لكن من السذاجة أن نرفع سقف توقعاتنا لهذا اللقاء. فهو لقاء خطابي رمزي أكثر مما هو لقاء ذو أهمية عملية. وفي حال التقاء بايدن وشي في أبيك، لن يعيدا ضبط مسار العلاقات الأمريكية الصينية ولكنهما سوف يتوصلان إلى هدنة مؤقتة لمنع تصعيد الصراع في وقت عصيب. وتبقى المنافسة الشرسة بين البلدين في مسألة تايوان وغيرها مرجأة إلى المستقبل.

جينجهاو تشو أستاذ مشارك في الدراسات الآسيوية في كليات هوبارت وويليام سميث. تركز أبحاثه على الأيديولوجية الصينية والسياسة والدين والعلاقات الأمريكية الصينية.

عن ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلاقات الأمریکیة الصینیة الولایات المتحدة التحریر الشعبی بایدن وشی أن الصین

إقرأ أيضاً:

لأول مرة في التاريخ.. الفائض التجاري الصيني يتجاوز تريليون دولار

 

بكين- رويترز

تجاوز الفائض التجاري للصين تريليون دولار لأول مرة مع اتجاه المصنعين الساعين لتفادي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شحن مزيد من صادراتهم إلى أسواق غير أمريكية في نوفمبر؛ إذ قفزت الصادرات إلى أوروبا وأستراليا وجنوب شرق آسيا.

وانخفضت الشحنات إلى الولايات المتحدة بما يقرب من الثلث مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.

وقالت تسي تشون هوانغ، الخبيرة الاقتصادية المتخصصة في الشأن الصيني لدى (كابيتال إيكونوميكس) "التخفيضات الجمركية التي جرى الاتفاق عليها في إطار الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين لم تُسهم في رفع الصادرات إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي، لكن نمو الصادرات الإجمالي تعافى مع ذلك".

وأضافت "نتوقع أن تظل صادرات الصين متماسكة، مع استمرار البلاد في كسب حصة أكبر من السوق العالمية العام المقبل".

وتابعت "يبدو أن دور إعادة توجيه التجارة في تعويض العبء الذي تفرضه الرسوم الأميركية لا يزال آخذا في الازدياد".

وأظهرت بيانات جمركية اليوم الاثنين أن الصادرات الصينية نمت بشكل عام بمقدار 5.9 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر، لتتحول عن الانكماش البالغ 1.1 بالمئة الذي سجلته في أكتوبر تشرين الأول، وتتجاوز توقعا بنموها بمقدار 3.8 بالمئة في استطلاع أجرته رويترز.

وارتفعت الواردات 1.9 بالمئة، مقارنة بصعودها بمقدار واحد بالمئة في أكتوبر. وكان الاقتصاديون يتوقعون زيادة تبلغ ثلاثة بالمئة.

وبلغ الفائض التجاري للصين 111.68 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني، وهو أعلى مستوى منذ يونيو حزيران، وبارتفاع من 90.07 مليار دولار جرى تسجيلها في الشهر السابق. وجاء ذلك أعلى من التوقعات البالغة 100.2 مليار دولار.

وتجاوز الفائض التجاري لأول 11 شهرا من العام تريليون دولار للمرة الأولى.

وكثفت الصين جهودها لتنويع أسواق صادراتها منذ فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني 2024، وسعت إلى توطيد العلاقات التجارية مع جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي. واستفادت أيضا من الانتشار العالمي لشركاتها لإقامة مراكز إنتاج جديدة تتيح لها وصولا برسوم جمركية منخفضة إلى الأسواق.

وانخفضت الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة بواقع 29 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني، في حين نمت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بمقدار 14.8 بالمئة على أساس سنوي. وارتفعت الشحنات إلى أستراليا 35.8 بالمئة، واستقبلت اقتصادات جنوب شرق آسيا سريعة النمو سلعا أكثر بواقع 8.2 بالمئة خلال الفترة نفسها.

وجاء تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة على الرغم من الأنباء التي ذكرت أن أكبر اقتصادين في العالم اتفقا على تقليص بعض الرسوم الجمركية ومجموعة من الإجراءات الأخرى بعد اجتماع ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية في 30 أكتوبر.

ويبلغ متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية 47.5 بالمئة، أي أعلى بكثير من عتبة 40 بالمئة التي يقول اقتصاديون إنها تؤدي إلى تآكل هوامش أرباح المصدرين الصينيين.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تتبنى قرارا يمنع التهجير وتجويع المدنيين في غزة
  • أزمة الصناعة الدفاعية الأمريكية: انهيار القدرة الإنتاجية في مواجهة التوسع الصيني السريع
  • فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
  • فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة
  • الصين تنتقد اتصالات إسرائيل مع تايوان
  • وثيقة سرية أميركية: الصين قد تدمر القوات الأميركية في أي حرب على تايوان
  • الولايات المتحدة تدعم اليابان في نزاعها مع الصين بشأن حادثة الرادار
  • والي البيض يستقبل سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية
  • خلاف على الوقود الأحفوري يمنع صدور ملخص التقرير الأممي عن البيئة
  • لأول مرة في التاريخ.. الفائض التجاري الصيني يتجاوز تريليون دولار