خديجة مسروق: الثورة الجزائرية قصة كفاح
تاريخ النشر: 6th, July 2023 GMT
خديجة مسروق من الصعوبة بمكان أن نختزل تاريخ الثورة الجزائرية في بضعة سطور. و هو التاريخ الحافل بالمحطات الشاهدة على فظاعة الإحتلال الفرنسي للجزائر , و على بسالة الشعب الجزائري و استماتته من أجل تحرير أرضه من براثن هذا العدو الغاشم , منذ أن وطئتها أقدامه في الخامس من شهر جويلية من سنة 1830إلى غاية الخامس من جويلية 1962 و هو التاريخ الذي لوّحت فيه الحرية الحمراء لواءها بفضل تضحية الوطنيين الأفذاذ بالغالي و النفيس لأجلها.
عملت القوات العسكرية الفرنسية على قمع الشعب الجزائري و إذلاله بشتى الطرق , و تفننت في جرائمها في حق هذا الشعب . غير أنها لم تكن تهنأ في كل عملية إجرامية تقوم بها . الجزائريون لم يدخروا أي جهد في التصدي لها , و إن كانت وسائلهم بسيطة فرب السماء كان يمطرهم بالعون , وماضاع حق يوما ووراءه مطالب .
بدأ فتيل الثورة الجزائرية بالانتفاضات الشعبية عبر القرى و المداشر. كان الجزائريون يقومون بثورات محلية و تفجيرات في مراكز العدو يتكبد فيها كثيرا من الخسائر المادية و البشرية ..
و كان العدو الفرنسي قد استغل حالة الأمية أو الجهل الذي كان يجثم على عقول أغلب الجزائريين, فحاول إقناعهم بأن الجزائر فرنسية و أن فرنسا دخلت أرضهم من أجل خدمتها و اصلاحها .و كل ذلك من أجل طمس هويتهم الوطنية.و بذلك يتراجع الجزائريون عن محاربتها و الإذعان لقراراتها . غير أن المصلحين و أهل العلم من أبناء الجزائر حملوا على أكتافهم مهمة توعية الشعب و تنويره .وهبت رياح الحركة الاصلاحية مع الشيخ عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي و الطيب العقبي و غيرهم من رواد الاصلاح . و انطلقوا في الدروس التوعوية من المساجد و الزوايا لبناء عقل الانسان الجزائري . و ذلك بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي رسمتها السياسة الاستعمارية و نشرتها بين أوساط الجزائريين قبل طرح فكرة الاستقلال , و نشر الوعي و شحذ الهمم في نفوس المواطنين ليكونوا أكثر استعدادا لمقاتلة العدو , واقناعهم بأن ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة .وأشرقت شمس اليقظة على الجزائريين المخلصين , الذين تأكدوا أن فرنسا لا تريد خيرا للجزائر , و أن القوة هي الحل الوحيد لإخراجها من بلادهم . فاثبتوا أنهم كالبنيان المرصوص لا تزعزعهم رياح و لا أعاصير .
و تشكلت لجان للتخطيط لأعظم ثورة يشهد لها التاريخ .فانطلقت الاتصالات السرية بين الثوار و المناضلين في جميع أنحاء الوطن, للاتفاق على تفجير شرارة أول نوفمبر من العام 1954. فأشعلوا فتيلها في زمن واحد في كل بقعة من أرض الجزائر.إنها اللحظة الحاسمة في تاريخ الجزائريين .
الفاتح من نوفمبر كان البرزخ بين مرحلتين فاصلتين انتقلت فيها الجزائر من مرحلة المقاومة الشعبية إلى مرحلة الكفاح المسلح تحت لواء حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري . التفّ الشعب الجزائري حول الثورة . و قد قال في هذا الصدد الشهيد العربي بن المهيدي مقولته الشهيرة ‘القوا بالثورة إلى الشارع يتلقفها الشعب ‘ . و اتخذ الثوار من الجبال معاقل لهم للتربص بقوات الاستعمار .و تحصلت الجزائرآنذاك على الدعم المعنوي و المادي من الدول الشقيقة و الصديقة مساندة للثورة و دعمها بالسلاح و العتاد .فشكَّلَ المجاهدون قوة ثورية ضد جحافل العدو الفرنسي, التي زعزعت وجوده وقوته التي ظنها أنها لا تقهر. سبع سنوات و نصف من القتال الدامي المتبادل بين المجاهدين و عساكر الاحتلال ــ و قد عدّ الدارسون أطول استعمار عرفته الانسانية هو الاستعمار الفرنسي للجزائرــ عرف الشعب الجزائري خلال هذه الحقبة ‘ الاستعمارية ‘ أبشع أنواع القهر و الإذلال من قبل المحتلين . مازاد هذا الشعب إصرارا وعزيمة على التحدي في مواصلة القتال لتحرير وطنهم من الوجود الاستعماري . و كانت قوات العدوتقابل تحديهم بمحاولة القضاء عليهم. منهم من يتعرض للموت فيلاقي ربه شهيدا, ومنهم من يتم القبض عليه فيزج به في مراكز الإعتقال . و تفنن عساكر فرنسا في تعذيب الجزائريين الموجودين داخل هذه المراكز بأساليب لا علاقة لها بالانسانية , باستعمال الكهرباء و الماء و عمليات غسيل المخ, و تجريد المساجين من ثيابهم و التجول بهم وسط الشوارع , و انتهاك أعراض محارمهم أمامهم و غيرها من أنواع التعذيب التي كان يمارسها الاحتلال لبث الرعب في نفوس المواطنين و محاولة كسر عزيمة المجاهدين و الثوار..سجون فرنسا بالجزائر التي مورست فيها عشرات بل مئات من العمليات العقابية الفظيعة ضد المعتقلين الجزائرين ــ و هناك كثير ممن استشهدوا تحت التعذيب ــ لا تزال شاهدة إلى اليوم على جرائم فرنسا . كسجن ‘ سركاجي’ الذي نفذت فيه مئات العمليات الإجرامية ضد الشعب الجزائري , و هناك مركز’ بني مسوس ‘ و’ مركز موران ‘ و غيرهم من معاقل التعذيب التي لازالت إلى اليوم موجودة كمعالم تاريخية كبيرة تشهد على بشاعة الاحتلال. .
جرائم فرنسا ضد الانسانية لم تنته بخروجها من أرض الجزائر, بل إلى اليوم الخطر يحدق بالأرض و الانسان و الحيوان في كثيرمن مناطق الجنوب و الصحراء بأكملها . بسبب الألغام التي دستها في هاته البقاع الشاسعة من الصحراء الجزائرية التي كانت و لا تزال تؤرقها , كيف لا وقد احتلت الجزائر من أجلها للإستيلاء على الخيرات الموجودة بها . و لما بات حلم فرنسا وهمًا تأكدت من استحالة تحقيقه , استعملت سياسة الأرض المحروقة بالقيام بالتجارب النووية على هذه الأراضي , التي تسببت في مقتل عشرات المواطنين و إصابة كثيرمنهم بعاهات مستدامة بسبب الإشعاعات النوووية .
و إذا كانت فرنسا ترفض الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري أيام الاحتلال , فإن التاريخ حافل بالشواهد التي تؤكد على ذلك و بعض الشواهد موجودة في عقر دارها . يكفي أن متحف باريس يضم عشرات من جماجم الثوار الجزائرين الذين قامت بقتلهم و لم تكتف بذلك , بل قامت بفصل رؤوسهم عن أجسادهم وتهريب تلك الجماجم لتضعهم كقطع تذكارية في متحف باريس الكبيريتحلق الزائرون له حولها , و كأنها تؤكد للعالم عن عدائها للإنسانية .وكانت الدولة الجزائرية قد استردت مؤخرا بعضا من هذه الجماجم ليحويهم تراب أرضهم الطاهرة الذين ضحوا بكل شيء من أجله.. حين لم تنجح فرنسا في كل مخططاتها العسكرية و أيضا السياسية التي حاكتها ضد الجزائر من أجل البقاء على أرضها .اضطر شارل دوغول مرغما بعد عجزه في التصدي لمقاومة الشعب الجزائري الباسل على الموافقة على مبدأ تقرير المصير, بعد فشله في تطبيق سلم الشجعان الذي ينص على واجب تخلي الشعب الجزائري عن الثورة , و أبرمت اتفاقية إيفيان في 18 مارس من العام 1962لتعلن الجزائر عن وقف القتال.و رغم استفزازات العساكر الفرنسية للجزائريين إلا أنها لم تحرك فيهم ساكنا حيث استطاعوا أن يحافظوا على مبدأ وقف اطلاق النار .ويتم الإعلان عن قيام دولة مستقلة ذات سيادة .ويلوح العلم الوطني بألوانه الثلاثة خفاقا في كل التراب الوطني , و تعلن الجزائر عن احتفالاتها بالاستقلال الرسمي في الخامس من جويلية 1962 , و الجزائريُّ ينتشي طعم الحرية و الاستقلال في شموخ و هو الذي كان ولا يزال يرفض أن تنحني هامته لغير الخالق ..فالسلام على أبناء الجزائر الذين ضحوا من أجل الحرية بالغالي و الرخيص و عقدوا العزم أن تحيا الجزائر . فكل عام ووطني الجزائر ينعم بالسلام و الحرية و المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار .. .
كاتبة من الجزائرالمصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
نص كلمة قائد الثورة حول آخر التطورات والمستجدات
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
ثــلاثـة عنــاويـن لتطـــورات هــذا الأسبــوع، في العـدوان الإسـرائيلي على الشعـب الفلسطينـي والمقدَّسـات الإسـلاميـة:
العنـــوان الأول هـو: مـا يرتكبـه العـدو الإسـرائيلي مـن إبـادة جماعيـة للشعـب الفلسطينـي في قطـاع غـزَّة:
وهو مستمرٌ على ذلك على مدى عشرين شهراً، ولأكثر من ستمائة يوم، حيث بلغ إجمالي عدد الشهداء، والمفقودين، والجرحى: أكثر من (مائةٍ وسبعةٍ وثمانين ألفاً وأربعمائة فلسطيني)، نسبةٌ كبيرةٌ منهم من الأطفال والنساء.
وحينما ننظر إلى مأساة الشعب الفلسطيني، فعلينا أن نستوعب أنَّها مأساة طويلة جدًّا على مدى سبعةٍ وسبعين عاماً، ثم في هذا المستوى من الإبادة الجماعية، والتجويع والحصار، على مدى عشرين شهراً؛ ولـذلك لا ينبغي أن تكون النظرة مقصورةً، والمشاعر معها كذلك، على محصلة ما حدث خلال أسبوع، فكل يومٍ يضاف إلى هذه المأساة هو زيادةٌ في حجم المعاناة، زيادةٌ في المأساة نفسها، يزيد من حجمها، وآثارها، وأضرارها، وما يترتب عليها في واقع الشعب الفلسطيني المظلوم، هكذا هي مظلومية الشعب الفلسطيني، وهكذا هي مظلومية أهل غزَّة من أبناء الشعب الفلسطيني.
مــن جـرائـم العــدو الفظيعــة خــلال هــذا الأسبــوع:
استهدافه للنازحين في مدرسةٍ في منطقة (حي الدرج)، أحرق العدو الإسرائيلي فيها النازحين في خيام نزوحهم في فناء المدرسة بالصواريخ، وكانت جريمةً فظيعةً ومأساوية.
ومنها: استهدافه لأطفال طبيبةٍ فلسطينية، تعمل في مستشفى ناصر الطبي، حيث فوجئت وهي في المستشفى بوصول جثامين أطفالها التسعة، بعد استهداف العدو الإسرائيلي لمنزلها، لتجد تلك الطبيبة أطفالها أشلاء متفحِّمة في قسم الطوارئ الذي تعمل فيه، في واحدةٍ من المآسي المتكررة يومياً للشعب الفلسطيني؛ نتيجةً للإجرام اليهودي الصهيوني.
والعدو الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني، يتعمد قتل أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين؛ ولـذلك يستهدفهم في أوقات كثيرة، ومن أبرز الأوقات التي يركِّز على استهدافهم فيها: الأوقات الأخيرة من الليل في مراكز الإيواء، بعد أن يكون النازحون قد تجمعوا في خيامهم، وكذلك يركز أيضاً على إبادة الأطفال، نسبة كبيرة من الشهداء في قطاع غزَّة من الأطفال.
والعقيدة اليهودية- بنفسها- تقوم على إبادة الأطفال، إحدى مشاهير الصهاينة قالت: [نحن ملتزمون بالانتقام وتدمير غزَّة من رضيعها إلى كبيرها]؛ ولـذلك في الإحصائيات قرابة الـ (ألف شهيد) من الرُّضَّع، من الأطفال الرُّضَّع، وقد تكون الإحصائية أكبر من ذلك بكثير، والآلاف من بقية الأطفال في أعمار متفاوتة، عضوٌ سابقٌ أيضاً فيما يسمَّى بالكنيست قال قبل أيام: [كل طفلٍ رضيعٍ في غزَّة هو عدو].
وفعلاً هذه هي العقلية الإسرائيلية، والنفسية اليهودية الخبيثة المجرمة، التي تنظر هذه النظرة وتعمل على أساسها، في الاستهداف للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة؛ لأن مشكلتها مع الشعب الفلسطيني في وجوده كشعبٍ على أرضه، وهي تريد أن تقضي عليه، أن تتخلَّص منه بالإبادة، والقتل، والتهجير، وكل وسائل القضاء عليه وعلى وجوده في أرضه ووطنه؛ وبالتـالي هي تحسب حتى الأطفال الرُّضَّع بأنهم أعداء، وأن وجودهم يمثِّل مشكلةً على اليهود الغاصبين، المحتلين، المجرمين، الظالمين، المعتدين، وهم يسعون لاستهدافهم، يقوم على ذلك استهداف شامل بكل وسائل الإبادة، بالقصف الجوي، والبري، والبحري، بالتجويع، بمنع الغذاء والدواء... بكل وسائل الاستهداف.
التجويع أيضاً كوسيلة من وسائل الإبادة الجماعية مستمر، العدو الإسرائيلي ممعنٌ في الاستمرار في الحصار والتجويع، الآلاف من الأطفال مهددون بالموت جوعاً، وهناك وفيات مستمرة يومياً؛ بسبب التجويع، وسوء التغذية، والنقص الحاد في توفر الغذاء.
العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع، وكأسلوب من أساليب المخادعة والاستهتار، حاول أن يعمل عمليةً هي في واقعها مهزلة، والهدف منها: هندسة الجوع في قطاع غزَّة، حيث يسعى إلى إدخال مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة في حظائر ضَيِّقَة وصغيرة، ويحاول أن يبقيهم فيها في حالة اختناق لا تنتهي؛ لانتظار كميةٍ قليلةٍ جدًّا من الطعام، وفق آلية توزيعٍ إجراميةٍ وعدائية، وفي وضعٍ شبيهٍ بمعسكرات النازية في الحرب العالمية الثانية، وما كانوا يفعلونه أيضاً ضد العرب المسلمين في الجزائر، وفي ليبيا... وغيرها.
العـدو الإسـرائيلي في أسلوبه ذلك، في الوقت الذي هو يمنع فيه دخول آلاف الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية، التي تتعفن وهي باقيةٌ على الشاحنات لفترة طويلة، وهو يمنع دخولها، ويمنع أيضاً كل الفرق العاملة التابعة للأمم المتَّحدة والمنظمات من عملية التوزيع لها، هو مفضوح في مهزلته تلك، وهي مهزلة غير مقبولة دولياً، ولا يمكن القبول بها من أحد؛ لأن أي طرف دولي يقبل بها (أمم مُتَّحدة، أو أي غيرها من المنظمات) يقبل بتلك الآلية؛ فهو ينتهك ويقبل بانتهاك كل المواثيق الدولية، وكل حقوق الإنسان، وكل المواثيق المعتبرة والمعترف بها عالمياً؛ لأنها عملية عدائية، جريمة حرب، ما يسعى له العدو الإسرائيلي من إدارة وهندسة للجوع في قطاع غزَّة، ومن التَّحَكُّم في عملية التوزيع للغذاء، هي جريمة، جريمة بحق الإنسانية، وجريمة إبادة بحد ذاتها.
المساعدات الصِّحِّيَّة كذلك متوقِّفة، والعدو يستهدف بشكلٍ مستمر المستشفيات والكوادر الصِّحِّيَّة، وبتوقُّف دخول المساعدات الصِّحِّيَّة؛ تنفد المستلزمات الطِّبِّيَّة والأدوية، مع حالات المرضى والجرحى بأعداد كبيرة يومياً، يعني: في كل يوم هناك المزيد من المرضى والجرحى بأعداد كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني، الحاجة كبيرة جدًّا إلى المستلزمات الطِّبِّيَّة والأدوية، والعدو الإسرائيلي يمنع دخولها، ويستهدف المستشفيات بالقصف والاعتداءات، ويستهدف الكوادر الصِّحِّيَّة.
ممارسات العدو الإسرائيلي الإجرامية والوحشية، وإبادته الجماعية، والتجويع، والقتل، كل ذلك يسعى من خلاله إلى تحقيق هدفه في التهجير للشعب الفلسطيني، وفي الاحتلال التام لقطاع غزَّة، وهو مستمرٌ أيضاً في اعتداءاته في الضِّفَّة الغربية بكل أشكال الاعتداءات، والتي تهدف إلى تحقيق نفس الهدف في نهاية المطاف.
العدو الإسرائيلي أعلن مؤخَّراً عن عددٍ كبير يريد إنشاؤه من المغتصبات في الضِّفَّة الغربية، المغتصبات الاستيطانية، وهدفه المعلن، الذي أعلنه: أن يُعَزِّز من قبضته وسيطرته على الضِّفَّة الغربية، يواصل أيضاً كل أشكال الاعتداءات في الضِّفَّة، من قتل، واختطاف، وسطو، ونهب، كما فعل في مناطق متفرِّقة في الضِّفَّة الغربية، في مداهمته لمحلات الصرافة، ومحلات بيع الذهب التابعة للفلسطينيين، وقيامه بنهبها، والسطو عليها.
يهاجم منازل العائلات الفلسطينية، من ضمن الممارسات الإجرامية لقطعان المغتصبين، الذين يسمُّونهم بـ [المستوطنين]، يهاجمون منازل العائلات الفلسطينية، ويشعلون النار فيها، يحرقون المحاصيل الزراعية، وحتى المراعي في السهول، ويقتلعون أشجار الزيتون. وهكذا هي ممارساتهم الإجرامية، على مستوى الاستهداف للشعب الفلسطيني، بكل أشكال الاستهداف، ومع ذلك الهدم المستمر للمنازل، والتجريف المستمر في الأحياء، وكذلك على البيوت، على المحلات التجارية... وغير ذلك.
العنـــوان الثـــاني هــو: ذكــرى احتــلال القــدس، ومـا قــام بـه المجـرمــون اليهــود في هــذه الذكـرى هـذا العــام في القــدس والأقصـى يـوم الإثنــين الماضـي:
في ذكرى احتلال اليهود الصهاينة للقدس، وهي ذكرى من أسوأ ذكريات أُمَّتنا الإسلامية، ومن أخطر أيامها، ذكرى احتلال اليهود الصهاينة، الذين هم أسوأ أعداء هذه الأُمَّة، وهم العدو المجرم، الظالم، المفسد، حينما قاموا باحتلال مدينة القدس، التي تحتضن أحد أهم مقدَّسات المسلمين، وهو: المسجد الأقصى، مسرى النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، وقبلة المسلمين، شطراً من صدر الإسلام، ذكرى في إطار ما يجري حالياً في فلسطين، كان من المفترض بأُمَّتنا، بعلمائها، ونخبها، وقادتها، وذوي المسؤولية فيها، وأحرارها، وذوي الوعي فيها، كان من المفترض بكل الأُمَّة أن تلفت هذه الذكرى نظرها، وأن تُذَكِّرها بمسؤوليتها من جديد، وأن تدرك خطورة التفريط بمقدَّساتها، وخطورة الاستمرار في هذا التفريط، وأن تقيِّم وضعيتها، والمخاطر المتزايدة على المسجد الأقصى، مع استمرار العدو الإسرائيلي في خطواته العدائية، الرامية إلى تدميره في نهاية المطاف، فعلاً العدو الإسرائيلي لا يخفي هذا الهدف، هو هدفٌ معلن، والخطوات لتحقيق هذا الهدف هي خطوات مكشوفة وواضحة.
ما يقوم به العدو الإسرائيلي من اقتحاماتٍ شبه يومية بشكلٍ متصاعد، في محاولة لأن يَطْبَع وضع المسجد الأقصى بالطابع اليهودي، وأن يطمس هويته الإسلامية، وما يقوم به العدو الإسرائيلي تحت المسجد الأقصى، وفي محيطه، من حفرياتٍ وأنفاق، صمَّمها بشكلٍ مدروس، يهدف- في نهاية المطاف- إلى هدم المسجد الأقصى، وإلى تساقط جدرانه وسوره، وصلت إلى (سبعةٍ وعشرين نفقاً وحفرية)، يسعى من خلالها إلى الوصول بالمسجد الأقصى إلى حالة الانهيار، وإلى سقوط جدرانه، كما هو حال السور الجنوبي للمسجد الأقصى، الذي أصبح مُعَلَّقاً دون أساسات داعمة وحامية.
العمل الذي يقوم به العدو الإسرائيلي في الأنفاق والحفريات، تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، هو عمل منذ سنوات طويلة، وليس شيئاً جديداً، والعدو الإسرائيلي مستمرٌ فيه، منها: ذلك النفق الذي عقد كبار المجرمين الصهاينة اجتماعهم فيه، حيث بدأ التخطيط له في العام 2005، وافتتحه العدو الإسرائيلي قبل ست سنوات، بمشاركة السفير الأمريكي آنذاك، الذي أظهرته مشاهد الفيديو وهو يحمل مطرقةً ويعمل داخل النفق؛ لتأكيد المشاركة الأمريكية، والدعم الأمريكي للعدو الإسرائيلي، في الاستهداف للمسجد الأقصى؛ ولـذلك ليست المسألة متعلِّقة برد فعلٍ تجاه (عملية طوفان الأقصى)؛ بل مسار طويل، العدو الإسرائيلي الذي أحرق في بداية الأمر المسجد الأقصى، ويستهدفه بكل أشكال الاستهداف، ويعمل على تهويد مدينة القدس بأشكال كثيرة، وأعمال كثيرة، ومؤامرات كثيرة، والتفاصيل عن هذا الموضوع تفاصيل كثيرة، أُلِّفت عنها وصُنِّفَت كُتُب، وكذلك صُمِّمَت برامج، وقُدِّمَت برامج عنها؛ لأن تفاصيلها كثيرة، العدو الإسرائيلي له مسار واضح، بخطوات تهدف إلى تحقيق هذا الهدف المعلن.
في يوم الاثنين الماضي، في الذكرى التي كان ينبغي أن تكون مُحَرِّكَةً للمسلمين- كما قلنا- لتقييم ما يحدث حالياً، وما حدث سابقاً، وتقييم الوضع الذي هم فيه، وتقييم التهديد الكبير، الذي يهدد المسجد الأقصى بقدسيته العظيمة لدى المسلمين؛ لكن بدلاً من ذلك، المسلمون كانوا في حالة صمتٍ تام، ليس هناك تحرُّك، ليس هناك شعورٌ بالمسؤولية، ليس هناك اهتمام؛ في المقابل اليهود الصهاينة نفَّذوا أكبر الاقتحامات، وبالآلاف من الصهاينة للمسجد الأقصى وباحاته، ورفعوا فيه الأعلام اليهودية الصهيونية، ونفَّذوا فيه أوقح عمليات الاقتحامات منذ الاحتلال للقدس.
كان واضحاً في حجم تلك الاقتحامات، وما نفَّذوا فيها من طقوس في باحات المسجد الأقصى، وبمحاذاة حائط البراق، أنهم يريدون أن يطبعوه بطابعٍ يهوديٍ صهيوني، وأن يطمسوا هويته الإسلامية، ودنَّسوه باقتحاماتهم تلك، وبطقوسهم الخرافية، ورقصاتهم الساخرة، والمتبجِّحة، والمتحدِّيَّة للمسلمين جميعاً.
أطلق كبار مجرميهم في تلك الاقتحامات التصريحات العدائية، المؤكِّدة لنواياهم العدوانية، في تدمير المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم، وكذلك التصريحات المؤكِّدة لعدائهم لكل المسلمين دون استثناء، وللعرب جميعاً، وقال أحد كبار مجرميهم، وهو من أسوأ مجرميهم وأوقحهم، قال: [لن نُفَرِّق بين الأعداء]، وهو يقصد بذلك كل العرب وكل المسلمين.
وفعلاً هذه هي النظرة الإسرائيلية، والنفسية اليهودية تجاه كل العرب، حتى من يُطَبِّع من العرب معهم، واقعه كما ذكر الله في القرآن الكريم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، حتى من يمتلئ قلبه بالمحبة لأولئك المجرمين، الطغاة، الفاسدين، الفاسقين، الذين ليس فيهم ما يشد الإنسان إليهم، أو يُحَبِّبهم إلى الإنسان، وتعتبر المحبة لهم، والميل إليهم، والولاء لهم، حالة غير صِحِّيَّة، حالة مرضية، {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:52]، حالة مرضية، إفلاسٌ في الأخلاق، في سلامة الفطرة، خللٌ في سلامة الفطرة، الإنسان الذي يصل به الحال إلى أن يميل إليهم، وأن يرغب بالعلاقة معهم، وأن يرغب في أن يكون له ارتباطٌ بهم، وعلاقةٌ مشتركةٌ معهم، فيما هم عليه من سوء، وإجرام، وطغيان، وحقد، ومكر، وكيد وجشع، وفيما هم عليه من سوء، وخيانة، وغدر، وسوءٍ كامل في كل شيء، فهي حالة شنيعة جدًّا، وحالة غير طبيعية نهائياً! فهم كشفوا ويكشفون على الدوام عداءهم للجميع، ليست المسألة مجرَّد مشكلة بينهم وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، هم أعداء لكل المسلمين، نطق القرآن بذلك: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، من يُكَذِّب بهذه الحقيقة، فهو مُكَذِّبٌ بالقرآن، بالقرآن الكريم، بما نطق به القرآن الكريم، بصريح آيات الله في كتابه المبارك، وجاحدٌ لحقائق الواقع، التي ملأت سمع الدنيا وبصرها، فيما يفعلونه، وفيما فعلوه على مدى كل هذه العقود من الزمن.
كان من هتافاتهم في باحات المسجد الأقصى، يعني: في هذا الموقع العظيم برمزيته وقدسيته للمسلمين، كان من هتافات اليهود الهتاف بـ [الموت للعرب]، وكرَّروا هذا الهتاف، وهذا الهتاف [الموت للعرب] هو هتافٌ قديمٌ، منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي الغاصب لفلسطين المحتلة، على مدى سبعة وسبعين عاماً لم يتوقفوا عن الهتاف بهذا الهتاف، يُعَبِّرون به عن عدائهم لكل العرب، مع هذا الهتاف سياسات عدائية، أعمال إجرامية، إبادة جماعية... وغير ذلك.
وهنا يتجلَّى لكل الذين يتأثرون بالحملات الدعائية والإعلامية، من أبواق الصهيونية في المجتمع العربي، وبعض وسائل الإعلام العربية، الذين يصوِّرون للناس، في جحدان لأكبر الحقائق وضوحاً، أنه: [لا مشكلة ما بين العرب وإسرائيل؛ وإنما المشكلة إيرانية إسرائيلية]، كل شيءٍ في فلسطين يكشف كذب هذه الدعاية، ويُفَنِّدُ تلك المقولة الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، والتي فيها تنكُّرٌ تام- كما قلنا- لكل الحقائق، ولما في القرآن الكريم من آيات الله الواضحة والبيِّنة.
يهتفون في مختلف المناسبات العدائية، مع ممارسات عدائية، مع مواقف، مع أعمال، مع قتل، مع إبادة، مع جرائم، يهتفون بـ [الموت للعرب].
والأسوأ من كل ذلك، والأكثر تعبيراً عن شدة عدائهم للإسلام والمسلمين جميعاً، ولكل ما يَمِتُّ للإسلام بصلة، هو: هتافاتهم بعبارات يسيئون فيها إلى رسول الله وخاتم أنبيائه محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ":
والإساءة إليه هي إساءة إلى كل الأنبياء، الإساءة إلى خاتم النبيين، رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، هي إساءة إلى كل الأنبياء، وإلى مقام النُّبُوَّة، مقام الرسالة العظيم والمقدَّس، وهذا هو العنوان الثالث في هذه الكلمة.
هذه المسألة مسألة خطيرة، ومسألة مهمة في نفس الوقت، لا يجوز لكل مسلمٍ أن يتجاهلها، أو أن تمر على مسامعه بشكلٍ عادي، وكأنها مسألةٌ عادية، أو كلامٌ عاديٌ.
مما استمر عليه اليهود الصهاينة، منذ بداية احتلالهم لفلسطين، وإلى اليوم، وما قبل ذلك، يعني: هذا بالنسبة لهم من معتقداتهم، من ثقافتهم، من مقولاتهم، التي تتردد بين أوساطهم؛ لكنَّ المختلف: أن لها الآن سياق حركي عدائي ضد هذه الأُمَّة، وليست كما سبق، يعني: في أوساطهم الداخلية، في أثناء ممارساتهم لأنشطتهم الثقافية في واقعهم الداخلي، أو في نشاطهم التعليمي، في واقعهم فيما بينهم، المسألة الآن هي في سياق حركي عدائي ضد المسلمين، ضد هذه الأُمَّة، في مقدمتها العرب، فاليهود- منذ بداية احتلالهم لفلسطين وإلى اليوم- يعلنون الإساءة بالعبارات السيئة، والكلمات البذيئة، ضد وتجاه رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، إلى درجة أن ذلك أصبح جزءاً من هتافاتهم في مختلف مناسباتهم العدائية.
وكذلك الحال في موقفهم من القرآن الكريم، فيما يفعلونه من إحراق للمصاحب، وتكرر هذا كثيراً، وينشرون هم له الفيديوهات وهم يمارسون الإحراق للمصحف الشريف، أو مشاهد لتمزيقهم للمصحف الشريف، أو مشاهد لدوسهم على المصحف الشريف، ويفاخرون بذلك.
كذلك الاستهداف للمساجد بقدسيتها الإسلامية، من تدمير وتجريف من حرق، من تدنيس، من كتابةٍ على جدرانها بعبارات مسيئة إلى الإسلام والمسلمين، وإلى الرسول والقرآن.
ما يفعلونه هم، من جهتهم، غير غريبٍ منهم، فيما هم عليه من كفر، وشر، وسوء، وإجرام، وطغيان، في حالهم هذا ليس مستغرباً منهم أن يكون لهم، وأن يصدر منهم، مثل هذه الإساءات إلى نبي الإسلام، إلى رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، فالله أخبرنا في القرآن الكريم كيف هي إساءتهم إلى الله، إلى ملائكة الله، إلى أنبياء الله، وهم الذين لهم رصيد إجرامي حتى في قتل الأنبياء، وليس فقط الإساءة بالكلام إلى أنبياء الله، وفي كتابهم (التلمود)، وثقافتهم المحرَّفة، الكثير جدًّا من الإساءات إلى كثيرٍ من الأنبياء بأسمائهم، يسيئون إليهم بأفظع، وأبشع، وأقذع الإساءات والعبارات البذيئة، ويفترون عليهم أبشع الافتراءات؛ فيما يهدفون به إلى تشويههم.
لكـن الغـريب هـو: ما عليه العرب والمسلمون جميعاً من تخاذل وسكوت، وألَّا يستفزهم كل ذلك، مع أنه- كما قلنا- يأتي في إطارٍ عدائيٍ حركيٍ ضد هذه الأُمَّة، وليست في إطار التداول، مع أنه على كل حال مذموم، وجريمة، ويفترض به أن يستفز المسلمين، ويفترض به أن يكون كافياً في أن يكون لهم موقف بأرقى مستوى، ضد أولئك الأعداء المجرمين السيئين، ولكن حتى والعدو يتحرَّك عدائياً ضدهم، ويأتي ما يأتي منه في كل ذلك في إطار هذا الاستهداف لهذه الأُمَّة؛ ليعبِّر بذلك عن أنه يعادينا كأُمَّةٍ مسلمة في كل شيء: في ديننا ومقدَّساتنا، في معتقداتنا الدينية، في مقدَّساتنا الدينية، ويحقد علينا أشد الحقد في كل شيء، ولا يحترم فينا، ولا معنا، ولا لنا، أي شيء إطلاقاً: لا هوية، ولا معتقد، ولا انتماء، ولا أي شيء إطلاقاً، فهو يحقد كل الحقد، أساساً مستوى الحقد والاحتقار منه للعرب جميعاً، وللمسلمين بشكلٍ عام، أنه لا يعترف لهم حتى بأنهم بشر، وتحدثنا عن بعض المقولات التي هي موجودة في (التلمود)، ويرددونها في مدارسهم، في إعلامهم، في ثقافتهم، في حفلاتهم، في مناسباتهم، تجاه المسلمين، وتجاه الأغيار، من يُسَمُّونهم بـ [الأغيار]، يعني: بغير اليهود من المجتمعات البشرية، في نظرتهم إلى الجميع بأنهم مجرد حيوانات؛ بل يجعلونهم دون مستوى بقية الحيوانات، يفضِّلون الكلاب والحمير والخنازير عليهم، لديهم عبارات صريحة وواضحة بهذا الشأن.
لكن مع هذا الحقد الكبير ضدك أنت كمسلم، يفترض به أن يدفعك إلى أن يكون لك موقفٌ منهم كعدو، نظرةٌ إليهم نظرة ثابتة، واعية، راسخة، بأنهم أعداء بهذا المستوى من العداء، بهذا المستوى من الحقد، عليك وعلى كل مقدَّساتك، وليس لك عندهم ولا ذرة احترام، حتى لو كنت من المُطَبِّعِين والمُوَالِين، ليس لك عندهم ولا ذرة احترام، ولا لأغلى مقدَّساتك، ولا لأعظم مقدَّساتك، ولا لشيءٍ مهمٍ عندك، ليس هناك بالنسبة لهم أي ذرة احترام لك، ولوجودك، ولمقدَّساتك، ولهويتك، ولانتمائك؛ بل على العكس، يحقدون عليك في كل شيء، ويعادونك أشد العداء في كل ذلك.
أمَّا فيما يتعلَّق بالرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وبالقرآن الكريم، بالدين الإسلامي الحق، في عدائهم له، فعداؤهم له فيما هم عليه هم من إجرام، وسوء، وطغيان، وبشاعة، ولا إنسانية، ولا أخلاق، ولا قيم، هو يشهد على عظمة الإسلام، على عظمة الرسول، على عظمة القرآن؛ لأن الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ولأن القرآن الكريم، والدين الإسلامي الحق في أصله، في صفائه، في نقائه، هو يُجَسِّد ويمثِّل القيم الحق، وقيم الخير، وقيم العدل، والأخلاق الكريمة، والقيم الفطرية الإنسانية، التي أودعها الله في نفوس المجتمع البشري، واليهود الصهاينة هم أعداء لكل ذلك، أعداء للحق، أعداء للقيم الإنسانية الفطرية، هم من يمثِّلون الظلم، والإجرام، والطغيان، والفساد، والأحقاد، والشر، هم من يُجَسِّدُون حالة الشر، في أفكارهم، وسلوكياتهم، ومعاملاتهم، وتصرفاتهم، وكل هذا واضح فيما يفعلونه تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ظهروا أمام العالم أجمع كجهة شر، جهة شر بكل ما تعنيه الكلمة، وجهة ظلامية، مبطلة، فاسدة، حاقدة، لا تقبل بأي شيءٍ من القيم المتعارف عليها بين كل المجتمعات البشرية، ولا تقبل بأن ترعوي للحق والعدل، ولا لصوت الإنسانية، كل الشعوب في كل العالم تهتف بوقف الإبادة الجماعية، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وهم يتجاهلون كل ذلك.
ولكنَّ العار على المسلمين، حينما يفقدون الغَيرة حتى على دينهم، على مقدَّساتهم، ولا يبقى لهم اهتمام بأي شيء، لا من دينهم، ولا من دنياهم، اليهود بكل هذا الحقد على كل ما يتعلَّق بديننا الإسلامي، حتى تجاه الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وتجاه القرآن الكريم، لكن فيما يتعلَّق بدنيانا أيضاً، هم يريدون أن ينهبوا كل شيء، هم خطر على أمننا كأُمَّةٍ مسلمة، على ثرواتنا، على أوطاننا، مخططاتهم ومؤامراتهم واضحة، للاحتلال، للسيطرة، للنهب، للسطو، للتغلُّب، للقتل، للإبادة، وما يفعلونه، وما يريدون أيضاً فعله، وما فعلوه في الماضي منذ بداية احتلالهم لفلسطين، وما فعلوه ضد البلدان الأخرى، واضحٌ، وكلها شواهد على ذلك.
الحالة التي يصل فيها المسلمون، إلى ألَّا يبقى لديهم اهتمام لا بدينهم ولا بدنياهم، ولا غَيرَة على دينهم ومقدَّساتهم، هي حالة متدنية جدًّا، وحالة مؤسفة، وحالة مطمعة للأعداء فيهم، وخطيرة عليهم فيما بينهم وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هي حالة لم يصل إليها غيرهم من الشعوب والأمم والملل، حتى المشركون، حتى المشركون لم يكونوا بهذا المستوى من الاستهتار واللامبالاة تجاه ما يعتقدونه، ويُقَدِّسُونَهُ، ويتشبَّثون به، وهو باطل، والله ذكر لنا الكثير عنهم في القرآن الكريم، مما ذكره عنهم: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ}[ص:6]، حالة استنفار، وتحرُّك، ومواقف، وحاربوا، وفعلوا كل شيء؛ من أجل باطلٍ هم عليه، لكنَّه بالنسبة لهم معتقدٌ يعتمدون عليه، يغضبون لأجله، ومقدَّسات بالنسبة لهم يغضبون من أجلها، في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام": {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}[الأنبياء:68]، يعني: لا سكوت، لا تهاون، لا مهادنة أمام تحرُّك كهذا، وهم مِلل باطلة على كفر، على شرك.
فكيف يصبح حال من ينتمي للإسلام، الذي هو الدين الحق، ومقدَّساته هي أعظم المقدَّسات قُدْسِيَّة، هي التي تمتلك القدسية الحقيقية، وتستحق مِنَّا التعظيم والتقديس، هذا الدين الذي من خلال تمسُّكنا به، وأن نحمله أيضاً كمشروع وقضية، هو سببٌ لنصرنا، أن نكون أُمَّةً عزيزة، منتصرة، تحظى بتأييد الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبرعايته، وبالنصر منه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ثم يصل الحال بهذه الأُمَّة إلى أن تفقد أي تفاعل، يحدث ما يحدث، بمثل هذا المستوى من الإساءة إلى رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، إلى القرآن الكريم، ولا يُحَرِّك مثقال ذرةٍ من السخط، أو رد الفعل، تجاه الكثير من أبناء هذه الأُمَّة؟! هذه حالة خطيرة جدًّا! أين هذا المستوى من المستوى التربوي الإيماني، الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم، في مستوى أن تكون في مستوى المحبة لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والتعظيم له، وأن يكون ذلك فوق كل ما هو عزيزٌ على الإنسان، أو مهمٌ لدى الإنسان!
ولهذا يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:24]، وفعلاً حالة التَّرَبُّص: أن يتحوَّل واقع الإنسان إلى متربِّص، ومجرَّد منتظر لما تؤول إليه الأحداث، ولأنه فقد الدافع الإيماني، وفقد الطاقة المعنوية، والدافع المعنوي، ووصل إلى حالة إفلاس في إنسانيته، في أخلاقه، في قيمه، وهذا تأثيرٌ خطير- كما قلنا في الكلمة الماضية- للمسار الآخر من المعركة، ما بين أُمَّتنا وأعداء الإسلام، وهو المعركة الناعمة، الحرب الناعمة، المفسدة، المضلة، التي تستهدف هذه الأُمَّة في فكرها وثقافتها، وفي روحها المعنوية، وفي قيمها وأخلاقها؛ لكي تصل بها إلى حالة تتحول إلى أُمَّة مدجَّنة، مدجَّنة للأعداء، يسهل عليهم الإبادة لها، والسيطرة التَّامَّة عليها، والتَّغَلُّب الكامل عليها.
عندما نلحظ في واقع أُمَّتنا الإسلامية، حينما تكون المسألة مسألة إثارة فتن في داخل الأُمَّة، كيف أنَّ البعض يتحرَّكون بكل شِدَّة، بكل قسوة، بكل اهتمام: إعلامياً، وعسكرياً، وأمنياً، ومادياً... بكل الوسائل، إمَّا تحت عناوين لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، عناوين من عناوين الاختلاف المذهبي، ويكون معها الكثير من الافتراءات، والدعاوى الباطلة، التي لا أساس لها من الصِّحَّة، ولكنَّها تهدف إلى تأجيج وإثارة المشاعر؛ من أجل الدفع بالناس إلى الفتن، أو عناوين سياسية أخرى... أو غير ذلك، يظهر التفاعل، والغضب، والانفعال، والمواقف؛ ثم عندما يقوم الصهاينة اليهود المجرمون بالسب والإساءة إلى رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، والمسلمين جميعاً، من صدر الإسلام وإلى اليوم، لا يتحرَّك مثقال ذرة من السخط لدى مؤججي الفتن، ومثيري الفتن، ولاسيَّما الفتن تحت العناوين المذهبية والطائفية.
العدو الإسرائيلي هو عدوٌ للإسلام وللمسلمين جميعاً، والمعاول التي يحفر بها الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي القدس، هي تهدف إلى هدم تاريخ المسلمين، وحاضرهم ومستقبلهم؛ ولـذلك لا ينبغي أبداً لأي مسلم أن ينظر إلى ما يجري في فلسطين وكأنه لا يعنيه أبداً، [هي أحداث هناك، وماذا تعنيني هنا!].
هناك يعني فلسطين، يعني الأقصى، يعني مقدَّساتك، يعني جزءٌ من أُمَّتِكَ، شعبٌ هو جزءٌ من أُمَّتِكَ، هناك يعنيك، هناك أنت، هناك العدو الإسرائيلي، الذي يحمل لك من العداء بالمقدار نفسه الذي حمله ضد الشعب الفلسطيني، بنفس ذلك الحقد هو يحقد عليك، حينما تشاهد إجرامه ضد الشعب الفلسطيني، حينما تشاهد وحشيته وعدوانيته إلى درجة الإبادة للأطفال، هو حاضرٌ لأن يفعل بأطفالك نفس ما فعله بأطفال فلسطين، نفس ما فعله بأطفال الشعب الفلسطيني، أن يبيد النساء في بقية الشعوب العربية، كما أباد النساء من أبناء الشعب الفلسطيني، في قطاع غزَّة، وفي غيره قطاع غزَّة؛ ثم هو عدوٌ لك حيث أنت، ومخططاته ومؤامراته تطالك حيث أنت، وتستهدف بقية مقدَّساتك، له نفس الخطة تجاه ماذا؟ تجاه مكة، تجاه البيت الحرام، تجاه شعائر الحج، تجاه المدينة المنورة، تجاه مسجد الرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" في المدينة المنورة، نفس المخططات لاستهدافها، وتدميرها، وهو يحمل نفس الأحقاد على كل مقدَّساتك؛ ولـذلك ليست المسألة مسألة يمكن لك أن تتجاهلها، وتعفى من آثارها ونتائجها، عليك مسؤولية أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وآثار وامتدادات ما يحدث يصل إليك شئت أم أبيت، ولا ينفع التجاهل والتَّنَصُّل والتفريط في هذه المسؤولية.
فيمــا يتعلَّـق بالصمــود الفلسطينـي، وله الدور الأول في أنَّ العدو الإسرائيلي لم ينتقل إلى استكمال بقية مخططاته بشكلٍ كبير؛ لأنه لا يزال هناك عائق كبير يواجهه، هو هذا الصمود الفلسطيني:
نَفَّذَت (كتائب القسام) تسع عمليات مهمة في قطاع غزَّة، في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي وتوغلاته البرية.
هناك عمليات أخرى أيضاً لـ (سرايا القدس، والفصائل) تتصدَّى للعدو.
أطلقت (سرايا القدس) أيضاً عدداً من الصواريخ لقصف المغتصبات والتحشدات العسكرية الصهيونية.
العدو الإسرائيلي، بالرغم من أنه حشد (خمس فرق عسكرية)؛ بهدف إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، والاجتياح الكامل، والسيطرة التَّامَّة على القطاع، لكنَّ موقفه ضعيفٌ عسكرياً، يواجِه صموداً عظيماً وبطولياً من قِبَلِ إخوتنا المجاهدين في قطاع غزَّة، بالرغم من الإمكانات المحدودة جدًّا على المستوى المادي، لكنَّه يحاول أن يعوِّض هزائمه بالجرائم الكبيرة، بالإبادة الجماعية، بالتجويع الشديد، بالاستهداف للمستشفيات، بالاستهداف للنازحين... وغير ذلك.
مستوى الصمود من قِبَلِ الإخوة المجاهدين هو صمود عظيم، كما قلنا: في مقابل (خمس فرق عسكرية) تتحرَّك بغطاء ناري (جوي، وبري، وبحري)، وهذا يدل- كما أكدنا مراراً وتكراراً- على نجاح هذا النموذج، وأنَّه جديرٌ بالدعم والمساندة من هذه الأُمَّة، ولو توفَّر له الدعم الكافي، لكان الوضع مختلفاً تماماً.
الدور الأمريكي شريكٌ في كل الإجرام الصهيوني اليهودي، ومع ما يقدِّمه الأمريكي من دعمٍ كامل بمختلف الأسلحة: قنابل، صواريخ، قذائف، أموال نقدية من تريليونات العرب... وغير ذلك، إلَّا أنَّ مع ذلك أيضاً، ومع الدعم السياسي، والدعم الإعلامي... وكل أشكال الدعم، هناك أيضاً حتى التحريض من قِبَلِ الأمريكيين، ومن ذلك ما تكرَّر من أعضاء في (الكونغرس) الأمريكي، على مدى المراحل الماضية تكرَّرت الدعوة بالإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة بالقنابل النووية! إلى هذا المستوى من الحقد، والنزعة الإجرامية، مع التباهي بالجرائم الأمريكية، وما فعلوه من هذا القبيل سابقاً، كما فعلوه في اليابان.
فيمــا يتعلَّـق بلبنـــان: في يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري كان عيد المقاومة والتحرير في لبنان، وهي ذكرى عظيمة ومهمة، مثَّلت محطةً فارقةً في الصراع مع العدو الإسرائيلي، وكان للأمين العام لحزب الله، الشيخ/ نعيم قاسم "حَفِظَهُ اللَّه"، كلمة مهمة في المناسبة، وهي كافية.
فيمــا يتعلَّـق بســوريـا: يستمر العدو الإسرائيلي حتى في الغارات الجوية، كما حصل في (اللاذقية، والسويداء)، يستمر في التوغّلات والاختطافات، في القصف الجوي، حتى في السرقة والنهب، وهذا درس، درسٌ لكل الناس، العدو الإسرائيلي قام بسرقة قطيعٍ من الأبقار أثناء رعيه في منطقة (رسم الزعرورة)، واقتاده إلى الجولان المحتل؛ لـذلك هذا العدو الدنيء يمارس كل أشكال البلطجة، والسرقة، والنهب، والاعتداءات، ليس هناك أحد بمأمن منه، حتى لو كنت بدوياً معك قطيعٌ من الأغنام أو الأبقار، فهو خطرٌ عليك، وعلى قطيع أغنامك وأبقارك.
فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة المسـانــدة للشعـب الفلسطينـي: كان هناك مظاهرات ووقفات في (ست دول) عربية وإسلامية، وكان من المفترض أن تكون في كل الدول العربية والإسلامية، وأيضاً فيما يقارب (عشرين دولة أخرى) من خارج العالم الإسلامي؛ بدافع الضمير الإنساني.
فيمــا يتعلَّـق بعمليــات الإسنــاد في (معــركة الفتــح الموعــود والجهـــاد المُقَــدَّس) في يمن الإيمان والحكمة:
في هذا الأسبوع نُفِّذِت العمليات العسكرية بـ (أربعة عشر) صاروخاً فرط صوتي، وبالِسْتِي، وطائرة مُسَيَّرة، إلى عمق فلسطين المحتلة؛ لاستهداف أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي في: (يافا، وحيفا، وعسقلان، وأم الرشاش) في فلسطين المحتلة.
فيمــا يتعلَّـق بالبحــر الأحمــر: لا يزال مغلقاً، ولا تزال الملاحة ممنوعة على العدو الإسرائيلي، ولا يوجد أي حركة للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي في مسرح العمليات (في البحر الأحمر، عبر باب المندب، إلى خليج عدن والبحر العربي).
في هذا السياق نفسه، أنا أتوجَّه من جديد بالمطالبة والمناشدة للأنظمة العربية والإسلامية، وهي قرابة (خمسة أنظمة) تقوم بالتعاون مع العدو الإسرائيلي في المجال الاقتصادي، تعاوناً خطيراً، يعني: نسبة كبيرة من حركة السفن في البحر الأبيض المتوسط، التي تحمل البضائع إلى العدو الإسرائيلي، ومن عند العدو الإسرائيلي، هي تعود لأنظمة عربية وإسلامية، لخمس أنظمة عربية وإسلامية، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا، ومحزنٌ للغاية! خيانة للأمة، خيانة للإسلام والمسلمين، ومشاركة وإسهام فيما يفعله العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولة للالتفاف على الإجراءات التي يقوم بها بلدنا نُصرةً للشعب الفلسطيني.
فيمــا يتعلَّـق بالعــدوان الإســرائيلي بالأمـس على مطــار صنعــاء: هذا العدوان لن يوقف العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني، ظروف الحرب في بلدنا لا يمكن أن تخضع اليمن (لا رسمياً، ولا شعبياً) عن أداء مهامه المقدَّسة، وأي تضحيات نقدِّمها في سبيل الله تعالى هي تضحيات مشرِّفة، ونحن في إطار موقف عملي وجهادي، نضرب العدو الإسرائيلي، نسعى إلى التصعيد في عملياتنا لاستهدافه نصرةً للشعب الفلسطيني، وبإذن الله تعالى ستكون العمليات في المرحلة القادمة أكثر فاعليةً وتأثيراً على العدو الإسرائيلي، الأخ الرئيس "حَفِظَهُ اللَّه" حضر بالأمس إلى المطار، وأكَّد المواقف المعلنة والقوية لبلدنا (رسمياً، وشعبياً).
حينما نتأمل في واقع الحال، هناك في غير بلدنا (في سوريا، وفي غير سوريا) مطارات، ومنشآت، ومناطق، ومنازل، تُستهدف وتُدَمَّر، ومعسكرات كذلك، يستهدفها العدو الإسرائيلي، يقصفها بالغارات الجوية، ومن دون أن يكون هناك موقف عملي في المقابل، ما يمكن أن يحصل لنا ونحن في إطار موقفٍ عملي، هذا شرفٌ بالنسبة لنا، لسنا في حالة تدجين، ولا استسلام، في مقابل أي اعتداء من جهة العدو، ونحن- بتوفيق الله تعالى- في الموقف المشرِّف الذي نستهدف فيه العدو، وموقف بلدنا هو فاعل ومؤثِّر، لو كان موقفاً لا فاعلية له ولا تأثير، لتجاهله العدو الإسرائيلي؛ مع انشغاله ومحاولة أن يستفرد بالشعب الفلسطيني، ولكن العدو الإسرائيلي يرى ويعيش تحت وطأة وتأثير هذا الموقف الفاعل لبلدنا، وهذه نعمةٌ كبيرة.
فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة الشعبيــة على مــدى (عشرين شهراً) لشعبنـا العـزيـز: فقد بلغت (اثنين مليون ومائة واثني عشر ألفاً وسبعمائة وواحد) من: مظاهرات، ومسيرات، ووقفات متنوعة: وقفات قبلية، وقفات طلابية، وقفات أيضاً نسائية... وقفات متنوعة، وهناك أيضاً أنشطة للتعبئة العامة، من: تدريب، ومسير عسكري، وعروض عسكرية، ومناورات، وأُمسِيَّات، ووقفات، ومظاهرات، ومسيرات، هذا العدد يُعبِّر عن الزخم الكبير على مستوى المناسبات، والفعاليات، والأنشطة، أنَّها بهذا المستوى، بهذا العدد الذي لا مثيل له تجاه أي قضية أخرى، لا في اليمن ولا في غيرها، وهذا من التوفيق الإلهي لشعبنا العزيز.
في الأسبــوع الماضــي: في المسيرات التي خرج فيها شعبنا في يوم الجمعة: (ألف وستين مسيرة ومظاهرة) في المدن والأرياف، في خروجٍ شعبيٍ واسعٍ جدًّا، وهذا من توفيق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لشعبنا العزيز.
في الثاني والعشرين من مايو، مرَّت بنا ذكرى الوحدة اليمنية، وعيد الوحدة اليمنية، وكان للأخ الرئيس كلمة كافية عن الموضوع.
مـن الأنشطــة أيضــاً في هــذا الأسبــوع: اختتام الدورات الصيفية، وهي دورات مهمة ومفيدة، ولها إسهامها الملموس والمؤثِّر في بناء هذا النشء وهذا الجيل لشعبنا العزيز، جيل المستقبل، وشباب المستقبل، الذين تساهم هذه الدورات في بنائهم ثقافياً، ومعرفياً، وتربوياً، وجهادياً، ولها أثرها العظيم؛ ولـذلك هناك انزعاج رهيب وكبير جدًّا من جهة الأعداء تجاهها، وهذا يَسُرُّنَا كثيراً.
فيمــا يتعلَّـق بالموقـف اليمنـي المتكامـل (رسمياً، وشعبياً، وعسكرياً)، وفي مختلف الأنشطة، في مختلف المجالات، في مستوى فاعليته وتأثيره، وفي قوته وتناميه، من أهم الشواهد على ذلك، هو: فشل العدوان الأمريكي في تصعيده في جولته الثانية من إسناده للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، يعتبر ما حدث نجاحاً كبيراً بتوفيق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونصراً عظيماً من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لشعبنا العزيز، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
نحــن قلنــا كثــيراً: أنَّ الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والانطلاقة في سبيله، تبني الأُمَّة، لتكون أُمَّةً قوية، فعَّالة، وعزيزة، وحُرَّة، وثابتة، وصامدة، وقوية في مواجهة التحديات، وفي مواجهة الأخطار، الاستجابة لله هي حياةٌ لِلأُمَّة، {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24]، فعلاً الاستجابة لله والانطلاقة في سبيله هي حياة، هي قُوَّة، هي عِزَّة، هي كرامة.
ولـذلك هناك إجماع في الغرب على فشل للعدوان الأمريكي، في الجولة الثانية من التصعيد ضد بلدنا إسناداً لإسرائيل، من المحللين، والخبراء، والدراسات، ومراكز الدراسات والأبحاث، ووسائل الإعلام، وأكثر من ذلك: هناك تصريحات لمن هم في مواقع مسؤولية، لبعض المسؤولين الأمريكيين، لعسكريين في البحرية الأمريكية... ولغيرهم.
كان من هذه التعليقات في هذا الأسبوع: تصريح لنائب الرئيس الأمريكي، في هذا الموقع المعروف أهميته بالنسبة لأمريكا، في موقع المسؤولية كنائب لرئيس أمريكا، قال في هذا التصريح وهو يعلِّق على الفشل الأمريكي في العدوان على بلدنا: [عصر الهيمنة الأمريكية على البحر والجو والفضاء انتهى]، لاحظوا أهمية هذا التصريح، وماذا يعنيه، وماذا يدل عليه من نصرٍ عظيمٍ لبلدنا في مواجهة العدوان الأمريكي عليه، [عصر الهيمنة الأمريكية على البحر والجو والفضاء انتهى، وعلى الولايات المتحدة وجيشها أن يتكيفا]، يعني: عليهم أن يتقبَّلوا هذا الواقع، وأن يتعاملوا مع هذا الواقع بناءً على أنَّ الوضع أصبح بهذا المستوى، لم يعد بإمكانهم أن يهيمنوا بمثل ما كانوا عليه سابقاً: على البحار، على المحيطات، على الأجواء، وقال أيضاً: [لقد تدخلنا في اليمن بهدفٍ دبلوماسي، لا نورِّط فيه قواتنا في صراعٍ طويل الأمد]، ماذا يعني ذلك؟ يعني: أنَّ الأمريكي وصل إلى قناعة أنَّه غير قادر على حسم المعركة لصالحه؛ وإنما يتورَّط لزمنٍ طويل، يستنزفه ذلك، يعرِّض نفسه فيه للمخاطر، وللفضائح في الهزائم العسكرية، والفشل... وغير ذلك، [يجب على قواتنا التَّكَيُّف مع عالمٍ تُلحِق فيه الطائرات المسيرَّة الرخيصة، وصواريخ كروز المتاحة، الضرر بأصولنا وقواتنا]، يعني: مثل ما كان هناك من خطر على ماذا؟ على حاملات طائراتهم، وقائد حاملة الطائرات (ترومان) سَيُغَيَّر حسب ما أعلنه الأمريكيون، هذا جزء من حالات الفشل بعد انسحاب حاملة الطائرات (ترومان).
على كُلٍّ، موقف شعبنا العزيز هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، إحياءٌ لهذه الفريضة العظيمة المقدَّسة، التي هي شرفٌ وفضلٌ كبير، قال الله عنها: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]، أداءٌ لواجب لاكتمال دينك، وفي نفس الوقت شرفٌ عظيمٌ، وسلامةٌ من الخزي، التفرُّج على اليهود الصهاينة في حربهم ضد هذه الأُمَّة، يحرقون المصاحف، يمزِّقونها، يدوسون عليها، يسيئون إلى رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، يتكلَّمون بالكلمات البذيئة في مناسبات موجَّهة ضد هذه الأُمَّة، في تحدٍ لهذه الأُمَّة، ثم تهديدٍ للمسجد الأقصى، إبادة للشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأُمَّة، احتلالٌ لفلسطين، التي هي جزءٌ من البلاد الإسلامية والعربية، تهديدٌ لكل بقية البلدان، لكل المسلمين، لكل المقدَّسات، ثم أن يقابل ذلك بصمت، بسكوت؛ خزي! عار! أمر فظيع جدًّا، لا يتقبَّله إنسان بقي لديه ذرةٌ من الإنسانية، ومؤمنٌ بقي لديه ذرةٌ من إيمان، لا يمكن أن يتقبَّل ذلك، الله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8]، والرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" قال فيما روته عنه الأُمَّة: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ))، ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))؛ ولـذلك فَعِزَّتنا كشعبٍ مجاهد هي جزءٌ من إيماننا، بل ثمرةٌ لإيماننا، من ثمرات هذا الإيمان.
الموقف ضد العدو الإسرائيلي، وفي نصرة الشعب الفلسطيني، هو يعني أننا نقف مع القرآن، مع الرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، مع الإسلام، مع الحق، مع العدل، مع القيم الإنسانية، مع الأخلاق الكريمة، ضد الإجرام، ضد التَّوحُّش، ضد الطغيان، ضد الظلم، ضد الكفر، ضد الشر، ضد القوى الظلامية، الطاغوتية، المستكبرة في هذا العالم؛ أمَّا من لديهم خيارات أخرى، فعلى ماذا يراهنون:
على القرارات؟! في ذكرى القدس تذكَّروا القرارات، القرارات المتعلِّقة بالقدس الشرقية، هل التزم بها الصهاينة؟ وهل التزم بها من يدعمون الصهاينة اليهود؟ لم يلتزموا بها، قرارات مجلس الأمن، قرارات الأمم المتَّحدة، لم يُنفَّذ شيءٌ منها مما هو لصالح الفلسطينيين، في جزءٍ من الحق الذي لهم.
على الاتِّفاقات؟! أي اتِّفاقيات يحترمها الأعداء؟! اليهود، نطق القرآن الكريم بأنَّهم أهل الخيانة: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}[المائدة:13]، {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}[البقرة:100]، والواقع يشهد، لم يفوا بأي شيءٍ من الاتِّفاقيات معهم. على ماذا يمكن أن تراهن؟
على المبادرات؟! العرب ليل نهار يتحدَّثون عن مبادرتهم للسَّلام، دون أن يكون لها أي قيمة أو احترام لدى الإسرائيلي.
الاتِّجاه الذي له أُفق واضح في وعد الله الحق: هو الموقف الصحيح، هو الجهاد، هو التحرُّك الذي فيه استجابةٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأداءٌ للمسؤولية، وبناءٌ للأمة، بناءٌ لها؛ لكي تكون أُمَّةً قوية في مواجهة التحديات والأخطار.
الخـــروج المليــوني يــوم الغــد- إن شاء الله تعالى- هـــو:
وفاء لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ".
ونصرة لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ".
ونصرة للمسجد الأقصى، وللمقدَّسات الإسلامية.
ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم.
ولـذلك فله أهمية كبيرة جدًّا، هو جهاد في سبيل الله تعالى، هو يستحق النفير الواسع، والخروج العظيم.
ولــذلك أدعــو شعبنــا العـزيـز، أدعوكم يا أحفاد الأنصار، الذين وقفوا مع رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، يوم خذلته كل القبائل العربية، أدعوكم أنتم يا أحفاد الفاتحين، الذين حملوا راية الإسلام في صدر الإسلام، أيُّها الأوفياء الأعزَّاء، أدعوكم إلى الخروج المليوني يوم غدٍ إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء (في ميدان السبعين)، وفي بقية المحافظات والمديريات والساحات؛ نصرةً لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ووفاءً له ومعه، ونصرةً للمسجد الأقصى الشريف، وللمقدَّسات الإسلامية، ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم، جهاداً في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته.
يوم الغد هو يوم نفيرٍ ووفاء، آمل- إن شاء الله- أن يكون الخروج واسعاً، وعظيماً، وكبيراً، وأن تحتسبوا خروجكم هذا في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته.
أَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، إِنَّهُ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛