جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@14:35:03 GMT

عُقاب تُربان النَقَب

تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT

عُقاب تُربان النَقَب

 

 

ماجد المرهون

MajidOmarMajid@outlook.com

 

 

يتميز الطلاب الصغار في مراحل التعليم الأولى بنشاط حركي مُفرِط وهو أمر لا يدعو للقلق، وهكذا هو الحال مع الطالب "محمد الهيثم" في الصف الأول الابتدائي، عندما تركته والدته صباحًا في المدرسة وذهبت لاستكمال أعمال منزلها، طبعًا لا يُعاني طلاب فلسطين مشكلةً مع اليوم الدراسي الأول؛ حيث إنَّ البيئة قد صقلت شخصياتهم بشكلٍ غير معهود أو مُعتاد بالمقارنةِ مع أقرانهم من نفس المرحلة وفي معظم الدول.

يسأل مربي الصف الأستاذ عزالدين الطلاب عن أسمائهم بقصد التعريف ودمجهم ببعض حتى إذا وقف محمد الهيثم وقفة صلبةً مُعرفًا بنفسه سأله المعلم: ماذا يعني اسمك؟ فيجيب محمد رسول الله والهيثم لا أعرف؛ فأخبره المعلم أنه ابن العُقاب وهناك عدة أسماء للعقاب الصغير وسوف ألقبك من اليوم بـ"العقاب" لأنَّ نظراتك وحركاتك تشبهه، وكذلك كان أبوك.

يسعد جدًا الطفل اليتيم محمد بهذا اللقب وتلمع عيناه مع حديث المعلم؛ حيث يرى فيه وجه والده الراحل وهو يُعرفهم بكل تفاصيل بلادهم ويغرس فيهم الروح الوطنية العاشقة لأرضها ويوصيهم بِبِرها كبِرِّهم بأمهاتهم، والأطفال تفرحهم بعض الأمور البسيطة التي قد لا يتوقعها الكبار وتختلط المشاعر والأفكار بالقدرة التخيلية الواسعة لديهم، ويحلق معها طالبنا المستجد إلى عالم آخر مع حديث المعلم حتى إذا حانت ساعة انتهاء اليوم الدراسي الأول انطلق العقاب على صوت جرس المغادرة مخترقًا الطلاب ومن خلال باب المدرسة سريعًا يفرد يديه على أقصاهما مع لفحات هواء النقب الساخنة قاصدًا رأس الناقورة أقصى شمال فلسطين، ليعلو قليلًا فوق سطح الأرض ثم يسمو عاليًا على بادية تُربان وأكثر علوًا حتى يصل إلى طبقة هواء باردة تحمله وهو يلمح الغزال البري يسايره على الأرض والنمر المترصد وقطيع الأرانب يطارده القط الصحراوي.

يقرر تلْد العقاب المضي قُدمًا إلى عروس البادية قبل الوقوع في أسر عيني المها العربية؛ حيث يعمل أجداده في الزراعة وتربية المواشي التي باتت تجتذب الضباع المخططة، كما أجتذبت النقب وبئر السبع الضباع البشرية المحتلة للمكان والتاريخ لكن الأحداث الجارية تبشر بطردها، ومن هذا المعتلى ومع سرعة انطلاق العقاب يلوح له الوعل الفلسطيني في الأفق على سهل الطين الأحمر لبوادي الخليل المعفرة برائحة خشب الزيتون فيستقر به هبوطه التدريجي على زاوية مسجد الشيخ الصوفي علي البكاء ويسرح ذهنه مع صانعي الفخار والزجاج والجلود، فيفاجئه صوت الآذان لينطلق مجددًا حول جبل المنارة منحذبًا إلى إخضرار غزة البعيد وصدى صوت المعلم في الصف وهو يقول إن أيوني هو اسمها اليوناني وغاداتو عند المصريين القدماء، ويمد محمد الهيثم يده إلى حقيبته ليخرج عبوة الماء بعد أن استقر المقام بالعقاب قليلًا عند عين العوجاء ليشرب من قراح مائها النمير ويشاركه الحسون المغرد والحجل نفس الموئل والنيص والشيهم يرمقان من بعيد وما أكثر المتربصين بهذه الأرض الطاهرة.

عبر جبل الفردوس وريفهِ والطريق المشحونة بالحواجز إلى بيت لحم مهد النصرانية الأولى ومولد المسيح عليه السلام غير آبهٍ بعزلة الجدار وأجهزة الرقابة الحساسة إذ يجابه العقاب كل التيارات ويحطم في رحلته كل العقبات مع مقاومةٍ صلبةٍ لا تنثني يصل إلى شارع النجمة ويستلهم قدم المكان في لبنات كنيسة المهد التاريخية المتفاعلة مع محيطها ومشاعره تزداد شوقًا وتوقًا لتحرير صورة القدس في مخيلته ليراها واقعًا ملموسًا بعد أن شارفت صورتها المُقيدة على إتخاذ شكل الحقيقة في وعي الشعوب، كما تتخذ الآثار الرومانية الآن شكلًا واقعيًا لحضارة مدينة أريحا المجاورة حيث يستظل بأطلالها قط الأدغال الوحشي ولا يعلم عنها شيئًا سوى تتبع الفرائس وملامح التعجب والإعجاب تعلو وجهه المتجهم عند مشاهدة العقاب المنطلق صاروخيًا عبر مراويح السحاب في تشرين الثاني المبشرة بموسمٍ جيدٍ للأمطار خلال أربعينية الشتاء القادمة.

يستجمع التلْد صغير العقاب أنفاسه وقواه بين الرملة ويافا واللد ومتفكرًا في محاولات تهجير المُحتل لأهل هذه البلدات والقرى بينما تقصدها سنويًا ملايين الطيور المهاجرة القادمة من أوربا وأفريقيا ثم تعود لمواطنها بكل حرية وسلام دون أنانية أو نزعة تملك وإستئثار شخصي لممتلكات السكان الأصليين والمكان يتسع للجميع؛ طفق العقاب مجددًا بجناحيه العظيمين في وجهته إلى مساحات رام الله السندسية إذ بدأت تتناقص بسبب التوسع العمراني ولكن الزراعة في أرضها الخصبة الطيبة لاتزال هي صفة أهلها وزيت زيتونها هو الأجود، ومن حول شجرة البلوط المعمرة في قرية بلعين شرق الخط الأخضر يناور خبير التحليق شمالًا ويبدو أن العقبان والغزلان بدأت تزدهر في جبال بلدة دوما النابلسية وما أجمل الهدهد والوروار في وادي القلط المحمي بطولكرم.

من فوق حقول القمح الذهبية الممتدة في رحاب جِنين وسوامق نخيل بيسان المهددة وبقايا كنيسة البشارة البيزنطية في الناصرة إلى معمار المساجد والقبب والمعابد في طبريا ومع صوت المعلم عزالدين وقرب محمد الهيثم من بيته وهو فاتح ذراعية يبذل عقاب تربان جهدًا مضاعفًا لبلوغ أقصى الشمال مرورًا بالحديقة البهائية في مدينة حيفا عربية الأصالة على شاطئ المتوسط، ثم الطواف حول العمارة الفاطمية والعثمانية وعلى أعمدة الرخام الصليبية يتوقف في عكا وفي مدى بصرة الخارق جبل الشيخ وكنعان في صفد بلاد البساتين والأنهار وأرض العطاء الشمالية المرتفعة، ويسمع هنا محمد الهيثم نداء أمه "أين كنت بعد المدرسة، ولماذا تأخرت"؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزارة التعليم: اعتماد نظام "البوكليت" يهدف إلى الحد من فرص الغش وتحقيق العدالة بين الطلاب

أكد وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، أن امتحانات نهاية العام للشهادة الإعدادية ستجري في عدد كبير من المحافظات، باستخدام نظام "البوكليت" نظرًا لأهميته الكبيرة، موضحًا أن اعتماد نظام "البوكليت" يهدف إلى الحد من فرص الغش، وتحقيق العدالة بين الطلاب، مع ضمان جودة عملية التصحيح ودقتها.

ووجه الوزير بسرعة تجهيز وطباعة الامتحانات بنظام "البوكليت" في المحافظات التي ستطبق هذا النظام، مؤكدًا حرص الوزارة على تقديم كافة أشكال الدعم الفني للمديريات التعليمية، لضمان سير الامتحانات بشكل منتظم وناجح، ولتعزيز مبدأ النزاهة والشفافية في العملية الامتحانية.
 

وعقد محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني اجتماعًا مع مديرى ووكلاء المديريات  ومديرى ووكلاء الإدارات التعليمية بجميع المحافظات؛ وذلك لمتابعة نتائج انضباط سير العملية التعليمية على مستوى الجمهورية واستعراض الإجراءات التنفيذية والاستعدادات  النهائية المتعلقة بامتحانات العام الدراسى الحالى  ٢٠٢٤/ ٢٠٢٥، والتأكيد على تنفيذ التعليمات والإجراءات المنظمة للعملية الامتحانية.

وفى مستهل الاجتماع، أكد الوزير محمد عبد اللطيف على أهمية هذه اللقاءات الدورية في تعزيز التواصل بين الوزارة والمديريات التعليمية، والواقع الميدانى، قائلًا: "إنكم شركاء حقيقيون في تحقيق الأهداف وتطوير الأداء التعليمي.

وأكد الوزير، أن النجاح الذي تحقق مؤخرًا في قطاع التعليم هو ثمرة جهود مخلصة ومشتركة بذلها المعلمون، ومديرو الإدارات، والمديريات التعليمية، مشيدًا بما قدموه من عمل دؤوب وتفانٍ في مواجهة التحديات.

مقالات مشابهة

  • مدير تعليم المنوفية يتفقد سير العملية التعليمية بعدد من مدارس شبين الكوم
  • رابط استخراج صحيفة أحوال معلم بالرقم القومي 2025 وطريقة طباعتها
  • شاهد.. بالونات في لجان تقييمات تلاميذ مدرسة باريس بالوادي الجديد
  • ملتقي شباب الباحثين الأول بعنوان "نحو جيل واعٍ ومسلح بالعلم لخدمة المجتمع" بجامعه اسوان
  • عبد اللطيف: تطوير مناهج العربي والدين والدراسات الاجتماعية بالمدارس
  • وزارة التعليم: اعتماد نظام "البوكليت" يهدف إلى الحد من فرص الغش وتحقيق العدالة بين الطلاب
  • ندوة بكلية التربية بجامعة القاهرة حول تمكين الطالب المعلم والذكاء الاصطناعي الأحد المقبل"
  • إحالة الطلاب المتهمين باستدراج فتاة داخل مقابر قها إحدى دور الرعاية
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: هل للفكر جنسية أو عرقية؟
  • حكاية أول مدرسة للطب بمصر .. الأزهر يطعم الطلاب والوالي ينفق على تعليمهم