جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-12@16:48:05 GMT

عُقاب تُربان النَقَب

تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT

عُقاب تُربان النَقَب

 

 

ماجد المرهون

MajidOmarMajid@outlook.com

 

 

يتميز الطلاب الصغار في مراحل التعليم الأولى بنشاط حركي مُفرِط وهو أمر لا يدعو للقلق، وهكذا هو الحال مع الطالب "محمد الهيثم" في الصف الأول الابتدائي، عندما تركته والدته صباحًا في المدرسة وذهبت لاستكمال أعمال منزلها، طبعًا لا يُعاني طلاب فلسطين مشكلةً مع اليوم الدراسي الأول؛ حيث إنَّ البيئة قد صقلت شخصياتهم بشكلٍ غير معهود أو مُعتاد بالمقارنةِ مع أقرانهم من نفس المرحلة وفي معظم الدول.

يسأل مربي الصف الأستاذ عزالدين الطلاب عن أسمائهم بقصد التعريف ودمجهم ببعض حتى إذا وقف محمد الهيثم وقفة صلبةً مُعرفًا بنفسه سأله المعلم: ماذا يعني اسمك؟ فيجيب محمد رسول الله والهيثم لا أعرف؛ فأخبره المعلم أنه ابن العُقاب وهناك عدة أسماء للعقاب الصغير وسوف ألقبك من اليوم بـ"العقاب" لأنَّ نظراتك وحركاتك تشبهه، وكذلك كان أبوك.

يسعد جدًا الطفل اليتيم محمد بهذا اللقب وتلمع عيناه مع حديث المعلم؛ حيث يرى فيه وجه والده الراحل وهو يُعرفهم بكل تفاصيل بلادهم ويغرس فيهم الروح الوطنية العاشقة لأرضها ويوصيهم بِبِرها كبِرِّهم بأمهاتهم، والأطفال تفرحهم بعض الأمور البسيطة التي قد لا يتوقعها الكبار وتختلط المشاعر والأفكار بالقدرة التخيلية الواسعة لديهم، ويحلق معها طالبنا المستجد إلى عالم آخر مع حديث المعلم حتى إذا حانت ساعة انتهاء اليوم الدراسي الأول انطلق العقاب على صوت جرس المغادرة مخترقًا الطلاب ومن خلال باب المدرسة سريعًا يفرد يديه على أقصاهما مع لفحات هواء النقب الساخنة قاصدًا رأس الناقورة أقصى شمال فلسطين، ليعلو قليلًا فوق سطح الأرض ثم يسمو عاليًا على بادية تُربان وأكثر علوًا حتى يصل إلى طبقة هواء باردة تحمله وهو يلمح الغزال البري يسايره على الأرض والنمر المترصد وقطيع الأرانب يطارده القط الصحراوي.

يقرر تلْد العقاب المضي قُدمًا إلى عروس البادية قبل الوقوع في أسر عيني المها العربية؛ حيث يعمل أجداده في الزراعة وتربية المواشي التي باتت تجتذب الضباع المخططة، كما أجتذبت النقب وبئر السبع الضباع البشرية المحتلة للمكان والتاريخ لكن الأحداث الجارية تبشر بطردها، ومن هذا المعتلى ومع سرعة انطلاق العقاب يلوح له الوعل الفلسطيني في الأفق على سهل الطين الأحمر لبوادي الخليل المعفرة برائحة خشب الزيتون فيستقر به هبوطه التدريجي على زاوية مسجد الشيخ الصوفي علي البكاء ويسرح ذهنه مع صانعي الفخار والزجاج والجلود، فيفاجئه صوت الآذان لينطلق مجددًا حول جبل المنارة منحذبًا إلى إخضرار غزة البعيد وصدى صوت المعلم في الصف وهو يقول إن أيوني هو اسمها اليوناني وغاداتو عند المصريين القدماء، ويمد محمد الهيثم يده إلى حقيبته ليخرج عبوة الماء بعد أن استقر المقام بالعقاب قليلًا عند عين العوجاء ليشرب من قراح مائها النمير ويشاركه الحسون المغرد والحجل نفس الموئل والنيص والشيهم يرمقان من بعيد وما أكثر المتربصين بهذه الأرض الطاهرة.

عبر جبل الفردوس وريفهِ والطريق المشحونة بالحواجز إلى بيت لحم مهد النصرانية الأولى ومولد المسيح عليه السلام غير آبهٍ بعزلة الجدار وأجهزة الرقابة الحساسة إذ يجابه العقاب كل التيارات ويحطم في رحلته كل العقبات مع مقاومةٍ صلبةٍ لا تنثني يصل إلى شارع النجمة ويستلهم قدم المكان في لبنات كنيسة المهد التاريخية المتفاعلة مع محيطها ومشاعره تزداد شوقًا وتوقًا لتحرير صورة القدس في مخيلته ليراها واقعًا ملموسًا بعد أن شارفت صورتها المُقيدة على إتخاذ شكل الحقيقة في وعي الشعوب، كما تتخذ الآثار الرومانية الآن شكلًا واقعيًا لحضارة مدينة أريحا المجاورة حيث يستظل بأطلالها قط الأدغال الوحشي ولا يعلم عنها شيئًا سوى تتبع الفرائس وملامح التعجب والإعجاب تعلو وجهه المتجهم عند مشاهدة العقاب المنطلق صاروخيًا عبر مراويح السحاب في تشرين الثاني المبشرة بموسمٍ جيدٍ للأمطار خلال أربعينية الشتاء القادمة.

يستجمع التلْد صغير العقاب أنفاسه وقواه بين الرملة ويافا واللد ومتفكرًا في محاولات تهجير المُحتل لأهل هذه البلدات والقرى بينما تقصدها سنويًا ملايين الطيور المهاجرة القادمة من أوربا وأفريقيا ثم تعود لمواطنها بكل حرية وسلام دون أنانية أو نزعة تملك وإستئثار شخصي لممتلكات السكان الأصليين والمكان يتسع للجميع؛ طفق العقاب مجددًا بجناحيه العظيمين في وجهته إلى مساحات رام الله السندسية إذ بدأت تتناقص بسبب التوسع العمراني ولكن الزراعة في أرضها الخصبة الطيبة لاتزال هي صفة أهلها وزيت زيتونها هو الأجود، ومن حول شجرة البلوط المعمرة في قرية بلعين شرق الخط الأخضر يناور خبير التحليق شمالًا ويبدو أن العقبان والغزلان بدأت تزدهر في جبال بلدة دوما النابلسية وما أجمل الهدهد والوروار في وادي القلط المحمي بطولكرم.

من فوق حقول القمح الذهبية الممتدة في رحاب جِنين وسوامق نخيل بيسان المهددة وبقايا كنيسة البشارة البيزنطية في الناصرة إلى معمار المساجد والقبب والمعابد في طبريا ومع صوت المعلم عزالدين وقرب محمد الهيثم من بيته وهو فاتح ذراعية يبذل عقاب تربان جهدًا مضاعفًا لبلوغ أقصى الشمال مرورًا بالحديقة البهائية في مدينة حيفا عربية الأصالة على شاطئ المتوسط، ثم الطواف حول العمارة الفاطمية والعثمانية وعلى أعمدة الرخام الصليبية يتوقف في عكا وفي مدى بصرة الخارق جبل الشيخ وكنعان في صفد بلاد البساتين والأنهار وأرض العطاء الشمالية المرتفعة، ويسمع هنا محمد الهيثم نداء أمه "أين كنت بعد المدرسة، ولماذا تأخرت"؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مركز الابتكار وريادة الأعمال يطلق فعالية صُنع في جامعة عين شمس


 

يطلق مركز الابتكار وريادة الأعمال بجامعة عين شمس فعالية " صُنع في جامعة عين شمس – يوم الصناعة"  لدعم التعاون بين الجامعة والقطاع الصناعى، وذلك تحت رعاية الدكتور محمد ضياء زين العابدين رئيس الجامعة، الدكتورة أماني أسامة كامل نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، الدكتورة نيفين عاصم المدير التنفيذي لقطاع الابتكار والتدريب.


تنظم جامعة عين شمس، ممثلة في مركز الابتكار وريادة الأعمال، الفعالية يوم الاثنين الموافق ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥م، وذلك داخل مبنى الابتكار وريادة الأعمال بالجامعة، بمشاركة مجموعة من الشركات الرائدة في مختلف المجالات، إلى جانب جهات حكومية تدعم ريادة الأعمال و الابتكار.

عبدالصادق: انتظام طلاب جامعة القاهرة الأهلية بالمعامل والوحداتتعرف على القطاعات الأكثر استهدافاً من قبل مجموعات التهديدات الإلكترونية في المنطقة


وتأتي هذه الفعالية في إطار رؤية مصر 2030، وحرص الجامعة على تعزيز التعاون والشراكات مع مؤسسات الدولة والقطاع الصناعي، ودعم جهود الدولة في توطين الصناعة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، من خلال إبراز دور الجامعة كجسر للتواصل بين البحث العلمي والابتكار من جهة، واحتياجات السوق والصناعة من جهة أخرى.
وبإشراف وتنفيذ د. محمد مجدي مدير مركز الابتكار وريادة الأعمال.

كما يدعو مركز الابتكار وريادة الأعمال جميع الطلاب والباحثين و الخيريجين المهتمين بعرض مشاريعهم التطبيقية للمشاركة في اليوم من خلال الرابط التالي:
https://forms.office.com/r/P1QHcMgA35 
وللاستفادة وحضور الجلسات المقدمة من كبرى الشركات في شتى المجالات لجميع منتسبى الجامعة من خلال الرابط التالي:
https://forms.office.com/r/WZY55iMiAM 
وتهدف الفعالية إلى:
•    عرض المشروعات التطبيقية القابلة للتنفيذ التي يقدمها الطلاب والباحثون وأعضاء هيئة التدريس والخريجون، بما يتيح لها فرص جذب الدعم أو التمويل والتشبيك مع الشركاء الصناعيين.
•    تمكين الشركات من الاطلاع على مشروعات الطلاب والباحثين كوسيلة عملية للتعرف على الكفاءات والمهارات المتميزة المتاحة.
•    التمرس على عرض المشاريع والأفكار في وقت محدد، مع تنمية مهارات الإقناع، وبناء القدرة على تقبّل النقد البنّاء وتوظيفه للتطوير.
•    إحداث نقلة نوعية في فكر الطلاب نحو تبنّي وتنفيذ مشروعات مبتكرة ذات جدوى اقتصادية عالية وتطبيقات عملية مباشرة، ترتبط بمتطلبات السوق والصناعة بشكل واقعي وفعّال.
•    عرض خدمات الجامعة في مجال البحث والتطوير أمام الشركات المشاركة، بما يعكس قدراتها البحثية والابتكارية ويجذب فرص تعاون جديدة.
وتؤكد جامعة عين شمس أن هذا الحدث يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز دور الجامعة كمحرك أساسي للتنمية الصناعية والاقتصادية.

طباعة شارك مركز الابتكار وريادة الأعمال جامعة عين شمس صُنع في جامعة عين شمس

مقالات مشابهة

  • تعدي ولي أمر بالسب والضرب على مدير ووكيل ومعلم داخل مدرسة بأسيوط
  • معلمون مبدعون.. ندوة بمعرض دمنهور للكتاب تحتفي بإبداعات معلمي البحيرة الأدبية
  • تعدي ولى أمر بالسب والضرب على مدير ووكيل ومعلم داخل مدرسة بأسيوط.. والنقابة تحرر محضرا بالواقعة
  • عبد السلام فاروق يكتب: المعلم.. من السبورة إلى فضاءات الميتافيرس !
  • نزل ضرب في الكل.. ولي أمر يعتدي على 3 مدرسين بأسيوط
  • الأهلي يساند «المعلم».. زيارة من لاعبي الأحمر لحسن شحاتة بعد وعكته الصحية
  • أمهات مصر: الأسرة والمدرسة شركاء في مواجهة العنف بين الطلاب
  • مركز الابتكار وريادة الأعمال يطلق فعالية صُنع في جامعة عين شمس
  • رابط استخراج صحيفة أحوال المعلم 2025-2026 بالرقم القومي
  • استشاري: الروبوت من أحدث التقنيات المستخدمة في جراحات استبدال المفاصل