خالد بن حمد الرواحي **

 

في صباحٍ عادي، يقصد مواطن مؤسسة حكومية لإنجاز معاملة، لكنه يُفاجأ بأن المسؤول في "مهمة رسمية". يغادر محبطًا، فيما تبث الشاشات صور ذلك المسؤول وهو يرعى فعالية لا تمت لاختصاص مؤسسته بصلة؛ قاعات الاحتفالات تتلألأ بالأضواء، بينما مكاتب الخدمة تغرق تحت الملفات المؤجلة.

قد يراجع المواطن مؤسسة حكومية ثلاثة أيام متتالية، فلا يجد المسؤول في مكتبه؛ مرة في "مشاركة خارجية" وأخرى في "احتفال بروتوكولي".

والنتيجة؟ ملفات معلّقة، ومواطن يخرج أكثر ضجرًا كل يوم.

لقد أصبحت أجندة بعض المسؤولين مزدحمة بالاحتفالات والمؤتمرات والندوات، حتى بات المواطن يلمس غيابهم المتكرر عن مؤسساتهم. وفي أحيان كثيرة، تُشارك بعض الجهات في فعاليات لا تمت لاختصاصاتها بصلة مباشرة، فتتحول المشاركة إلى استعراض احتفالي أكثر من كونها حاجة مهنية. والنتيجة أن المال يُنفق، والوقت يُستهلك، بينما معاملات الناس تُؤجَّل، ومتابعة العمل الداخلي تضعف، وينعكس ذلك سلبًا على كفاءة المؤسسة.

وإذا كان الحضور في الفعاليات يستهلك وقت المسؤول، فإنَّ الحرص على الظهور الإعلامي أضاف بُعدًا آخر للمشكلة. ومن اللافت أن بعض المسؤولين بات شغله الشاغل متابعة الكاميرات أكثر من متابعة الملفات في مؤسسته. ولا شك أن التواصل الإعلامي مهم لإبراز الجهود، لكن الخطورة تبدأ حين يتحول إلى غاية بحد ذاته بدل أن يكون وسيلة داعمة للعمل المؤسسي. وهكذا يترسخ لدى الناس انطباع بأن القيمة تُقاس بعدد الصور والتصريحات، لا بما يتحقق من إنجاز ملموس يلمسه المواطن في حياته اليومية، ويُسهم في رفعة الوطن.

وبالتوازي مع هذا الاهتمام المفرط بالشكل، برزت ظاهرة أخرى لا تقل غرابة: توقيع مذكرات التفاهم والاتفاقيات بين جهات حكومية تعمل جميعها ضمن الجهاز الإداري للدولة. وهذه الاتفاقيات غالبًا ما تتعلق باختصاصات مقررة لها أصلًا بموجب القوانين واللوائح. ورغم ما قد تحمله من نوايا حسنة للتنسيق، إلا أن تكرارها في مهام واضحة قانونًا يثير تساؤلًا منطقيًا: ما الجدوى الحقيقية منها؟

كما يتكرر المشهد في احتفالات بعض الجهات الحكومية بإطلاق مبادرات أو حملات هي في الأصل جزء من اختصاصاتها اليومية. وهكذا يتحول الواجب المؤسسي العادي إلى مناسبة شكلية تُهدر المال والوقت، بينما الأولى أن يُوجَّه الجهد نحو التنفيذ الفعلي وقياس أثره المباشر في حياة الناس.

وتُضاف إلى ذلك كثرة المهمات الرسمية، داخلية كانت أو خارجية، التي يشارك فيها وفود كبيرة يتجاوز عددها أحيانًا ما تقتضيه الحاجة. ولا خلاف على أن بعض هذه المهمات قد تفتح آفاقًا للتعاون وتبادل الخبرات، لكن المبالغة في حجم الوفود أو تكرار السفر بلا نتائج ملموسة تُرهق الموازنة العامة، وتتناقض مع مبدأ ترشيد الإنفاق والوقت معًا.

وإلى جانب ذلك، تبرز ملاحظة أخرى لا تقل أهمية: فبعض الوفود الخارجية تضم مشاركين لا يرتبط اختصاصهم مباشرة بموضوع المؤتمر، فيما تتكرر الأسماء ذاتها في أغلب المهمات. مثل هذه الممارسات تُضعف جدوى المشاركة، وتحوّلها إلى فرصة شكلية أكثر من كونها قيمة حقيقية للجهة أو للوطن.

وهنا يبرز تساؤل مشروع: هل تقوم الجهات المختصة بمتابعة نتائج هذه الفعاليات والمشاركات، وقياس أثرها الحقيقي على بيئة العمل ورفع مستوى جودة الأداء داخل الجهات المشاركة؟ إن غياب التقييم والتحقق من المردود العملي يجعل كثيرًا من هذه الأنشطة أقرب إلى إجراءات شكلية لا تحقق الغاية المرجوة منها.

إن هيبة المسؤول لا تُقاس بعدد الاحتفالات التي يرعاها، ولا بعدد المهمات التي يشارك فيها، بل تُقاس بما ينجزه داخل مؤسسته من أعمال تخدم المواطن وتُحسّن الأداء العام. والغاية ليست إلغاء هذه الأنشطة أو التقليل من قيمتها، بل تنظيمها وتوجيهها بما يضمن أن تبقى وسيلة داعمة للعمل المؤسسي، وليست عبئًا عليه، وبما يحقق في النهاية تطلعات المواطن، ويُعزز مكانة الوطن.

ولعل أعظم صورة يتركها المسؤول ليست تلك التي تلتقطها الكاميرات، بل إنجاز يلمسه المواطن في حياته اليومية. فالمناصب زائلة، لكن الأثر في حياة الناس هو البصمة التي تبقى ولا تزول.

** باحث متخصص في التطوير الإداري والمالي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

توعية 200 امرأة من كوادر المكاتب التنفيذية في ذمار حول السلامة الرقمية

الثورة نت /..

نظّم فرع اللجنة الوطنية للمرأة بمحافظة ذمار، اليوم، ورشة توعوية حول السلامة الرقمية والمخاطر المصاحبة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بالتنسيق مع المؤسسة العامة للاتصالات

هدفت الورشة، التي أقيمت بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة المسلمة، إلى تعزيز الوعي الرقمي والهوية الإيمانية لدى 200 امرأة من كوادر مكاتب التربية والصحة وعدد من المكاتب التنفيذية.

وأوضحت رئيسة فرع اللجنة الوطنية للمرأة بالمحافظة، الدكتورة أشواق المهدي، أن الورشة هدفت إلى توعية المرأة بأساليب العدو في التضليل والخداع، ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعي، ورفع مستوى الوعي المجتمعي في ظل المتغيرات والأحداث الراهنة التي تستدعي توحيد الجهود لمواجهة التحديات الثقافية والفكرية.

وبيّنت أن الورشة تناولت عددًا من المحاور شملت التضليل وطرق مواجهته، والرؤية القرآنية لمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز الهوية الإيمانية والثقافة القرآنية والأخلاق الفاضلة اقتداءً بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، إلى جانب مفاهيم الوعي والسلامة الرقمية، والرؤية القانونية للسلامة الرقمية.

مقالات مشابهة

  • «الناس بتغلي وبتموت وأنت المسؤول».. إبراهيم فايق يفتح النار هاني أبو ريدة بعد خروج منتخب مصر من كأس العرب «فيديو»
  • دراسة: معظم الناس يثقون بالأطباء أكثر من الذكاء الاصطناعي
  • لقاء موسع بين الأهالي والمسؤولين في شمال الباطنة لتطوير الخدمات
  • إسرائيل تعلن فتح معبر الكرامة الأربعاء
  • “أصبحت أكثر تطورا”.. الصور يشدد على ضرورة التكاتف لمكافحة الجريمة
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • مدبولي يشهد فعاليات المؤتمر السنوي لممثلي المكاتب الإقليمية لمنظمة الأغذية
  • انطلاق دوري مراكز الشباب بإدارة بنها وسط منافسات قوية وحضور جماهيري
  • برعاية وحضور «السديس».. رئاسة الشؤون الدينية تحتفل باليوم العالمي للتطوّع
  • توعية 200 امرأة من كوادر المكاتب التنفيذية في ذمار حول السلامة الرقمية