ترسيخ ثقافة الأمانة الوظيفية.. ضرورة لا خيار
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
د. علي بن حمدان البلوشي
تُعد الأمانة الوظيفية أحد أهم القيم الأخلاقية والمهنية التي تقوم عليها المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء، فهي ليست مجرد التزام قانوني أو تنظيمي؛ بل هي أساس متين لتطوير الأداء المؤسسي وتعزيز الثقة بين العاملين والإدارة وبين المؤسسة والمجتمع. في عالم يتسم بسرعة التغيرات وتعدد التحديات، تصبح الأمانة الوظيفية حجر الزاوية الذي يضمن للمؤسسات استمراريتها وقدرتها على تحقيق أهدافها بكفاءة وشفافية.
الأمانة الوظيفية هي التزام الموظف بأداء مهامه ومسؤولياته بكل نزاهة وشفافية وصدق، بعيدا عن أي استغلال للوظيفة أو إساءة استخدام السلطة. وتشمل الأمانة المحافظة على أسرار العمل، الالتزام بساعات الدوام، الإنجاز الفعّال للمهام، الحرص على المال العام أو موارد المؤسسة، والتعامل مع الزملاء والعملاء بعدالة واحترام ويكن القول انها منظومة متكاملة من السلوكيات الأخلاقية والمهنية التي تعكس وعي الموظف بمسؤوليته تجاه نفسه ومؤسسته ومجتمعه.
الأمانة الوظيفية لا تنعكس فقط على سمعة الموظف؛ بل تُسهم في رفع كفاءة المؤسسة بشكل عام. فعلى سبيل المثال، الموظف الذي يتعامل مع الموارد المالية بدقة وشفافية يحمي المؤسسة من الهدر والفساد، والموظف الذي ينجز عمله في الوقت المحدد يسهم في تحسين مستوى الخدمات أو المنتجات؛ مما يعزز رضا العملاء وثقتهم. كذلك، الموظف الذي يحافظ على سرية المعلومات الاستراتيجية يحمي المؤسسة من المخاطر التنافسية.
تكمن أهمية الأمانة الوظيفية في أنها تبني ثقافة مؤسسية إيجابية قائمة على الثقة، وتقلل من النزاعات الداخلية، وتضمن التزام الجميع بالقوانين والأنظمة؛ مما ينعكس في النهاية على استدامة نجاح المؤسسة. أما نتائج الالتزام بالأمانة فهي واضحة في صورة مؤسسات قوية، تحظى بسمعة طيبة، وتستقطب الكفاءات وتحقق أهدافها بفعالية.
لا يقتصر تعزيز الأمانة الوظيفية على الموظفين فقط؛ بل يلعب القادة والإداريون دورًا محوريًا في ترسيخ هذا المبدأ من خلال القدوة الحسنة؛ حيث يُتوقع من القيادات أن تكون النموذج الأعلى في الالتزام بالقيم الأخلاقية. كما تقع على عاتقهم مسؤولية وضع سياسات واضحة لمكافحة الفساد الإداري، وتطبيق معايير الشفافية في التوظيف والترقيات، وتقدير الموظفين الملتزمين وتشجيعهم، إضافة إلى نشر ثقافة المساءلة التي تجعل الجميع على وعي بأن الأمانة ليست خيارًا؛ بل واجب.
في الختام.. يمكن القول إن الأمانة الوظيفية هي جوهر النجاح المؤسسي وأساس بناء مؤسسات قادرة على الاستمرار في مواجهة التحديات؛ فالشفافية والمسؤولية هما عنوان هذه الأمانة، وهما الضمانة الحقيقية لاستدامة المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء. ومن هنا، يصبح ترسيخ قيم الأمانة الوظيفية التزامًا جماعيًا يبدأ من القادة ويستمر مع كل موظف، ليصنع بيئة عمل صحية تعزز الثقة وتدفع نحو مستقبل أفضل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجوع خيار سياسي
الجوع ليس حالة طبيعية للبشرية، ولا مأساة لا مفر منها، بل هو نتيجة قرارات تتخذها الحكومات والأنظمة الاقتصادية التي اختارت أن تغض الطرف عن التفاوتات، بل أن تعززها أحيانا.
فالنظام العالمي نفسه الذي يحْرم 673 مليون إنسان من الوصول إلى غذاء كافٍ، هو الذي يمكّن مجموعة صغيرة من نحو 3 آلاف ملياردير من امتلاك 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في عام 2024، ساهمت أغنى الدول في أكبر زيادة في الإنفاق العسكري منذ نهاية الحرب الباردة، إذ بلغ هذا الانفاق 2.7 تريليون دولار. ومع ذلك، فشلت تلك الدول في الوفاء بالتزامها الخاص باستثمار 0.7% من ناتجها المحلي الإجمالي في إجراءات ملموسة لتعزيز التنمية في البلدان الفقيرة.
اليوم، نرى أوضاعا لا تختلف كثيرا عن تلك التي سادت قبل 80 عاما، عندما أُنشئت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). غير أننا، بخلاف ذلك الزمن، لا نواجه فقط مآسي الحرب والجوع التي تحل في زمن واحد، بل أيضا الأزمة المناخية الملحّة. كما أن النظام الدولي الذي أُقيم للتعامل مع تحديات عام 1945 لم يعد كافيا لمعالجة مشاكل عصرنا.
لذلك، يجب إصلاح آليات الحوكمة العالمية. نحن بحاجة إلى تعزيز التعددية، وإيجاد تدفقات استثمارية تعزز التنمية المستدامة، وضمان قدرة الدول على تنفيذ سياسات عامة متماسكة لمكافحة الجوع والفقر.
من الضروري أن تشمل الميزانيات العامة، الفقراء، وأن تشمل القاعدة الضريبية الأغنياء. وهذا يتطلب عدالة ضريبية وفرض ضرائب على الأثرياء ثراء فاحشا -وهي قضية نجحنا في إدراجها لأول مرة ضمن الإعلان الختامي لقمة مجموعة العشرين التي عُقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تحت رئاسة البرازيل. إنها خطوة رمزية، لكنها تغيّر تاريخي.
ندافع عن هذه الممارسة في العالم أجمع، ونطبّقها في البرازيل. فبرلماننا على وشك إقرار إصلاح ضريبي شامل، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد سيكون هناك حد أدنى من الضريبة على دخول الأفراد الأكثر ثراء، مع إعفاء الملايين من ذوي الدخل المنخفض من دفع ضريبة الدخل.
إعلانوخلال رئاستنا مجموعة العشرين، اقترحت البرازيل أيضا "التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر". ورغم حداثة هذه المبادرة، فقد انضم إليها بالفعل 200 عضو -بينهم 103 دول، و97 مؤسسة ومنظمة شريكة. هذه المبادرة لا تقتصر على تبادل الخبرات، بل تهدف إلى تعبئة الموارد وضمان الالتزامات.
من خلال هذا التحالف، نريد تمكين الدول من تنفيذ سياسات عامة تُحدث بالفعل خفضا في التفاوت، وتكفل الحق في الغذاء الكافي. سياسات تحقق نتائج سريعة، كما شهدنا في البرازيل عندما جعلنا مكافحة الجوع أولوية حكومية في عام 2023.
فقد أظهرت البيانات الرسمية التي صدرت قبل أيام قليلة أننا أخرجنا 26.5 مليون برازيلي من دائرة الجوع منذ بداية عام 2023. كما أُزيل اسم البرازيل، للمرة الثانية، من "خريطة الجوع" التابعة لمنظمة الفاو، كما ورد في تقريرها العالمي حول انعدام الأمن الغذائي. وهي خريطة ما كنا لنعود إليها لولا التخلي عن السياسات التي أُطلقت خلال فترتي الرئاسة الأولى الخاصة بي (2003-2010) والثانية فترة الرئيسة ديلما روسيف (2011-2016).
وراء هذه الإنجازات تقف مجموعة من الإجراءات المنسّقة على جبهات متعددة. فقد عززنا ووسعنا برنامج التحويلات النقدية الوطنية، الذي أصبح الآن يغطي 20 مليون أسرة ويدعم 8.5 ملايين طفل دون سن السادسة.
كما زدنا التمويل المخصص للوجبات المجانية في المدارس الحكومية، ليستفيد منها 40 مليون طالب. ومن خلال الشراء العام للغذاء، ضمنا دخلا مستداما لصغار المزارعين، وقدمنا وجبات مغذية مجانية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها. وإضافة إلى ذلك، وسّعنا نطاق توفير الغاز والكهرباء مجانا للأسر منخفضة الدخل، مما أتاح لها مساحة أكبر في ميزانياتها لتعزيز أمنها الغذائي.
ومع ذلك، فإن أيا من هذه السياسات لا يمكن أن يستمر من دون بيئة اقتصادية تدعمه. فعندما تتوافر الوظائف والدخل، يفقد الجوع قبضته.
ولهذا اعتمدنا سياسة اقتصادية تضع زيادة الأجور في المقدمة، ما أدى إلى تسجيل أدنى معدل بطالة في تاريخ البرازيل، وإلى أدنى مستوى من التفاوت في متوسط الدخل الأسري للفرد.
ولا تزال أمام البرازيل مسافة طويلة لبلوغ الأمن الغذائي الكامل لجميع سكانها، لكن النتائج تؤكد أن العمل الحكومي يمكنه فعلا أن يهزم آفة الجوع.
غير أن هذه المبادرات تعتمد على تحولات ملموسة في الأولويات العالمية: الاستثمار في التنمية بدلا من الحروب، وإعطاء الأولوية لمكافحة التفاوت بدلا من السياسات الاقتصادية الانكماشية التي تسببت لعقود في تركز الثروة، ومواجهة التحدي المناخي بوضع الإنسان في صميم الحلول.
وباستضافتها مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) في الأمازون الشهر المقبل، تسعى البرازيل إلى إظهار أن مكافحة تغير المناخ ومكافحة الجوع يجب أن تسيرا جنبا إلى جنب. ففي مدينة بيليم، نهدف إلى اعتماد "إعلان حول الجوع والفقر والمناخ"، يعترف بالتأثيرات المتباينة كثيرا لتغير المناخ، وبالدور الذي يلعبه هذا التغير في تفاقم الجوع في بعض مناطق العالم.
سأنقل هذه الرسائل أيضا إلى "منتدى الأغذية العالمي" وإلى اجتماع "مجلس أبطال التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر"، وهما حدثان يشرفني حضورُهما يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
إعلانإنها رسائل تؤكد أن التغيير أمر عاجل- وممكن. فالبشرية، التي خلقت سمّ الجوع بنفسها، قادرة أيضا على إنتاج ترياقه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline