على عكس ما يتصوَّر البعض في منطقتنا، وتروِّج بعض وسائل الإعلام، لَمْ تأتِ إقالة وزيرة داخليَّة بريطانيا سويلا بريفرمان من منصبها نتيجة تصريحاتها ضدَّ المتظاهرين الدَّاعين لوقف الحرب في غزَّة. فموقفها هذا لا يختلف عن موقف رئيس الوزراء ريشي سوناك ولا موقف وزير الخارجيَّة السَّابق الَّذي حلَّ محلَّها في الداخليَّة جيمس كليفرلي.
أيَّا كان السَّبب المباشر الَّذي اتَّخذه رئيس الوزراء ذريعة للتخلُّص من شخصيَّة مثيرة للجدل والشِّقاق، فقَدْ كان ريشي سوناك يعمل على تعديل وزاري من قَبل ذلك بأسابيع، وفي القلب مِنْه التخلُّص من بريفرمان ووزيرة البيئة تيريزا كوفي. إذ يعدُّ هؤلاء والبعض غيرهم مفروضين عَلَيْه لمواءمات حزبيَّة حين اختاره نوَّاب حزب المحافِظين، دُونَ حتَّى انتخابات بَيْنَ أعضاء الحزب الحاكِم العامَّ الماضي لخلافة سلَفِه ليز تراس الَّتي لَمْ تمضِ في الحكم أكثر من ستَّة أسابيع. كانت ليز تراس أيضًا ضمَّت بريفرمان لحكومتها قصيرة الأجل كوزيرة للداخليَّة بعدما نافستها على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة خلفًا لبوريس جونسون، ورفضت بريفرمان التنازل عن الترشُّح لكنَّها خسرت سباق الزعامة أمام تراس. إلَّا أنَّ تراس، في مواءمة مع الجناح اليميني المُتشدِّد في الحزب، ضمَّتها لفريقها. وقَبل استقالتها بأيَّام أقالتها من الحكومة لانتهاكها مدوَّنة السلوك الوزاري، لكنَّ سوناك أعادها للوزارة بعد تولِّيه السُّلطة. وحتَّى من قَبل تصريحاتها الأخيرة، هناك تسريبات بأنَّها تنوي تجميع ما يكفي من النوَّاب لسحْبِ الثِّقة من سوناك ومعاودة المنافسة على رئاسة الحزب والحكومة قَبل الانتخابات.
أمَّا ضمُّ سوناك لرئيس الوزراء السَّابق ديفيد كاميرون لحكومته وزيرًا للخارجيَّة فالهدف مِنْه ممالأة تيار يمين الوسط في الحزب كَيْ يضْمَنَ رئيس الحكومة ما يكفي من الدَّعم لقيادته الحزب في انتخابات مايو القادم. كُلُّ تلك المناورات تتعلق بالسِّياسة الداخليَّة، ولا تعني أيَّ تغيير في مواقف بريطانيا فيما يتعلق بالسِّياسة الخارجيَّة. وهي مناورات تعكس الشِّقاق والخلافات في حزب المحافِظين الحاكِم والَّتي تزداد حدَّة مع اقتراب الانتخابات، وما يبدو من استطلاعات الرأي أنَّ الحزب الَّذي بقِيَ في الحُكم لعَقْدٍ ونصف العَقْد من الزمن يفقد ثقة الناخبين ويُمكِن أن يُمنَى بهزيمة واضحة أمام أحزاب المعارضة. والواقع أنَّ السِّياسة البريطانيَّة تعاني من التَّدهور السَّريع والمستمر منذ استفتاء الخروج من الاتِّحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016. ولا يقتصر ذلك على حزب المحافِظين الحاكِم، وإنَّما يطول أيضًا حزب المعارضة الرئيسي، حزب العمَّال، الَّذي كان متقدِّمًا جدًّا في أوساط الناخبين قَبل إقالة زعيمه السَّابق جيريمي كوربين بتهمة عدم تصدِّيه لانتشار انتقاد «إسرائيل» في الحزب. وتآمر بقايا أنصار توني بلير مع «رجل المؤسَّسة» كيير ستارمر للإطاحة بكوربين. وزادت انشقاقات حزب العمَّال في ظلِّ زعامة ستارمر، الَّذي قاد الحزب نَحْوَ اليمين بعيدًا عن قاعدته العمَّاليَّة واليساريَّة التقليديَّة. ورغم أنَّ استطلاعات الرأي تُظهر تقدُّم العمَّال على المحافِظين ببضع نقاط، إلَّا أنَّ مواقف ستارمر الَّتي يزايد فيها أحيانًا على المحافِظين واليمين السِّياسي تفقد الحزب قدرًا كبيرًا من قاعدته الانتخابيَّة.
صحيح أنَّ الحزب الثالث في المشهد السِّياسي البريطاني، وهو حزب الليبراليِّين الديموقراطيِّين، لا يشهد تلك الانقسامات والمشاكل الداخليَّة الَّتي يشهدها المحافظون والعمَّال، لكنَّه مهما كانت حظوظه الانتخابيَّة العام القادم فلَنْ تمكِّنَه من الحصول على أيِّ أغلبيَّة ولا حتَّى نسبيَّة. والأرجح في ظلِّ بؤس السِّياسة البريطانيَّة ألَّا تسفر انتخابات مايو عن أغلبيَّة واضحة لأيِّ حزب، وإنَّما عمَّا يُسمَّى «برلمان معلَّق» يحتاج فيه أحَد الحزبَيْنِ الرئيسيَّيْنِ للتحالف مع أحزاب صغيرة لضمان أغلبيَّة كافية لِتشكيلِ حكومة. وعلى مدى تاريخ بريطانيا المعاصر لَمْ تثبت الحكومات الائتلافيَّة قدرتها على قيادة البلاد بشكلٍ جيِّد. وفي الأغلب الأعمِّ تزيد من مشكلات الحكومة وتقود من بؤس سياسي إلى تدهور أكبر. وربَّما يكُونُ بؤس السِّياسة، ممثلة في الأحزاب، انعكاسًا لبؤس عامٍّ في بريطانيا ككُلٍّ يتمثل في تدهور مستوى المعيشة فيها مقارنةً مع نظرائها من الدوَل الَّتي تُوصَف بأنَّها «متقدِّمة». ويكفي أن تعبرَ القنال الإنجليزي لِتشعرَ على الفور بالفارق بَيْنَ مستوى الخدمات وكلفة المعيشة وغيرها من مظاهر الحياة. لكن طبعًا يظلُّ «الصَّلف الامبراطوري» يطغى على أعيُن الناظرين فيرون أنفُسَهم أفضل من الآخرين على عكس ما هو الحال في الحقيقة. وما ذلك إلَّا تعبير آخر عن البؤس البريطاني العامِّ وليس بؤس السِّياسة فحسب. ولا يتوقع أن ينتهيَ ذلك قريبًا في ظلِّ تردِّي الاقتصاد وانشقاقات وخلافات الأحزاب وفقدان النَّاس الثِّقة في النخبة والمؤسَّسة بشكلٍ عامٍّ.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
[email protected]
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: بؤس الس
إقرأ أيضاً:
مؤسسة قفز الحواجز البريطانية تمنح فاطمة بنت هزاع جائزة تقديرية
منحت مؤسسة قفز الحواجز البريطانية، الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان، رئيسة مجلس إدارة أكاديمية فاطمة بنت مبارك للرياضة النسائية، رئيسة نادي أبوظبي للسيدات، ونادي العين للسيدات، مالك ومؤسس إسطبلات الشراع، جائزة تقديرية مرموقة، نظراً لدورها الاستثنائي والبارز في دعم وتطوير رياضة قفز الحواجز في المملكة المتحدة.
وقدم مديرا مضمار هيكستيد ليزي وإدوارد بن، الجائزة، التي تسلمها نيابة عن الشيخة فاطمة بنت هزاع، محمد أحمد الحربي، ممثل الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان، وخولة النعيمي، رئيسة قسم البروتوكول في مكتب الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان.
وتم تقديم الجائزة في مضمار هيكستيد، أحد أعرق وأشهر مضامير الفروسية في العالم، وذلك على هامش بطولة "كينغ جورج غولد كب" فئة الخمس نجوم، والتي أصبحت جزءاً من بطولة الشراع الدولية لقفز الحواجز، بمشاركة فارسي الإمارات عمر عبدالعزيز المرزوقي، وعبدالله المري.
وتعد الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان، من أبرز الداعمين لتطوير رياضة الفروسية في دولة الإمارات وعلى المستوى الدولي، ومربية خيول كبيرة في المملكة المتحدة، إضافة إلى دورها المؤثر والملموس في تطوير فرسان الإمارات، وتمكينهم من التنافسية العالمية.
كما يعزز دعمها جهود تحسين إنتاج الخيول البريطانية، بتطوير سلالات الفحول، ودعم سجل الخيول الأنجلو أوروبية، وتعليم وتدريب الخيول الصغيرة، حيث أصبحت مؤسسة الشراع قوة محركة في ساحة قفز الحواجز الدولية، من خلال رعاية المواهب الشابة، ودعم البطولات العالمية، وتعزيز الشراكات الفاعلة داخل مجتمع الفروسية الدولي.
أخبار ذات صلةوقالت الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان: "نفتخر كثيراً بأن يتم تقدير جهودنا من قبل مؤسسة قفز الحواجز البريطانية، ولطالما كانت مهمتنا في الشراع هي الارتقاء بالرياضة، ودعم الفرسان في الوصول إلى أقصى إمكاناتهم، أينما كانوا في العالم".
وشكل هذا العام محطة بارزة في مسيرة بطولة الشراع، مع انضمام بطولة " كينغ جورج غولد كب" لقفز الحواجز فئة الخمس نجوم التاريخية إلى برنامجها في هيكستيد، إذ تعد واحدة من أعرق البطولات الكبرى في العالم، وهي "جوهرة تاج" رزنامة قفز الحواجز البريطانية، وأقيمت لأول مرة في عام 1911، ويمثل إدراجها ضمن بطولة الشراع دليلاً على المكانة العالمية المتزايدة، ورؤية الشراع في تبني البرامج الداعمة للتميز والتنافسية في الرياضة.
من جانب آخر، حقق فريق الشراع لقفز الحواجز نتائج مميزة في البطولة، حيث أحرز الفارس عمر المرزوقي المركز الثاني على صهوة "إنجوي دي لا مور" بزمن تنافسي بعد جولة مزدوجة دون أخطاء، متأخرًا بـ 0.86 ثانية فقط عن المتصدر، كما حصد الفارس عبدالله المري المركز السادس على صهوة "بي بي إس ماكغريغور"، ما يؤكد القيمة الكبيرة للمواهب الموجودة في إسطبلات الشراع.
وعادت جولة الشراع إلى هيكستيد ببطولة الشراع للخيول الصغيرة، وهي محطة رئيسية في تطوير نجوم المستقبل، قبل أن تتوجه إلى محطة “تورنير دير زييغر”بألمانيا ضمن فئة الأربع نجوم، خلال الفترة من 21 إلى 24 أغسطس القادم.
المصدر: وام